ملخص
مقاهي القاهرة وجنة عدن... معرضان متقابلان لفنانين مصريين
"وجوه ومقاهٍ"، هو عنوان المعرض الذي يستضيفه غاليري بيكاسو للفنون في القاهرة حتى 27 مايو (أيار) الجاري. يضم المعرض مجموعة متنوعة من أعمال الرسام المصري عمر الفيومي، وهو أحد معرضين يستضيفهما الغاليري تزامناً، فتعرض الفنانة المصرية دينا فاضل أعمالها في المساحة المقابلة تحت عنوان "جنة عدن... لمحة الحب الأولى".
في معرضه يقدم الفيومي مجموعة متنوعة من لوحات البورتريه ومشاهد المدينة التي خص المقاهي من بينها باهتمام خاص. بين هذه الأعمال المعروضة تبرز لوحة كبيرة رسمها الفيومي من وحي مقهى الحرية، وهو أحد المقاهي الشهيرة التي يرتادها المثقفون والفنانون في وسط القاهرة. لم يكتف الفنان هنا برسم المقهى أو الإبقاء على تفاصيله كما هي، فمقهى الحرية الذي يقدمه الفيومي هنا هو مكان خيالي، يحلق بين السحب، بينما يتحرك كائن قبيح ومجنح فوق رؤوس رواده فلا يثير انتباههم... هذه التدخلات التي أحدثها الفيومي على طبيعة المقهى تحمل جانباً دلالياً بلا شك، وهو جانب له علاقة بطبيعة اللحظة الراهنة، كما تشي بأسلوب الفنان ودوافعه في رصد المشهد القاهري على نحو عام.
في المقهى تتبدى المدينة بهواجسها وأفراحها وتختزل مشاعر أهلها، وفي المقهى يمكنك أن تتطلع إلى ملامح الناس وتتأمل تفاصيلهم جيداً. تعد رسوم البورتريه من التجليات المهمة لتجربة المقهى عند عمر الفيومي. ففي رصده هذه الوجوه يبتعد الفنان أحياناً ليؤكد تفاصيل المشهد، أو يقترب ليظهر لنا ما توارى عن أنظارنا عبر تركيزه على الملامح وتعابير الوجه. في معالجته للوجوه غالباً ما يتعمد الفنان إظهار الجانب المثالي لكل وجه من هذه الوجوه التي يرسمها، وهي سمة خاصة ميزت رسومه للوجوه. لا نستطيع هنا بالطبع إغفال التأثير الظاهر لوجوه الفيوم، وهي أحد الموضوعات المحورية التي عالجها الفنان في كثير من تجاربه. يتبدى هذا التأثير في ملامح الأشخاص كالعيون الواسعة والأكتاف العريضة، إلى جانب مسحة أسطورية مكتسية بغمامة من الشجن في كثير من الأحيان. الحضور الأنثوي في أعمال عمر الفيومي يبدو لافتاً كذلك، فالمرأة في هذه اللوحات تظهر متهيئة للمشهد بكامل أناقتها مع وضعية فوتوغرافية ساكنة. في مقابل هذا السكون الذي يخيم على ملامح الوجوه ثمة خلفية عامرة بالحركة والتفاصيل والزخارف النباتية.
في هذه الأعمال التي تعرضها الفنانة دينا فاضل تتشكل ملامح خيالية لعالم مثالي. هنا مروج خضراء وعشاق يتحركون في فضاء مزهر بالورود والألوان. تعتمد الفنانة في صوغها هذه المشاهد على المعالجات التصويرية من دون غيرها، فاللون هنا هو الغالب والمسيطر، من دون خطوط أو أطر خارجية محددة للمساحات. في هذه اللوحات تتداخل الأشكال وبقع اللون لتكسب المشهد مزيداً من الغموض.
اختارت الفنانة أن تضع لكل لوحة من اللوحات المعروضة عنواناً معبراً. يوم في الجنة، تضرع، خلقت من نفس واحدة... هي نماذج من هذه العناوين التي اختارتها الفنانة، وكلها عناوين تشي بهذه الأجواء الحالمة المخيمة على المشاهد المرسومة. ليس بالضرورة أن يكون العنوان دالاً على طبيعة العلاقة بين الأشكال والعناصر في اللوحات غير أن بإمكان المشاهد أن يتخذ من هذه العناوين مدخلاً مناسباً لتأمل كل عمل على حدة. هنا حيوانات وطيور وفراشات تشارك البشر هذه الأجواء الخيالية الحالمة، كائنات تتحرك بحرية وتناغم، هي ربما تنعم بما تفتقده في الواقع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تتشكل العناصر في أعمال دينا فاضل من طريق الضربات السريعة للفرشاة، تتدفق الدرجات اللونية بغزارة وتتداخل لتشكل الملامح والتفاصيل الرئيسة للعناصر المرسومة. الحدود بين الأشكال والمساحات هنا قد تبدو غائمة في بعض الأحيان. غير أنك إذا ما تمعنت النظر جيداً يمكنك اكتشاف مزيد من التفاصيل، ولعل هذا ما يميز أعمال دينا فاضل، إذ تتيح لك إعادة اكتشافها في كل مرة تتطلع إليها.
تدعونا الفنانة عبر كلمتها المصاحبة للعرض كما تقول إلى أن نتغاضى عن الخطيئة الأولى ونحول انتباهنا إلى قصة الحب التي حدثت في حديقة الحياة المقدسة. هذه اللحظة التي وقع فيها آدم في غرام حواء هي ما تسعى دينا فاضل إلى التعبير عنه هنا. أو كما تنصح زائري معرضها "أغمضوا أعينكم واتصلوا بالأرواح الأولى، فنحن جميعاً متصلون... كلنا واحد".