Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حصار "مدينة القمر" يحرق كنز الفلسطينيين

حواجز عسكرية إسرائيلية تضرب موسم السياحة في أريحا والمحاصيل لم يعد بالإمكان جنيها

تحذر أوساط فلسطينية من عزوف المستثمرين عن ضخ أموالهم في مشروعات المنطقة (اندبندنت عربية)  

ملخص

أريحا تلك المدينة النابضة بالحيوية بات الدخول إليها والخروج منها إحدى صعوبات الحياة في أعقاب عمليات إطلاق نار وصلت لمستويات غير مسبوقة، وهذه هي حالها

أشهر من الاهتمام والسقاية والترقب، لم يبتسم الحظ في نهايتها لمحمد أبو شوشة (40 سنة) وعشرات المزارعين الفلسطينيين في محافظة أريحا والأغوار شرقي الضفة الغربية، بعد اضطرارهم لإتلاف محاصيلهم الزراعية التي لم يعد بالإمكان جنيها وتسويقها في الوقت المناسب داخل أو خارج مدينتهم، إذ لا يزال الجيش الإسرائيلي يفرض حصاراً كاملاً عليها منذ قرابة أسبوعين على التوالي.

أريحا تلك المدينة النابضة بالحيوية بات الدخول إليها والخروج منها إحدى صعوبات الحياة في أعقاب عمليات إطلاق نار وصلت لمستويات غير مسبوقة، خلال الأشهر الأخيرة، أسفرت عن مقتل خمسة إسرائيليين، وهو ما شكل مفاجآت نوعية ودراماتيكية لدى الأوساط الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية، التي لطالما رأت أريحا منطقة أمنية هادئة حتى في أصعب مراحل الانتفاضتين الأولى والثانية.

ونظراً إلى تمتع أريحا بالهدوء، فقد نمت فيها مشاريع سياحية وترويجية، وشهدت مناطقها طفرة كبيرة في بناء المرافق والمنتجعات السياحية، لكنها تعرضت للحصار الإسرائيلي الأول، فبراير (شباط) الماضي، تزامناً مع ذروة الموسم السياحي والزراعي للمدينة، ما تسبب بخسائر كبيرة للقطاعين اللذين يعتبران رافدين أساسيين للقطاعات الأخرى.

خسائر بالملايين

الأرقام الرسمية للاتحاد العام للفلاحين والتعاونيين الزراعيين في أريحا، كشفت أن الخسائر الزراعية جراء الحصار الإسرائيلي والتضييقات تجاوزت 15 مليون دولار، بسبب حرمان المزارعين من الوصول إلى أراضيهم أو بيع محاصيلهم في الأسواق الخارجية، التي لم تعد تشهد حركة تنقل، وهو ما تسبب بتلف المنتجات على الحواجز لحساسيتها للنقل ودرجات الحرارة العالية.

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في الأغوار الفلسطينية 280 مليون متر مربع، أي 38.8 في المئة من المساحة الكلية للأغوار، ويستغل الفلسطينيون منها 50 مليون متر مربع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مدير عام زراعة أريحا والأغوار أشرف بركات، أرجع "المشكلة الكبرى في المنطقة إلى منع المزارعين والعُمال من الوصول إلى الأراضي الزراعية، ما أدى إلى زيادة نسبة وكمية المنتجات التي أتلفتها أشعة الشمس".

واضطر المزارعون إلى تركها في الحقول على الأرض من دون أن يقوموا بقطفها، لأن تكلفة جمع المحصول ونقله لا تغطي المصاريف التي دفعها المزارع واستثمرها في هذا الموسم الزراعي، وفقاً لـبركات.

وأضاف "السلطات الإسرائيلية، وفي سابقة خطيرة، أقامت بوابة حديدية على نبع العوجا (غرب مدينة أريحا) وأغلقته بالكامل، وهو الأمر الذي يهدد آلاف الأراضي المزروعة بالخضار، وسيتسبب بخسائر متواصلة وتراكمية للمحاصيل، حيث من المتوقع أن يتأثر البطيخ والتمور بدرجة كبيرة وبشكل مباشر، بسبب هذا الحصار، لأن الإغلاق المشدد يتزامن مع ذروة العمل لقطاع التمور".

ضرب السياحة

ولا تتوقف محطات قطار الحصار الإسرائيلي لأريحا عند الزراعة فحسب، بل امتدت إلى السياحة كذلك، في ظل إجراءات مشددة على الفلسطينيين، ونصب الحواجز العسكرية على الطرقات في الأغوار، وإيقاف المركبات وتفتيشها والتدقيق في هويات المسافرين.

هنا تؤكد الغرفة التجارية والصناعية في مدينة أريحا، أن القطاع السياحي، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تكبد خسائر فادحة جراء الحصار الإسرائيلي تجاوزت 70 مليون دولار، بمعدل 25 مليون شيكل يومياً (نحو سبعة ملايين دولار)، وتضمنت إغلاق 15 فندقاً و2400 فيلا سياحية، إضافة إلى تأثر عديد من المطاعم والمنشآت السياحية والترفيهية.

وتسببت الحواجز العسكرية والتضييقات في إلغاء الحجوزات، وتأثر السياحة الداخلية والخارجية، في وقت كانت أريحا تستعد لاستقبال أكثر من نصف مليون شخص في فترة الأعياد، لوفرة المرافق السياحية والأماكن الترفيهية والمتنزهات، التي تقدر بأكثر من 100 منشأة، إضافة لعشرات المواقع التاريخية المهمة.

مجموعة من الإجراءات الإسرائيلية زادت من آلام حركة السفر عبر معبر الكرامة (المنفذ الوحيد لفلسطينيي الضفة الغربية نحو الخارج وعبر الأردن)، حيث يعاني المسافرون جراء سياسة الإغلاقات وتعطيل المرور، بخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، الذين ينتظرون على الحواجز لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، من دون وجود مرافق أو خدمات.

ووفقاً لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، يُقدر عدد الحواجز الإسرائيلية الدائمة والمؤقتة التي تقسم الضفة الغربية، بنحو 593 حاجزاً عسكرياً وبوابة، فيما أشار معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، إلى أن الفلسطينيين يخسرون نحو 60 مليون ساعة عمل سنوياً، بسبب الحواجز، وتقدر بنحو 270 مليون دولار سنوياً. في المقابل، يقول الجيش الإسرائيلي، إن نشر الحواجز العسكرية يأتي لاعتبارات أمنية مهمة.

مناشدات رسمية

وأمام معاناتها من الحصار الإسرائيلي، احتضنت محافظة أريحا اجتماعاً طارئاً لسفراء وقناصل وممثلي أكثر من 45 دولة عربية وأجنبية، جرى اطلاعهم خلاله على ما تتعرض له المدينة ومحيطها من حصار مشدد، داعية المجتمع الدولي "لتحمل مسؤولياته تجاه وقف المشاريع الاستيطانية في الأغوار ومصادرة الأراضي والحصار المفروض عليها".

وقال محافظ أريحا جهاد أبو العسل، خلال اللقاء، إن "الحصار الإسرائيلي يسعى عبر ممارساته وإجراءاته إلى ضرب الوجود الفلسطيني في أريحا والأغوار، وخلق واقع جديد على الأرض بتضييق الخناق على حياة المدنيين بمصادرة الأراضي لأغراض التوسع الاستيطاني، والسيطرة الكاملة على مصادر المياه، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، والتدريبات العسكرية والقضاء على أي أمل لقيام دولتهم".

أبو العسل اعتبر أيضاً أن "إغلاق السلطات الإسرائيلية لمداخل محافظة أريحا لا يحمل أهدافاً أمنية سياسية وحسب، بل اقتصادية لضرب القطاعين السياحي والزراعي".

من جانبها، طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية بتدخل دولي وأميركي عاجلين، لرفع الحصار عن مدينة أريحا، من خلال الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقفه فوراً.

وأكدت في بيان رسمي أن "حصار أريحا يعتبر شكلاً من أشكال العقوبات الجماعية على عموم الفلسطينيين المدنيين العزل الذين يمضون ساعات طويلة على الحواجز أثناء تنقلهم أو سفرهم أو عودتهم إلى الوطن، ليس في أريحا ومحافظتها فقط، وإنما في الضفة الغربية".

اعتبارات أمنية

منذ نهاية 2022 ومطلع 2023، شهدت أريحا ومحيطها، عشرات عمليات إطلاق النار والدعس باتجاه أهداف إسرائيلية، تبنت معظمها "كتيبة مخيم عقبة جبر"، وهو أحد مخيمين في أريحا، ويضم نحو 11 ألف نسمة، الأمر الذي اعتبر تحولاً بالغ الخطورة بالنسبة لإسرائيل.

وتمثل منطقة أريحا موقعاً جغرافياً وأمنياً حساساً جداً، فهي قريبة من الحدود الأردنية، والمنتجعات الإسرائيلية على البحر الميت، ومُحاطة بعدد كبير من المستوطنات، ويتخللها شوارع إسرائيلية رئيسة يسلكها آلاف المستوطنين والجنود يومياً مِثل شارعي "60 و90".

ويهدف حصار أريحا، بحسب مراقبين، إلى منع تمدد حالة العمليات المسلحة التي ظهرت فيها بشكل مفاجئ على غرار "كتيبة مخيم جنين" و"عرين الأسود" في نابلس.

صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، عقبت بدورها على ذلك قائلة: "حتى في أهدأ مدينة بالضفة الغربية، فإن المسلحين لهم سيطرة وقت الأحداث الأمنية، وعشرات المسلحين كانوا ينتظرون قوات الجيش في أريحا".

وقال المحلل العسكري يوسي يهوشع "خلية مسلحة في أريحا الهادئة فاجأت جهاز الشاباك والجيش".

من جهته، أشار المحلل الاستراتيجي عاموس هارئيل، إلى أن إسرائيل نقلت السيطرة على أريحا للسلطة الفلسطينية في بداية اتفاقات أوسلو، لأنها تفترض سهولة حصار وإغلاق المدينة ومنطقتها.

وأضاف: "مدينة أريحا ومخيم اللاجئين القريب منها، ليسا بالضبط رمزين للنضال المسلح الفلسطيني، ففي كلتا الانتفاضتين وفي فترات توتر أخرى تفرغت أريحا بطريقة منعزلة عن الضفة الغربية".

ووفقاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فإن "ظهور كتيبة مسلحة في منطقة أريحا شرقي الضفة الغربية، مفاجأة ليس للإسرائيل وقوات أمنها فقط، بل لقيادة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، لأنها من المدن الأكثر ارتباطاً بمؤسسات السلطة، وفيها أكاديمية ضباط الشرطة وجامعة الاستقلال، إلى جانب سجون مركزية لها".

في المقابل، يرى المحلل السياسي عصمت منصور، أن "سياسة الإغلاقات والحصار وتقييد الحركة التي تطبقها إسرائيل على أريحا، يرمي إلى جر الفلسطينيين لمنظور ضيق وإيصال رسالة ترهيب وكي وعي المواطنين، مفاده بأن المقاومة فيها خسارة وتركيع لكل فلسطيني، والمواجهة مهما كانت لها كلفة وثمن، وتقع ضمن سياسة العقاب الجماعي".

وأمام الواقع الجديد في مدينة القمر (أريحا)، ذات الأهمية الأمنية والجغرافية والسياحية لكلا الجانبيين، تحذر أوساط فلسطينية من عزوف المستثمرين وترددهم عن ضخ أموالهم بها، في ظل تعطل مشاريع الإنشاءات التي شكلت نهضة كبيرة ونوعية للمنطقة خلال السنوات الأخيرة.

المزيد من الشرق الأوسط