ملخص
تتكاثر محال الرهان الرياضي التي لا تصنف في خانة الكازينوهات، وتشن السلطات ضد بعضها حملات بسبب عدم منحها ترخيصاً لفتح مقارها أمام الناس
على رغم مضي عقود على تكريس تونس قوانين وتشريعات تنظم ألعاب الحظ، أو ما يطلق عليه لدى الأوساط الشعبية وغيرها "القمار"، فإن الغموض يلف عمل الكازينوهات التي لا توجد سوى في بعض المناطق السياحية مثل ولاية سوسة شرق البلاد أو جزيرة جربة، في حين تتكاثر محال الرهان الرياضي التي لا تصنف في خانة الكازينوهات وتشن السلطات ضد بعضها حملات بسبب عدم منحها إجازة لفتح مقارها أمام الناس.
"اندبندنت عربية" استطلعت آراء عاملين ومواطنين يرتادون الكازينوهات، واتفقوا على أن في الإمكان دخول هذه الأماكن، لكن اللعب في هذه المحال يقتصر على السياح أو الأشخاص الذين يحملون جوازات سفر أجنبية إلى جانب الجواز التونسي.
ممنوعون من اللعب
يقول أحمد، وهو اسم مستعار لشاب تونسي يعمل في كازينو بولاية سوسة، إن "بإمكان التونسيين دخول الكازينو لأن هذا ليس ممنوعاً قانوناً، لكن الممنوع هو اللعب فيه، إذ يمنع التونسيون من القمار، لذلك يلجأ كثير من الأثرياء إلى إقامة طاولات واللعب في منازلهم".
ويتابع أن "الكازينوهات قليلة جداً في تونس من دون سبب واضح، على رغم أن وجودها في المناطق السياحية خصوصاً مهم للغاية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه قال أيمن، وهو اسم مستعار لشاب يرتاد الكازينوهات "شخصياً أذهب عادة إلى جربة من أجل ارتيادها، وبعضهم وجد في الرهانات الرياضية التي تنتشر المحال الخاصة بها في جميع أرجاء البلاد ملاذاً، وشخصياً أحبذ الكازينو ولكنني لا أستطيع اللعب فيه على عكس السياح الأجانب".
يوضح المحامي التونسي محمد أمين بن سعد أن "اللعب في الكازينو أو غيره يجري تنظيمه بالمرسوم 20 الصادر عام 1974 الذي يمنع الرهان ولعب الحظ إلا إذا رخصته الدولة لبعض الكازينوهات، وبالنسبة إلى التراخيص فإنها تمنح عادة من قبل وزارة الداخلية أو وزارة السياحة".
وشرح بن سعد في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "المستجد في الرهان الرياضي والقمار محال للرهانات كثرت في العاصمة وغيرها، لكن السلطات شنت ضدها حملة واسعة وجرى بالفعل حجز أموال طائلة بحسب تقارير لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي، لذلك فإن الكازينو بمفهومه العام أوسع من هذه المحال".
عادة ما يتوافد على الكازينوهات أشخاص يسعون إلى كسب مزيد من المال من خلال القمار الذي ربما يقودهم إلى فقدان كثير من أموالهم، فيما تكون نوادي الرهان الرياضي ملاذ الشباب الطامح لتحصيل ثروة في بلد تتصاعد فيه معدلات البطالة.
توفير العملة الصعبة
لا توجد أرقام رسمية حول عدد الكازينوهات في تونس، لكن مصادر تاريخية تقول إن نشأة هذه المحال تعود لفترة التسعينيات وإن إطلاقها صاحبه صخب ونقاشات في الدوائر السياسية في البلاد مع انتشار فكر المحافظين والإسلاميين الذين كانوا ينشطون بشكل سري في ظل القبضة الحديدية للسلطة آنذاك بقيادة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
المؤرخ التونسي عبدالجليل بوقرة يوضح أنه "في التسعينيات أصدرت حكومة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قانوناً في شأن الكازينوهات، وكان الجيلاني الدبوسي (وزير سابق) أول من أطلق كازينو في تونس ودافع عن ذلك في البرلمان بقوة".
وأضاف بوقرة لـ"اندبندنت عربية" أن "ثاني كازينو دشنه علي مهني (رجل أعمال) في مدينة سوسة، وكان مبرر الدولة لإنشاء الكازينوهات في تلك الفترة تطوير القطاع السياحي، لكن لم يكن هناك إجماع حولها في الأوساط السياسية التونسية، ففي الفترة النيابية للبرلمان بين أعوام 1989 و1994 كان هناك بعض الرفض من نواب يتبنون فكر الإخوان المسلمين، إذ رأوا أن الدين يحرم الميسر والقمار، وفتحت السجالات في البرلمان، لكن صوت الدبوسي كان أعلى، وهو شخص مشاكس ويحب الجدل ولديه خطاب ذو صدى يراوح بين الجد والهزل ويتقن اللهجة الشعبية التونسية".
ولفت إلى أن "من الأشياء التي قالها الدبوسي كحجج في الدفاع عن فتح الكازينوهات في تونس أن هناك حانات ومساجد في العالم أجمع، والله جعل الناس مخيرين. وهذه من الحجج الطريفة التي دافع بها الدبوسي عن الكازينو، بينما كانت الرواية الرسمية تقضي بأن هذه المحال ستسمح بتنشيط السياحة وتوفير العملة الصعبة، وهي أمور مهمة بالنسبة إلى الدولة في تلك الفترة".
كازينوهات إلكترونية
خلال الأعوام الماضية طرأ عدد من التغيرات على ممارسة القمار في تونس، بحيث بات القمار الإلكتروني يجذب عشرات الشباب وحتى رجال الأعمال، وأفادت تقارير محلية في وقت سابق بأن نحو 500 ألف تونسي يلجأون إلى القمار الإلكتروني الذي تنتشر محاله في المدن والعاصمة، فيما تسعى السلطات إلى الحد منها بحملات أمنية مكثفة.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كشف المتحدث باسم جهاز الحرس الوطني في تونس العميد حسام الدين الجبابلي عن أن "هناك شركات مراهنة رياضية حولت أموالاً من تونس نحو الخارج، وهي أموال مرت عبر البنك المركزي"، مشيراً إلى أن "السلطات الأمنية داهمت أكثر من 650 محل رهان رياضياً وحجزت أكثر من 30 مليار دينار (ما يفوق 300 مليون دولار)".
وهذه الشركات تعمل تحت غطاء شركات إعلامية، لكنها تتحول إلى ما يشبه الكازينوهات الموازية الخاصة بفئات شعبية وهشة وحتى رجال الأعمال، وكل هؤلاء يسعون إلى الثراء السريع.
يقول المحامي محمد أمين بن سعد إن "هناك قوانين تنظم هذه الأنشطة وتسعى إلى الحد منها في الواقع مثل قانون مكافحة غسل الأموال الذي صادقت عليه تونس في 2014، وتقتصر الحملات أساساً على هذه المحال الخاصة بالرهان الرياضي وهي محال تبدأ نشاطها كمؤسسات إعلامية (خاصة بكل ما هو تقني وإعلامي) قبل أن تتحول إلى أنشطة للقمار".