Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلم الفلسطيني يفجر سؤال النكبة ويشعل الحاضر

تحضيرات سرية لرفعه في ذكرى حرب 1948 وتل أبيب تسمح بـ"مسيرة مضادة" في الحي الإسلامي بالقدس

المفتش العام للشرطة الإسرائيلية يملك سلطة تخوله منع رفع الأعلام الفلسطينية (أ ف ب)

ملخص

لا يوجد بند في كتاب القوانين الإسرائيلية أو في قرارات المحاكم يمنع رفع العلم الفلسطيني في الحيز العام، فهل يتفاقم العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين لهذا السبب؟

تحدياً لتهديدات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي أمر بنزع الأعلام الفلسطينية من أي مكان عام وملاحقة الملوحين بها، يتحضر فلسطينيون سراً بعشرات من بالونات الهيليوم والطائرات الورقية والمسيرات لرفع العلم الفلسطيني يوم الـ15 من مايو (أيار) المقبل، الذي يصادف الذكرى الـ75 للنكبة.

وعلى رغم أن القانون الإسرائيلي لا ينص صراحة على حظر رفع العلم الفلسطيني، فإن المفتش العام للشرطة الإسرائيلية يملك سلطة تخوله منع رفع الأعلام الفلسطينية بموجب اللوائح الشرطية إذا ما استخدم العلم "للتحريض على الإخلال بالأمن".

وقالت الشرطة في بيان إن "مسألة منع رفع الأعلام تعتمد على طبيعة العلم وظروف رفعه والأعمال التي تصاحب ذلك، وكل هذه الأمور تحدد مسألة انتهاك السلامة العامة، إلى جانب احتمال وجود جريمة جنائية مصاحبة للواقعة، بما في ذلك دعم منظمة إرهابية".

تشريعات متلاحقة

على إثر النشاطات التي قام بها الفلسطينيون داخل إسرائيل والقدس لإحياء ذكرى النكبة، تم تمرير اقتراح لـ"الكنيست" الإسرائيلي من شأنه جعل رفع الإعلام الفلسطينية في مؤسسات تمولها الدولة غير قانوني، لكن الاقتراح الذي لم يتجاوز القراءة التمهيدية، مهد بحسب مراقبين لتنفيذ اتفاقات ائتلافية بين حزبي "الليكود" و"عوتسماه يهوديت" بموجبها ستقوم الحكومة الإسرائيلية خلال ستة أشهر بسن قانون يمنع رفع العلم الفلسطيني أو عرضه في المؤسسات الحكومية أو في المؤسسات الممولة من الدولة أو السلطات المحلية.

ويأتي الاتفاق ضمن سلسلة مشاريع قوانين متزاحمة يطرحها نواب إسرائيليون منذ بداية العام الحالي، حيث تم تقديم أربعة مشاريع قوانين تهدف إلى منع رفع العلم الفلسطيني بدعوى "عدم رفع علم كيان عدائي"، وثلاثة مقترحات تمنع رفع العلم الفلسطيني في المناطق الواقعة تحت مسمى "السيادة الإسرائيلية"، ومقترح قانون رابع يقضي بعدم رفع العلم في مؤسسات التعليم العالي، مع فرض عقوبات على كل طالب جامعي أو جامعة إسرائيلية تسمح برفع العلم الفلسطيني في الحرم الجامعي.

ووفق ما ذكرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، يقضي مشروع القانون الأخير بإبعاد طالب عن الدراسة الجامعية لستة أشهر في حال رفع علم "كيان معاد". وفي حال رفع الطالب نفسه العلم الفلسطيني مرة أخرى يتم طرده من الجامعة وسلب حقه بشهادة جامعية في إسرائيل أو الاعتراف بشهادة جامعة أجنبية لمدة 10 سنوات، وفي حال مصادقة مؤسسة أكاديمية على رفع العلم الفلسطينيي داخل حرمها ستسحب منها موازنات.

وعلى رغم أن إسرائيل اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية وأبرمت اتفاقات أوسلو معها ولم تعلن إلغاء هذه الاتفاقات، فإن بعض المشاريع تقضي بوصف السلطة الفلسطينية بأنها "كيان معاد" بموجب قانون العقوبات. وكانت اللجنة الوزارية صادقت، بداية مارس (آذار) الماضي، على اقتراح قانون يفيد بأن أي تجمهر لثلاثة أشخاص أو أكثر ترفع فيه أعلام "كيان معاد" أو أعلام لهيئة لا "تعترف بإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية" يعد تجمهراً غير قانوني ويفرض السجن لمدة عام على المشاركين به، كما يسعى القانون إلى تخويل الشرطة بتفريق أي تجمهر كهذا وتعريفه كـ"أعمال شغب".

تحركات فلسطينية

على ضوء مصادقة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع على اقتراح قانون يقضي بمنع رفع علم أي "كيان معاد"، قال المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة) إنه "لا يوجد بند في كتاب القوانين الإسرائيلية أو في قرارات المحاكم يمنع رفع العلم الفلسطيني في الحيز العام، وكل محاولات الشرطة لمنع رفع العلم الفلسطيني في التظاهرات واعتقال من يرفعه هي أفعال غير قانونية".

ويأتي موقف "عدالة" على ضوء ما سمته "التصعيد الخطر في الأشهر الأخيرة من الشرطة، وارتكابها أعمالاً غير قانونية ضد الفلسطينيين بسبب رفعهم العلم في الحيز العام، التي وصلت إلى حد اعتقال متظاهرين ومحامين كانوا يمنحونهم استشارات القانونية ويشرحون لأفراد الشرطة أنهم يقومون بعمل غير قانوني".

وضمن التحركات الأكاديمية الإسرائيلية، منعت جامعة تل أبيب الطلاب العرب من إقامة فاعلية احتجاجية ضد قانون منع رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات الرسمية والحيز العام من دون إبداء تبريرات، الأمر الذي دفع الطلبة العرب إلى إعلان تمسكهم ببرنامج واسع داخل حرم الجامعة لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية يتخلله رسم للعلم الفلسطيني.

ودعا بيان للتجمع الطلابي الديمقراطي وحركة "جفرا" الطلابية إلى "أوسع شراكة وطنية بين الحركات الطلابية الوطنية لإحياء ذكرى النكبة"، مؤكداً أن "النكبة الفلسطينية هي الحدث المفصلي في تاريخ وواقع الشعب الفلسطيني، وبهذا يتوجب علينا كطلاب عرب وفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية التي تعمل على محو هويتنا وذاكرتنا الجماعية أن نتوحد حول هذه الذكرى لنشكل خير مثال أمام شعبنا الفلسطيني في جميع أماكن وجوده".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال الناشط الطلابي صلاح الخطيب إن "حملة التحريض العنصرية ضد الطلاب العرب ونشاطاتهم تقودها جماعة يمينية عنصرية تحرض على الطلاب العرب لحرمانهم من الدراسة في الجامعات الإسرائيلية".

في المقابل نشر ناشطون من اليمين المتطرف دعوة من حركة "إم ترتسو" إلى ضرورة التجمع عند مدخل الجامعة، ورفع الأعلام الإسرائيلية ولافتات عليها عبارة "النكبة كذبة".

وفي خضم حال الاحتقان داخل الجامعات الإسرائيلية بين الطلاب العرب واليهود على خلفية رفع الأعلام، أكد الكاتب الإسرائيلي أورين زيف أن "قرار بن غفير سيؤدي إلى النتيجة المعاكسة، بحيث سيتم رفع مزيد من الأعلام الفلسطينية وتعليقها في الأماكن العامة، حتى من قبل بعض اليهود (في إشارة إلى المعارضة الإسرائيلية)".

ويرى الكاتب والأكاديمي الإسرائيلي مردخاي كيدار في مقالة نشرها عبر وسائل إعلام إسرائلية، أن "العلم ليس قطعة قماش بريئة، فعندما تتصارع مجموعتان على أرض واحدة، فإن الأعلام التي ترفرف تشير إلى الهدف، وكذلك إلى الخصم والعدو، بالتالي فإن رفع العلم هو إعلان حرب بوسائل مرئية، إنها دعوة صريحة وواضحة إلى القتال، فالعلم يعبر عن هوية جماعية وطموح وطني".

انتهاك صارخ

من جهتها طالبت منظمة العفو الدولية (أمنستي) السلطات الإسرائيلية بـ"التراجع عن التعليمات التي بموجبها يمنع رفع العلم الفلسطيني في الحيز العام بشكل كامل وجارف"، محذرة من أن هذه التعليمات "تشكل انتهاكاً واضحاً للمادة 2 و7 و19 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة، التي تشكل حجر أساس للقانون الدولي".

وقال المتحدث بلسان منظمة العفو الدولية في إسرائيل رامي حيدر "نحن واثقون أنها مجرد خطوة ضمن سلسلة خطوات ستتخذها الحكومة الإسرائيلية الجديدة لشرعنة التمييز العنصري، ورفع العلم الفلسطيني يندرج ضمن خانة حرية التعبير عن الرأي، وقمعه يشكل أساس انتهاك حقوق الإنسان".

وأضاف "قد يؤدي منع حرية التعبير بهذه الطريقة إلى محظورات وقيود أخرى، مثل الحظر الشامل على أي احتجاجات من قبل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، إلى جانب حرية التعبير في ما يتعلق بمسألة العلم والحق في الاحتجاج، ومن المهم الإشارة إلى أنه يوجد في الأراضي الفلسطينية قانون لليهود وقانون لغير اليهود، ويعتبر نظام الفصل العنصري (أبرتهايد) جريمة ضد الإنسانية".

وبين استطلاع للرأي أجرته (أمنستي) في يونيو (حزيران) الماضي، وجود فجوة كبيرة في التعامل مع رفع العلم الفلسطيني ومعناه ورمزيته، موضحاً أن غالبية اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين في الداخل ينظرون لرفع العلم الفلسطيني نظرة مختلفة تماماً كل عن الآخر، إذ يكشف الاستطلاع عن أن أكثر من 80 في المئة من الفلسطينيين يرون رفع العلم الفلسطيني جزءاً من هويتهم القومية والوطنية واحتجاجاً على التمييز ضدهم، فيما يرى نحو 52 في المئة من اليهود أن رفع العلم الفلسطيني سببه عدم الاعتراف بإسرائيل، و14.5 في المئة يرونه كدعم لتنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين، في حين ينسب أكثر من 66 في المئة من اليهود لرفع العلم الفلسطيني صفات ونوايا سلبية جداً.

استنفار أمني

وفي حين تستعد الشرطة الإسرائيلية لتنفيذ تعليمات بن غفير بمنع رفع العلم الفلسطيني في الحيز العام ومؤسسات الدولة، أشار موقع "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستسمح لمسيرة مثيرة للجدل لليمين القومي المتطرف بالمرور عبر الحي الإسلامي في البلدة القديمة بالقدس، على رغم المخاوف من أن تؤدي هذه الخطوة الاستفزازية إلى تفاقم التوترات مع الفلسطينيين.

وأكد موقع "واينت" الإسرائيلي أن مسيرة المستوطنين التي يطلق عليها "مسيرة الأعلام" ستمر من باب العمود، و"لا توجد نية لتغيير مسارها الاعتيادي حتى ولو حدث تصعيد".

ونقل الموقع عن موظفين رفيعي المستوى في الحكومة الإسرائيلية قولهم "نحن لا نفتعل منها قضية كبيرة لأنه لا حاجة بنا إلى تضخيمها، ولا نتحدث حولها، وخطواتنا تجري من خلال قنوات هادئة لضمان مرور الأحداث من دون مواجهات".

 

في المقابل عبرت حركة "نقف معاً" التي تدعو إلى التعايش بين اليهود والعرب، عن قلقها من أن المسيرة في مسارها الأصلي قد تشعل مزيداً من العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، موجهة رسالة إلى المفوض العام للشرطة كوبي شبتاي الأسبوع الماضي، طالبته فيها بتغيير مسار مسيرة الأعلام التي لعبت دوراً قبل عامين في إشعال فتيل حرب قصيرة مع الفصائل الفلسطينية في غزة.

بالتزامن مع الرسالة اعتبرت جوديث أوبنهايمر المديرة التنفيذية لجمعية "عير عميم"، أن "مرور المسيرة عبر باب العمود والحي الإسلامي تحت مزاعم الحكم والسيادة الإسرائيلية هو استعراض للقوة يهدف إلى إثارة التوتر في المدينة"، مشيرة إلى أن وجود وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير سيجعل التظاهرات أسوأ، مما يستدعي عدم السماح بمرور المسيرة في الحي الإسلامي وباب العمود.

قرار استثنائي

من الجدير ذكره أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لصالح قرار بتكليف "شعبة حقوق الفلسطينيين في الأمانة العامة" بتكريس أنشطتها من أجل تنظيم حدث رفيع المستوى في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الـ15 من مايو (أيار) الجاري، بمناسبة مرور 75 عاماً على ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، وصوت لصالح القرار 90 دولة، في حين امتنعت 47 دولة عن التصويت، وعارضته 30 دولة من بينها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة، وفيما اعتبر الفلسطينيون القرار حدثاً استثنائياً لافتاً، عدته تل أبيب قراراً معادياً للسامية، متهمة الأمم المتحدة بأنها تساعد في إطالة أمد الصراع، الأمر الذي دفع سفارة إسرائيل مباشرة إلى تنظيم معرض هو الأول على الإطلاق، حول طرد اليهود من الدول العربية وإيران، لمدة أسبوع في الممر الرئيس للأمم المتحدة في نيويورك تحت عنوان "قصة النكبة اليهودية".

المزيد من تقارير