Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فريشكوف يكتب عن دراويش مصر بعد 10 سنوات من مرافقتهم

كتابه عن الصوفية والطقوس يدخل عالم التحولات الجديدة في اللغة والمعاني

عرض صوفي مصري للمخرج إنتصار عبد الفتاح (صفحة الفنان - فيسبوك)

ملخص

كتاب عن #الصوفية والحداثة في #مصر يدخل عالم التحولات الجديدة في اللغة والمعاني

للصوفية عبقها وعالمها الخاص الذي يتخطى حدود المكان والزمان، وإن ارتبطت هذه التسمية بالإسلام. وكأية أيديولوجيا أخرى، فإن للصوفية نظرتها الخاصة تجاه العالم، بقدر ما أنها لم تسلم هي ذاتها من النقد. فإنها لا تزال تجذب الناس إليها بأساليب شتى؛ فهناك من يتخذونها منهجاً فكرياً وسلوكياً، وهناك من يدرسونها، بالإضافة إلى من يكتفون بالقراءة عنها أو مشاهدة أتباعها في مناسباتهم، من بعيد.

ينطلق كتاب "الصوفية والطقوس والحداثة في مصر: الأداء اللغوي استراتيجية للتأقلم" (المركز القومي للترجمة) تأليف مايكل آرون فريشكوفMichael Aron Frishkopf، وترجمة السيد جاد، من أسئلة عدة: كيف يمكن تفسير نجاح بعض الطرق الصوفية الجديدة في القرن العشرين الذي تدهورت فيه الطرق القديمة المستقرة، تدهوراً شديداً، والتي عادة ما كانت تتمتع بموقع اجتماعي مركزي في العصرين المملوكي والعثماني؟ ما السبب في عدم قدرة الطرق الأقدم على التأقلم مع متغيرات الفضاء الاجتماعي الذي كان يدعمها في وقت من الأوقات، والمتمثلة في ظهور خطابات إسلامية وعلمانية قوية، ناقدة للممارسات الصوفية، مع تحولات اجتماعية واسعة النطاق في السياسة والاقتصاد والتربية والتعليم وغيرها من المجالات؟ وعلى العكس من ذلك كيف استطاعت الجماعات الأحدث فعل هذا الأمر؟

وفي سياق البحث عن إجابات لتلك الأسئلة، يدرس فريشكوف الصوفية في مصر في العصر الحديث، وما تواجهه من مشكلات في محاولتها البقاء والاستمرار في عالم متغير. لقد أتى مايكل فريشكوف إلى مصر في تسعينيات القرن الماضي، وعاش فيها ما يقرب من عشر سنوات، اختلط فيها بالجماعات الصوفية المعروفة وغير المعروفة للكثيرين منا. والتقى شيوخاً ومريدين ومنشدين وذاكرين، وحضر أيضاً مئات الموالد والاحتفالات، وزار عشرات الزوايا والأضرحة والمقامات. وقد زوَّدته هذه التجربة بالخبرة والمعرفة التي يفتقر إليها الكثيرون من المصريين أنفسهم.

الأداء اللغوي

 

وفي خلاصة دراسته التي جاءت في جزئين ونشرت بالإنجليزية عام 1999، يذهب فريشكوف إلى أن الطرق التقليدية لم تعد قادرة على التحكم في أدائها اللغوي بأسلوب استراتيجي. وكان قد عرض في الفصل الرابع وصفاً إثنوغرافياً مفصلاً للحضرة، ولمصادر الأداء اللغوي فيها ورأى أنه بالإضافة إلى الدور الروحي الواضح للحضرة، فإن لها آثارها الاجتماعية، وأن "مكوناتها النشطة" تتكون في الأساس من الأداء اللغوي. وتشكل هذه العبارة الأساس للقرار المنهجي الذي اتخذه المؤلف لجهة التركيز على الأداء اللغوي كوصلة ربط أساسية بين الممارسة والبنية الاجتماعية. وبعد مراجعة بعض السمات العامة (النغمية والتكرار والتسمية والمصادر) التي تشترك فيها غالبية أنماط الأداء اللغوي أو كافتها، فإنه قدم مجموعة متنوعة من أنماط الأداء اللغوي في سياق وصف إثنوغرافي عام للحضرة ذاتها، وأوضح معاملات المتغير لكل نمط في الأداء اللغوي، ودرجة حساسية هذه المعاملات في تحديد تأثيرات الطقوس ورد الفعل المهم.

الأبعاد الإجتماعية

وأوضح الوصف الإثنوغرافي أنه بينما يعتمد "الحزب" و"الفواتح" والأدعية والذكر في الأساس على مواد إسلامية ثابتة وتقليدية، فإنها أقل حسماً في دعم استراتيجيات مستوى الجماعة، أو في تحديد هويتها، معتبراً أن أنماط الأداء اللغوي – من إنشاد وحديث- أكثر أهمية بكثير لتحقيق هذه الأهداف؛ نظراً لأنه يمكن تطويعها لتحقيق أهداف اجتماعية. ومن الطرق الصوفية التي تناولتها دراسة فريشكوف "الجعفرية"، و"الجازولية"، و"البيومية". ولاحظَ أنه على عكس غالبية التنظيمات الدينية، لا تتحدد الطرق الصوفية بحسب نظام للمعتقدات. وبدلاً من ذلك فإن هوية الطريقة الصوفية هي بشكل بارز اجتماعية، ومن المستحيل بالنسبة إلى أية طريقة صوفية في مصر أن تُعَرِف نفسها بواسطة عقيدة فريدة أو مجموعة من المبادئ نظراً إلى أن كافة الطرق الصوفية تعتمد بقوة على الإسلام في الحصول على مشروعيتها.  

إن الفرضية التي يقدمها فريشكوف هنا هي أن الطرق الصوفية الجديدة تأقلمت مع الأوضاع الاجتماعية الحديثة عن طريق صياغة استراتيجيات عامة على مستوى الجماعة، وأنها استطاعت نشرها وتطبيقها، في الأساس، من خلال الأداء اللغوي في طقس الجماعة المعروف باسم "الحضْرة".

دعم الهوية

وتساعد هذه الاسترتيجيات على ضمان قابلية الطريقة للحياة والنمو، عن طريق دعم الهوية والبنية الاجتماعية وحمايتها ضد النقد وضم أعضاء جدد. وفي الوقت ذاته فإن هناك بعض الظروف الاجتماعية المعينة – المركزية والتماسك والتعريف القوي للجماعة بين الأعضاء – التي تمثل شروطاً أساسية لتطوير هذه الاستراتيجيات، والتي تمثل أهدافها المقصودة. والإحتمال كبير في أن الطريقة تحقق هذه الأوضاع في أثناء المرحلتين الأوليين من تطورها، عندما يكون المؤسس أو خليفته يتحكم في الجماعة. وبالإضافة إلى ذلك فإنه تتم صياغة الاستراتيجيات وتطبيقاتها الطقسية استجابة للفضاء الاجتماعي المحيط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وبمجرد تأسيسها فإن الطقوس المتوافقة مع هذه الاستراتيجيات تميل إلى أن تتصلب (بغض النظر عن ملاءمتها في مراحل تالية بعد تغير الفضاء المحيط) بسبب استمرارية التقاليد وبخاصة عندما يشعر أعضاء الجماعة أنها تساعد على تكوين هويتها – وإن كانت تخضع للتآكل عندما لا تكون مدعومة دعماً قوياً بسلطة مركزية للجماعة.

ولكن الطريقة الصوفية تتسم – خاصة في المرحلة المبكرة من تكوينها – بأنها منصهرة نسبياً، لكونها غير مقيَّدة بالتقاليد. أما بالنسبة إلى استراتيجيات تكوينها تحمل علامات المرحلة التاريخية التي تكونت فيها. إذ تتشكل الجماعة بأقوى درجة بهذه الاستراتيجيات الموضوعة في أولى مراحل تكوينها. كما أن التنفيذ العملي للاستراتيجيات (في الطقس أو في غيره) يميل إلى أن يتآكل مع مرور الوقت، وبخاصة عندما لا تنفذ الجماعة شروط استراتيجيات مستوى الجماعة.

صوت الشيخ

وعادة يكون الإنشاد والحديث النمطين الوحيدين من أنماط الأداء اللغوي، اللذين يستطيعان أن يحملا بوضوح صوت الشيخ، وأن يعكسا نفوذه. أما الأنماط المعتمدة وبصلابة على المواد التقلدية فتتعامل في الأساس في مجال الطقس، وبالتالي فإنها أقل ملاءمة للتأثير في المشتركين بشكل ذاتي، مما يفضي إلى تأثير ضعيف اجتماعياً. ومن ناحية أخرى فإن الإنشاد والحديث يتعاملان في الأساس في المجالين؛ التأثيري والتواصلي، وهو ما يجعلهما ملائمين نموذجيين لمثل هذه المعالجة الذاتية. والمجال الواسع للمعاملات اللحنية المميزة للإنشاد مهم بالنظر إلى الجدل المحيط باستخدام الموسيقى (المحتوى اللحني واستخدام الآلات) وكذلك في تحديد القوة العاطفية التي تتيحها الموسيقى في الأداء. وكل من الإنشاد والحديث يحملان أوسع نطاق من المعاني النصية التأثيرية والتواصلية التي تتراوح ما بين الحب الصوفي القوي، والإخلاص الخالص. وهذه المعاني مهمة من وجهة نظر الجدل خول الأفكار الصوفية، وكذلك بسبب التأثير الذي تحققه هذه النصوص في أثناء الأداء.

وأخيراً، تنبغي الإشارة إلى أن مايكل فريشكوف يعمل أستاذاً للموسيقى ومديراً للمركز الكندي للموسيقى العرقية، ومع ذلك فإن اهتماماته تتعدى الموسيقى في حد ذاتها إلى الأنثروبولوجيا والدراسات الدينية، بحيث ركَّز في الكثير من أبحاثه على الموسيقى والنغم في الإسلام وعلى تطبيقاتها في العالم العربي وغرب أفريقيا. وقد أشرف على تحرير عدد كبير من الكتب والدراسات، والألبومات الموسيقية، ومن بينها "الموسيقى ووسائل الإعلان في العالم العربي"، الصادر عن الجامعة الأميركية في القاهرة. وهو عضو جمعية الموسيقى العرقية والمجلس العالمي لموسيقى التراث وجمعية أميركا الشمالية لدراسات الشرق الأوسط. 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة