Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متحف سرسق" يعود إلى الحياة بعد انفجار مرفأ بيروت

فتح أبوابه من جديد أمام عشاق الفنون والثقافة بعد ثلاث سنوات من الإقفال القسري

يجمع "متحف سرسق" ما بين العراقة والفن المعاصر في مكان واحد (المكتب الإعلامي للمتحف)

ملخص

 "متحف سرسق" ولادة جديدة لأحد أهم المعالم الثقافية في بيروت

لم يكن انفجار مرفأ بيروت الضربة الأولى التي تلقاها "متحف سرسق"، فقد مر بمراحل سابقة عصيبة فرضت العمل بشكل متقطع فيه، خصوصاً خلال الحرب الأهلية في عام 1975 وبعدها، أيضاً في عام 2008، أُطلقت ورشة ضخمة استمرت سبع سنوات، لإعادة ترميم هذا الصرح العريق الذي يرتبط بذاكرة بيروت، لكن للأسف، أتى انفجار المرفأ بعد ثماني سنوات من إعادة افتتاحه ليلحق أضراراً بالغة فيه، والأسوأ أن الدمار لم يطل الواجهات الخارجية والمبنى فحسب، إنما مقتنيات المتحف التي لا تقدر بثمن أيضاً، أما اليوم، فنشهد ولادة جديدة لأحد أبرز معالم بيروت التي تعكس وجهها الحضاري والثقافي، وعادت الحياة في أرجائه بعد مضي قرابة ثلاث سنوات على أعمال الترميم في ظروف لا تخلو من التحديات. هي عودة ترقبها في الفترة الماضية عشاق الفنون والثقافة والمتحف بكل ما فيه من مجموعاته الفنية القيمة وبمبناه العريق الذي يجمع بين الملامح الإيطالية وتلك العثمانية.

 

في التاريخ العريق

بنى نقولا إبراهيم سرسق القصر في عام 1912 في "حي السراسقة" في بيروت، الشهير بقصوره وبمبانيه الفخمة دفعه عشقه للفنون إلى أن يوصي بنقل ملكيته إلى مدينة بيروت بعد وفاته، على أن يتحول إلى متحف لنشر الثقافة ولدعم الفنانين اللبنانيين والترويج لأعمالهم، وانتقلت ملكية القصر بناء على وصية صاحبه إلى بلدية بيروت من عام 1952، إلا أنه لم يتحول إلى متحف في مرحلة أولى، بل إلى مضافة رسمية لاستقبال الملوك ورؤساء الدول في عهد الرئيس كميل شمعون، عاد وتحول إلى متحف في عام 1961 مع افتتاح "معرض الخريف" الذي أصبح تقليداً سنوياً، ومن أبرز الأنشطة التي اشتهر بها المتحف في نشره للثقافة والفن، في الوقت نفسه، بنى المتحف مجموعاته الخاصة وأقام المعارض المحلية والعالمية، إلى أن أقفل في عام 2008 بشكل مؤقت لتجديده والتوسع فيه، فتضاعفت مساحته أكثر من خمس مرات حتى بلغت 5000 متر مربع مع خمس صالات عرض، وأضيفت أربعة طوابق تحت المبنى القائم دون المس بتصميمه الأساسي، كما أُضيفت قاعة المعارض المؤقتة وقاعة المحاضرات وصالة المجموعات الدائمة ومكتبة ومتجر ومطعم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما المجموعات الخمس الدائمة فهي:

- المجموعة الشرقية التي تضم تحفاً من الفن الإسلامي القديم والفن العثماني وأيقونات بيزنطية

- مجموعة فؤاد دباس وفيها أكثر من 30 ألف صورة فوتوغرافية تعود إلى ما بين عامي 1830 و1960.

- مجموعة نقولا سرسق، وتضم مجموعة من المفروشات والإكسسوارات والأعمال الفنية لمالك المتحف ومكتبه، وقد يكون الصالون العربي في الطابق الأول من المعالم الأكثر جذباً في المتحف لما يتميز به من طابع عريق وفخامة، وقد استقدم من دمشق في عشرينيات القرن الماضي، فيشهد على مستوى الفنون الحرفية في تلك الحقبة، إذ يتميز بتصميمه الخشبي المزين بالزخارف التي تغطي الجدران والأسقف.

- مجموعة الفن الحديث والمعاصر التي تقدم أعمالاً لفنانين من لبنان والعالم.

وتضاف إليها، المجموعات الخاصة بالمتحف ومن ضمنها أعمال الطباعة الحفرية اليابانية التي أهدتها السفارة اليابانية إلى المتحف عندما أقام معرضاً قدم فيه هذا الفن.

في جولة على المتحف، يتبين مباشرةً أن فيه ما يجعله مختلفاً عن بقية المتاحف لاعتباره يجمع في مكان واحد ما بين العراقة والتاريخ من جهة، والفن المعاصر بكل ما فيه من إبداع من جهة ثانية، وبين اللبناني والعالمي، وكأنه صورة عن مدينة بيروت بكل ما فيها من تنوع.

مرحلة جديدة 

في اليوم المشؤوم الذي حفر إلى الأبد في ذاكرة اللبنانيين، أدى انفجار مرفأ بيروت إلى تغيير شبه كامل في معالم المناطق المحيطة بالمرفأ، أما المتحف الذي يعد من أهم المعالم الثقافية التاريخية في المدينة الغني بمجموعاته من الأعمال الفنية العريقة وتلك المعاصرة وبأنشطته التفاعلية ومعارضه، فطالت الأضرار نسبة 50 إلى 70 في المئة منه، سقطت الزجاجيات الملونة التي تميز مبناه كاملةً ودُمر الصالون العربي والأسقف والبناء، وأكثر بعد، تعرضت مقتنيات المتحف من لوحات ومنحوتات إلى أضرار جسيمة، تضررت أكثر من 57 لوحة ومنحوتة، وفق ما توضحه مديرة المتحف كارينا الحلو لـ"اندبندنت عربية". ولولا التمويل والدعم من جهات مانحة خارجية، لما استطاع هذا الصرح العريق أن يفتح أبوابه أمام زواره من جديد، بغياب أي دعم مادي من وزارة الثقافة ومن الدولة اللبنانية لعدم توافر الإمكانات، "كانت فرنسا وإيطاليا الجهتان الممولتان الرئيستان لإعادة الحياة إلى المتحف وتأهيله ليستقبل زواره من عشاق الفن من جديد، لحرصهما على الوجه الثقافي للبنان، وكان الدعم الرئيس من وكالة الإنماء الإيطالية ووزارة الثقافة الفرنسية ومن التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع ALIPH، ومنظمة "يونيسكو" في إطار مبادرة "لبيروت" التي أعطته أولوية لدوره البارز في تاريخ بيروت ولأهميته المعمارية والحضارية كمتحف يعود بناؤه إلى عام 1860، أمام الزجاجيات الملونة فقدمتها مجاناً إحدى الجهات المانحة".

لأن المتحف كان قد أعاد فتح أبوابه من خمس سنوات فقط بعد حملة ترميمه وتوسيعه، استعاد هندسته الأساسية من دون تغييرات تُذكر باستثناء بعض التحسينات التي تتطلبها المرحلة الحالية وبعض الإضافات البسيطة، ونجد اليوم في إحدى زواياه أرجوحة جميلة هي تذكار من أهل الطفل الأسترالي Isaac الذي يعد أصغر ضحايا انفجار المرفأ، الذي كان من عشاق المتحف، كما قدمت Gaia Foundation أيضاً تذكاراً بشكل مقعد صممته.

في الواقع، للمتحف قصص طويلة مع الحروب وعمليات الترميم، فكان شاهداً على تاريخ لبنان الذي عرف حروباً عديدة ومتكررة، ولم يعرف إلا حقبات قصيرة من السلم والهدوء، لذلك، لإعادة افتتاحه رمزية مهمة، فإذا به ينهض هذه المرة أيضاً، كما في المرات السابقة، وكأنه صورة عن مدينة بيروت التي نهضت مراراً وعادت إلى الحياة، إنما بحسب الحلو، قد يكون انفجار مرفأ بيروت، أصعب التجارب التي مر بها المتحف، فاختلف الدمار هذه المرة عما تعرض له من أضرار سابقة جراء الحروب بسبب قذائف أو شظايا، هي أضرار اعتاد عليها المهندسون المختصون بترميم المعالم الأثرية، أما هذه المرة، فكان الترميم مختلفاً وشكل تحدياً صعباً وتتطلب وقتاً طويلاً.

مقتنيات متضررة

فترميم اللوحات والمنحوتات يتطلب مهارة وحرفية عالية من قبل متخصصين في هذا المجال، وهو لا يعد من الاختصاصات الشائعة في البلاد، لذلك، كان لا بد من اللجوء إلى جهات خارج لبنان للمشاركة في عملية الترميم، ومنها لوحة الفنان الهولندي الفرنسي كيس فان دونغن من عام 1939، فتكفل "مركز بومبيدو" في فرنسا بترميمها وعرضت لديه إلى حين إعادة الافتتاح، وأيضاً، لوحة الفنان اللبناني بول غيراغوسيان من عام 1970، التي ترك فيها أثر من الضرر الناتج من الانفجار عمداً على سبيل الذكرى، وقد عمل على ترميم هذه الأعمال الفنية لثلاث سنوات متخصصون لبنانيون وفرنسيون.

مع انتهاء أعمال ترميم المتحف، يبدو الطريق شاقاً للقيمين عليه حتى يستمر في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، لذلك، كما في المتاحف في مختلف أنحاء العالم، يجري العمل على برامج للتمويل من قبل مغتربين وجهات دولية وأصدقاء المتحف وإقامة شراكات مع مؤسسات دولية، علماً أن المتحف لا يفرض رسم دخول، بناء على وصية صاحبه ليبقى مفتوحاً للكل دون استثناء.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة