ملخص
تنتج غزة يومياً نحو 120 طناً من مخلفات الأقمشة والملابس البالية لا يعاد تدويرها نهائياً لذا فإن مصيرها الحرق أو الدفن.
رغبة في استثمار جميع ما يعتبر هالكاً، اختارت إيناس جمع مخلفات الأقمشة غير الصالحة للاستخدام من وسط حاويات النفايات في غزة لتصنيعها من جديد وتحويلها إلى ألبسة وقطع أثاث مناسبة للاستفادة منها.
تعمل إيناس على إنقاذ البيئة من قصاصات الأقمشة والملابس التالفة وبقايا الجلود المستخدمة في عمليات التصنيع التي يتم التخلص منها بتحويلها إلى نفايات صلبة مصيرها الحرق أو الطمر داخل التربة وبقائها عشرات الأعوام من دون تحلل وفي الحالين فإنها تشكل ضرراً بالبيئة.
نحو إنقاذ البيئة
بدلاً من ذلك تصنع إيناس مشغولات متنوعة بطرق عصرية من نفايات القماش في إطار إعادة تدويرها، تماشياً مع مبادرة الاقتصاد الأخضر الدائري التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة للبيئة وتهدف إلى إنقاذ البيئة من المواد العضوية صعبة التحلل.
لم تبدأ إيناس مشروعها عشوائياً، بل أجرت مسحاً للنفايات الصلبة التي تخرجها غزة ورأت أن القطاع يضم 200 مصنع خياطة تنتج يومياً مخلفات من الأقمشة والملابس البالية، هي المادة العضوية الوحيدة التي لا يعاد تدويرها من بين النفايات، لذا تترك في التربة أو تحرق.
بحسب المدير التنفيذي لمجلس خدمات إدارة النفايات الصلبة في غزة عبدالرحيم أبو القمبز، فإن "القطاع يخرج نحو 1800 طن من النفايات الصلبة يومياً من بينها قرابة 120 طناً من مخلفات الأقمشة والملابس البالية لا يعاد تدويرها نهائياً، فضلاً عن 400 طن من الزجاج و200 طن من البلاستيك وهناك مشاريع مخصصة لإعادة تدويرها".
يقول أبو القمبز إنه لا يوجد برنامج لفرز النفايات في غزة، إذ يتم تجميعها في مكب واحد بات ممتلئاً للغاية وتترك لأعوام من دون وجود آليات رسمية للتخلص منها وعادة ما يتم حرقها، مما يتسبب في تلوث البيئة ويؤثر في جودة الهواء، لكنه يلفت إلى وجود بعض النباشين الذين يعملون على فرز النفايات بطريقة غير رسمية.
ويشير إلى أن الأقمشة من المواد صعبة التحلل وتبقى لأكثر من 10 أعوام في التربة من دون تغيير وليست هناك مشاريع في غزة لإعادة تدويرها سوى فكرة إيناس التي بدأت فعلياً بتقليل نسبة وصول هذا النوع من النفايات إلى المكب الرئيس.
بـ"إبرة وسنارة"
لتنفيذ فكرتها، اقتطعت إيناس غرفة صغيرة من بيتها وحولتها إلى مشغل حياكة أطلقت عليه اسم "إبرة وسنارة"، تعمل فيه برفقة سيدات على إعادة تدوير مخلفات الأقمشة وتصنع منها نحو 12 منتجاً تباع في الأسواق المحلية.
تقول إيناس "عندما أتجول في شوارع غزة أشاهد كميات هائلة من النفايات معظمها من مخلفات القماش منتشرة في المدينة، وبعد تتبع ومراقبة هذه المخلفات وجدت أن مصيرها الحرق الفوري، إذ لا ينتظر بعض السكان ترحيلها إلى المكب وهذا يضر البيئة والبشر ويضاعف من عمليات التلوث".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف "مشكلة قطاع غزة تكمن في كيفية التخلص من النفايات، ما يهم الناس هو إخراج مخلفاتهم من بيوتهم ولا يعرفون كيف يتصرفون بها إلا عبر التخلص منها، لذلك قررت تحويلها إلى منتجات، فدشنت مشغل حياكة يوفر مصدر دخل لعدد من السيدات وأعمل على إعادة تدوير الأقمشة وأحولها إلى ملابس وقطع أثاث حتى أسهم في تنظيف البيئة بالمقام الأول".
تؤكد إيناس أن نسبة النفايات في منطقتها باتت قليلة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل إطلاق مشروعها، وبحسب الدراسة التي أعدتها فإنها في غضون ثلاثة أعوام ستقضي على جميع نفايات الأقمشة وتستغلها في إعادة التصنيع.
لا يقتصر الأمر على تجميع الأقمشة من حاويات النفايات، بل تزور إيناس أيضاً مصانع الحياكة الكبرى ومشاغل النسيج والجلود وتطلب منها تزويدها بالمخلفات بدلاً من تحويلها إلى نفايات، كما تجري جولات ميدانية على بيوت السكان للسبب ذاته.
توزع إيناس العمل على فريقها الصغير المكون من خمس سيدات، إذ تعمل هي على تجميع نفايات الأقمشة، بينما تتولى أخرى عملية الغسل والتعقيم وتهتم ثالثة بالفرز، فيما تعيد سيدتان تصنيع القماش وتحولانه إلى ملابس وبيوت للقطط وحقائب نسائية وقطع أثاث.
بعد حصول إيناس على مخلفات الأقمشة وقصاصات المصانع والملابس البالية من البيوت، تتشارك مع فريق عملها في عملية فرز القطع المتشابهة بحسب النوع والحجم واللون، وبعدها تنتقل إلى مرحلة رسم تصاميم المنتجات وصناعة "باترونات" (أشكال هندسية توضح أبعاد وقياسات ما سيتم تفصيله).
قمامة وتدوير وأرباح
يصنع مشغل "إبرة وسنارة" نحو 12 منتجاً، تقول إيناس "نعمل على حياكة ملابس الأطفال والكبار والوسائد والسجاد ومفارش الطاولة والمحافظ والحقائب وبعض الأثاث وبيوت القطط، ونعرضها داخل بازار صغير وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لبيعها بثمن لا يتجاوز ثلاثة دولارات".
لم يتقبل سكان غزة في بداية الأمر منتجات إيناس التي عرفت بأنها مصنوعة من قماش معاد تدويره من مخلفات المصانع والبيوت وواجهت صعوبة في إقناع الناس بهذه الفكرة.
تقول "استغرقت وقتاً طويلاً وأنا أشرح للناس فوائد إعادة التدوير ومراحل التصنيع والأثر الإيجابي على البيئة بهذه العملية، وبعد ذلك بدأ سكان غزة يقتنعون بالمنتجات ويقبلون عليها، حتى إن أهالي المنطقة الريفية باتوا يعتمدون على إعادة التدوير في تأثيث منازلهم، فبدلاً من إلقاء أية قطعة قديمة في القمامة فإنهم يجلبونها إلى هنا لإعادة تدويرها".
