Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إثيوبيا وإريتريا... علاقة فاترة تلتقي للمصلحة وتفترق بالسياسة

آبي أحمد مرجعيته "الغرب" وأفورقي "الشرق" ويتحدان ضد "التيغراي"

شد وجذب بين أنقرة وأديس أبابا وفتور بين أبي أحمد وأفورقي (رويترز)

ملخص

الفتور يشوب العلاقات الإريترية- الإثيوبية بعد توقيع اتفاق السلام الشامل بين الحكومة المركزية لأديس أبابا وجبهة تحرير التيغراي نوفمبر 2022 في جنوب أفريقيا

نوع من الفتور شاب العلاقات الإريترية- الإثيوبية، خلال الأشهر الستة الماضية، لا سيما بعد توقيع اتفاق السلام الشامل بين الحكومة المركزية لأديس أبابا، وجبهة تحرير التيغراي، في بريتوريا بجمهورية جنوب أفريقيا، بوساطة الاتحاد الأفريقي، ومشاركة كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وهو الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية التي دارت لعامين متواصلين، كما سمح بعودة الجبهة للحياة السياسية، بعد إلغاء التشريع الذي أصدره البرلمان بتصنيفها كمنظمة إرهابية.

ويرى عدد من المراقبين أن هذه التطورات التي حدثت في إثيوبيا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، أثرت في وتيرة العلاقات التي بلغت ذروتها، عندما تحالف جيشا البلدين في خوض حربهما بإقليم التيغراي الإثيوبي، بمشاركة ميليشيات قومية أخرى.

ويدلل على ذلك تعليق الزيارات الرسمية بين قيادة البلدين مند توقيع اتفاق السلام، لا سيما أن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ظلا يعقدان لقاءات قمة متكررة خلال العامين الماضيين، قبل أن تتوقف تلك الزيارات المكوكية.

كما يمكن ملاحظة الانتقادات اللاذعة التي وجهها الرئيس الإريتري في حواره مع وسائل الإعلام الرسمية بلده، لاتفاق بريتوريا، الذي اعتبره "صفقة أميركية معدة مسبقاً، وأن دور المفاوضين من الطرفين لم يتعد حدود تنفيذ الأوامر الأميركية بالتوقيع على الوثيقة التي أتت من واشنطن"، وفي حين لم يصدر تعليق على تلك التصريحات من الجانب الإثيوبي، حينها، إلا أن إعلام أديس أبابا وبعض الشخصيات المعارضة، اعتبرت ذلك "تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية الإثيوبية، من قبل رئيس دولة جارة".

ومع انفجار الأوضاع، أخيراً، في إقليم الأمهرا (أبريل 2023) إثر محاولات الحكومة المركزية نزع سلاح الميليشيات، وما تبع ذلك من أحداث، وجه آبي أحمد انتقادات لأطراف من الخارج لم يسمها، لكنها فهمت بأنها موجهة للطرف الإريتري، الذي يعتقد أنه يدعم موقف الأمهرا، حيث قال "على الجهات الخارجية التي تحاول اللعب في الشأن الإثيوبي، أن تكف عن محاولاتها، ذلك لأن لديها الكثير مما ينبغي القيام به في شأنها الداخلي، عوض الانشغال بشؤننا الداخلية"، الأمر الذي أثار لغطاً لدى الأوساط المؤيدة للطرف الإريتري، باعتبارها بداية إعلان للخلاف الصامت بين العاصمتين.

اختلاف الرؤى والإرادات

وقال السياسي الإثيوبي المعارض لدتوا إيالي، في مداخلة مطولة بإحدى القنوات (بثت الأسبوع الماضي)، إن "العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا ظلت قائمة على إرادة شخصين، هما أسياس أفورقي وآبي أحمد، ولم يتم بناؤها بشكل مؤسسي"، منوهاً بالقول "كسياسيين ظللنا نطالب بضرورة اضطلاع المؤسسات السياسية، على تفاصيل هذه العلاقة التي قامت على خلفية نشوب أزمة بين إثيوبيا والتيغراي".

 

 

وأضاف السياسي المعروف بانتقاده إدارة آبي أحمد والنظام الإريتري على حد سواء، أن "علاقة الرجلين في أعلى هرمي السلطة، لن تخدم المصالح العليا لإثيوبيا، ذلك لأنها مؤسسة على عداء كليهما لطرف داخلي إثيوبي، وليس على المصالح المشتركة للشعبين".

ويذكر لدتوا تنبؤه "بذهاب الطرفين في حرب مفتوحة ضد تيغراي، ذلك قبل بداية الحرب التي اندلعت بالإقليم نوفمبر (تشرين الثاني) 2020"، مؤكداً أن "بدايتها وإشراك الجيش الإريتري فيها، يعد من الخطايا السياسية التي ارتكبتها إدارة آبي أحمد، التي تصل لحد الاتهام بالخيانة الوطنية، لأن دعوة جيش خارجي في معركة داخلية لا يمكن فهمه خارج هذا السياق".

وأردف المتحدث "أن النظامين مختلفان في شأن رؤاهما السياسية والاقتصادية، وإدراكهما حجم العلاقات بين البلدين، فهما متفقان فقط في مواجهة العدو المشترك، بالتالي انتهاء حالة العداء بين حكومة إثيوبيا وجبهة التيغراي، كان كفيلاً بوضع فاصلة النهاية للتحالف بين أسمرة وأديس أبابا"، بالتالي كان من المتوقع حدوث هذا الفتور في العلاقات إن لم نقل "انتقالها إلى حالة العداء السابق".

ويفصل إيالي الاختلافات السياسية، في نقطتين أساسيتين "الأولى في شأن حزب جبهة التيغراي، حيث يرى آبي أحمد بضرورة تحجيمه، وإعادته إلى بيت الطاعة الإثيوبي، كحزب سياسي يمثل أقلية قومية لا يتجاوز تعدادها الستة في المئة من الشعب الإثيوبي، في حين يرى أفورقي ضرورة تصنيف الجبهة تنظيماً إرهابياً متمرداً، بالتالي القضاء عليها عسكرياً وسياسياً، وإيجاد بدائل أخرى لها في الإقليم بشكل كلي".

وتابع إيالي القول "نقطة الخلاف الأخرى وهي أساسية أيضاً في توجه كلا الطرفين، ففي حين يرى آبي أحمد أنه قادر على تكييف الدستور الفيدرالي الحالي، لصالح نظامه السياسي، من خلال إفراغ البعد الفيدرالي من مضامينه، وضمان سيطرة حزبه وامتداده على حساب الأحزاب الفيدرالية، يرى أفورقي أن أس الأزمات في المشهد الإثيوبي، يتمثل في الدستور الذي يعتمد على فيدرالية إثنية، بالتالي يفضل إحداث قطيعة مع نصوص هذا الدستور، لأنه من صنيعة جبهة التيغراي، وأعد بشكل يحقق مصالحها، من خلال ضرورة السعي إلى إقامة نظام مركزي قوي، شبيه بنظامه".

زواج المصلحة

بدوره، قال المحلل السياسي المتخصص بشؤون منطقة القرن الأفريقي عبد الرحمن سيد، إن "الفتور الحالي للعلاقات بين أسمرة وأديس أبابا مرده إلى اتفاق 2018"، مشيراً إلى مقالة نشرها في 2019 حول طبيعة العلاقة بين البلدين، التي نوه فيها إلى أنها "بدت موقتة وغير مستدامة، ذلك لجهة ارتكازها على قضايا آنية، تتمثل في الأساس على محاربة عدو مشترك وهو تنظيم جبهة التيغراي"، لافتاً إلى أنه وصف طبيعة تلك العلاقة بـ"زواج مصلحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف سيد أن "القضية الأخرى هي غياب العمل بالدستور، وعدم وجود مؤسسات ومراكز دراسات، تسهر على وضع السياسات والخطط الاستراتيجية للعلاقات الإقليمية والدولية"، معرباً عن وجهة نظره بأن "نظرة أفورقي وآبي أحمد لعلاقات البلدين، لا تتجاوز الواقع المزاجي، الأمر الذي يجعلها أكثر هشاشه، وعرضة للتقلبات، فهي غير مبنية على أسس متينة، ولا تأخذ في الاعتبار البعدين الشعبي والمؤسسي للعلاقات التي ينبغي بناؤها بين الدول، لا سيما بين دولتين بينهما تاريخ حافل من الحروب والمآسي".

مؤشرات الفتور

وأشار سيد إلى أن هناك مؤشرات توحي بعدم ارتياح الرئيس أفورقي من أداء آبي، ففي حين يسعى الأول لحسم المعركة بهزيمة ساحقة تجعل جبهة التيغراي جزءاً من الماضي، وإيجاد ضمانات لعدم عودتها مجدداً لحلبة السياسة الإثيوبية، حيث كان أحمد يقع تحت ضغوط الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، لإنهاء الحرب من دون شروط الهزيمة الساحقة للتيغراي"، مؤكداً "هذا ما حدث في نهاية الأمر، حيث قبل الأخير بصيغة التفاوض التي تتضمن عودة الجبهة بقوة أقل، ولكن بحضور مؤكد لإدارة الإقليم مجدداً، وفق الشروط الغربية".

وأوضح سيد أن ثمة أسباباً أخرى أسهمت في تباعد المواقف بين قيادتي البلدين، من بينها "العلاقات القوية بين قيادات الأمهرا شمال غربي إثيوبيا والنظام الإريتري"، مشيراً إلى أنها على خلاف مع الحكومة المركزية لأديس أبابا في الوقت الراهن، ويتقاطعون في الموقف والهدف مع الجانب الإريتري، سواء في ما يتعلق بالنظام الفيدرالي، أو استئصال جبهة التيغراي من المشهد السياسي الإثيوبي".

الأيديولوجيا والأحلاف الدولية

من جهته يرى الناشط التيغراوي محاري سلمون، "وجود اختلافات عميقة بين الطرفين الإثيوبي والإريتري، في ما يتعلق بالرؤية الأيديولوجية داخلياً وخارجياً، وأن اتفاقهما على قضايا بعينها، كحرب التيغراي، ظل بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة"، مؤكداً أن "الاختلافات في الرؤى السياسية، وفي إدراك حجم التأثير الدولي محلياً وإقليمياً، كان أكبر من التحالف العسكري الذي قام لإنجاز مهمة تأديب التيغراي".

ويضيف سلمون القول إن "الأنظمة الإثيوبية المتعاقبة ظلت تحافظ على علاقات متقدمة مع الحلف الغربي عموماً والولايات المتحدة الأميركية بوجه خاص، في حين تميل إريتريا للأحلاف الشرقية تاريخياً، كما تميزت علاقاتها مع واشنطن بالتوتر خلال العقدين الماضيين".

وأكد محاري "أن سياسات آبي أحمد أقرب ما تكون للتيار الليبرالي الغربي، إذ حظي في بداية عهده في السلطة بدعم الدول الغربية، وتم تتويجه بجائزة نوبل للسلام"، لافتاً إلى أنه رغم الفتور الذي شاب علاقات نظامه بالولايات المتحدة الأميركية، بعد اندلاع حرب التيغراي فإنه "سرعان ما تمكن من إعادة توطيد العلاقات الثنائية عبر بوابة اتفاق السلام في جنوب أفريقيا المدعوم أميركياً".

ولفت سلمون النظر لخطاب آبي أحمد في البرلمان الإثيوبي، في بداية قيام الحرب، منوهاً إلى "تعرضه لضغوط كبيرة عند دخوله قصر الرئاسة، من قبل جبهة التيغراي التي كانت تسيطر على المؤسسات الرسمية، لثلاثة عقود، مما اضطره إلى إيفاد أسرته (عقيلته وأبناءه) للولايات المتحدة الأميركية لحمايتهم"، مؤكداً "أن هذا التصريح يدلل كثيراً على طبيعة العلاقة مع واشنطن"، مشيراً إلى أنه في المقابل "لا يفوت الرئيس الإريتري أي مناسبة لتحميل أميركا مسؤولية الحروب في المنطقة والعالم".

وأشار سلمون إلى موقف إريتريا "المساند لروسيا في حربها ضد أوكرانيا"، كما دلل على "الزيارة التي قادت أفورقي (الإثنين الماضي) إلى جمهورية الصين الشعبية، بعد عقد ونصف من الانقطاع"، كمؤشر مهم للأحلاف التي يميل إليها كل طرف.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير