Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع إسرائيلي - فلسطيني على أكبر موقع تاريخي في الضفة الغربية

ينوي الفلسطينيون التوجه إلى "اليونيسكو" بينما تتهم تل أبيب السلطة بتخريب الموقع وإلحاق الضرر به

تتربع قرية سبسطية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة على أكبر موقع أثري في فلسطين (اندبندنت عربية)

ملخص

قامت مجموعات المستوطنين بحملة عامة واسعة النطاق قدمت من خلالها شكوى إلى الإدارة المدنية حول وضع بلدية سبسطية علم فلسطين في الموقع وإلحاق أضرار بمختلف الآثار

انتعاش السياحة المحلية خلال السنوات الأخيرة في قرية سبسطية شمال الضفة الغربية، وتوافد الشباب والعائلات وبعض الوفود الأجنبية لالتقاط الصور وسط الأعمدة الأثرية والمدرجات الرومانية وغيرها من الآثار التي يمتد عمرها آلاف السنين، شجع الشاب أحمد الشاعر (26 سنة) على البدء بمشروع تجاري صغير والاستبشار خيراً بموسم سياحي جيد يفرج عن حالته الاقتصادية الصعبة، إلا أن القرار الإسرائيلي الأخير لتطوير موقع استيطاني متاخم للقرية وموقعها الأثري، بما يزيد من وصول المستوطنين إلى المكان وتقليص الوجود الفلسطيني، حدا بالشاعر إلى صرف النظر كلياً عن المشروع.

 

فقد تمكن وزير السياحة الإسرائيلي حاييم كاتس ووزير التراث أميحاي إلياهو ووزيرة حماية البيئة عيديت سيلمان من الضغط على الحكومة الإسرائيلية، وتخصيص مبلغ استثماري بقيمة ثمانية ملايين دولار في الموقع الأثري للقرية حتى عام 2025، وتهدف الميزانية المعلنة بشكل غير مسبوق إلى تشجيع أعمال التنقيب في الموقع وتحويله إلى موقع سياحي. ووفقاً للخطة سيكون الموقع الجديد والممتد على مساحة 714 ألف متر مربع تحت مسؤولية وإدارة الإدارة المدنية وسلطة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية، وسيخضع الدخول إليه لرسوم، كما سيتم بناء وتشغيل مركز للزوار من قبل سلطة الطبيعة.

وتتربع قرية سبسطية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، على أكبر موقع أثري في فلسطين بمساحة تزيد على خمسة ملايين متر مربع، نصفها تقريباً يقع في منطقة "ج" التي تخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية والتي تضم أهم المواقع الأثرية فيها مثل ساحة "البازيليكا" و"القصر الملكي" و"البرج الهيلينستي" و"معبد أغسطس" و"شارع الأعمدة" والملعب والمسرح الذي يشبه إلى حد كبير مسرح مدينة جرش الأردنية، فيما تقع في المنطقة "ب" الخاضعة للسلطة الفلسطينية "المقبرة الرومانية" وضريح "النبي يحيى" ومسجده وكاتدرائية "يوحنا المعمدان" و"قصر الكايد".

 

أضرار فادحة

خطورة القرار الإسرائيلي بالنسبة إلى الفلسطينيين دفعت الحكومة الفلسطينية إلى بث رسالة طارئة إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو"، والمطالبة بتدخلها لمنع السلطات الإسرائيلية من إقامة موقع استيطاني متاخم لقرية سبسطية، والذي من شأنه، بحسب تعبير رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية "أن يتسبب في أضرار فادحة بالموقع الأثري في القرية، وإلى تغيير طابع المكان ومظهره التاريخي وهدم منشآت وأبنية فلسطينية تقع في الموقع المستهدف".

وبحسب ما جاء في الصفحة الرسمية لموقع "اليونيسكو" قامت المنظمة بالعمل على مخطط حماية وإدارة لسبسطية كموقع "مدرج على القائمة التمهيدية لفلسطين لمواقع التراث الطبيعي والثقافي ذي قيمة عالمية استثنائية محتملة، وتعتبر القرية من أهم المواقع الأثرية الفلسطينية"، ووفقاً لإحصاءات وزارة السياحة الفلسطينية فإن إسرائيل تفرض سيطرتها على 90 في المئة من المواقع الأثرية الفلسطينية.

 

وحول الأضرار التي طاولت القرية التي يعتمد اقتصادها على السياحة، قال رئيس بلدية سبسطية محمد عزام "تتعرض القرية لأكبر عملية تهويد وسرقة لموروثها الثقافي، لأن المشروع الاستيطاني يستهدف نحو مليون متر مربع تقع بالمنطقة المصنفة (ج) والتي تشكل قرابة 80 في المئة من مساحة الموقع الذي يزخر بآثار تعود إلى الحضارات الرومانية والكنعانية، والبيزنطية". أضاف "سيل المداهمات الإسرائيلية اليومية واندلاع مواجهات شبه يومية أديا إلى تراجع كبير في عدد السياح الأجانب، حتى عند وصولهم إلى مطار اللد، يتم تسليمهم منشورات تحذرهم من دخول سبسطية باعتبارها منطقه غير آمنة"، وبين عزام أن خطر الإغلاق بات يتهدد عشرات المنشآت السياحية المحيطة بالموقع، حيث تم بناء عديد من المطاعم ودور الضيافة والمتاجر التي تعيل مئات العائلات.

احتكاك وعنف

من جهتها، حذرت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية من أن "الاستثمار المخصص للترويج للموقع الأثري يحوله إلى مستوطنة سياحية في قلب منطقة فلسطينية، سيزيد من وجود المستوطنين في المنطقة وسيؤدي حتماً إلى وجود عسكري أكبر، بالتالي زيادة الاحتكاك والعنف".

أضافت الحركة في بيان أن "الصراع على الوجود الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية جزء مهم من سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، حيث يقع الموقع الأثري بين مستوطنتي شافي شومرون وحوميش، بالتالي، فإن تحويل سبسطية إلى موقع يجذب الجمهور الإسرائيلي يقصر المسافة إلى حوميش والمستوطنات التي تم إخلاؤها في منطقة شمال الضفة". وتابعت "يبدو أن نوايا الحكومة الحالية هي القضاء على فرصة حل الدولتين، فمنذ إنشائها شرعت البؤر الاستيطانية وألغت قانون فك الارتباط، وتشجع الآن المستوطنات السياحية، كل ذلك من أجل تقويض فرص السلام بين إسرائيل والفلسطينيين".

تدمير همجي

وبينما يزعم المستوطنون أن سبسطية كانت عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد واسمها التوراتي "شومرون"، اتهم وزراء في الحكومة الإسرائيلية السلطة الفلسطينية التي تشرف على بعض المناطق في الضفة الغربية "بأنها تحاول السيطرة على الموقع بشكل غير قانوني، وأن الفلسطينيين يلحقون الضرر بالبقايا الأثرية عبر فتح طريق دائري يضر بالآثار"، وذلك وفقاً لما جاء في موقع "يسرائيل هيوم".

وخلال السنوات الأخيرة قامت مجموعات المستوطنين بحملة عامة واسعة النطاق، قدمت من خلالها شكوى إلى الإدارة المدنية حول وضع بلدية سبسطية علم فلسطين في الموقع وإلحاق أضرار بمختلف الآثار، وأن الوصف الفلسطيني لسبسطية في محاولة لإعلانه كموقع إرث عالمي في "اليونيسكو" يتخطى ذلك ليمحو التاريخ اليهودي للمدينة، في حين أشارت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، في وقت سابق، إلى أن منشور وزارة السياحة والآثار التابعة للسلطة الفلسطينية يتجنب عمداً أي ذكر لإسرائيل أو لصلة اليهود بالموقع. ويشير إلى سبسطية كـ"عاصمة إدارية وسياسية إقليمية مهمة خلال العصر الحديدي الثاني والثالث"، وأنها كانت "مركزاً مدنياً مهماً خلال العصر الهليني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثناء جولة طارئة للموقع قبل أيام، قالت وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية عيديت سيلمان "تعمل السلطة الفلسطينية بشكل منهجي على تدمير البقايا الأثرية التي تشهد على العلاقة العميقة والتاريخية بين شعب إسرائيل وبلدهم، إن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمتنزه الوطني وخارجه في السنوات الأخيرة أثناء محو ما تبقى من عاصمة السامرة، وأحد أهم المواقع في تاريخ الشعب اليهودي، هو محو تل أبيب والقدس". أضافت "الحرب على سبسطية هي أيضاً حرب على تل أبيب".

في حين دعا رئيس مجلس السامرة يوسي دغان إلى إنشاء نقطة عسكرية دائمة هناك وتشغيلها بشكل يومي، قائلاً "إلى أن يتم فرز العناصر الأمنية هنا، فإننا نطالب رؤساء الإدارة المدنية بالتحرك بلا هوادة ضد الإرهابيين، وحراسة المكان لوقف التخريب الهمجي". أضاف "ما حدث هنا هو إذلال وطني من خراب السامرة القديمة عاصمة مملكة إسرائيل، وإذا لم نصل إلى رشدنا ونستيقظ ونبدأ في حماية هذا المكان، فسيتم محوه على يد السلطة الفلسطينية الإرهابية التي ارتكبت هنا جريمة كراهية بربرية وتدمير متعمد لمحو تاريخ الشعب اليهودي في موقع هو مهد الثقافة اليهودية".

استيلاء وتضييق

في المقابل، رأى الباحث في تاريخ وآثار فلسطين ضرغام فارس أن تصريحات الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بآثار سبسطية "انعكاس لسياسة متجددة تهدف إلى الاستيلاء على الأرض والتضييق على الفلسطينيين"، مؤكداً أن الطريق الذي قامت بلدية سبسطية بشقه يقع خارج حدود المدينة الأثرية منذ العصر الحديدي حتى الفترة الرومانية، ويقع في منطقة مصنفة "ب" بحسب الاتفاقيات. أضاف "شق مثل هذه الطرق مسموح علمياً ومهنياً مع المراقبة لاحتمال ظهور آثار خاصة بالمقابر، وهذا الإجراء مسموح ومتبع، والمتخصصون في الآثار لدى الاحتلال يعرفون ذلك ويطبقونه".

ووفقاً لورقة بحثية أعدها معهد القدس للأبحاث التطبيقية "أريج" "تستخدم إسرائيل الأوامر العسكرية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية ومصادرتها، "وأخرى للسيطرة على المواقع الأثرية وغيرها من الأوامر العنصرية التي استند كل منها إلى أسس قانونية مختلفة، منتهكة المواثيق والمعاهدات وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة".

وبحسب المعهد أيضاً "ما يجري من قرارات ليس إلا ترجمة لرغبة إسرائيل في التسلل بعمق، والسيطرة على المناطق الاستراتيجية والحيوية في الضفة الغربية المحتلة، وإحكام قبضتها على مواردها وخيراتها وضمها في نهاية المطاف حتى تضمن ديمومتها كدولة احتلال، نظراً إلى مساحة الأراضي التي أصبحت تسيطر عليها وما زالت تسعى إلى السيطرة على مزيد منها من خلال القوانين العنصرية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات