Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يمر الزمن علينا بالطريقة ذاتها؟

تعرّف موسوعة "بريطانيكا" الوقت على أنه مجموعة من الأحداث الخالية من الأبعاد المكانية

كثر لا يتذكرون طفولتهم إلا بشكل ضبابي لأسباب مختلفة (رويترز)

تختلف نظرة الشعوب إلى الزمن والوقت عن نظرة الأشخاص، فشعب معين يحدد الماضي بالفترات التاريخية الذهبية أو بفترات جوائح وأمراض، وهذه تحددها ذاكرة جماعية تنتقي من الأحداث ما تراه مناسباً للتأريخ، بينما يحددها الأفراد بحسب الذكريات الجميلة أو غير الجميلة العالقة في الذاكرة، بحسب انتقائية الذاكرة التي حددها فرويد في نظريات التحليل النفسي والعصابية.

فهناك كثر لا يتذكرون طفولتهم إلا بشكل ضبابي لأسباب مختلفة، قد تكون التربية والبيئة والأهل سببها، وبحسب فرويد فإن كل إنسان يملك ذاكرة انتقائية، وجميعنا يخفي كثيراً من ذكرياته ضمن جوارير داخلية ويقفل عليها، وهذا ما يساعدنا في إكمال حياتنا كي لا تصبح الذاكرة عبئاً وثقلاً على حاملها، فيتحول إلى مريض عصابي، وما العلاج بالتنويم المغناطيسي إلا فتح لأبواب الذاكرة المقفلة، أي استعادة للزمن الماضي.

الحاضر كزمن ممتد

والماضي لدى الشعوب والأفراد، عبارة عن فعل تذكر لما حدث، وقد يروي الماضي شخصان توأمان، عاشا معاً طوال الوقت، ولكن يرويه كل واحد منهما من وجهة نظر مختلفة أو عبر مشاهدات تصل إلى حد التناقض.

الأمر نفسه ينطبق على المستقبل، فهو بالنسبة إلى الشعوب أو الجماعات والكتل البشرية، ما يمكن توقع حدوثه وقد يكون عبارة عن خطط اقتصادية وسياسية وإدارية توضع ليتم تنفيذها في فترة زمنية مقبلة، أما بالنسبة إلى الأفراد فالمستقبل عبارة عن مجموعة من التوقعات أو أفق مقفل ومظلم لا يدري الفرد ما تخبئه الأيام له خلالها، فيلجأ إلى علوم الغيب لكشفها، وهو بالنسبة إلى الجميع وقت لم يأت بعد.

هناك أفراد يعتقدون وفقاً لأفكار دينية أو عقائدية أو نظرية أنه لا وجود لماض ولا مستقبل، فالماضي زمن مضى ولم يعد من إمكان من التأثير فيه أو إجراء أي تغيير في أحداثه، أما المستقبل فهو زمن لم يأت بعد، وقد لا يأت في حال الوفاة المفاجئة مثلاً، لذا فالمستقبل الفردي غامض عموماً، خصوصاً وأن ما سيجري في المستقبل هو مجموع تأثيرات اللحظات التي تجري الآن أو التي مضت، والتي باجتماعها قد تحقق مستقبلاً غير ذاك الذي ينتظره صاحبه، ويعبر عنه عموماً في العالم العربي بقولين مهمين "لا يصيبكم إلا ما كتب الله لكم" أو "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".

وهناك فلاسفة ومفكرون وديانات مختلفة تقول بأن الحاضر وحده هو الحقيقي وهو الذي يستمر إلى الأبد لأن كل لحظة نعيشها هي الحاضر، وعند انتهائها تصبح ماضياً، ولكنها لا يمكن أن تصبح مستقبلاً، لأن المستقبل بمجرد حدوثه يكون حاضراً، أو لأن المستقبل هو ما لم يحدث بعد، ولو في اللحظة التالية.

لكن البشر منذ تفتح وعيهم على الطبيعة التي تحيطهم وعلى أجسادهم نفسها، باتوا يعتنون بمرور الوقت اعتناء مهماً، وهذا الاعتناء أثر على كل الحضارة التي أنتجوها.

فمثلاً يعرف الكائن مرور الزمن من خلال جسده، فهو يتبدل ويتغير من مرحلة الطفولة إلى الشباب إلى الشيخوخة وهذا ما أنتج علوم الطب والفلسفة والأديان والماورائيات.

وما نسميه "التقدم بالعمر" هو الزمن الذي نتحدث عنه، ومن ثم عرف البشر أيضاً الزراعة التي لا بد من معرفة تأثير مرور الوقت عليها، فهناك الفصول السنوية ووقت الزراعة ووقت الحصاد، والذي يتكرر سنوياً، يضاف إليها غياب وشروق الشمس يومياً، مما ساعد في اختراع وسائل قياس الوقت، من الروزنامة التي تحدد مرور الأيام والأشهر والفصول، والساعة التي تحدد مرور الثواني والدقائق والساعة، ويقال إن المسلات المصرية كانت عبارة عن ساعات شمسية، ومنها استنبطت شعوب ما بين النهرين الساعة الشمسية أو المزولة، والتي تقيس زمن مرور الشمس نهاراً عبر حركة ظلها على المزولة أو إبرة الساعة.

"الزمكان" وعبور الزمن

أما آينشتاين فقد أراد للزمن أن يكون عنصراً يضاف على الطول والعرض والعمق، فاخترع مصطلح "الزمكان"، حيث يكون للزمن تأثير وقدرة على القياس كما هو حال المساحة والمسافة. ووصوله إلى هذا الاستنتاج ساعده في وضع نظريات كثيرة حول نشوء الكون وتكونه والعناصر التي يتآلف منها، بل وتحدث عن إمكان التقدم في الزمن نحو المستقبل أو العودة للماضي في حال وصلنا إلى سرعة الضوء، وهو الأمر المستحيل حتى اليوم، بل ولا يمكن للمخيلة البشرية أن تتخيله أصلاً، إلا عبر الأفلام والروايات التي انتشر كثير منها خلال القرن الماضي، بعدما انتشرت آلاف النظريات حول الوقت والزمن جذبت القراء والمتابعين نحوها، فأسست لأنواع مختلفة من الثقافة في السينما والأدب والشعر والرسم حولهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما لوحة سلفادور دالي حول "سيلان الوقت" الشهيرة إلا أحد أبرز أمثلتها، أما المثال الساطع فهو كتاب عالم الفيزياء الشهير ستيفان هوكينغ "مختصر تاريخ الزمن" الصادر عام 1988، ونظراً لرواج هذا الكتاب منقطع النظير أعيد طبعه مرات عدة وبيعت منه ملايين النسخات بكل اللغات، وكان هذا الرواج مثار دهشة لكل المعنيين بعالم النشر، لأنه كتاب فيزيائي وليس رواية لكاتب مشهور مثلاً.

ولكن في وصف هذه الظاهرة وتحليلها قال علماء متخصصون في ميول القراء بأن وجود عبارة "الزمن" في العنوان دفعت القراء إلى شرائه، لأن هذه العبارة حركت آلاف الأسئلة الموجودة في لاوعي الإنسان حول هذا المفهوم الغامض للزمن، ودفع الملايين إلى قراءة هذا الكتاب بحثاً عن أجوبة لهذه الأسئلة، "ليس فقط لأنها تتراوح حول بدايات الزمن ونظريات نشوء الكون وتطوره، بل أيضاً لارتباط الحياة من الولادة إلى الموت بعامل الزمن، وما بين الولادة والموت يرتبط كل ما يقوم به الإنسان وما لا يقوم به أيضاً بالزمن نفسه"، بحسب رأي الباحث عبود عطية في دراسته حول الزمن والمنشورة في مجلة القافلة السعودية.

الزمن بُعد رابع

الدكتورة ماري هيلمنستين كتبت في العام 2019 بأنه "يمكن اعتبار الوقت البُعد الرابع للواقع، ويستخدم لوصف الأحداث في فضاء ثلاثي الأبعاد، يمكننا قياس مروره ولكن لا يمكننا تحديد طريقة مروره، حيث نعتقد غريزياً أنه يتقدم إلى الأمام، على الرغم من أن هناك نظريات حول مروره بشكل منحني، ونظريات أخرى حول دورانه وإمكان العودة فيه بحسب الخيال العلمي عبر ثقوب دودية في الكون مثلاً، ولكن هذه نظريات لم تثبت بعد وما زالت مجرد تخمينات.

ويعتبر السؤال عن سبب عدم رجوع الزمن أحد أكبر الأسئلة التي لم يتم حلها في العلم، بحسب الدكتورة هيلمنستين.

في علوم الميكانيكا الكلاسيكية، الوقت هو نفسه في كل مكان، أما في الطب التشريحي فإن الدماغ البشري مهيأ لتتبع الوقت من خلال "النوى فوق التصالبية" للدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن الإيقاعات اللحظوية أو اليومية.

لكن النواقل العصبية والأدوية تؤثر في تصورات الوقت، والمواد الكيماوية التي تثير الخلايا العصبية بحيث تطلق بسرعة أكبر من المعتاد تسرع الوقت، بينما يؤدي انخفاض إطلاق الخلايا العصبية إلى إبطاء إدراك الوقت.

ولهذا نشعر أحياناً أن الوقت يتمدد ويطول، مثلاً لو كنا في حال انتظار لحدث ما أو انتظار حلول موعد مهم، حينها يصبح الشعور بالزمن مختلفاً، وتبدو الدقائق وكأنها ساعات، والعكس صحيح، فلو كان علينا تقديم مشروع ما في وقت معين، أو في حال كنا نمضي وقتا ممتعاً ومسلياً، فإننا نشعر أن الوقت يمر بسرعة.

يقول العلماء في كلية بايلور للطب في هيوستن إن الدماغ لا يتسارع في الواقع، لكن اللوزة تصبح أكثر نشاطاً، واللوزة هي منطقة الدماغ التي تصنع الذكريات، ومع تشكل مزيد من الذكريات يبدو أن الوقت قد انقضى.

موسوعة "بريطانيكا" تعرف الوقت على أنه مجموعة من الأحداث الخالية من الأبعاد المكانية، أما آينشتاين فيعرفه بأنه الأداة التي تمنع وقوع الأحداث دفعة واحدة.

لكن للوقت تأثيره في حياة البشر اليومية، فمثلاً الشركات الصناعية تنتج ضمن إطار زمني محدد عدداً معيناً من السيارات أو الهواتف المحمولة، وفي حال تعرقل هذا الانتاج لمدة قصيرة جداً، فإنه سيؤدي إلى مشكلة كبيرة في سلسلة الإنتاج نفسها، والأمر نفسه بخصوص المواعيد التي يعطيها الناس لبعضهم، فهذه تحتاج إلى وقت محدد، مثل زيارة الطبيب مثلاً أو لقاء عمل تقوم على أساسه مستقبل حياة فرد ما.

وفي المدن الحديثة الوقت ثمين "كالذهب" كما يقال، ولهذا يشيع محبو الطبيعة و"البطء" القديم بأن المدينة تحول الإنسان إلى آلة، فوقت العامل في المدينة محدد تماماً، أي وقت استيقاظه ودوام عمله وانتهائه، وكذلك وقت وصول الـ "ميترو" وفتح بابه لثوان عدة ثم إغلاقه، ومن يضيع الـ "ميترو" الأول يكون قد أضاع 10 دقائق من نهاره ريثما يصل الـ "ميترو" الثاني.

والوقت هو العمر نفسه، أي الزمن الذي يقضيه المرء منذ ولادته حتى موته، وهذا هو الوقت أو الزمن الحقيقي الذي يعيشه الإنسان والذي يمكنه اعتباره زمناً شخصياً خاصاً به يؤثر في عقله وجسده، فمراحل تطور الإنسان وتقدمه في الوقت جسداً ونفساً هي نفسها لدى كل بشري،

ولكن تختلف كيفية استغلال هذا الوقت، فبعضهم يقول "لم يكن لدي وقت كاف لأقوم بهذا الأمر"، أو مر العمر كأنه لحظة، بينما يرد جورج برنارد شو على مثل هذا القول بأنه لم يكن لدى دافنتشي أو آينشتاين أو نيوتن أو طاغور وقت أكبر من الذي لديك، ولكنهم استخدموا وقتهم ببراعة لفائدة الإنسانية، بينما تستخدم أنت وقتك بالتحسر على مرور الوقت.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات