Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو جعلنا الذكاء الاصطناعي أغبياء؟

كلما ارتكبت الأجهزة والأنظمة الذكية أخطاء "متعمدة" فإنها تثبت قدرتها على خداع البشر

أجهزة الكمبيوتر تتفوق على البشر من حيث الدقة والسرعة (أن سبلاش)

أصبح مصطلح "الاصطناعي" مرتبطاً بالذكاء والغباء على حد سواء، فهل هناك غباء تقني مصطنع حقاً؟ وهل يمكن لطرق تكنولوجيا التذاكي المصطنعة أن تجعل البشر أغبياء؟

الحقيقة أننا اليوم في مواجهة مجال سريع النمو تجاه تطوير خوارزميات وأنظمة تميل باستمرار إلى أداء المهام التي تتطلب عادة ذكاءً بشرياً، بل يتجاوز القدرات البشرية ليعالج كميات هائلة من البيانات ويتعرف إلى الأنماط، الأمر الذي أدى إلى اعتماده في مجالات وصناعات عدة.

ومع تواصل تجريد الإنسان من المسؤوليات وإعطائه الآلة الجزء الأكبر منها، يبدو وكأننا على الطريق لإعطاء الذكاء الاصطناعي الصلاحيات كاملة ليقود حياتنا بالكامل وبكل ما فيها، كأن يقود مثلاً سياراتنا وطائراتنا وأن يستثمر أموالنا، فهل بدأ البشر يسلمون تدريجاً بكون الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء منهم، وهل سيسلمون عقولهم له؟ وهل الذكاء الاصطناعي ذكي بما يكفي ليتولى هذا الدور؟

ذكاء بالغ الغباء

عنونت صحيفة "وول ستريت" الأميركية مقالاً نشرته عام 2017 "من دون البشر الذكاء الاصطناعي لا يزال بالغ الغباء"، لكن هل ما زالت عند قولها هذا بعد التطورات التي شهدها العالم منذ إعلان توفير تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي للعامة، وبعد أن تبرأ منه عرابه وحذر من مخاطره على الإنسانية، وذهب أكثر المنادين بدعم العلم والتكنولوجيا إلى أنه سيدمر الحضارة البشرية ويسبب ارتفاعاً في معدلات البطالة، إضافة إلى الوصول إلى نقطة عدم التمييز بين الحقيقي والمزيف، ومخاوف صدرت عن مستثمرين وداعمين حقيقيين لقطاع التكنولوجيا، يدعون فيها إلى وضع معايير لتنظيم استخدامه حتى لا يخرج عن السيطرة.

اختبار "تورينغ"

في عام 1950 اقترح عالم الرياضيات والمنطق الإنجليزي آلان تورينغ في ورقة بحثية حول الذكاء الاصطناعي بعنوان (Computing Machinery and Intelligence) أثناء عمله في جامعة مانشستر، اختباراً للذكاء سمي بـ "اختبار تورينغ" وهو عبارة عن اختبار لقدرة الآلة على إظهار سلوك ذكي لا يمكن تمييزه عن سلوك الإنسان، أشبه بلعبة تقليد أبطالها ثلاثة أطراف، الأول حاسوب يعتمد على الذكاء الاصطناعي مصمم لتوليد استجابات شبيهة بالبشر والثاني مشارك بشري ومعهما محقق أو مقيم مهمته تمييز الطرف البشري من خلال مراجعة الإجابات النصية، علماً أنه على دراية بأن أحد الشريكين في المحادثة عبارة عن آلة، وفي حال لم يتمكن المقيم للتجربة من تمييز الآلة عن الإنسان فإنها تجتاز الاختبار، أي المطلوب منها أن تحاكي السلوكيات البشرية بغض النظر عن كونها ذكية أم لا، فبعض السلوكيات الذكية غير إنسانية، أي يتوجب على الآلة في حال كانت تؤدي مهارة ما بطريقة أكثر ذكاءً من الإنسان، مثل حل عمليات حسابية معقدة جداً، أن تتجنب "عن عمد" الظهور بمظهر فائق الذكاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن خلال هذا الاختبار أثار تورينغ فكرة أن الآلات لا يمكنها إرتكاب أخطاء وأن الدقة العالية للحاسب ستجعل من السهل تمييزه عن العنصر البشري، وخرج بملاحظة أنه بدلاً من ذلك يجب تعمد إدخال أخطاء في استجابات الكمبيوتر، ليبدو غبياً بعض الشي "غباء اصطناعي"، وأصبح هنا المفهوم مهماً في فلسفة الذكاء الاصطناعي .

الغباء الاصطناعي

يستخدم مصطلح "الغباء الاصطناعي" Artificial stupidity كمعنى مضاد لمفهوم الذكاء الاصطناعي، ويستخدم في مجال علوم الكمبيوتر للإشارة إلى تقنية إضعاف برامج الحاسوب من أجل تعمد إدخال أخطاء في ردود أفعالهم، واشتهر بتطبيقين رئيسين، إذ يمكن أن ترتكب خوارزميات التعلم الآلي أخطاء، تصنف على أنها غبية، أثناء التعلم من البيانات، أو يتم إخماد الذكاء الاصطناعي لجعله يرتكب الأخطاء ليبدو أكثر إنسانية، كتوليد أخطاء متعمدة في روبوتات المحادثة التي تحاول اجتياز اختبار "تورينغ" أو بغرض خداع البشر ودفعهم للاعتقاد بأنهم أمام بشر مثلهم، كما يعد تطبيق التغابي دليلاً على نجاح التصميم في مجال ألعاب الكمبيوتر، إذ يكون الهدف دائماً الوصول إلى نقطة توازن بين ذكاء الحاسوب والقدرات البشرية لوصول اللاعب إلى الفوز في اللعبة، أي أن لا يكون حل اللعبة مستحيلاً، من خلال ضبط دقيق لمستوى "الغباء الاصطناعي".

ذكاء مكمل

من جهة أخرى، يجادل العلماء أنه على رغم كل الضجيج القائم حول الذكاء الاصطناعي، إلا أنه ما زال مرتبطاً بأشكال ضيقة وضعيفة من الذكاء، والتي تقتصر على أداء مهام محددة ضيقة ضمن حدود معينة، إذ وعلى رغم القدرات المذهلة للذكاء الاصطناعي، من الضروري إدراك أنه لا يزال يعاني من قيود عدة تحده، بالتالي لا يجب أن ننظر إليه على أنه الأكثر فطنة، فالحقيقة أنه مكمل، بمعنى أن للبشر حدوداً يقفز فوقها الذكاء الاصطناعي، وللذكاء قيوداً يبرع فيه البشر، أي لكل منهما نقاط قوة وضعف.

المثير هنا أن نقاط ضعف أحدهما قوة لدى الآخر، ومن هنا يمكن للباحثين من خلال المزج بينهما تحقيق فهم أعمق للمشكلات المعقدة واتخاذ قرارات على أرضية أوسع وأكثر اطلاعاً وتحقيق نتائج ملحوظة في مساعيهم العلمية، إذ يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تعوض عن قيود الباحثين البشريين، فمثلاً عندما يتعلق الأمر بمعالجة البيانات، فإن أجهزة الكمبيوتر وأنظمة الذكاء الاصطناعي تتفوق على البشر من حيث كل من السرعة والدقة، بينما بإمكان الفضول البشري أن يقود تطوير الذكاء الاصطناعي في اتجاه مؤثر ذي معنى من خلال توفير السياق والتوجيه، بالتالي يضمن استخدامه الفعال والهادف، الأمر الذي يسمح للباحثين البشر بتركيز وقتهم واهتمامهم على مهام أخرى، مثل إنشاء فرضيات وفلسفات وتطوير نظريات جديدة.

وأخيراً، الذكاء الاصطناعي يحتاج للمساعدة دائماً بالتالي سيظل بحاجة للبشر لتزويده بمستجدات العالم الحقيقي من خلال فهمهم من حولهم، بالتالي من المهم أن نوجه تطوير الخوارزميات بالشكل الذي يضمن حل المشكلات وتلبية الحاجات البشرية في المقام الأول، أي أن نقود نحن الذكاء الاصطناعي وليس العكس.

اقرأ المزيد

المزيد من علوم