Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رغم مزاياها... لماذا تراجع استثمار المصريين في أذون الخزانة؟

توسع القاهرة في الاقتراض المحلي لسنوات جعل من أدوات الدين بضاعة رائجة قبل أن تفقد السوق نصف مستثمريها الأفراد في بضعة أشهر

على مدى 14 شهراً رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 1000 نقطة أساس (أ ف ب)

ملخص

تجعل حاجة الجهاز الإداري للدولة في مصر إلى الاقتراض الداخلي من أدوات الدين الحكومية قصيرة وطويلة الأجل بضاعة رائجة في ظل أسعار الفائدة المرتفعة

داخل أحد البنوك العامة في القاهرة يجلس عيد حامد الموظف الخمسيني انتظاراً لموعده مع أحد موظفي خدمة العملاء، إذ تدفعه الحاجة إلى استثمار مدخراته والحيلولة دون تآكل ما تبقى من قيمتها الشرائية بفعل التضخم، إلى الاكتتاب في أذون الخزانة المصرية، ومعاودة استثمار عائدها المدفوع مقدماً في شراء بضعة غرامات من الذهب.

تجعل حاجة الجهاز الإداري للدولة في مصر إلى الاقتراض الداخلي من أدوات الدين الحكومية قصيرة وطويلة الأجل بضاعة رائجة في ظل أسعار الفائدة المرتفعة، وهو ما يفسر إصدار القاهرة أذون خزانة حتى يناير (كانون الثاني) الماضي بإجمالي 1.94 تريليون جنيه (63 مليار دولار) من 1.70 تريليون جنيه (55 مليار دولار) في سبتمبر (أيلول) 2022، لكن الملاحظ عند تدقيق الأرقام وعقد المقارنات كان تراجع معدلات استثمار الأفراد في هذه الأذون إلى النصف تقريباً.

استقر رأي حامد على أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل "أذون الخزانة المصرية" من دون شهادات الادخار لاستثمار أمواله، لما توفره الأولى من عائد مغر مدفوع مقدماً، ولكونها وثيقة ذات مواعيد استحقاق قصيرة الأجل، أما السبب الأهم فلإدراكه حاجة جهاز بلاده الإداري إلى تدبير ما يلزم من السيولة لسد العجز المزمن في الموازنة، مما يضمن لمدخراته دورات قصيرة وسريعة.

عوائد مدفوعة مقدماً

بالنسبة إلى الموظف الخمسيني فإن العوائد المدفوعة مقدماً على أذون الخزانة المصرية بنسبة تقترب من 24 في المئة حالياً - قبل خصم الضريبة - تقيه، كما يقول لـ"اندبندنت عربية"، تقلبات سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم وتآكل الجنيه المصري، بخاصة إذا ما استثمر هذه العوائد في أوعية أخرى من بينها الذهب، بعكس العوائد المؤجلة على الشهادات الادخارية التي يستقبلها الأفراد مطلع كل شهر أقل قيمة بفعل التضخم مما كانت عليه من قبل.

في حين كان حظ أسعار الفائدة في مصر بين الصعود تارة والإبقاء على السعر تارة أخرى، إلا أن الأمر كان مغايراً لدى أذون الخزانة التي ظلت عوائدها تواصل الصعود، لحرص "المركزي المصري" على إبقائها موضع جاذبية للمستثمرين وبخاصة الأجانب، إذ تظهر البيانات التاريخية لمتوسط أسعار الفائدة على أذون الخزانة المصرية ارتفاعاً غير مسبوق، إلى أعتاب 24 في المئة (23.78 في المئة) في مايو (أيار) الجاري.

يتفق الشاب الثلاثيني صالح إبراهيم مع ما ذهب إليه عيد حامد، في شأن التضخم المتنامي في البلاد، الذي يجعل من العوائد المستحقة بشكل دوري على شهادات الادخار تعاني معضلة "الفائدة الحقيقية" - العائد مطروح منه التضخم - معتبراً أن الحصول على عائد مقدم على أذون الخزانة يمنحها أفضلية كبيرة من وجهة نظره عن شهادات الادخار وبقية المنتجات المصرفية الأخرى، كما يقول لـ"اندبندنت عربية".

تضخم قياسي

على رغم التباطؤ في ارتفاع معدل التضخم في أبريل (نيسان) الماضي، ليسجل التضخم السنوي في مصر 31.5 في المئة في مقابل 33.9 في المئة في مارس (آذار) السابق له، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلا أن ذلك لم ينف عن القراءة الأخيرة أنها الأعلى منذ ما يزيد على ست سنوات.

لكن ليس من بين المصريين كثير ممن هم على شاكلة حامد وإبراهيم في اختيارهما أذون الخزانة المصرية كوعاء استثماري، إذ لا يحظى السند الحكومي بشعبية شهادات الادخار التي تطرحها البنوك في مصر بعوائد دورية مرتفعة، علاوة على تراجع معدلات استثمار الأفراد في أذون الخزانة المصرية من 18.2 مليار جنيه (590 مليون دولار) في سبتمبر (أيلول) 2022 إلى النصف تقريباً 9.96 مليار جنيه (320 مليون دولار) بحلول يناير 2023، بحسب التقرير المالي الأخير لوزارة المالية.

تراجع استثمارات الأفراد في أدوات الدين قصيرة الأجل يعود كما يقول المتخصص المصرفي وليد عادل، إلى تخارج كثير من الاستثمارات في الأساس من سوق أدوات الدين إلى أسواق مماثلة أو حتى إلى قطاعات أخرى، والأمر في مصر من وجهة نظره ارتبط بتحرير سعر الصرف أكثر من مرة وتراجع القيمة الشرائية للجنيه وتآكل المدخرات أمام التضخم القياسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهوى سعر الجنيه المصري رسمياً أمام الدولار الأميركي، من مستوى 15.75 للدولار الواحد في مارس 2022 وصولاً إلى متوسط 30.85 للدولار في مايو الجاري، في حين احتفظت السوق السوداء بأسعار أكبر للدولار عند مستوى 40 جنيهاً (1.29 دولار بالسعر الرسمي) في المتوسط، مما فتح الباب أمام تكهنات مؤسسات دولية بـ"تعويم رابع" في الأجل القريب.

عائد مجز ولكن

وتحدث وليد عادل لـ"اندبندنت عربية" عن طبيعة أذون الخزانة، فيقول إنها "سند حكومي أو وثيقة دين لضمان لحقوق الدائن، تقترض بموجبها وزارة المالية ما يكفي لنفقات الدولة وجهازها الإداري وتتميز بأجلها القصير وعائدها المجزي المدفوع مقدماً، وهو عائد يستغله بعضهم في شراء أصول أخرى".

وتخالف أذون الخزانة المصرية شهادات الادخار المطروحة في البنوك من حيث طبيعة ومواصفات كل منهما، فالأولى ليست منتجاً من المنتجات المصرفية كما الحال مع شهادات الادخار، إنما سند حكومي ضامن لحقوق الدائنين، تقترض بموجبه وزارة المالية أموالاً من البنوك للإنفاق على أبواب الموازنة.

ويلفت المتخصص المصرفي إلى أن أذون الخزانة المصرية لا تحظى بما يكفي من التثقيف المالي والمصرفي، ربما لأنها قصيرة الأجل، في حين أن البنوك والقطاع المصرفي ككل يفضل الشهادات الادخارية الأطول أجلاً لضمان استقرار السيولة لفترة أطول، وهو ما يفسر لجوء البنوك إلى رفع الفائدة على الشهادات لتعزيز جاذبيتها كمنتج مصرفي، كما يوضح.

وتدفع وزارة المالية عوائد أذون الخزانة المصرية مقدماً مخصوماً منها 20 في المئة ضريبة للمصريين و10 في المئة للأجانب، ويتولى البنك المركزي المصري طرح العطاءات وإدارتها كل أسبوع، خلافاً للشهادات الادخارية التي تقدم في الغالب عوائدها بشكل شهري وربع سنوي ونصف سنوي أو في نهاية كل عام.

1.9 تريليون جنيه

وبحسب التقرير المالي الشهري الصادر عن وزارة المالية في مصر، اقترضت الوزارة بموجب إصدار أذون الخزانة حتى يناير الماضي 1.94 تريليون جنيه (63 مليار دولار) من 1.70 تريليون جنيه (55 مليار دولار) في سبتمبر 2022.

ويتفق رئيس بنك التنمية الصناعية السابق ماجد فهمي مع ما ذهب إليه المتخصص المصرفي وليد عادل في شأن ضعف إقبال الأفراد على أذون الخزانة بالمقارنة مع الشهادات الادخارية، لكن لدى فهمي أسباباً إضافية وراء هذا الضعف، من بينها آلية دورية العائد التي تضمنها شهادات الادخار وتضيف إلى الدخل الشهري للأفراد من حائزي هذه الشهادات أموالاً تدعم موقفهم المالي كل شهر.

وطرحت البنوك في مصر لمدة شهر شهادات ادخار بعائد مرتفع يصل إلى 25 في المئة مطلع العام الحالي، قبل أن تعاود طرح شهادات أخرى بعائد 19 في المئة ثابت و22 في المئة متغير، بهدف كبح جماح الطلب في السوق وضبط التضخم عبر تقليص جانب المعروض من السيولة.

الشهادات الادخارية

يقول ماجد فهمي "هناك شهادات الادخار التي تقدم عوائد مرتفعة مع ميزة دورية العائد، بخاصة لدى كبار السن وأصحاب المعاشات، ممن يبحثون عن عوائد ثابتة بشكل دوري من استثمار مدخراتهم في هذه الشهادات. دورية العائد مهمة للناس وبخاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية، لكن أيضاً عوائد أذون الخزانة المرتفعة والمدفوعة مقدماً تلقى قبول شريحة من المستثمرين الأفراد إلى جانب كونها قصيرة الأجل".

صعدت أسعار الفائدة في مصر اعتباراً من مارس 2022، لمجاراة التشديد النقدي الذي مارسته البنوك المركزية لمكافحة التضخم، وفي مقدمتها مجلس الاحتياطي الفيدرالي نهاية عام 2021، وأدى إلى انكشاف سوق أدوات الدين الحكومية بتخارج 20 مليار دولار من مصر بحلول نهاية الربع الأول من العام الماضي، مما هبط بالجنيه المصري أمام الدولار الأميركي بنسبة 97.7 في المئة، عبر ثلاثة قرارات لتحرير سعر الصرف بدأت تزامناً مع اجتماع لجنة السياسة النقدية بـ"المركزي المصري" في مارس 2022.

ويختتم رئيس بنك التنمية الصناعية السابق بقوله "الجميع اليوم في مصر يبحث عن سبل التحوط وتجنب التعويم القادم، ووجهة الغالبية منهم إلى الدولار أو الذهب، بشكل يفوق حتى الشهادات وأذون الخزانة".

وتثقل أسعار الفائدة المرتفعة في مصر كاهل الدولة بإضافة مزيد من الأعباء، إذ تقدر وزارة المالية كل واحد في المئة زيادة في أسعار الفائدة عما هو مستهدف (18.5 في المئة) بمشروع الموازنة العامة للدولة المقبلة، بإضافة 70 مليار جنيه (2.26 مليار دولار) على جانب الإنفاق، مما يعمق نسبة العجز في الموازنة، في وقت تقدر القاهرة الفجوة بين الإيرادات والمصروفات بنحو 558 مليار جنيه (18 مليار دولار) في موازنة العام المالي 2022- 2023.

على مدى 14 شهراً رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 1000 نقطة أساس، منها 800 نقطة أساس العام الماضي وحده، و200 المتبقية في اجتماعه مارس الماضي، ليصل سعر الفائدة على الإيداع 18.25 في المئة و19.25 في المئة على الإقراض، كما رفع نسبة الاحتياطي النقدي التي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها لدى البنك المركزي بواقع 400 نقطة أساس في سبتمبر (أيلول) 2022.

اقرأ المزيد