Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجلات الثقافية العربية تتراجع أمام أسئلة العصر الجديد

أزمة قراءة يليها تراجع المحتوى والوقوع في حال من الجمود الشامل

مجلات تتوقف ومجلات تواصل الصدور (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

أثار البيان القصير الذي أعلنته مجلة "الدوحة" الثقافية القطرية قبل أيام في شأن توقفها عن الصدور تساؤلات حول المصير الذي ينتظر المجلات الثقافية العربية بعدما أصبحت "مهددة بالاختفاء"

أثار البيان القصير الذي أعلنته مجلة "الدوحة" الثقافية القطرية قبل أيام في شأن توقفها عن الصدور تساؤلات حول المصير الذي ينتظر المجلات الثقافية العربية بعدما أصبحت "مهددة بالاختفاء" لأسباب بعضها يتعلق بالتمويل وبعضها بعجز محتواها عن تلبية حاجات القارئ الجديد. ولعل السؤال المطروح بإلحاح هو، ماذا يعني أن تصدر مجلة ثقافية شهرية أو فصلية في زمن ثورة المعلومات وانتشار ثقافة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؟

 يرى خبراء أن الصحافة الثقافية العربية تعاني مشكلات أبعد من مسألة التمويل أسهمت في انصراف القراء عن متابعتها.

ووجهت مجلة "الدوحة" رسالة الى القراء أعلنت فيها التوقف عن الصدور حتى إشعار آخر ولم يذكر البيان تفاصيل أخرى حول مبررات التوقف وأسبابه. وهو التوقف الثاني في تاريخ المجلة التي صدرت للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1969 كمجلة تعنى بالثقافة والفنون في قطر، ثم أخذت توجهها العربي عام 1976، واستمرت فيه حتى يناير (كانون الثاني) عام 1986، عندما توقفت عن الصدور في ذروة مجدها في ظل رئاسة تحرير الناقد الراحل رجاء النقاش، ثم عادت واستأنفت الصدور مجدداً عن وزارة الثقافة القطرية في نوفمبر 2007 قبل أن تعلن توقفها قبل أيام.

 يستبعد الخبير الإعلامي المصري عمرو خفاجي أن يكون توقف "الدوحة" ناتجاً من أسباب تمويلية بقدر ما يشير إلى الرغبة في تغيير فرقاء التحرير، بأمل التعبير عن سياسات ثقافية جديدة، كما حدث عند توقفها في ذروة نجاحها منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم، فإن قرار الإغلاق يشير إلى تغير متوقع في الإستراتيجيات المقبلة.

 انضمت "الدوحة" إلى قائمة المجلات الثقافية التي توقفت عن الصدور خلال الأعوام الأخيرة لأسباب مختلفة، ومنها مجلة "الآداب" ومجلة "دبي" الثقافية، ومجلة "وجهات نظر" وكذلك مجلة "بانيبال" التي كانت تصدر بالإنجليزية، وودعت القراء في نوفمبر الماضي بعد 25 عاماً عاشتها لخدمة ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنجليزية.

صحافة بلا خيال

يرجح الشاعر سمير درويش، رئيس تحرير مجلة "ميريت"، وهي ثقافية مستقلة تصدر في مصر، أن يكون السبب الرئيس لتوقف أي مجلة اليوم "اقتصادياً" بعد ارتفاع في كلفة الطباعة والتحرير والتوزيع، فضلاً عن ضعف المردود.

وعلى العكس يؤكد الروائي التونسي كمال الرياحي أن أزمة نقص التمويل مسألة تخص الدول الفقيرة أو المجلات التي تصدر عن مؤسسات خاصة أو جمعيات محدودة الإمكانات. ويلاحظ الرياحي أن دولة صغيرة مثل تونس، على رغم الأزمات الاقتصادية التي تعانيها، لا تزال مجلاتها الثقافية تصدر إلى اليوم مع بعض التعثرات.

ووفقاً للروائي التونسي المقيم في كندا، فإن الأرجح هو أن يكون قرار توقف أي مجلة، دليلاً على تغيير الإستراتيجيات، معتبراً أن اختفاء المجلات المنافسة وتراجع مستوى إصدارات أخرى يعجلان أحياناً بقرار التعطيل، ويشير إلى أسباب أخرى تتعلق بتغيير ثقافة التلقي بعد ظهور المنصات الثقافية الإلكترونية التي تقدم مواد ثقافية بصيغ خفيفة وديناميكية معاصرة، تستقطب عدداً أكبر من المتابعين. ومن ثم فإن ثقافة العصر - على حد تعبيره - هي التي تقف وراء اختفاء المجلات الثقافية.

ويعزز الروائي السوري خليل صويلح هذا الرأي، مؤكداً أن مجلات ثقافية كثيرة ستصل قريباً إلى محطة الإغلاق لأنها تنتمي على حد وصفه إلى "حمى ما قبل الميديا"، وصفحاتها مفتوحة على أسئلة تنتمي إلى الماضي بطريقة تناسب ذائقة محرريها، بالتالي لا تجد من يقرأها. وعلى رغم أن صويلح يشغل منصب مدير تحرير مجلة "الحياة السينمائية" السورية، فإنه يؤمن بأن الطريق الوحيد لضمان الحياة أمام المجلات الثقافية مرتبط بقدرتها على الانفتاح على أسئلة جديدة ومقاربة الظواهر والاعتناء بالصورة وسرد الحياة اليومية وتأكيد ما هو ذاتي.

أزمة قراءة لا أزمة تمويل

يقر رئيس تحرير مجلة "العربي" الكويتية العريقة إبراهيم المليفي بوجود مأزق عام تعانيه المجلات الثقافية يرتبط بأزمة القراءة في عالمنا العربي، حيث نفتقر إلى الأرقام والإحصاءات التي تعين على فهم حاجات القراء وميولهم. والمؤكد أن من لا يقرأ المحتوى الورقي لا تتوقع منه الإقبال على المحتوى الإلكتروني، فالقراءة لا تتأثر  بتغير الوسائط. ويشدد رئيس تحرير مجلة "العربي" على أن استمرار صدور المجلات الثقافية مرهون بوجود الدعم الحكومي، وما يعزز ذلك حجم التغيرات الكبيرة التي تشهدها الأسواق الإعلانية في ظل الحديث عن أزمات اقتصادية متوقعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستناداً إلى تجربته في المساهمة في تحرير مجلة "دبي" الثقافية التي صدرت في 2004 وتوقفت قبل نحو 10 أعوام، يوضح الروائي المصري ناصر عراق أن المجلات التي تصدر في بلدان الخليج  يتوافر لها التمويل الكبير، لكنها تواجه تحديات أخرى مرتبطة بكيفية صناعة المحتوى، ومن ثم فإنه يعتقد بأن "الدوحة" لم تتوقف لأسباب تمويلية بدليل حجم الدعم الذي تقدمه دولة قطر لفاعليات ثقافية أخرى.   

يؤكد عراق أن معظم ما ينتج في مجلاتنا الثقافية لا يزال عند شروط الخيال التقليدي القديم في طريقة العرض وإنتاج المادة، على رغم الطفرات التكنولوجية الكبيرة، مما يؤدي إلى انصراف القارئ.

العائد الثقافي 

يأسف القاص السعودي طاهر الزهراني لتوقف "الدوحة" آملاً في استمرارها في الصيغة الرقمية، ويقول "في ظني أن أزمة المجلات الثقافية تتمثل في عدم إيمان الجهات الداعمة بدورها الثقافي والحضاري الذي تكرسه".

ويتفق رئيس تحرير أسبوعية "أخبار الأدب" المصرية علاء عبدالهادي مع هذا الرأي، موضحاً أن الصحافة الثقافية لا تزال تملك أسباب البقاء، كما أن أي منتج ثقافي لا يجوز النظر إليه من زاوية العائد الاقتصادي فقط، إذ إن هناك عوائد أخرى تخص طموح أي دولة في تأدية أدوار تتجاوز حدودها الجغرافية. ويضيف: "دور أخبار الأدب يتجاوز عدد النسخ التي تطبعها، ولا يمكن أن يقاس تأثيرها بعدد ما توزعه من نسخ".

ويؤكد عبدالهادي أن الدعم الحكومي لا يزال شرطاً ضرورياً لاستمرار المطبوعات الثقافية في مواصلة أداء دورها في تقديم خدمة ثقافية، لافتاً إلى أن التحديات التي أوجدتها المنصات الإلكترونية لا تمثل خطراً على قارئ هذه النوعية من المطبوعات. والبيئة العربية لا تزال غير مؤهلة للانتقال إلى الصحافة الإلكترونية بشكلها الموجود في الغرب، فالقارئ العربي لن يدفع مقابلاً مالياً لقراءة مقالة.

 الروائي المصري عزت القمحاوي الذي تولى إدارة تحرير مجلة "الدوحة" قبل 10 أعوام يشير إلى أن المجلات لا تدار بطريقة اقتصادية خالصة لأنها تعتمد غالباً على تمويل حكومي أو تمويل جمعيات النفع العام، لكن هناك مسؤولية تخص صناعة محتوى جذاب يؤثر في إقناع القارئ، ومن ثم الممول باستمرار تقديم التمويل، بالتالي فالمحتوى هو الأساس.

ويرى القمحاوي أن المجلات الثقافية العربية لم تسأل سؤال القارئ وتعيد إنتاج أسئلتها منذ نصف القرن، كما أنها لم تتجاوز إلى الآن صيغة مجلة "الكشكول" التي رسختها مجلة "الهلال" عبر تاريخها الطويل. ومن ثم فإن أزمتها مع القارئ المعاصر متوقعة، فهو ابن لحظة السيولة الثقافية التي حددت شروطها تحت ضغط مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظل غياب "العين الناقدة" التي تميز ما يستحق النشر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة