Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرار حكومي بـ"الصلاة على النبي" ومصريون: متى نسيناها؟

لقي اعتراضاً من بعضهم بدعوى أنه "بدعة" و"الأوقاف" ترد: أنتم أولى بذلك الوصف

قالت وزارة الأوقاف المصرية إن الصلاة على النبي يوم الجمعة ستكون ما بين 3 إلى 5 دقائق بصيغة موحدة (مواقع التواصل)

ملخص

ذكّر بعض المتابعين بواقعة شهيرة عام 2014 حين انتشرت ملصقات في أماكن مختلفة تحمل سؤال "هل صليت على النبي اليوم؟" فانتقدها وزير الأوقاف المصري آنذاك بما لا يتفق وقراره الحالي.

لم تكن تنقص المصريين دعوة إلى الصلاة على النبي، فهم يفعلون ذلك حين الغضب أو الدعوة إلى التهدئة أو الدهشة والإعجاب أو خوف الحساد والغيرة وعند بداية العمل وفي آخره، وكأن علاقتهم بالنبي وآله وأصحابه تتجاوز المحبة والتقدير، حيث يقولون في الزيارات "ده إحنا زارنا النبي" لتأكيد عمق المحبة.

وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة أعلن أن تكون خطبة الجمعة المقبلة ستكون عن "فضائل الصلاة والسلام على خير الأنام" على أن يعقبها تطبيق عملي لمضمون الخطبة التي باتت مكتوبة ومنشورة على موقع الوزارة قبل الجمعة بأيام، فقد تقرر وفق بيان للوزير على حسابه الشخصي بموقع "فيسبوك" أن "تصدح وتلهج جميع المساجد عقب صلاة الجمعة في هذا اليوم بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله"، الأمر الذي أثار جدلاً ما بين ترحيب ومستنكر.

الصلاة الإبراهيمية

يقول الوزير المصري إن الصلاة على النبي يوم الجمعة ستكون ما بين ثلاث إلى خمس دقائق بصيغة موحدة أوردها في بيان، وهي معروفة باسم "الصلاة الإبراهيمية" وثابتة في نهاية أي صلاة قبل التسليم، وتنص آيات في القرآن وأحاديث مروية عن نبي الإسلام عن فضائل للصلاة عليه.

وليوم الجمعة خصوصية لدى كثير من المسلمين حول العالم، وفي بلاد الألف مئذنة، فإن أكثر ما يجمع مسلميها في ذلك اليوم صلاة الجمعة، فتكون الملايين موزعة على مساجد مصر كلها لتأدية صلاة الجمعة التي تكتسب طابعاً مميزاً وخاصاً عن بقية الصلوات الخمس.

في كل وقت وحين

في سيارة أجرة تتحرك من وسط القاهرة إلى مدينة أكتوبر بمحافظة الجيزة، ومع ساعات الصباح الأولى، كان صوت الراديو يصدح بابتهالات لسيد النقشبندي، أحد أشهر المبتهلين والمنشدين في مصر والعالم العربي.

كان النقشبندي يصلي على النبي ومن خلفه المستمعون في المقطع الصوتي الذي تعاد إذاعته على إذاعة القرآن بشكل يومي، فيردده سائق الأجرة ومعه الركاب ليدور نقاش حول صلاة الجمعة افتعله السائق مع الركاب، بادئاً حديثه بعبارة شهيرة "عيسى نبي، موسى نبي، وكل من له نبي يصلي عليه" لاحتمالية وجود راكب مسيحي.

يقول سائق سيارة الأجرة سيد محمد في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إنه كثيراً ما يصلي على النبي وكان سعيداً بقرار وزارة الأوقاف بالجهر بالصلاة على النبي بعد صلاة الجمعة المقبلة، فهي في رأيه "بركة وخير ورزق للجميع".

لا يملك الرجل حساباً على أي موقع للتواصل الافتراضي، لكن نقاشات الركاب حول رافضي الأمر باعتباره "بدعة ليست من الدين" دفعته إلى الغضب، منتقداً ذلك القول.

"هناك من ينغص علينا المعيشة، مع كل فعل ديني يقولون إنه بدعة ولن نحصل على ثواب من الأمر" قالها ذو الـ56 سنة، مستنكراً أن تكون حصيلة الصلاة على النبي سيئات تضاف إلى أعماله "الدين يسر وليس عسراً، هؤلاء لا يعرفون عن الدين سماحته".

انتقادات وتوضيح

على مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت منشورات تنكر مسألة الجهر بالصلاة على النبي بشكل جمعي، ورأى أصحابها في الأمر "بدعة"، وهي الأمور المستحدثة في الدين، ثم يضيفون إلى عبارات الرفض أن "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".

مع مشاركات لبعض تلك المنشورات، أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً، سبق أن مهدت له عبر حسابها على "تويتر" بجملة "بعد قليل... تويتة مهمة"، ثم أصدرت بياناً توضح فيه أن الصلاة على النبي "من أفضل الذكر وأقرب القربات وأعظم الطاعات".

ولأن بعض مستنكري تلك الدعوة قالوا إن الاجتماع بهذا الشكل من قبيل البدعة، فإن الإفتاء قالت إن "الاجتماع على الذكر المشروع يعد من قبيل التعاون على البر والتقوى، ونص أهل العلم على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة (...) فتصح على كل هيئة وحال في أي وقت إلا ما جاء النهي عنه، وكذلك تجوز سراً وجهراً، فرادى وجماعات بكل لفظ وصيغة مشروعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعدد البيان فضائل الصلاة على النبي، لا سيما في يوم الجمعة. ورأت الإفتاء أن من يتهم المسلمين في فعلهم ذلك بالبدعة، فهو أولى بذلك الوصف، معتبرة أن منع ذلك ضرب من الجهل والصد عن العمل الصالح، "والناهي عن ذلك قد سن سنة سيئة في المنع من فعل الخير وتنظيمه والمداومة عليه".

ومع نشر البيان على منصات مختلفة تتبع دار الإفتاء وحسابات مختلفة، كان حساب باسم وزير الأوقاف المصري أحدها، علق بعضهم بأن ذلك مبرر واهٍ لأمر ليس من الإسلام، مستدلين بأحاديث ومواقف تظل ما بين تفنيد ورد حتى تلك اللحظة.

بعض تلك المنشورات والتعليقات متشابهة، سواء في المضمون أو الكلمات، وهو ما اعتبره بعضهم إفلاساً وعدم امتلاك حجة مقنعة ونسخاً لمنشورات فحسب.

في ذلك قال وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشؤون الدعوة أيمن أبو عمر حول الأمر إن كثراً يتحدثون من دون فهم أو سند، وهؤلاء لا يعلمون أن البدعة أمر مستحدث في الدين ليس له أصل، لكن الصلاة على النبي من أفضل الأمور التي يتقرب بها إلى الله "القلوب الصادقة في محبة النبي ليست بحاجة إلى أدلة (...) هذه أمور مشروعة، وليس هذا فحسب بل يحبها الله تعالى"، بحسب تصريح متلفز له.

هل صليت على النبي؟

ذكّر بعضهم في التعليقات والمنشورات بواقعة شهيرة عام 2014 حين انتشرت ملصقات في أماكن مختلفة تحمل عبارة "هل صليت على النبي اليوم؟"، فانتقاد وزير الأوقاف المصري لها آنذاك لا يتفق ودعوته إلى الصلاة على النبي بعد صلاة الجمعة المقبلة.

جمعة الذي يتولى منصب وزارة الأوقاف منذ عام 2013 قال حين انتشرت تلك الملصقات إنها تدعو إلى الريبة والشك، وعلى رغم أهمية الصلاة على النبي، فإن لكل شيء مقامه ومقاله.

ونقلت صحيفة "الأهرام" المصرية المملوكة للدولة عن جمعة أنه "مع التسليم بأهمية الصلاة على النبي وفضل كثرة الصلاة على النبي، لا أرى ذلك مبرراً ولا أستحسنه، فهذا الملصق انتشر في الشوارع بشكل غير طبيعي ومثير للدهشة والريبة من أناس غير معروفين يغلب على الظن أنهم يهدفون إلى أهداف ليست فى مصلحة الوطن على أقل تقدير"، مؤكداً منع وجود ملصقات دينية أو غيرها في المساجد "لأننا نريد أن نبرئ ساحة المسجد من كل هذه الملصقات".

جدلية الدين والسياسة

على أن قطاعاً آخر من المعترضين رأوا في الأمر "شبهة سياسية"، رافضين أن تكون الصلاة على النبي نشاطاً سياسياً واستجابة لوزير يمارس السياسة بحكم عمله.

يرفض كثيرون أن يتم إقحام الصلاة على النبي كأمر وتكليف من وزارة الأوقاف المصرية بالجهر بها، واعتبروه أمراً لا يصح أن يصدر عن وزير، إذ إن ذلك الفعل يجري بشكل طوعي من دون تكليف.

وكان وزير الأوقاف المصري تعرض بداية الشهر الجاري لجملة من الانتقادات داخل جلسة عامة في مجلس النواب المصري بسبب أوضاع المساجد والأئمة وممارسات هيئة الأوقاف.

الإعلامي المصري إبراهيم عيسى اشتبك مع الأمر خلال حلقة لبرنامج يقدمه على فضائية مصرية، قائلاً إن دعوة الأوقاف إلى الصلاة على النبي لمدة خمس دقائق عقب صلاة الجمعة المقبلة، دفع السلفيين والإخوان إلى الحديث عن الأمر ونجحوا في تحويل الدين إلى مجموعة من الهمهمات.

واستعرض الإعلامي المصري قرار الأوقاف، لكنه اعتبر أن "قراراً حكومياً للصلاة على النبي يحتاج إلى دهشة، والمجتمع الذي يفقد الدهشة يفقد روحه"، وتساءل "هل الصلاة على النبي في حاجة إلى قرار رسمي حكومي؟ ولماذا هذه الجمعة وليس الماضية؟"، مستعرضاً بعض المبررات ومفنداً لها قائلاً "الدولة المدنية لا تصدر قراراً بالعبادة".

وما بين ترحيب واعتراض، كان قطاع آخر يعتبر أن الأمر أخذ مساحة كبيرة من التناول، تحديداً على مواقع التواصل الاجتماعي. يقول محمد جاد، وهو شاب يعيش في محافظة الجيزة، "الأمر أخذ بعداً كبيراً، لا أرى في الأمر مشكلة ولا أرى فائدة أيضاً، أقصد الجهر بالصلاة على النبي، لا الصلاة عليه فقط، لأن هذا يحدث بشكل يومي".

هوية مصرية

بحسب رئيس القطاع الديني في وزارة الأوقاف المصرية هشام عبدالعزيز، في تصريح متلفز، فإنه خلال الأعوام الماضية "كانت الجماعات الإرهابية تحاول طمس الهوية المصرية في مجالس ذكر أسماء الله الحسنى والصلاة على النبي (...) كل هذا عاد كمجالس في كل مساجد مصر".

بالتوازي مع تلك التصريحات، كانت صفحة وزير الأوقاف المصري تبث مشاهد حية من مساجد يصدح من فيها بالصلاة على النبي، وفي بعضها مشاهد لأطفال يفعلون ذلك. كما نشرت مقاطع فيديو لعدد من الأئمة والقراء داخل مسجد الحسين بالقاهرة في حضور وزير الأوقاف المصري، جاء بعضها تحت عناوين "مجلس أسماء الله الحسنى ومجلس الصلاة على سيدنا رسول الله" خلال الأسبوع الماضي بعد ختمة كاملة للقرآن في المسجد.

قبلها بأيام، كان الوزير جمعة قرر أن يكون ختام جميع المقارئ القرآنية للأئمة والجمهور وكبار القراء ومجالس التلاوة بنحو ثلاث إلى خمس دقائق بالصلاة على النبي، بحسب ما نشرت جريدة الجمهورية، المملوكة للدولة المصرية.

المحبة لا تحتاج إلى جهر

وفي حين أن جمعة يقول إن المقصد من الأمر أن "نملأ الدنيا كلها تلاوة وذكراً وصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم"، فإن مواطنين مصريين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" يرون أن محبتهم لنبي الإسلام "لا تحتاج إلى الجهر بالصلاة عليه، إنما هي عمل بما نص عليه واجتناب للأخلاق السيئة التي نهى عنها، وهذا قدر كافٍ لإظهار المحبة عملاً لا قولاً".

وما بين فرح بالقرار ومستنكر له ومن يرى أنه أحدث رد فعل غير مبرر، فإن المصريين في أفعالهم اليومية، بقصد أو من دون قصد، يمارسون فعل الصلاة على النبي من تلقاء أنفسهم، أو بدعوة من الغير، وفي حالات عدة إذا ما طلب من أحدهم فعل ذلك فإنه يجهر بالصلاة، فيرد مخاطبه "زيد النبي صلاة".

المزيد من تقارير