"الصين وأوروبا تتلاعبان بعملتيهما، حيث تقومان بضخ الأموال في نظاميهما لمنافسة الولايات المتحدة"، كانت هذه أولى كلمات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في بداية حربه على سوق العملات أول الشهر الحالي، والتي دعا بعدها إلى ضرورة خفض قيمة الدولار القوي حتى تتمكن الصادرات الأميركية من المنافسة في السوق الخارجية، على حد قوله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دونالد ترمب في حديثه عن حرب العملات التي يرى أنها على أشدها في الوقت الحالي، قال "يجب علينا أن نواجه ذلك أو نستمر كالدمى التي تجلس وتشاهد بأدب، بينما تواصل البلدان الأخرى ألعابها كما فعلت لسنوات عديدة".
وربما هذه ليست المرة الأولى التي يوجّه فيها الرئيس الأميركي أصابع الاتهام ضد الصين والاتحاد الأوروبي بشأن تخفيض سعر اليوان واليورو، لإعطاء ميزة تنافسية للصادرات الصينية والأوروبية، فقد سبق ذلك تلميحات بأن هناك حرباً في سوق العملات وأن بعض الدول تتدخل في سوق الصرف وتتلاعب في أسعار العملات بشكل مباشر.
ترمب يرى أن الدولار "القوي" يعيق تصدير البضائع والخدمات الأميركية، وتسبب في تفاقم العجز التجاري الأميركي الذي بلغ في 2018 مستوى 621 مليار دولار، وفي حال أصبح الدولار ضعيفاً في سوق العملات، فإن المستهلك الأجنبي سوف يفضل شراء السلع الأميركية، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الإنتاج والصادرات في الولايات المتحدة وتقليل العجز في التجارة الخارجية.
وقبل أيام، هاجم الرئيس الأميركي بشدة رئيس المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي، واتهمه بخفض سعر صرف اليورو تجاه الدولار الأميركي بشكل "متعمد". في الوقت نفسه، يزعم الرئيس الأميركي أن الصين تخفض "عمداً" قيمة عملتها "اليوان"، ما يجعل صادراتها أرخص ويزيد من اختلال التوازن التجاري مع الولايات المتحدة.
ترمب يتراجع عن خفض الدولار لهذه الأسباب
وكشف تقرير حديث أن الرئيس الأميركي قرر عدم التدخل في سعر صرف العملة الأميركية، بعد دعوة مسؤولين في مجلس الوزراء وكبار المستشارين الاقتصاديين لمناقشة سبل إضعاف الدولار القوي.
ومن بين الأفكار التي تمت مناقشتها اقتراحات بتطبيق ضوابط رأس المال، أو أن يتحدث وزير الخزانة ستيفن منوشين والمستشار الاقتصادي لاري كودلو باستمرار عن الدولار في وسائل الإعلام.
وبالفعل بدأ وزير الخزانة الأميركي يتحدث بكثرة عن الدولار في وسائل الإعلام، حيث قال في تصريحات حديثة "إن الدولار القوي جيد لاقتصاد الولايات المتحدة على المدى الطويل". وتبعه المستشار الاقتصادي "كودلو" الذي أكد أن الولايات المتحدة لن تتدخل في سعر صرف العملة المحلية بعد أن اتفق مسؤولو البيت الأبيض على عدم التدخل.
وزير الخزانة الأميركي أكد "أن قوة الدولار مفيدة لاقتصاد الولايات المتحدة على المدى الطويل"، مشيراً إلى أنه لا يدعو لسياسة الدولار الضعيف بالمستقبل القريب". وأضاف "أؤمن بالدولار القوي حيث يدل على وجود اقتصاد قوي في الولايات المتحدة، وسوق أسهم قوية خصوصا بسبب السياسات الاقتصادية للرئيس دونالد ترمب". وأكد "أن اقتصاد الولايات المتحدة حقق نمواً أفضل من أي اقتصاد عالمي آخر".
قوة الدولار مستمدة من ضعف الاقتصادات الأخرى
الخبير المصرفي المصري علي محمود، قال "إن الرئيس الأميركي يتدخل وبشكل عنيف في توجيه السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي، وليس غريباً أن يتطرق إلى توجيه المسؤولين بالتدخل والتلاعب في سعر العملة الأميركية".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، "أن التلاعب ربما يوفر استقرارا زائفا في سوق العملة، لكن على المدى الطويل سوف يتم تصحيح الأوضاع بشكل لا إرادي من السوق نفسها، ولكن في هذه الحالة سوف تكون الخسائر أعنف وربما يهوي سعر العملة إلى مستويات غير مسبوقة".
في الوقت الحالي، "فإن الدولار قوي بالفعل ليس بسبب قوة ومتانة الاقتصاد الأميركي، ولكن علينا أن نراقب الأوضاع الاقتصادية على مستوى العالم، فقوة الدولار مكتسبة من ضعف الاقتصاديات الأخرى، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار الخسائر التي تطارد الأسواق الناشئة منذ بداية العام الماضي. ولذلك فإنه ليس من الصحيح أن يتدخل الرئيس الأميركي ويضغط على البنك المركزي للتدخل في التلاعب في سوق الصرف أو تحريك سعر الدولار صعوداً أو هبوطاً".
الأسواق تراقب مصير الفائدة في اجتماع "الفيدرالي الأميركي"
وفي الوقت الذي انتقد فيه ترمب مجلس الاحتياطي الفيدرالي ولأكثر من مرة، بسبب عدم قيامه بتخفيض معدلات الفائدة، وهاجم البنوك المركزية الأخرى لإضعاف عملاتها عن طريق خفض الفائدة، تراقب أسواق العالم اجتماع البنك المركزي الأميركي المقرر في 30 و 31 أغسطس (آب) الحالي.
ويحظى هذا الاجتماع بأهمية بالغة وسط توقعات أن يخفض البنك معدل الفائدة، للمرة الأولى في عقد. وفيما لا يتوقف الرئيس الأميركي عن مطالباته المستمرة من "المركزي الأميركي" بضرورة التدخل لإضعاف الدولار، فإنه تدخل هذه المرة وطالب بضرورة خفض معدل الفائدة، وقال "إنه لا يوجد تضخم تقريباً وأن الولايات المتحدة تُجبر بلا داع على دفع معدل فائدة أعلى بكثير من الدول الأخرى فقط بسبب الاحتياطي الفيدرالي".
لكن في المقابل، حذر بنك "جي بي مورغان"، البنك المركزي الأميركي من الاتجاه نحو خفض معدلات الفائدة، وقال البنك في مذكرة بحثية حديثة "مجلس الاحتياطي الفيدرالي سوف يرتكب خطأ حال قيامه بخفض معدل الفائدة نهاية الشهر الحالي، خفض الفائدة لن يعزز اقتصاد الولايات المتحدة".
هل يلجأ "ترمب" إلى تعويم الدولار؟
في تقرير حديث، قال "بنك أوف أميركا"، "إن قيمة الدولار الأميركي انحفضت إلى الحد الأدنى منذ أغسطس (آب) من العام الماضي، بالنسبة للروبل الروسي".
وذكر "أن هذا ليس الحد النهائي، لأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد يقرر تخفيض قيمة العملة الأميركية". وحذر التقرير المستثمرين من نية السلطات الأميركية تعويم الدولار، لافتاً إلى "أن الرئيس الأميركي قد يتخذ هذا القرار تحت شعار نشر الاستقرار في الاقتصاد الأميركي".
وضمن التقرير، قال ميشيل مائير، الخبير الاقتصادي في البنك ومحلل وضع العملات في "بنك بن راندال"، "إذا بدا أن انتقال الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض نسبة الفائدة، لا يكفي، فسيزداد احتمال التدخل الرسمي في الموضوع النقدي".
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي، إلى "أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة سوف ينخفض خلال العامين المقبلين". ويرى الخبراء، "احتمال حدوث ركود بحلول عام 2021، بسبب وجود دين حكومي ضخم يتجاوز 22 تريليون دولار، وعجز في الميزانية بقيمة تريليون دولار، ناتج عن زيادة حادة في تكاليف خدمة هذا الدين، بالإضافة إلى تفاقم حاد للحرب التجارية مع الصين".
وتوقع التقرير "أن الركود (الناعم) قد يحدث في 2020، على الرغم من الخفض المتوقع لنسبة الفائدة". مشيراً إلى "أن الرئيس الأميركي تخلى علنا وبشكل صريح عن سياسة (الدولار القوي)، التي تمسك بها أسلافه في الحكم.
وذكر البنك "أن الرئيس الأميركي يعتقد أن الدولار القوي، يعيق تصدير البضائع والخدمات الأميركية، ويؤدي فقط إلى تفاقم العجز التجاري، وفي عام 2018، وصل هذا المؤشر إلى رقم غير مسبوق - 621 مليار دولار. وفي حال بات الدولار أرخص، فإن المستهلك الأجنبي سوف يفضل شراء السلع الأميركية، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الإنتاج وتقليل العجز في التجارة الخارجية". وحذر التقرير من أن استمرار ترمب في سياسة "الدولار الضعيف"، قد تقوض نمو الاقتصاد الأميركي.
كيف تتأثر الأسواق الناشئة بخفض الدولار؟
في المقابل، وفي تقرير حديث، تناولت وكالة "بلومبيرغ"، الجوانب الإيجابية والسلبية لخفض قيمة الدولار، وأشارت إلى "أن خفض قيمة العملة الأميركية سيسهل الوضع لكثير من أسواق المال في العالم".
وذكرت الوكالة في تقرير يحمل عنوان "ترمب لم يخطئ بشأن الدولار"، "إن الرئيس الأميركي الذي لا يزال يهاجم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بطريقة غير مسبوقة، يريد إضعاف الدولار للمساعدة في خفض العجز التجاري".
وأضافت، "أن الدولار الضعيف يخفف الضغط عن الأسواق الناشئة حول العالم، خصوصا مثل تركيا، والأرجنتين التي اقترضت بكثافة بالدولار، والآن يجب عليها سداد الديون، كما أن الدولار الضعيف يعطي حافزا للمستثمرين الأميركيين للاستثمار في الشركات الأوروبية".
لكن الأهم وفقاً للوكالة، "أن الرئيس الأميركي يعتقد أن الدولار القوي يعيق تصدير البضائع والخدمات الأميركية، ويفاقم العجز التجاري الأميركي الذي بلغ في 2018 مستوى 621 مليار دولار، وفي حال بات الدولار أرخص، سيفضل المستهلك الأجنبي شراء السلع الأميركية، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الإنتاج وتقليل العجز في التجارة الخارجية".
وذكرت "أن الرئيس الأميركي يؤمن بأن الدولار قوي للغاية في الوقت الراهن، في مؤشر على أن ترمب تخلى عن سياسة الدولار القوي، التي تمسّك بها أسلافه في الحكم".
الدولار يواصل الصعود في سوق العملات
وفي سوق العملات وخلال الأيام الماضية، تحول الدولار الأميركي للصعود أمام العملات الرئيسية عند أعلى مستوى في شهرين، بعد إعلان بيانات النمو الاقتصادي للربع الثاني.
وأظهرت بيانات رسمية تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي عند 2.1% في الثلاثة أشهر المنتهية في يونيو (حزيران) الماضي، لكنه نجح في تجاوز توقعات المحللين.
وارتفع سعر صرف الدولار مقابل اليورو بنحو 0.2% إلى 1.1127 دولار، كما زاد أمام الين عند 108.74 ين.
وارتفعت العملة الأميركية أمام الجنيه الإسترليني بنسبة 0.3% عند 1.2417 دولار، كما زادت مقابل الفرنك السويسري بنحو 0.2% مُسجلة 0.9929 فرنك.
وخلال تلك الفترة ارتفع مؤشر الدولار الرئيس الذي يقيس أداء العملة أمام 6 عملات رئيسية بنسبة 0.1% عند مستوى 97.945.