Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علي عبد الله صالح (20)

كان السفير عبد الوهاب الحجري ألمع السفراء في واشنطن

تغيب الرئيس الراحل علي عبد الله صالح عن القمة العربية التي عقدت في الجزائر 2005 (رويترز)

غادرت مرافقاً الدكتور الأرياني تشيلي إلى ريو دي جانيرو وقضينا فيها أياماً قبل التوجه إلى العاصمة برازيليا.

خلال الأيام الأولى التي قضيناها في المدينة، أخذني الأرياني إلى مواقع في المدينة اشتهرت في الخمسينيات والستينيات بأنها كانت وجهة كبار الفنانين والمشاهير. ثم غادرنا إلى برازيليا حيث استُقبلنا استقبالاً رسمياً مع موكب ومرافقين أمنيين ومندوب عن الخارجية وآخر عن الرئاسة. ضحك الأرياني حين وجد هذا الحشد وقال ضاحكاً (سجن خمس نجوم) لأنه كان يضيق من القيود الرسمية.

وصلنا إلى الفندق المعد لإقامة أغلب الوفود، وفوجئت بأن كل الوفود العربية اصطحبت مندوبها في الجامعة العربية، فاتصلتُ بالسفير عبد الولي الشميري إلى القاهرة لاستفسر عن سبب تغيبه، فقال إن الوزارة قدّرت أن تكاليف الرحلة مرتفعة. أخبرت الدكتور بالأمر فاتصل بالشميري وطلب منه الحضور فوراً وأنه سيتكفل بالأمر المالي عند عودته إلى صنعاء. صباح اليوم التالي وصل الدكتور الشميري ليصبح الوفد اليمني مشكلاً من ثلاثة أعضاء.

كان اليومان الأولان مخصصين لكبار الموظفين، فاستغلها الدكتور الأرياني فرصة لزيارة غابات الأمازون، وغاب ليوم كامل ثم عاد ليروي لي ما شاهده وعاشه في تلك البقعة من الأرض.

كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يرأس الجانب العربي باعتباره رئيساً للقمة العربية، وحضرها من الرؤساء العرب الرئيس العراقي جلال طالباني الذي تعرض لهجوم شديد من الرئيس الفنزويلي الراحل تشافيز الذي اتهمه بأنه يرأس وفد دولة محتلة. كان طالباني غاية في التهذيب والترفع فطلب من تشافيز أن يلتقيه على فنجان شاي ليشرح له حقيقة الأوضاع في العراق، وتدخل بوتفليقة لوقف السجال.

مساء اليوم الأول أقيم حفل استقبال، وتوقّع الدكتور الأرياني أن يحرجه بوتفليقة بالسؤال عن سبب تغيب الرئيس صالح عن القمة العربية في مارس (آذار) 2005 التي عقدت في الجزائر، خصوصاً أن صالح كان الداعي إلى انتظام القمم العربية وعقدها دورياً في العواصم العربية، فطلب مني أن أنوب عنه في الحفل وسينتظرني بعدها. ذهبت إلى قاعة الاستقبالات وشاهدت الرئيس بوتفليقة من بعد محاطاً بعدد من رؤساء أميركا الجنوبية، لم يكن لائقاً أن اقتحم تلك الحلقة الرئاسية، لكن بوتفليقة فجأة تحرك ليدور في القاعة.

كانت معرفتي ببوتفليقة قوية خلال زياراته المتكررة لصنعاء بعد أن ترك السلطة، وكنت ألتقيه كثيراً عند صديقه الأستاذ محمد باسندوة، وكانا يزورانني أحياناً في منزلي في صنعاء في مجلس القات، وكان يكرّر في كل مجلس نحضره انتقاده الشديد للحكام الذين يصرّون على تعديل الدستور كي يستمروا في مواقعهم.!

مرّ بوتفليقة من أمامي فتقدمت للسلام عليه، وكان ودوداً محتفياً بي، وسـألني عن أحوالي وأسرتي، ثم كما توقع الأرياني سأل (لماذا لم يحضر صالح القمة في الجزائر؟) لم أجد مخرجاً سوى (حدثت مشاكل قبلية حول صنعاء فاضطر لتأجيل سفره)، وأبلغته الجملة التقليدية التي يستخدمها الجميع من دون أن يكون لها معنى جاد (تحيات صالح وتمنياته بالنجاح)، ولاحظت في تعبيرات بوتفليقة ابتسامة ساخرة تدل على عدم اقتناعه بالرد.

عدت إلى الدكتور الأرياني وأعلمته بما حدث، فضحك وقال (عملت معك بمبدأ ادفع الشر ولو بأخيك، كان توقعي في محله)، وغادرنا صباح اليوم التالي، وعند الوداع قدم الدكتور لكبار مرافقيه هدايا قيمة تعكس كرمه وتقديره لبلاده.

توجه "الدكتور" إلى دبي ثم صنعاء، وتوجهت إلى الولايات المتحدة، ولم أعلم أن زيارتي إلى واشنطن ستكون واحدة من أسباب إبعادي عن موقعي كوكيل لوزارة الخارجية.

وصلت إلى نيويورك ثم توجهت إلى واشنطن حيث كانت السفارة قد أعدّت جدول لقاءات في كل المؤسسات التي تعنى بالشأن اليمني بدءاً بالخارجية والدفاع ومراكز الدراسات المهتمة بالمنطقة وانتهاء بالبيت الأبيض.

كان السفير عبد الوهاب الحجري ألمع السفراء في واشنطن وأكثرهم قدرة على اقتحام كل الحواجز الرسمية وكان بحق ممثلاً رفيعاً لليمن في أصعب المواقع الدبلوماسية.

التقيت في واشنطن بعدد من مراكز الأبحاث المهتمة باليمن والمنطقة، ثم التقيت المسؤولين في وزارة الخارجية والدفاع، وكان اللقاء الأهم الذي حضره السفير الحجري ونائبه السفير عبد الحكيم الأرياني، في البيت الأبيض مع فرانسيس تاونسند نائبة مستشار الأمن القومي لشؤون الإرهاب وإليوت أبرامز المساعد الخاص للرئيس الأميركي.

حين وصلنا إلى مكتبها، تذكرت تاوسند قصة إغلاق المكيفات أثناء لقائها الرئيس صالح في الحديدة وقالت ضاحكة (لا شك في أن الغرفة هنا أكثر برودة من تلك التي التقيت فيها الرئيس)، وفسرت الأمر لأبرامز.

تركز الحديث حول الطلبات المتكررة لاستجواب المعتقلين بتهمة الإرهاب، وهي مسألة كانت مرتبطة بمعلومات واشنطن عن عدم جدية التحقيقات اليمنية، شرحت لهما أن الرئيس متمسك بعرضه حضور ممثلين عن الحكومة الأميركية التحقيقات من دون أن يكون لهم حق الاستجواب المباشر مع إمكان طرح أي أسئلة على المحققين اليمنيين أولاً.

كانت هناك قضية شائكة أخرى متعلقة بطلب واشنطن الدخول إلى مستودعات الجيش اليمني والتحقق من نوعية الأسلحة ومصادرها وكيفية توزيعها داخل اليمن.

أخبرت تاونسند وأبرامز أن هذا أمر لن يستجيب له صالح، واقترحت عوضاً عن ذلك أن تقوم الحكومة الأميركية بتدريب ضباط يمنيين على كيفية إدارة المخازن العسكرية ومن ثم التحقق من جدية العمل، قالت المسؤولة الأميركية إنها ستبحث الأمر مع وزارة الدفاع.

سألني أبرامز عن انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة، وقال إن معلوماتهم تؤكد أن الأجهزة اليمنية تفرض قيوداً على حرية الصحافة والأحزاب السياسية. رددتُ عليه إن هذا أمر مبالغ فيه، وأن القضية متعلقة بحداثة عهد التجربة التعددية، وتحتاج إلى تصويب، وتستوجب الرعاية وتدريب الأحزاب والحكومة على مفهوم التعددية وحدودها وقيودها وكيفية تنميتها ليتعلم الجميع.

تطرّق الحديث بعدها إلى الانتخابات المتوقعة في سبتمبر (أيلول) 2006، فقلت إن التعديلات الدستورية تفرض وجود أكثر من مرشح، وأن المعارضة عازمة على خوضها بجدية وبقوة.

قبل خروجنا من الاجتماع قدمت لي تاونسند هدية رمزية عبارة عن قلم يحمل توقيع الرئيس الأميركي، وقالت إنها تتطلع لاستقبال صالح في واشنطن قريباً مؤكدة عزم الولايات المتحدة على تقديم المزيد من المساعدات الفنية والاقتصادية واستمرار التعاون المكثف في مجال تدريب قوات مكافحة الإرهاب والأجهزة الأمنية المرتبطة بذلك.

بعد خروجنا من البيت الأبيض قال لي السفير الحجري إنه توجس إن يكون حديثي ناقداً للأوضاع في الداخل، لأنني كنت انتقدها داخل اليمن كمواطن. قلت له (أنا قدمت كوكيل لوزارة الخارجية، وليس بصفتي الشخصية).

عدت إلى صنعاء وكتبت تقريراً مفصلاً عن كل لقاءاتي، وأرسلته إلى مكتب الرئاسة وإلى الرئيس مباشرة.

(للحديث بقية).

اقرأ المزيد

المزيد من آراء