Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجفاف يدفع مزارعي العراق إلى الهجرة نحو المدن

المساحات الخضراء باتت صحارى وأصابع الاتهام تشير إلى تركيا وإيران والاستمطار الاصطناعي قد يكون الحل

الأهوار في الجنوب العراقي لم تسلم من الجفاف (أ ف ب)

ملخص

بلغ شح المياه مستويات خطرة في بلاد عرفت بنهري دجلة والفرات والجفاف دفع كثيراً من الفلاحين إلى اللجوء للمدن الصناعية والسكنية لغرض العمل في المهن الحرة.

لم يعد أمام المزارعين في العراق سوى النزوح من أراضيهم نحو المدن للعمل في مهن أخرى غير الزراعة، فالمياه باتت شحيحة إلى أقصى درجة وتحولت مساحات خضراء كانت تسر الناظرين إلى صحارى جرداء بسبب الجفاف وندرة المياه.

ويعانى العراق منذ القرن الماضي تزايد مستوى الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن تراجع المسطحات المائية وتناقص الأمطار وشح المياه بشكل عام، وكذلك سوء إدارة الحكومات المتعاقبة لأزمة المياه وعدم اتخاذ أية إجراءات تتصدى لإنشاء دول المنبع، مثل تركيا وإيران، سدوداً أثرت بشكل واضح في الخزن المائي ومن ثم في الخطة الزراعية التي تعتمد جذرياً على الوفرة المائية.

وأمام حشد من الأشجار التي باتت علامات الموت عليها واضحة نتيجة شح المياه، يشير المزارع فلاح جمعة إلى أن المساحات الزراعية تقلصت إلى حد كبير خلال السنوات الماضية نتيجة تناقص المياه، منوهاً بأن غالبية المزروعات ماتت نتيجة عدم وجود مياه كافية لإروائها، مشدداً على أن الجفاف شجع على الهجرة نحو المدن الصناعية والسكنية.

نبذة عن الجفاف

المستشار السابق للجنة الزراعة والمياه والأهوار عادل المختار استعرض جذور الأزمة التي يشهدها العراق اليوم قائلاً إنه "منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان العراق متطوراً في البنى التحتية التابعة للموارد المائية وكان من أكثر دول المنطقة تطوراً، حتى إنه كان يطالب تركيا وإيران بضرورة بناء سدود حتى يقلل من ضغط الفيضان".

ويكمل، "بعد دخول العراق مرحلة الحروب في ثمانينيات القرن الماضي عملت دول الجوار على بناء السدود وآخرها سد (اليسو) الذي شغلته تركيا عام 2017، وبينما كان العراق يطالب بتأخير الملء ثلاثة أشهر أو أكثر حتى يستطيع ملء سدوده وتلافي شحة المياه أو الجفاف القاسي، يشاء القدر في نهاية 2018 وبداية 2019 أن تأتي موجة فيضانية، فملأت تركيا سدودها واستطاع العراق أيضاً خزن كمية مياه تقدر بـ 60 مليار متر مكعب".

وانتقد المختار سوء الإدارة التي أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة قائلاً إن "تركيا الآن تنوي بناء سد الجزرة وسمته السد القاتل، إذ سيقتل حوض مياه نهر دجلة".

وتابع، "لا نزال نعمل بالخطة الزراعية ونستخدم منظومات الري القديم ونزرع مساحات واسعة بإنتاجية ضعيفة، ولا تزال أغلب القطاعات الزراعية متعثرة"، مقراً بأن وضع الصيف الحالي سيكون قاسياً على العراقيين.

لا بداية

في المقابل قال المتخصص في الشؤون البيئية حسن شكري إن ظاهرة الجفاف لا يمكن تحديد بداياتها، إذ إن العراق يقع في المنطقة الواقعة في ظل مناخ شبه مداري يتصف بارتفاع درجات الحرارة والجفاف.

وأضاف، "هناك علامات على اتساع رقعة الجفاف في العراق إذا ما قارناها بالعقود الماضية، إذ تقلصت المساحات الخضراء والمسطحات المائية مع زيادة في ارتفاع درجات الحرارة وتناقص الأمطار وشح المياه بشكل عام".

وتابع شكري، "نتيجة الظروف التي مر بها العراق بداية الألفية الثالثة وما شهده من صراعات مسلحة، فضلاً عن الإهمال الحكومي في تنفيذ برامج إدارة المياه والبرامج البيئية وغيرها، فقد أدى ذلك إلى تفاقم ظاهرة الجفاف وظهور التصحر في العراق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح، "خلال الثمانينيات والتسعينيات تقلصت مساحات واسعة من غابات النخيل في محافظة البصرة بالتزامن مع تقلص كبير للمسطحات المائية في الأهوار نتيجة عواصف غبارية تشهدها البلاد منذ التسعينيات".

ويعتقد شكري بتأثير كبير لكل من تركيا وإيران من خلال تحجيمهما للمياه الواصلة إلى بلاد الرافدين وانقطاع 42 نهراً من الجانب الإيراني عن العراق.

يشار إلى أن تياراً سياسياً دعا في وقت سابق إلى تبني مبدأ غير تقليدي لمواجهة الجفاف في العراق عبر الاستعانة بالشعبين الإيراني والتركي لتوليد ضغط على حكومتيهما في شأن حصة العراق من المياه.

طبيعية وبشرية

إلى ذلك قسم المتخصص في الشأن المائي رمضان حمزة أسباب الجفاف في العراق إلى طبيعية وبشرية، فالأولى "تتمثل في تغيرات المناخ التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنها العراق، إذ تعرضت بلاد الرافدين إلى أكثر من سبعة مواسم جفاف من بداية القرن الـ 21".

أما العامل البشري، بحسب حمزة، فيجسده "انحسار مياه نهري دجلة والفرات نتيجة سياسات دول المنبع وإنشائها عدداً من مشاريع السدود العملاقة، ونقل مسار الأنهار المشتركة إلى داخل حدودها السياسية من دون إشعار العراق الذي يعد دولة مصب".

وأكد حمزة أن هذا أثر بشكل كبير جداً في تفاقم الأزمات المائية وزحف الصحراء، وقلل استحقاقات العراق التاريخية في مياه النهرين اللذين تراجعت تصاريفهما إلى أقل من 30 في المئة من معدلاتها الطبيعية، إضافة إلى سوء إدارة المتوافر من المياه".

وفي مارس (آذار) الماضي أكد رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق الدكتور فاضل الغراوي أن أزمة المياه المستمرة أدت إلى كوارث إنسانية وبيئية وألحقت خسائر تقدر بالمليارات يومياً.

وأضاف في بيان له أن أزمة المياه أدت إلى مشكلات الجفاف والتصحر وارتفاع العواصف الترابية، وأثرت في نسبة الأراضي المزروعة التي تعتمد على المياه بشكل رئيس وأدت إلى نزوح آلاف العائلات وأثرت في المناخ والبيئة وهددت الأهوار والبحيرات الطبيعية بالجفاف.

وطالب الغراوي الحكومة بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن حول انتهاكات تركيا واستخدامها الجائر للسدود مما يمنع تدفق المياه إلى العراق، ومخالفتها القوانين الدولية الخاصة بالمياه ومطالبتها بتقديم تعويضات عن الأضرار التي تقدر بمليارات الدولارات.

وأضاف أن "تطبيق الاستمطار الاصطناعي سيكون أحد الحلول العاجلة لسد النقص الحاصل بسبب أزمة المياه وقلة الأمطار التي يعيشها العراق خلال الفترة الأخيرة، وسيسهم في تحسين المناخ وتقليل درجات الحرارة في الصيف ويؤدي إلى استثمار كم هائل من الأراضي في الزراعة، وسينعش الأهوار والبحيرات ويسهم بشكل كبير في تعزيز الخزن المائي".

ودعا الغراوي رئيس مجلس الوزراء إلى تشكيل الهيئة الوطنية للاستمطار الاصطناعي بشكل فوري لمعالجة أزمة المياه والاطلاع على التجارب الحاصلة في الإمارات وعمان والأردن التي طبقته بعد أن استعانت بكبرى الشركات العالمية لتنفيذه.

تدخل دولي عاجل

وكان رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أكد مطلع الشهر الجاري أن انخفاض مناسيب مياه نهري دجلة والفرات يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً، وقال في كلمة له خلال مؤتمر بغداد الدولي الثالث للمياه إن "ملف المياه بات حساساً ومهماً في كل دول العالم"، مبيناً أن "أزمة المياه بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي لكن الحكومات السابقة لم تكاشف بها المواطنين".

وتابع أن "من بين المعالجات الأساس ضبط الخطة الزراعية الشتوية من خلال إدخال الوسائل الحديثة للري"، مردفاً أن "الخطط الزراعية المقبلة تقتصر على المزارعين المستخدمين لوسائل الري الحديثة".

ونوه السوداني إلى أن "الحكومة الحالية اتجهت إلى الخبرات التي تملكها الدول المتقدمة للاستفادة من المياه، وعملت على تشكيل مجلس أعلى للمياه، وهي عازمة على الذهاب إلى تحلية مياه البحر"، محذراً من أن "شح المياه يعد تهديداً لثقافة العراق وحضارته، وأن انخفاض مناسيب مياه نهري دجلة والفرات يستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً"، مبيناً أن "جهودنا يجب أن تتركز على إبعاد الأخطار أو تقليلها لمنح أجيالنا المقبلة بيئة جيدة".

وأضاف، "محادثاتنا مع دول الجوار تركزت على لغة الحوار البناء والمثمر لمعالجة ملف المياه وضمان حصة عادلة".

موت الأرض والحيوانات

وبلغ شح المياه مستويات خطرة في بلاد عرفت بنهري دجلة والفرات، إذ يكشف المزارع العراقي مزهر عطيه أن "الأرض أصبحت قاحلة وجرداء نتيجة شحة المياه، حتى إنا احتفظنا بالأجهزة الخاصة بالزراعة ولم نستخدمها في هذا الموسم"، لافتاً إلى أن خطر شحة المياه لم يشمل فقط الأراضي الزراعية بل وصل أيضاً إلى الحيوانات التي نفق أغلبها نتيجة الجفاف وظهور مياه ملوثة غير صالحة للزراعة أو لشرب الحيوانات".

وأكد أن الجفاف دفع كثيراً من الفلاحين إلى اللجوء للمدن الصناعية والسكنية لغرض العمل في المهن الحرة ومساعدة عوائلهم التي كانت سابقاً تعتمد على بيع المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية.

ويقول محمد بهلول، المزارع السابق والعامل في أحد الأفران بالعاصمة بغداد، إن "شح المياه أجبرني على القدوم من واسط إلى بغداد للعمل هنا وكسب المال وإعانة عائلة مكونة من خمسة أفراد كانت في السابق تعتمد على ما تبيعه من المحاصيل الزراعية".

وتابع أن "الأرض التي كنت أزرعها أصبحت صحراء نتيجة شح المياه والجفاف، فالمساحات الزراعية تقلصت بشكل كبير عما كانت عليه خلال العقود الأخيرة"، مشيراً إلى أن كثيرا من الشباب هاجروا نحو المدن الصناعية للعمل.

المزيد من تقارير