Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ينظر الغرب إلى تمرد "فاغنر" وتأثيره على روسيا وحرب أوكرانيا

مكانة بوتين تضررت لكنه قد يستفيد إذا كان يعتزم تسوية الحرب مستقبلاً

ملخص

تكتفي مراكز صنع القرار في واشنطن بمراقبة وتحليل ما يحدث في روسيا وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على أمن أوروبا والحرب في أوكرانيا

راقبت واشنطن والغرب التطورات السريعة للوضع في روسيا عن كثب من دون الإفصاح عن أي شيء علني يمكن أن يعطي الرئيس فلاديمير بوتين سبباً لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة أو الحلفاء الغربيين في الاضطرابات، لكن في حين اعتبر المسؤولون الأميركيون أن التمرد الذي قاده زعيم ومؤسس مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين، أضعف مكانة بوتين وأحدث حالة من عدم اليقين حول المستقبل وفي تعاملات واشنطن مع موسكو، إلا أن عديداً من الأسئلة لا تزال مطروحة عن الأسباب التي دفعت بريغوجين إلى هذا التصعيد ثم الانسحاب فجأة وقبول الكرملين بانتقاله إلى بيلاروس من دون محاسبة، وكيف سينعكس كل ذلك على مستقبل الحرب في أوكرانيا؟

الضرر وقع

لا ترغب أميركا في الانحياز لأي طرف في النزاع الحاصل في روسيا، ولهذا أجلت بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" فرض عقوبات جديدة كانت تعتزم فرضها على جماعة "فاغنر" حتى لا يبدو أنها تنحاز إلى جانب الرئيس الروسي، على الرغم من أن الولايات المتحدة تعتقد أن شركة الإنترنت التي أسسها مؤسس "فاغنر" وقائدها في سان بطرسبرغ استهدفت أميركا وتدخلت في الانتخابات الأميركية في عام 2016، وفق ما تقوله عديد من الدوائر السياسية في واشنطن.
ومع ذلك، تكتفي الإدارة الأميركية ومراكز صنع القرار في واشنطن، بمراقبة وتحليل ما يحدث الآن في روسيا وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على أمن أوروبا والحرب في أوكرانيا، بخاصة وأن الرئيس الروسي لم يواجه منذ تعيينه رئيساً بالإنابة في 31 ديسمبر (كانون الأول) 1999، مثل هذا التحدي الذي شكله قائد ومؤسس "فاغنر" شبه العسكرية يفغيني بريغوجين الذي يدين بسلطته ومكانته إلى الأسلوب الشخصي في الحكم للرئيس الروسي، شأنه في ذلك شأن كثيرين من النخبة الروسية.
لكن عندما انتهى الارتباك، صباح السبت، بعد أن ألقى الرئيس خطاباً قصيراً للأمة الروسية وصف فيه بريغوجين (من دون أن يسميه) بأنه خائن وما أعقب ذلك من اتفاق على انسحاب قائد "فاغنر" وانتقاله إلى بيلاروس وتوقيع قواته عقوداً مع الجيش الروسي، كان الضرر قد وقع بالفعل.
فقد أثارت اتهامات بريغوجين لوزير الدفاع الروسي وغيره من القادة العسكريين على مدى يومين قلقاً واسعاً بين النشطاء الروس المؤيدين للحرب، الذين كانوا يخشون أن يهدد الصراع المفتوح بين الجيش وقوات "فاغنر"، الخطوط الأمامية الروسية خلال الهجوم الأوكراني المضاد. كما اعتبر البعض في أوكرانيا، تصريحات بريغوجين دليلاً على تفاقم الانقسامات الداخلية حول الجهد العسكري الروسي بحسب ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، بخاصة وأن الاتهامات التي وجهها بريغوجين في رسائل صوتية ومسجلة بالفيديو، نقلت الصراع إلى مستوى جديد، بعد أن اتهم القادة العسكريين الروس بمهاجمة قواته، وقال في عبارات صارخة، إن تبرير الكرملين المعلن للحرب كان مجرد خدعة.

بوتين على أرضية متزعزعة

وبحسب مدير مركز "أوراسيا"، سفير الولايات المتحدة السابق لدى أوكرانيا جون هيربست، فإن "إلغاء بريغوجين تقدم قواته نحو موسكو وانسحابه، قائلاً إنه يريد تجنب إراقة الدماء الروسية، كان دائماً جزءاً من خطة قد تعني وقفاً مؤقتاً للتوترات وليس نهايتها، وهو ما يترك بوتين على أرضية متزعزعة، حيث تتفاقم هذه الأزمة منذ الخريف الماضي، عندما بدأ بريغوجين، في أعقاب الهجوم المضاد الناجح لأوكرانيا، في انتقاد كل من وزير الدفاع سيرغي شويغو والقائد العام فاليري غيراسيموف علناً بسبب إخفاقاتهما في ساحة المعركة وعدم إرسال الأسلحة والإمدادات اللازمة لفاغنر كي تقوم بعملياتها العسكرية الضرورية".
وأضاف أنه "رغم أن الزعيم الشيشاني رمضان قديروف انضم العام الماضي إلى بريغوجين في انتقاد شويغو وغيراسيموف، فإنه في وقت سابق من هذا الشهر، بدا أنه سيتم كبح جماح بريغوجين حيث صدرت أوامر لجميع جنود شركة الدفاع الخاصة به لتوقيع عقود مع وزارة الدفاع، مما يعني أن مقاتلي بريغوجين سيحصلون بالفعل على أموال مقابل خدماتهم من وزارة الدفاع وسيكونون تحت سيطرتها بدءاً من الأول من يوليو (تموز) المقبل، وقد يكون هذا هو السبب الرئيس وراء توجيه بريغوجين ضربته في هذا التوقيت لأنه رأى أن الموعد النهائي يمثل خطراً على سيطرته على قواته".

لغز بريغوجين الغامض

غير أن الخطابات اللفظية التي أطلقها بريغوجين يومي الجمعة والسبت عمقت لغز دوره الغامض في نظام بوتين، حيث أثبتت قواته في "فاغنر"، المكونة من مقاتلين مخضرمين وآلاف المدانين الذين جندهم بريغوجين شخصياً من السجون الروسية، أنها أساسية في الاستيلاء على مدينة باخموت الأوكرانية في مايو (أيار) الماضي بعد معركة استمرت شهوراً.
وفي حين أن كل الموارد كانت متاحة لبوتين من جيش وقوات جوية، وحرس رئاسي، وجهاز الأمن الفيدرالي بما يجعله متفوقاً بشكل كبير على "فاغنر"، فإن قوات بريغوجين في أوكرانيا كانت أكثر فاعلية بشكل ملحوظ من الجيش، وكان يُنظر إليها على أنها مسؤولة عن الانتصارات القليلة التي حققتها موسكو منذ بدء الهجوم المضاد لأوكرانيا، ولذلك فهو يتمتع بمكانة في روسيا لا يضاهيها شويغو أو أي قائد عسكري آخر، كما يتمتع بريغوجين أيضاً بسمعة طيبة نظراً لعنايته بقواته بشكل أفضل مما يفعله الجيش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الحرب كارثة

وحتى وقت قريب، كان معظم الباحثين يقولون إن سيطرة بوتين في روسيا كانت قوية للغاية، لكن وصول بريغوجين إلى هذا الحد يوضح شيئاً مختلفاً إلى حد ما، فرغم جهود الحشد المتواصلة للحرب من قبل وسائل الإعلام، أدركت النخبة الروسية منذ فترة طويلة أن هجوم بوتين الكبير على أوكرانيا كان بمثابة كارثة، وفي انتقاداته المتكررة لشويغو وغيراسيموف خلال الأشهر التسعة الماضية، تحدث بريغوجين عن المشكلات الشاملة في حرب روسيا على أوكرانيا، مشيراً إلى أنها ربما كانت خطأ.
ومع توقف تقدم قوات "فاغنر" نحو موسكو، وتدخل رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو للتوسط في صفقة بين بريغوجين والكرملين، سيتعين على الكرملين توظيف موارد كبيرة للتعامل مع أي توترات محتملة أخرى ولضم أعضاء "فاغنر" في صفوف القوات الروسية، وهو أمر لم يكن الكرملين راغباً فيه لأنه لا يفضل التعامل مع الجماعات شبه العسكرية غير النظامية التي تسبب الفوضى، وهذا يعني، في المرحة الحالية على الأقل، أن أوكرانيا قد تكتسب ميزة مؤقتة في هجومها المضاد، مع تحول انتباه بوتين والجيش الروسي إلى أماكن أخرى.

صقور الحرب

ومع ذلك، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا أدت على مدى 16 شهراً إلى تقوية المنتقدين المتشددين للرئيس بوتين، وجعلت من يُطلق عليهم "صقور الحرب" الذين يفضلون التصعيد العسكري، قد يميلون حتى إلى إسقاط بوتين إذا لم يفعل ما يرونه صواباً، ومن بين هؤلاء بريغوجين، وزعيم الكوماندوس الانفصاليين في شرق أوكرانيا في عام 2014 إيغور جيركين، والقائد الشيشاني رمضان قديروف، فضلاً عن شخصيات إعلامية وصحافيين عسكريين على وسائل التواصل الاجتماعي ومدونين، وكذلك الساخطون داخل مؤسسات الأمن القومي.
لكن وفقاً لخبير مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن ستيفن سيستانوفيتش، فإن "أياً من هذه الشخصيات أو الفصائل ليس لديها قاعدة قوة مستقلة تسمح لها بالتقدم في أجنداتها السياسية أو تحدي بوتين بشكل مباشر، فهم جميعاً، بمن فيهم بريغوجين، مستفيدون رئيسون من سياسات الرئيس ورعايته، وقبل عدة أشهر، ساعدت انتقاداتهم وحديثهم عن تصعيد الحرب، الرئيس بوتين من خلال إظهار أن أفعاله تعكس إجماعاً داخل الطبقة السياسية، وليس مجرد رد على سياساته غير الناجحة".

الحساب الصعب

ويرى البعض أن ما حدث الآن هو الحساب الأكثر تشنجاً داخل النخبة السياسية الروسية، بعدما اتضح أن جولات التصعيد العسكري فشلت في مساعدة القوات الروسية على صد التقدم الأوكراني، وهو ما كان واضحاً في تصريحات بريغوجين الكاشفة عن خسائر الروس الكبيرة.
وستتجه الأنظار الآن إلى مراقبة ما إذا استمر الدعم الكامل للتصعيد بين المعلقين التلفزيونيين والرجال الأقوياء في الجماعات شبه العسكرية، لأن ذلك سيشير إلى وجود مثل هذه الآراء داخل دائرة مستشاري بوتين أيضاً، وسيراقب الرئيس ومستشاروه الاستجابة العامة لاحتمال استمرار الحرب المتزايدة الخطورة، أم إن "صقور موسكو" سيقدمون إشارات مبكرة على الاهتمام بفكرة خفض التصعيد، وفي مواجهة عدم تحقيق النصر الذي تصوره بوتين أو الاقتراب من شكل من أشكال الهزيمة، سيحتاج الرئيس الروسي إلى مشاركة الآخرين في اللوم وتحمل المسؤولية، لأن الحرب الفاشلة في النهاية قد تؤدي إلى اضطرابات سياسية في روسيا وإلى قيادة جديدة، ولهذا قد يكون ما فعله بريغوجين هو مساعدة بوتين في إدارة التحديات التي تواجهه.

المزيد من متابعات