Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تصرفت أمهات غزة وقت الحرب؟

قلق الأم هو نتيجة خوفها أن تفقد أحد أطفالها وهذا يرهقها نفسياً فتصبح سيدة دفاع مدني أو قائدة وحدة أزمات وطوارئ

تمنع الأمهات أطفالهن من الوقوف أمام النوافذ أو مشاهدة قنوات الأخبار (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

نساء غزة يتحولن إلى عاملات في فرق إدارة الأزمات داخل منازلهن وقت الحروب لحماية أطفالهن

خبر عاجل بالخط العريض ثبتته القنوات كافة على شاشاتها، فجر التاسع من مايو (أيار) الحالي، مفاده أن "الجيش الإسرائيلي بدأ عملية السهم الواقي العسكرية في قطاع غزة وأنباء عن عملية اغتيال"، قرأته هند مرات عدة متتالية وتسمرت مكانها، لا شيء تفعله سوى التحديق بما ورد من أنباء على شاشة التلفزيون، حسب ما قاله زوجها وأولادها.

هم رأوا الخوف في عينيها، غير أن هند كانت بعيدة كل البعد من مشاعر الهلع، وهي إن تسمرت في مكانها فهي تبحث عن الطريقة المثلى لإنقاذ أولادها الأربعة هذه المرة أيضاً، بعد أن نجحت بذلك على مدار أربع عمليات عسكرية سابقة شنتها إسرائيل ضد غزة.

مفردات الحيطة

كأنها ضابط يعمل في جهاز الدفاع المدني، جمعت هند أفراد أسرتها وبدأت في إعطاء بعض التوجيهات الثابتة، التي يمنع على أحد من أفراد الأسرة تجاوزها، حتى يكون الجميع في أمان، وتلقن الأم صغارها مفردات الحيطة، التي تنص واحدة منها على بقائهم جميعاً حولها مهما بلغت درجة الخطر.

في أيام القتال العسكري أعلنت هند حالة الطوارئ، وتقول "كنت خائفة جداً على الأطفال والحرب لا ترحم أحداً"، ذلك الخوف الذي يحرك الأم لإدارة الأزمة في البيت بجدارة تامة.

"كانت تصرفاتها غريبة، فمن شدة خوفها على الأطفال كانت تتحرك في البيت على مدار الوقت، وتنفذ مهمات أشبه بطبيعة عمل طواقم الدفاع المدني، كنت أعتقد أنها تبالغ، لكن أيقنت أنه الخوف المخفي داخلها، لم تنم ساعة واحدة مطمئنة البال لمدة خمسة أيام"، يقول زوجها عمار.

التعليمات

من بين التعليمات منع فتح النوافذ والوقوف أمامها، وحرصاً على تنفيذ ذلك كانت دائمة المراقبة لصغارها، كما يحظر النوم في غرفة مستقلة، وعلى الجميع النوم حولها، وعند سماع أصوات الانفجارات من غير المسموح الصراخ لعدم التسبب في توتر لبقية أفراد الأسرة، وكذلك يعد المطبخ أكثر الأماكن الآمنة في البيت كونه الأقرب لباب المنزل الرئيس.

لم تكن هند وحدها جبهة الآمان لأبنائها من الغارات الإسرائيلية والأيام المرعبة، بل جميع الأمهات في غزة عايشن مع أطفالهن ظروفاً قاسية خلال أيام التصعيد العسكري، ومن بينهن روان التي كانت تحاول إخفاء خوفها أمام أبنائها الذين استيقظوا على أصوات القصف راكضين نحو أمهم.

إدارة الأزمات

كانت روان تتبع أسلوباً مشابهاً لما تقوم به طواقم الدفاع المدني، إذ تنقل أطفالها الثلاثة من غرفتهم التي تطل على الشارع العام إلى صالة الضيوف، خوفاً عليهم من القذائف، وتارة تقرر أن يناموا في غرفتها وليلة أخرى في المطبخ، يحركها بطبيعة الحال إحساس وعاطفة الأم.

لم تتلق الأم روان أي دورة تدريبية مع طواقم الدفاع المدني، لكنها باتت خبرة في حماية أطفالها، وتدير بيتها كأنها أحد قادة فرق إدارة الأزمات، تقول عاصرت نحو 16 تصعيداً عسكرياً في غزة، وتعلمت خلالها الكثير وأطبق قواعد صارمة في البيت.

خوف من تسرب الغاز

يمنع عند الأم روان أن ينام أحد بجانب النوافذ، كما أنها كانت تفتح جانبي النوافذ قليلاً ولا تبقيها محكمة الإغلاق، خوفاً من تحطم الزجاج نتيجة غارة قريبة ومفاجئة، وما ينتج منها من تطاير شظايا أو اندفاع هوائي قوي، وأسلوبها هذا عادة ما يتبعه جميع سكان غزة ويعرف محلياً بمصطلح "تنفيس الشبابيك"، فهم يعتقدون أن هذا الإجراء يحمي نوافذ بيوتهم من أي ضرر لا تحمد عقباه.

عند حلول الليل، تتفقد روان جميع أسطوانات الغاز في بيتها، وتغلقها بإحكام بعد كل استخدام، تضيف "أخاف أن يكون هناك تسريب غير متوقع للغاز قد يشعل حريقاً لدى أي استهداف قريب.

عند كل أزمة وفي وقت الطوارئ تحاول روان اتباع معايير السلامة لحماية أطفالها، وتقول "لا شعورياً أنفذ ذلك، الحرب مخيفة وأنا مرعوبة منها، في فترة الليل كنت أتخيل سيناريوهات مروعة كأن الغاز تسرب أو الشبابيك تكسرت، لذلك كنت قلقة وحريصة على جميع أفراد الأسرة".

طبيبة نفسية

أما الأم نادين فلها أسلوب مختلف في أوقات التصعيد الأمني، فهي تتبع أساليب الترفيه والتفريغ النفسي في وقت القتال العسكري وليس بعده، وتتحول إلى طبيب نفسي، تقول "لا يمكن مشاهدة قنوات الأخبار على التلفاز، بل هو مخصص لفيديوهات الأطفال فقط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في أوقات انشغال نادين، تعطي صغارها أقلام التلوين وتطلب منهم الرسم، وتمنحهم فرصة طويلة للعلب بصوت عال يطغى على أصوات الغارات الإسرائيلية من حولها، بينما تقضي الليل تروي القصص لأطفالها حتى يناموا وتمكث بجانبهم طوال الليل.

باستمرار، تطلب نادين من الأطفال الغناء بصوت مرتفع أشبه بالصراخ، وتشدد على ذلك وقت الغارات أو انطلاق القذائف الصاروخية من غزة، وتصر على ذلك الأسلوب تجنباً لأي صدمة نفسية، لا سيما أن الخوف تسبب في مقتل الطفل محمد داوود في عمر الخمس سنوات، بعد إصابته بنوبة قلبية حادة خوفاً من شدة القصف الذي استهدف البناية المجاورة لمنزله.

ومن جانب نفسي، تقول المتخصصة النفسية عبير أبو شرار إن تجربة التصعيد ليست بالهينة على الأمهات وأطفالهن، وتترك آثاراً عميقة في النفوس، وينبع قلق وتوتر الأم من خوفها أن تفقد أحد أطفالها، وهذا يرهقها نفسياً فتصبح سيدة دفاع مدني أو قائدة وحدة أزمات وطوارئ وهي بذلك تطمئن نفسها.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات