Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على رئيس وزراء بريطانيا المقبل طلب إجراء تحقيق في موضوع "بريكست"

حتى نايجل فاراج اعترف بأن اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة كارثة

هناك اليوم كم هائل من الأدلة المقنعة بأن عدداً كبيراً للغاية من الناس يصدقون اليوم أنهم قاموا بالخيار الخاطئ (أ ف ب)

ملخص

على أساس شبه الإجماع المتوافر حالياً على أن "بريكست" كان كارثة، لا بد من أن يكون هناك دعم شعبي واسع لعملية التحقيق العام

"مستقبل بريطانيا سيكون خارج الاتحاد الأوروبي. لا كعضو في السوق الموحدة، ولا ضمن الوحدة الجمركية، ولا ضمن العودة إلى حرية التنقل ضمن الاتحاد"، هذا ما كتبه كير ستارمر [زعيم حزب العمال البريطاني المعارض والشخص الأكثر حظاً لتولي رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة] في مطلع هذا الأسبوع، في صحيفة "ديلي إكسبرس" Daily Express.

لقد شغل ستارمر مقعده النيابي منذ عام 2015 فقط. لا بد من أن يشكك المرء أنه لو كان في الإمكان إعلامه في حينه، أنه وخلال ثمانية أعوام، سيقوم بالنطق بتلك الكلمات، ما كان ليصدق ذلك أبداً. في تلك الفترة، لم يكن أي شخص في موقع المسؤولية يتجرأ على النطق بأي شيء يبدو وأنه يعكس مواقف تيار اليمين الراديكالي. كان من شأن تلك الجمل أن توفر لستارمر مكاناً إلى يمين [أكثر تطرفاً] أشخاص مثل بوريس جونسون ومايكل غوف ونايجل فاراج وآرون بانكس [وجميعهم من مهندسي وداعمي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي]، وبكل تأكيد أي شخص آخر.  

في تلك الفترة، كان نايجل فاراج (الإعلامي والسياسي المثير للجدل المؤيد لـ"بريكست") وجماعته يغيرون آراءهم كل بضعة أسابيع. في بعض الأحيان، كانت تروق لهم المطالبة باعتماد "النموذج النرويجي" في التعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي يبدو أنهم لم يعوا حينها أن ذلك يعني بقاء المملكة المتحدة داخل السوق الموحدة، بالتالي الموافقة على مبدأ حرية تنقل مواطني أبناء الدول الأعضاء في هذه السوق. ثم كان هناك إمكان الانضمام إلى "الجمعية الأوروبية لحرية التجارة" European Free Trade Association.

دانيال هانان [سياسي ومؤلف وصحافي بريطاني معروف بآرائه المتشككة في أوروبا] وآخرون كانوا مستعدين لطرح ذلك، حتى لو كان يعني بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الجمركي لأوروبا، بالتالي الموافقة على التزام كل القوانين الناظمة للمنتجات تقريباً، وهو ما يلغي إمكان أن تكون لبريطانيا أية سياسة تجارية مستقلة.

صاغ ستارمر عباراته التي كانت تعتبر راديكالية في الماضي، على النحو التالي: "يستحق قراء صحيفة ’ديلي إكسبرس’ أن يكون السياسيون واضحين في مواقفهم، لذلك دعوني أقول هذا ببساطة".   

هذا ما يمكن احتسابه على أنه نوع من الأمانة عام  2023. أن تكون "واضحاً في الموقف الذي تلتزمه" يعني أن تعلن أنك اليوم تؤمن بكل حماسة بشيء تعلم أنه فكرة سيئة للغاية. لكن ستارمر يعلم أنه لا يمكنه قول خلاف ذلك. فهناك انتخابات مقبلة، وحتى لو كانت كل الاستطلاعات التي تجرى حول الموضوع أظهرت أن غالبية واضحة من البريطانيين متفقون أن "بريكست" كان فكرة سيئة للغاية، إلا أن الانقسام لا يزال كافياً لينقسم حوله المؤيدون الأساسيون للحزبين الرئيسين في البلاد. فالمؤيدون للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وباختصار، هم أسهل استقطاباً بالنسبة إلى الحزبين في أي انتخابات. وهناك أيضاً الحقيقة الواضحة أن الناس أصبحوا متعبين من ذلك إلى درجة أنهم أصبحوا متصالحين مع أنفسهم بأنه عليهم أن يتقبلوا عيشة هادئة تحولت أكثر سوءاً [بسبب "بريكست"].

لكن حزب العمال سيكون عليه طرح أفكار راديكالية منذ اليوم الأول لوصوله إلى رأس السلطة. والمسؤولون في الحزب لطالما فعلوا ذلك. (قام غوردون براون أثناء رئاسته للحكومة بمنح الاستقلال لبنك إنجلترا المركزي خلال أول اجتماع له مع إدارة المصرف).

إذاً، ما رأيكم بهذا؟ لا تقلقوا في شأن تحقيق تداعيات جائحة كورونا، ما رأيكم لو تم طرح إجراء تحقيق في التداعيات والظروف التي أدت إلى "بريكست"؟ ليس كيف حدث ذلك. إننا نعلم كيف حدث ذلك. كان هناك استفتاء والناس صوتوا لمصلحة "بريكست".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن تحقيقاً عاماً يتعلق بكل التفاصيل التي جرت منذ ذلك الحين. كيف حدث وأن الأمور جرت بهذا الشكل السيئ. كيف أدت العملية إلى أنه أصبح هنالك أشخاص، عام 2023، من أمثال كير ستارمر يتوجب عليهم أن يعتمدوا مواقف تنم عن "الشك بالمشروع الأوروبي" Euroscepticism، بشكل أكثر راديكالية من أي شيء تجرأ على قوله مناصرو "حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي" قبل سبعة أعوام.

على أساس شبه الإجماع المتوافر حالياً على أن "بريكست" كان كارثة، لا بد من أن يكون هناك دعم شعبي واسع لعملية التحقيق العام. نايجل فاراج يعتقد بأن ما جرى كان كارثة، لقد قالها بنفسه الأسبوع الماضي، ولذلك فهو لن يتمكن من الاعتراض. ويمكن أن نرى بوضوح أن السياسات الانتخابية العادية هي وبصدفة غريبة للغاية، تتآمر كي تجعل من غير الممكن لمعظم السياسيين أن يقولوا الصدق بأمانة في خصوص تلك المسألة.

وزير الخزانة جيريمي هانت، كان دعم حملات التصويت من أجل البقاء داخل أوروبا، وهو اليوم يسعى إلى السيطرة على تضخم مخيف [أصاب الاقتصاد]، ولكنه لن يتمكن من الإقرار أو إعادة تأكيد أمور ليست هي قضية رأي شخصي، ولكنها معلومات واقعية مؤكدة. فالتضخم الذي لحق بأسعار الأغذية بلغ حالياً نسبة 24 في المئة، والتحليل الذي أصدرته كلية لندن للاقتصاد اعتبر أن ثلث قيمة هذا الارتفاع سببه المباشر هو العوائق التجارية الناجمة عن "بريكست". لكنه لن يستطيع قول ذلك علناً. 

الجمعة الماضي، كان المتحدث باسم رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون يسعى جهده كي ينفي قصة كان يعلم أنها حقيقية. وهي أنه خلال مفاوضات توقيع اتفاق للتجارة الحرة مع أستراليا، تنازل جونسون وسمح باعتماد وزن استيراد الأبقار على أساس اللحم المتوافر في البقرة لا وزنها كاملاً. وهو أمر عد تنازلاً صاعقاً وسيئاً بشكل صادم بالنسبة إلى المزارعين البريطانيين حتى إن المفاوض الأسترالي أسرع حينها في كتابة رسالة إلى اللجنة العليا للمفاوضات في بلاده على ورقة تواليت ومن ثم تصويرها وإرسالها كي تتم طباعتها على أوراق رسمية ليعاد إرسالها على وجه السرعة إلى المتفاوضين للتوقيع عليها. 

جونسون ينفي حدوث ذلك، لكن لا أحد يصدق هذا النفي، لذلك من المهم إجراء التحقيق العام.

إن من شأن إجراء التحقيق العام أن ينظر إلى كيفية قيامه بخوض حملة انتخابية على أساس ما ادعاه بأن لديه "صفقة جاهزة لإدخالها إلى الفرن" oven ready deal [بمعنى أنها جاهزة للتوقيع عليها] على رغم أنه لم يكن يفهم مضمونها أبداً. يمكن للتحقيق العام أن يفحص الظروف التي أدت إلى إطلاق جونسون الوعود لقطاع التجارة في إيرلندا الشمالية بأنه لن يصار إلى إقامة حدود جمركية في البحر الإيرلندي، وعد إما أنه كان يعلم بأنه ليس صحيحاً، أو أنه كان يجب أن يعلم بأنه ليس صحيحاً. فليست هناك خيارات أخرى.   

من خلال تصويتهم لمصلحة "بريكست"، من العدل القول إن غالبية بسيطة من الناخبين في البلاد كانوا اختاروا السيادة على حساب الازدهار الاقتصادي. لقد كان ذلك قراراً مهماً للغاية، وهناك اليوم كم هائل من الأدلة المقنعة بأن عدداً كبيراً للغاية من الناس يصدقون اليوم أنهم قاموا بالخيار الخاطئ.

ما من أحد صوت لحدوث ما يجري اليوم. نسخة رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي لاتفاق الخروج كانت طرحت للتصويت عليها من قبل الناخبين، ورفضوها. نسخة بوريس جونسون طُرحت على الناخبين أيضاً، وهم وافقوا عليها، لكنه هو رفضها بعد ذلك.

كلام كير ستارمر الغريب في صحيفة "ديلي إكسبرس" يوضح أمراً واحداً بشكل جلي، وهو لا يتعلق بالشيء الذي قاله. بل إن الأمر يبدو أكبر من نظام الحزبين ليتمكنا من المساومة مع الناخبين إلى أي درجة كان تنفيذ عملية "بريكست" سيئاً، حتى إن كان ذلك في وجه ذلك الحجم الواسع من الإجماع بأن ذلك كان أمراً كارثياً. 

إذا كان الناس يطالبون بتحقيق عام لمساعدتهم في طي صفحة "كوفيد" وتداعياته، إذاً لماذا لا تطرح عملية "بريكست" على التحقيق أيضاً؟ إن الوجع لن يزول من تلقاء نفسه.

© The Independent

المزيد من آراء