Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من يقف خلف الاغتيالات السياسية في إثيوبيا؟

استهداف مسؤولي الازدهار في الأقاليم الإثيوبية الساخنة من دون غيرها بالتزامن مع المساعي لإنهاء المظاهر المسلحة

مقاتلون من ميليشيات "فانو" الأمهرية الإثيوبية (أ ف ب)

ملخص

أسئلة تتردد حول دلالات توقيت الاغتيالات السياسية في إثيوبيا

نعى حزب الازدهار الإثيوبي الحاكم، رئيس فرعه الحزبي في إقليم العفر، عمر لما، أول من أمس الاثنين، مؤكداً "أن القيادي تم اغتياله بدم بارد أثناء عودته برفقة عدد من أفراد عائلته من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا إلى إقليم العفر". وقال في بيان إن "شقيق القيادي لقي حتفه أيضاً من قبل مجموعة مسلحة اعترضت المركبة التي تقل القيادي وأفراد أسرته، في حين نجا والد عمر وأحد المرافقين، بعد تعرض سيارتهم لوابل من الرصاص.

يأتي ذلك بعد مرور أسبوع على اغتيال رئيس فرع الحزب ذاته في إقليم الأمهرا، جرما شيطلا، الذي اغتيل مع عدد من مرافقيه، بعدها وجهت الحكومة الفيدرالية تهمة الاغتيال السياسي إلى عناصر قيادية في "الفانو" الأمهراوية، التي تعمل كقوات خاصة في الإقليم.

تتزامن هذه الاغتيالات مع عدد من التطورات التي تشهدها الساحة الإثيوبية، لعل أهمها النزاع المستحدث بين القوات الخاصة الأمهراوية (الفانو)، والجيش النظامي، حيث تسعى الحكومة المركزية إلى نزع سلاح كافة المجموعات التي تشكلت في وقت سابق، كقوات خاصة لحماية الإقاليم، بعيداً من تحكم وزارة الدفاع الوطني.

وعلى رغم التحالف الذي أقامته أديس أبابا، مع "الفانو" والقوات الخاصة في إقليم العفر، في حربها الأخيرة بإقليم تيغراي (شمال البلاد) ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، فإن عقد اتفاق السلام مع الأخيرة في جنوب أفريقيا، قد نص على ضرورة إنهاء كل المظاهر المسلحة القائمة خارج إدارة وزارة الدفاع، وضرورة بناء جيش وطني واحد. ونص الاتفاق الذي تم برعاية دولية وأفريقية، على "نزع سلاح الميليشيات كافة" وإعادة دمجها في الجيش الفيدرالي الإثيوبي. وهو البند الذي ترفضه ميليشيات الأقاليم، لا سيما في منطقة الأمهرا التي تشهد مواجهات مسلحة.

أسئلة متداولة

ولعل السؤال الأكثر تردداً في وسائل الإعلام الإثيوبية، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، يتعلق بدلالات اغتيال قياديي الازدهار في الأقاليم الساخنة، من دون غيرها؟

وأسئلة أخرى متناقلة حول: لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وهل ثمة دلالة لتزامن ذلك مع الجهود النظامية لإنهاء المظاهر المسلحة؟ وهل انتهت شروط التحالف بين تلك المجموعات المسلحة والجيش النظامي، ودخلت مرحلة جديدة بعد توقيع اتفاق السلام مع جبهة التيغراي؟ أم أن الأخيرة أضحت بحكم الضرورة، الحليف الجديد لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لا سيما بعد تعيين حكومة انتقالية جديدة في الإقليم الشمالي، يقودها رئيس وفد التفاوض جيتاشوا رضا! 

هذه الأسئلة التي يطرحها السياسيون والناشطون على مختلف الأصعدة، يحمل بعضها إجابات مبطنة، بحسب خبراء سياسيين، تشير إلى أن "هذه الاغتيالات قد تكون مدبرة"، وأن أهدافها قد تتجاوز استهداف الحزب الحاكم، لتصل إلى خدمة بعض أجنداته المتعلقة بتوفير الشروط المناسبة، لنزع سلاح الميليشيات في كافة الأقاليم الإثيوبية، أسوة بنزع سلاح جبهة التيغراي، حيث وافق مفاوضو الأخيرة على مبدأ إلقاء سلاحهم مقابل ضمان تطبيق ذات المبدأ في الأقاليم الإثيوبية الأخرى، لا سيما إقليم الأمهرا الذي يعد الخصم التاريخي للتيغراي.

بين "شيطيلا" و"لمّا"

وفي حين أتى اغتيال قيادي الازدهار جرما شيطيلا عقب رفض "الفانو" نزع سلاحه ومناوشات محدودة بينه وبين الجيش النظامي، أتى اغتيال عمر لما، بعد تسرب معلومات عن شركة أميركية مختصة في تحليل المعلومات، شككت في صحة التسجيلات التي قدمتها حكومة آبي أحمد، كدليل إدانة لمجموعة "الفانو" المتهمة باغتيال القيادي الأمهري، إذ قالت الشركة الأميركية في إفادة تم تناولها في الإعلام الإثيوبي المعارض، "إن التسجيلات الصوتية المقدمة للعدالة تمت معالجتها بشكل ما، بما يتيح توجيه الاتهام إلى العناصر المذكورة"، وأضافت "أن ثمة تلاعباً حدث في صوت المتحدثين". كما جاء فيها أنه "تم تقديم مكالمات مسجلة عدة إلى جهة معينة في نيوزيلندا، لتخرجها بهذا الشكل، الذي يوجه هنا جهات التحقيق نحو وجهة بعينها".

ويزعم مؤيدو هذا السيناريو "أن اغتيال القيادي العفري، جاء متزامناً مع ما يسمونه فضيحة التسجيلات المعالجة"، وبالتالي يعيدون توجيه الاتهام نحو الجهات الرسمية.

كما يلاحظ بعض المتابعين للشأن الإثيوبي، المسافة القائمة بين التناول الرسمي لاغتيال "شيطيلا" حيث تم اتهام جهة بعينها، هي "الفانو" الأمهراوية، وبين سردية اغتيال عمر لما، الذي لم تتهم فيه الجهات الرسمية جهة بعينها، بل تم الاكتفاء بوصف "مجموعة إرهابية"!

بديل التوافق

بدوره رأى المحلل السياسي المختص في منطقة القرن الأفريقي، عبد الرحمن أبو هاشم، "أن الاغتيالات الأخيرة، تشير إلى انفلات أمني وانفراط عقد الأجهزة المكلفة بحماية الأفراد وسلامتهم"، الأمر الذي تنفيه تلك الأجهزة التي تؤكد أنها لا تتهاون في مسألة الأمن والسلامة.

وأوضح أن "الأحداث الأخيرة لا شك أنها اغتيالات سياسية بامتياز، لأنها تحمل رسائل مزدوجة إلى الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم، مفادها بأن عدم الوصول إلى حلول سياسية شاملة ومرضية لجميع أطراف الصراع في البلد، قد يعيق عملية الانتقال إلى الديمقراطية وإدارة الدولة واستقرارها، ولن ينجو أحد من عواقبها حتى لو كان عضواً بارزاً في الحزب الحاكم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف المحلل السياسي "يشير هذا التطور إلى أن اتفاق بريتوريا لم ينفذ على الأرض بالكامل، وقد تكون هناك أياد خفية لطرفي الاتفاق لإبقاء حالة عدم الاستقرار لأطول فترة ممكنة، حتى يستعد الطرفان لجولات حرب مقبلة، لا سيما وأن جبهة التيغراي لا تزال تتمسك باستعادة منطقة الولقايت إلى خريطة الإقليم الشمالي".

ولفت إلى أن هناك أسباباً أخرى تتعلق "ببقاء روح العداء لدى نخب الجبهة ضد النظام الإريتري والمسؤولين في إقليمي الأمهرا والعفر الإثيوبيين".

ويؤكد أبو هاشم "أن عدم نجاح الحكومة المركزية في تطبيق بنود اتفاقية بريتوريا، قد يقود البلاد إلى جولات جديدة من الحرب"، مضيفاً "حالات عدم الاستقرار وتنفيذ الاغتيالات السياسية، السيناريو البديل للتوافق السياسي".

اغتيال أم انتحار سياسي؟

من جهته، قرأ الصحافي الإثيوبي، شيمني بيهون، مسلسل الاغتيالات السياسية، بمثابة "انتحار سياسي للحزب الحاكم، الذي فشل في تنفيذ التزاماته تجاه الشعوب الإثيوبية"، موضحاً رؤيته بالقول "لقد ذهبت إدارة آبي أحمد إلى تصنيف جبهة التيغراي كمجموعة إرهابية عبر استصدار تشريع في البرلمان الإثيوبي، وأعلنت الحرب عليها بمشاركة حلفاء محليين وإقليميين، لكنها سرعان ما تنصلت عن ذلك التشريع تحت ضغوط دولية، وتريد الآن تنفيذ التزاماتها التي وقعتها في جنوب أفريقيا من دون العودة إلى المؤسسات التشريعية والشعبية".

ويضيف الصحافي الإثيوبي "تلك الالتزامات لم تحظ بتأييد المجتمع المحلي، ولا تأييد الحلفاء السابقين، ليس لأن الحرب كانت خيارهم، بل لأنهم لم يكونوا جزءاً من تلك الاتفاقية"، وبالتالي غير ملزمين بنصوصها، مما وضع النظام السياسي الإثيوبي تحت ضغوط الطرف الآخر فضلاً عن الجهات الدولية الراعية.

واعتبر بهون "تكرار سيناريو الاغتيالات - في رأي النظام - قد يهيئ الأرضية لتبرير اللجوء للقوة، كرد فعل للانفلات الأمني وسيادة الفوضى، حيث يمنح الدولة حق احتكار العنف".

ورجح أن يقود هذا المنحى البلاد "إلى حرب أهلية مريرة، لا سيما وأن كل إقليم يحتفظ بقوات مسلحة تتمتع بالاستقلالية عن الجيش النظامي"، ويقرأ الصحافي الإثيوبي رفض قوات "الفانو" تسليم سلاحها وتطبيق مبدأ إدماج عناصرها في الجيش النظامي، بأسفها "لانقلاب موقف النظام تجاهها، لا سيما وأنها لعبت دوراً محورياً في إلحاق الهزيمة بجبهة التيغراي، التي تحولت إلى موقع الحليف لآبي أحمد، فيما تم اعتبار حلفاء الحرب من قوات الأمهرا والعفر، كخارجين عن القانون".

ويضيف "ليس ثمة تأكيد أن التيغراي قد ألقوا سلاحهم، بل هناك وحدات كاملة لا تزال مسلحة وتسعى لاستعادة بعض المناطق من إقليم الأمهرا، وبالتالي ليس من الإنصاف معاقبة الحلفاء الذين دفعوا كلفة الحرب من أجل كسب العدو السابق".

ويشير إلى أن "المفاوضات التي تجريها حكومة آبي مع جبهة تحرير الأورومو، الحليف التكتيكي للتيغراي في الحرب الأخيرة، مما يشير إلى أن الجيش الذي تحالف مع الفانو والعفر لإلحاق الهزيمة بالتيغراويين، يكافئ اليوم من أعلن عليه الحرب، فيما يعاقب حلفاءه الذين دفعوا كلفة انتصاره".

كل السيناريوهات ممكنة

ويستطرد الصحافي الإثيوبي قائلاً "حتى اللحظة ليس ثمة دليل قاطع يحدد الجهات التي تقف خلف الاغتيالات السياسية، لكن هناك مجموعات مسلحة بعضها توصف بالمتمردة على النظام وبعضها الآخر يعمل لحسابات قومية وفئوية قد تكون في دائرة الشك".

وذكّر بحديث صحافي أدلى به رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عقب وصوله لسدة الحكم، حين اتهم أجهزة النظام السابق بتنفيذ جرائم عدة بحق المعارضين، قائلاً "كانت تقع اغتيالات وحرائق تنسب لمجموعات إرهابية، فيما كانت تنفذها أجهزة النظام"، ليخلص بيهون بالقول "تلك الأجهزة لا تزال قائمة، ولم تتم معاقبتها أو حلها"، وبالتالي ليس ثمة ما ينفي استمرار أعمالها حتى الآن".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير