Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رفاهية العاملين "روح" شركات المستقبل

سوق تسلية الموظفين ارتفعت إلى 20 مليار دولار بالولايات المتحدة عام 2021

الشرط الأول لنجاح شركات المستقبل هو تحويل العمل من كونه سببا للإجهاد الجسدي والنفسي لمكان يحقق رفاهية الموظفين (أ ف ب)

ملخص

شركات كثيرة بدأت تغير نظم العمل القديمة فيها وباتت الجوائز والمكافآت المالية الإضافية وتقديم زيادات على الرواتب من أسس تحقيق رفاهية عمال وموظفي المستقبل.

انتهى عالم الأعمال والوظائف إلى الإقرار بأن الموظفين المرفهين الذين يحبون عملهم هم شريان حياة المؤسسة وضمان استمراريتها. هذه الحقيقة باتت قاعدة ثابتة دفعت الشركات الكبرى والصغرى والمؤسسات والمصانع وكل مرافق العمل التي تعتمد على اليد العاملة البشرية إلى إعادة التفكير تماماً في كيفية اكتشاف مواهب الموظفين وتنميتها والحفاظ عليها وإدارتها بما يكفل رضى العامل وإخلاصه للعمل، وحسن سير أعمال صاحب العمل وإقراره بحاجات لعمال والموظفين الحياتية والنفسية والجسدية داخل المؤسسة أو الشركة وخارجها في المجتمع المحلية التي يعيش فيها العمال.

هذه الشراكة العضوية بين إدارة الشركة والموظفين تقوم على ضمان مصالح الفريقين، وتؤدي إلى كسر جمود التسلسل الهرمي الإداري والفوقية ووقف إسقاط الأوامر من الأعلى وتقييد تعديل القوانين والشروط والعقوبات بحسب رغبة الإدارة، وستسمح للإدارة بالتفاعل مع حاجات العامل وهمومه الحياتية في مجتمعه وبين أفراد عائلته خارج العمل.

علاقات جديدة بدأت شركات كبرى وصغرى حول العالم بالسير وفقها، بل وتعتبر الشرط الأول لنجاح شركات المستقبل وتحويل العمل من كونه سبباً للإجهاد الجسدي والنفسي، إلى مكان يحقق رفاهية موظفي وعمال الحقبة المقبلة حول العالم.

نظم جديدة

ارتفعت خلال العقد الأول من القرن الحالي مطالب نقابات العمال في معظم أنحاء العالم بتخفيض ساعات العمل خلال النهار إلى أربع ساعات، وتخفيض عدد أيام العمل في الأسبوع إلى أربعة أيام، لمنح الموظفين والعمال فرصة ممارسة حياة طبيعية في مجتمعاتهم وبيئاتهم المحلية والاهتمام بعائلاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، واعتماد نشاطات التسلية واللقاءات والرياضات المختلفة ووسائل الترفيه لتمكين العمال من تقديم جهد نوعي أكبر والتعبير عن رضاهم الذي يزيد إنتاجيتهم ومساعدتهم على تحصيل طاقة كافية لأسبوع جديد من العمل.

وبالفعل بدأت شركات كثيرة تغيير نظم العمل القديمة فيها، وباتت الجوائز والمكافآت المالية الإضافية وتقديم زيادات على الرواتب من أسس تحقيق رفاهية عمال وموظفي المستقبل. إلا أن إقرار الحكومة الفرنسية رفع سن التقاعد إلى 64 عاماً رغم الاعتراضات الشاملة التي واجهت هذا القرار في الشارع يعتبر استثناء على التوجهات العالمية في بناء روح الشركات المستقبلية على أسس الرفاهية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ترى نقابات العمال الفاعلة في الدول الديمقراطية والليبرالية أن تأمين الرفاهية في العمل لا تفيد العمال وحدهم بل وتجدد علاقاتهم بعائلاتهم الضيقة والموسعة، وتسمح لهم بممارسة هواياتهم والسفر واستعادة الاندماج الاجتماعي الذي كادت ساعات العمل الطويلة والمضنية والإجبارية أن تسحقه منذ أواسط القرن الـ20 في ظروف العمل الوظيفية والمكتبية التي مجدت الالتزام بالقواعد التنظيمية المشددة.

وأطلق فلاسفة "مدرسة فرانكفورت" كأريك فروم وهربرت ماركيوز في ستينيات القرن الـ20 اسم "تشيئ الإنسان" أو "الإنسان ذو البعد الواحد" على معاملة العمال في المصانع والموظفين في القطاع الخاص الخاضعين لسلطة أرباب العمل المطلقة، وكذلك على موظفي القطاع الحكومي الذين أرسوا نظم بيروقراطية شديدة التعقيد في الإدارات العامة جعلت الوظيفة الحكومية أقرب إلى البطالة المقنعة في معظم أنحاء العالم، تستنفد الوقت والجهد وأعداد الموظفين لتحقيق نتائج طفيفة وغير متناسبة الحجم.

منذ بدايات القرن الحالي توافقت مجالس الإدارات على أن العمل المرهق لوقت طويل لا يحقق إنتاجاً أكثر من العمل بساعات وجهد أقل كما يعتقد. وأكدت البيانات الإحصائية والاستطلاعات والأرقام صحة هذا الافتراض.

وجدت أقسام علم النفس والاجتماع التي تدرس وتقارب مجتمعات العمال والهرميات الإدارية والسلطات الوظيفية، أن رفاهية الموظفين والعمال والتسرية عنهم نفسياً وتقوية العلاقات الاجتماعية داخل العمل وخارجه، يعود بالفائدة على المجتمع بأكمله، والعوائد المعنوية والنفسية أعلى بكثير من المادية، وأسهم أيضاً في الحد من مصاريف الرعاية النفسية للعمال والموظفين الذين يصابون بالإجهاد والاكتئاب بسبب ظروف العمل غير المريحة، التي لم تأخذ في الحسبان راحة العمال في الأساس.

الحياة التي تجري في مكان آخر تجري أيضاً بنفس الطريقة داخل أطر المؤسسات، باتت هذه المقولة منارة الشركات المستقبلية لجعل العلاقات بين العاملين بمختلف مراتبهم وصفاتهم غير مقيدة كما هي الحال في العلاقات الاجتماعية الدائرة خارج أطر العمل، ولا يعود الذهاب إلى العمل سبباً لليأس أو الشعور بالحبس والحجز، بل على العكس قد تزيد رفاهية العمال من رغبتهم في الوجود في مراكزهم لرفع قدراتهم الإنتاجية.

العمل عن بعد

عرضت صحيفة "هارفرد بيزنس ريفيو" خطط واستطلاعات شركة Citrix التي جرت على مدى عام لفهم مواقف وآراء مديري الموارد البشرية في ما يتعلق بالقوى العاملة وقواعد العمل في الشركات المستقبلية.

وأعلن 88 في المئة من المشاركين أنهم يحاولون إيجاد وظائف جديدة توفر مرونة كاملة في ساعات عملهم. وقرر 76 في المئة منهم أنهم سيعطون الأولوية لنمط الحياة والأسرة والمصالح الشخصية، وسيسعون إلى الحصول على وظائف قريبة من منازلهم.

رأى معظم العمال أنه حان وقت الانقلاب على الاعتقاد أن العمل الحقيقي لا يمكن إنجازه من خارج المكتب، فقد فقدت مبرراتها القديمة خصوصاً بعد التغيير الكبير في نوعية الأعمال الجديدة عبر شبكة الإنترنت، وبعد تجربة العمل عن بعد خلال جائحة كورونا. 75 في المئة من العمال (عينة الاستطلاع) قالوا إنهم يفضلون العمل في شركة تعطي الأولوية لنوعية النتائج التي يقدمها الموظفون لا كمية الإنتاج.

انقسمت آراء مديري أقسام الموارد البشرية في الشركات حول مطالب العمال، فرأى نصفهم تقريباً أن شركاتهم ستكون أكثر إنتاجية إذا شعر الموظفون أن صاحب العمل أو الإدارة العليا يثقون بهم لإنجاز المطلوب من دون إجبارهم عليه ومراقبتهم وتطويقهم بقواعد ملزمة قد يخضع مخالفها للعقاب.

أما النصف الآخر من المديرين فقد أصروا على النظرية القديمة في عالم الأعمال، التي ترى أن ترك الأمور على غاربها بين الإدارة والموظفين على أساس أنها تحقيق لرفاهية العمل والعمال، لن تؤدي إلا إلى مزيد من تدهور الشركة وتدني إنتاجيتها.

يقول نائب الرئيس التنفيذي لقسم استراتيجية الأعمال في "Citrix" تيم ميناهان، إن الدراسة استنتجت خلاصات مفادها أن الطريقة القديمة التي ينظر بها الموظفون ومديروهم إلى العمل ستنتهي إلى الأبد، وأنه على الشركات المستقبلية تبني قواعد عمل مرنة وتدريب قوة عاملة يمكنها تصميم الحياة المهنية الخاصة بها وجعل الأجواء مريحة بما يناسب العاملين، على أن يترافق ذلك مع تحفيز الموظفين بالزيادات على الرواتب والمنح والتدريب لرفاهية الموظفين وحماية صحتهم النفسية والجسدية.

سوق رفاهية الموظفين

ما بين هذا وذاك باتت رفاهية الموظفين والعمال أولوية في أنظمة الشركات الجديدة. وبسبب ارتفاع الطلب على خدمات شركات الرفاهية تضخم "سوق رفاهية الموظفين" إلى ما يقارب 20 مليار دولار في الولايات المتحدة عام 2021، ومن المتوقع أن ينمو إلى 87.4 مليار دولار بحلول عام 2026.

وتدخل في هذه السوق جلسات الاستشارة النفسية والطبية، ولقاءات التسلية والترفيه والرحلات والرياضة، وكذلك تدريب المديرين على التعاطف مع موظفيهم من أجل بناء ثقافة الرفاهية الشاملة، بما في ذلك الجسدية والعاطفية والمالية والاجتماعية والمهنية والمجتمعية، والمساعدة في تحديد الأهداف الشخصية المستقبلية، ومساعدة الموظف ودفعه إلى تحقيقها من دون اللجوء إلى مفاهيم المنافسة أو بذل جهود إضافية أو تمضية ساعات إضافية في العمل.

ويلفت مستشار "فوربس" العالمية بايمي دانيس في كتابه "الركائز السبع لرفاهية الموظف الشاملة"، الانتباه إلى أهمية الاهتمام الشامل بالصحة البدنية والتحديات الحركية والرياضات الترفيهية في مكان العمل، والسماح بالنوم للعمال وتلبية خياراتهم من لوائح الطعام ومراقبة ماذا ومتى يأكلون، وتقصير وقت الاجتماعات والسماح بالوقوف والسير خلالها.

يقول جين فيشر مؤلف كتاب "العمل معاً بشكل أفضل" وكبير مسؤولي قسم "الرفاهية" في عدد من الشركات العابرة للجنسيات، إن بناء علاقات قوية في مكان العمل يحد بشدة من الشعور بالوحدة والقلق والاكتئاب بين العمال، ناصحاً بأن تتعدى سلطة الشركات على حاجات موظفيها الجدران المكتبية إلى منازلهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم الصغيرة، من أجل إثراء روح الجماعة وتشكيل مجتمع محلي صغير داخل الشركات.

المزيد من منوعات