ملخص
رغم اضطراب العلاقات بين طهران وتل أبيب خلال السنوات الأخيرة فإن طهران قديما كانت من بين المعترفين بدولة إسرائيل عقب تأسيسها في القرن العشرين
أثارت زيارة الأمير رضا بهلوي (نجل الشاه) إلى إسرائيل ردود فعل سريعة. وكان قد أعلن أنه يزور تل أبيب بهدف توصيل رسالة المحبة من الشعب الإيراني إلى إسرائيل، والتقى خلال الزيارة متخصصين في منشآت المياه بإسرائيل وحضر مراسم ذكرى الهولوكوست.
وكان بهلوي قد أكد قبل الزيارة القول "ليعرف الشعب الإسرائيلي أن نظام الجمهورية الإسلامية لا يمثل الشعب الإيراني. ويمكن إعادة الأواصر القديمة بين الشعبين مستقبلاً، وهذا لصالحهما. أتوجه إلى إسرائيل لكي أؤدي دوراً في هذا المجال".
يتناقض توجه رضا بهلوي بشكل جلي مع توجهات نظام الجمهورية الإسلامية، حيث يعتمد العداء ضد إسرائيل واليهود كسياسة أساسية له منذ سنوات طويلة، هذا النظام هو الوحيد في العالم الذي يدعم الميليشيات العسكرية التي تحارب تل أبيب ولا يخشى من تهديد الملايين من المواطنين الإسرائيليين بالقتل، كما أن علي خامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية يعد القائد الوحيد في العالم الذي ينكر موضوع الهولوكوست ومقتل 6 ملايين يهودي، كما أن بعض صحف النظام مثل "كيهان" أشادت بهيتلر وشخصيات ترفض وقوع الهولوكوست.
أواصر قديمة
تعود الأواصر بين إيران والشعب اليهودي إلى قرون بعيدة قبل تشكيل دولة إسرائيل. فتح قوروش الكبير مؤسس سلالة الإخمينيين في عام 538 قبل الميلاد، مدينة بابل وحرر اليهود في بين النهرين من الأسر بعد 59 عاماً، ليعودوا إلى موطنهم في مملكة يهودية في فلسطين، لذلك يتمتع قوروش بين الإيرانيين اليهود بمكانة كبيرة.
أسعى لأشرح هنا العلاقة بين إيران وإسرائيل بعد تشكيل دولة إسرائيل في القرن العشرين ولا أتطرق إلى ماضي العلاقة بينهما، حيث كتبت عنها مقالاً في السابق.
تأسست إسرائيل بواسطة الحركة الصهيونية في العصر المعاصر أواخر القرن الـ19. بدورها شجعت هذه الحركة اليهود على الهجرة إلى فلسطين وطنهم التاريخي من أجل تشكيل مجتمع حديث، كما أن عدداً من اليهود كانوا يقطنون أصلاً في فلسطين منذ القدم، وكانت مدينة القدس في العهد العثماني تضم غالبية يهودية (طبقاً لإحصاء عام 1905). ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية، أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني بقرار من "عصبة الأمم".
وكانت بريطانيا تحتل فلسطين حتى عام 1917 ووعدت الحركة الصهيونية وقتها بإقامة "بيت اليهود" في فلسطين طالما لن تتأثر حقوق باقي المواطنين هناك. وفي ذلك العام وقعت اشتباكات بين اليهود والعرب المسيحيين والمسلمين في فلسطين، وكانت إيران بصفتها بلداً ذا غالبية مسلمة، تدعم فلسطين في بعض الأحيان. على سبيل المثال دعم باقر كاظمي ممثل إيران في الأمم المتحدة، فلسطين في عام 1935 في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن لم تكن إيران ترغب بالعداء مع اليهود الساكنين في فلسطين أيضاً، وفي عام 1942 فتحت "الوكالة اليهودية" مكتباً لها في طهران وتحول المكتب فيما بعد إلى سفارة لإسرائيل.
وبعد الحرب العالمية الثانية طرحت بريطانيا موضوع مستقبل فلسطين في الأمم المتحدة. وفي عام 1947 تشكلت لجنة ضمت 11 بلداً، وجميعها كانت غير منتمية إلى مجلس الأمن لتكون محايدة. هذه اللجنة سافرت إلى فلسطين وكان ضمن الوفد نصر الله انتظام الدبلوماسي الإيراني ممثلاً عن بلاده، إضافة إلى علي قلي أردلان، وكان آنذاك دبلوماسياً في السفارة الإيرانية لدى تركيا. وفي نهاية المطاف طرحت اللجنة مشروعين، الأول تقسيم فلسطين إلى بلدين يهودي وعربي. والثاني نص على فكرة تشكيل دولة فيدرالية موحدة.
وصوتت غالبية البلدان الغربية وأميركا الجنوبية منها (السويد وأستراليا والأوروغواي) لصالح المشروع الأول، وكانت إيران والهند ويوغوسلافيا صوتت لصالح إقامة دولة فيدرالية ولم تنجح مساعيهم. وكانت تشكوسلوفاكيا وقتها حليفاً للاتحاد السوفياتي قد صوت للمشروع الأول.
مع إعلان اليهود في عام 1948 تشكيل الدولة الإسرائيلية، وبناءً على تصويت الأمم المتحدة طلبوا العضوية في الأمم المتحدة، لكن البلدان العربية لم تقبل بتصويت الأمم المتحدة وشنت حرباً ضد الدولة الإسرائيلية الجديدة. كانت إيران محايدة في تلك الحرب، لكن بعض الإسلاميين منهم آية الله كاشاني بدأوا دعايات ضد دولة إسرائيل. وكان آية الله كاشاني يروج إلى إرسال مقاتلين للحرب إلى جانب الفلسطينيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان كاشاني يقول "هؤلاء اليهود المهربون وفاقدو الوطن والمهجرين من أنحاء العالم سكنوا هناك بدعم من الدول الكبرى". وفي المقابل كان حزب توده الذي ضم عدداً من اليهود الإيرانيين دعم استقلال إسرائيل وطالب طهران بالاعتراف بتل أبيب وإقامة علاقات معها.
عزمت إسرائيل على إقامة علاقات مع إيران منذ الأيام الأولى. وكان موشة شارت، وزير الخارجية الإسرائيلي، كتب رسالة إلى طهران وطلب الاعتراف بإسرائيل. وطرح بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل نظرية "الوحدة مع الهامش" على أساس إيجاد علاقات مع الدول المجاورة لجيران إسرائيل العرب الذين كانوا يخوضون حرباً ضدها أي ضرورة إيجاد علاقات مع "جيران إسرائيل". وكانت هذه البلدان تشمل تركيا وإثيوبيا والمسيحيين في لبنان في بعض التقديرات.
هذا فيما يتعلق بإسرائيل من منظار مصالحها القومية. أما فيما يتعلق بإيران كبلد عريق وقوي في المنطقة كان توجهها مبنياً على إقامة علاقات مع جميع البلدان. على رغم هذا صوتت إيران عام 1949 ضد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، لكن يمكن القول إن وجود هذا البلد قد تم الاعتراف به منذ البداية.
خلافاً للدول العربية كانت إيران تقيم علاقات تجارية ومدنية وفنية ورياضية واسعة مع إسرائيل. هذه العلاقات كانت أيضاً لها طابع سياسي أيضاً بين بعض الأوساط السياسية في إيران.
مثل الأوساط المتعلقة بحزب توده التي كانت على علاقة مع الأحزاب اليسارية الإسرائيلية، كما أن رزم آرا، أشاد في عام 1949 بالجيش الإسرائيلي، ووصفه بأنه مثالياً بالنسبة لإيران. وجرى هذا المدح قبل فترة من تولي رزم آرا، منصب رئاسة الوزراء في إيران.
من جانب آخر بقي جزء كبير من اليهود الإيرانيين في إيران وهاجر جزء قليل منهم إلى إسرائيل. في تلك الفترة غادر نحو 800 ألف يهودي البلدان العربية إلى إسرائيل. وهاجر عدد كبير من اليهود العراقيين الذين كانت تربطهم أواصر مع يهود إيران إلى إسرائيل عبر طهران.
وكان رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد ساعد مراغه أي، أعلن عام 1950 في خطاب أن أبواب إيران مفتوحة أمام جميع اللاجئين، وسمح لليهود في البلدان العربية الهجرة من طهران إلى تل أبيب.
في مارس (آذار) 1950 بعد أقل من سنتين من تأسيس إسرائيل اعترفت طهران بها خلال فترة تولي ساعد رئاسة الحكومة. وجاء إعلان الحكومة الإيرانية الاعتراف بإسرائيل عبر نصر الله انتظام السفير الإيراني في الأمم المتحدة خلال لقائه مع الدبلوماسي الإسرائيلي الشهير، آبا أبان.
وكان وقتها انتظام، الرئيس الدوري للجمعية العامة للأمم المتحدة وقد التقى بن غوريون في الأمم المتحدة. بعد أسابيع سافر ممثل إيران رضا صفي نيا إلى إسرائيل وأقيمت له مراسم خاصة في القدس.
لكن حكومة مصدق التي وصلت إلى الحكم بعد أشهر أعادت صفي نيا إلى طهران. وكان مصدق يبرر إعادة السفير الإيراني إلى البلاد لسياسة التقشف في الكلفة المالية، لكن العلاقات التجارية بين البلدين ظلت مستمرة وكانت إيران تصدر المنتجات الزراعية إلى إسرائيل وتستورد منها سلع صناعية.
في الوقت نفسه ألقى حسين فاطمي قبل توليه منصب وزارة الخارجية خطاباً ضد إسرائيل في البرلمان الإيراني. كانت الخلافات بين مصدق وبريطانيا قد حولته إلى شخصية عالمية. أما الغريب هو أن الكثير من الإسرائيليين الذي كانوا قد خاضوا حرباً ضد بريطانيا من أجل تأسيس إسرائيل، كانوا يدعمون مصدق. شعبية مصدق كانت أيضاً واضحة بين المعارضة اليمينية في إسرائيل وبين الأحزاب الاشتراكية المعارضة لبريطانيا.
وكان محمد مصدق آنذاك يتمتع بشعبية في الأوساط اليمينية الإسرائيلية كما كان ملهماً للقوميين العرب في مصر. أما فاطمي فقد أغلق وكالة اليهود في طهران بعد توليه حقيبة الخارجية، وكان يعمل لتوطيد العلاقات مع العالم العربي، لكن تم افتتاح المكتب بعدها بقليل ما يكشف عن أن فاطمي لم يكن وحيداً في اتخاذ القرار في هذا الشأن، بل كانت هنالك أصوات معارضة.
بعد شهر شهدنا في عام 1953 إبرام اتفاق بين البنك الوطني الإيراني مع بنك لئومي الإسرائيلي بدعم من محمد مصدق.
السياسة الوطنية المستقلة
سقطت حكومة مصدق في انقلاب عام 1953، وفي الفترة التي كان فيها محمد رضا بهلوي، ملكاً في إيران واجه انتقادات واسعة من قبل أنصار مصدق، واليساريين الذي كانوا يتهمونه بالولاء للغرب وأميركا. وكان معارضو الشاه ينسجون أساطير غير واقعية على رغم أن الشاه كان قد أعلن أنه ينتهج سياسة "وطنية مستقلة" على أساس مصالح إيران وبناءً على ذلك اعتمد إقامة علاقات مع جميع البلدان بما فيها إسرائيل.
وفي فترة حكم محمد رضا شاه استطاعت إيران إيجاد توازن مثالي في علاقاتها الخارجية، حيث كانت على علاقة مع الدول الغربية، كما كانت تقيم علاقات مع الاتحاد السوفياتي السابق والمعسكر الشرقي والبلدان الشيوعية مثل يوغوسلافيا والصين. وحافظت إيران في المنطقة على علاقاتها مع إسرائيل والدول العربية، لكن جمال عبدالناصر قطع العلاقات مع إيران وعادت هذه العلاقات عام 1970 قبل أسابيع من وفاة جمال عبدالناصر.
أما الشاه لم يعتمد سياسة أحادية الجانب تجاه إسرائيل ففي عام 1967 عارض الشاه بشدة الإجراءات الإسرائيلية في حرب الستة أيام التي أدت إلى ضم أراضي مصرية وسورية إلى إسرائيل.
وكان المسؤولون الإيرانيون قد عبروا عن معارضتهم احتلال الأراضي الفلسطينية خلال محادثات علنية وكذلك في الحديث إلى الإعلام. أما الشاه قال بعد حرب الستة أيام "لقد ولى زمن احتلال أراضي الآخرين بقوة السلاح".
وجرت محادثات كثيرة بين المسؤولين الإيرانيين والإسرائيليين منها تلك التي عقدت في منزل أردشير زاهدي، وزير الخارجية الإيرانية آنذاك بين دبلوماسيين إيرانيين وإسرائيليين. وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، أبا أبان حاضراً. وقال لزاهدي في اللقاء، "هنالك أواصر مشتركة بيننا وبينكم. نحن نرى ضرورة الحفاظ على استقلال البلدان في الشرق الأوسط ويجب الحفاظ على سيادتها. إننا نعتقد بالتنوع في المنطقة. عندما نرى إجراءات العراق واليمن الجنوبي فذلك يحثنا أكثر على التعاون مع إيران. أتمنى أن تستمر مثل هذه المحادثات وتبادل الآراء بيننا".
كانت هنالك أجواء تحكمها الصداقة بين البلدين، لكن إيران كانت تعبر عن مواقفها بشكل صريح في الوقت نفسه. وكان المسؤولون الإيرانيون يقولون للدول العربية في الوقت نفسه عليهم قبول واقع وجود إسرائيل والتخلي عن فكرة إزالتها. البلدان العربية وصلت حالياً إلى هذه النتيجة بعد مرور سنوات.
وكانت إيران قد دعمت ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بمبلغ 300 ألف دولار وحثت الفلسطينيين على السير نحو السلام، وكانت تنتقد بشدة بعض التصرفات منها اختطاف الطائرات من قبل بعض المجموعات الفلسطينية.
وكان رئيس الوزراء الإيراني أمير عباس هويدا الذي كان يتقن اللغة العربية بسبب ترعرعه في عدد من الدول العربية كان حاضراً في عدد من هذه اللقاءات ويتحدث معهم باللغة العربية، كما أن الشاه قد طلب من الولايات المتحدة أن تكون وسيطاً بين إسرائيل والعرب.
وكانت إيران تطرح الوساطة للسلام من خلال التمسك بصداقتها مع إسرائيل وأقامت علاقات اقتصادية وعلمية ورياضة واسعة مع إسرائيل. وقد تطرقت أستاذ التاريخ في جامعة بنسلفانيا فيروزة كاشاني، أخيراً في مقال بمجلة "دراسات الشرق الأوسط" إلى العلاقات بين إيران وإسرائيل بين 1930 و1970، وقد أشارت إلى سفر خمسة من العلماء الإيرانيين إلى إسرائيل عام 1960 للمشاركة في مؤتمر فايزمن، وقد جرى خلالها محادثات بين أصغر آزاد من رؤساء جامعة طهران ولجنة الطاقة في إسرائيل للتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وكان آزاد في الواقع مؤسساً للمركز النووي في جامعة طهران ومن كبار مؤسسي الصناعة النووية في إيران.
وكان المؤرخ الإسرائيلي المتخصص في تاريخ إيران بجامعة بنسلفانيا ليور استرنفلد، قد تطرق إلى زوايا مختلفة من العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية، وقد أشار إلى سفر جلال آل أحمد وسيمين دانشور الروائيين الإيرانيين إلى تل أبيب، حيث أشاد جلال آل أحمد فيما بعد كثيراً بإسرائيل في كتاب أصدره عن تلك الزيارة.
وقد تطرق استرنفلد إلى الجانب الشعبي لهذه العلاقات، منها حضور المغنين الإسرائيليين في النوادي الليلة بإيران وإقامة مباريات كرة القدم بين الفرق الإيرانية والإسرائيلية، وكان البلدان يتصدران وقتها قائمة أفضل الفرق في آسيا.
بعد الثورة الإيرانية في 1979 ومع وصول الإسلاميين إلى الحكم أغلقت السفارة غير الرسمية الإسرائيلية في إيران. وكان ياسر عرفات من أوائل الشخصيات الخارجية التي زارت إيران والتقط صورة إلى جوار الخميني.
كان نظام الجمهورية الإسلامية في البداية لم يظهر العداء لإسرائيل خلال السنوات الأولى من تأسيسه. وأثناء الحرب دعم ياسر عرفات صدام واتخذ موقفاً ضد إيران. في المقابل كانت إسرائيل تبيع السلاح على إيران بشكل سري لأنها كانت تعتبر أن صدام هو العدو الأساس وكانت ترى أن إيران وإسرائيل يعودان إلى فضاء الصداقة مستقبلاً.
بعد مرور سنوات اتخذ نظام الجمهورية الإسلامية موقف العداء ضد إسرائيل ويهدد في الوقت الراهن إسرائيل وشعبها بالفناء ويعمل لبعثرة السلام في المنطقة ومنها السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن التاريخ يثبت بأن الصداقة تسود بين إيران وإسرائيل، وتربطهما علاقات قديمة، ومن المتوقع أن تعيد إيران الحرة مستقبلاً هذه العلاقات.
نقلا عن "اندبندنت فارسية"