Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

امتحان الولاءات... هل سيحظر أصدقاء الصين "تيك توك"؟

تتعامل دول جنوب شرقي آسيا بحذر شديد مع أزمة التطبيق ولا تريد أن تصبح طرفاً في الصراع بين بكين والغرب

تتوجس واشنطن من احتمال استخدام التطبيق الصيني لأغراض تجسسية (أ ف ب)

ملخص

 #دول_آسيان التي تعد الأكثر استخداماً لتطبيق #تيك_توك فضل معظمها الصمت إزاء حظره لكن فيتنام كانت الدولة الآسيوية الأولى التي حذت حذو الغرب

يتعرض تطبيق "تيك توك" الصيني إلى حملات غربية واسعة النطاق لتحجيم نفوذه المتنامي شرقاً وغرباً، إذ أقرت عدد من دول الغرب حظراً على "تيك توك" للمستخدمين العاملين لديها في المنظمات الحكومية، وسط اتهامات دولية بتوظيفه من قبل الصين لتحقيق أغراض سياسية وتقويض المصالح الغربية.

وتتوجس واشنطن من احتمال استخدام التطبيق لأغراض تجسسية على المستخدمين الأميركيين والتأثير غير المباشر في الانتخابات أو نشر رسائل دعائية ممنهجة للجمهور الأميركي، في حين رفضت الشركة كل الاتهامات الغربية مؤكدة أن التضييق الغربي على التطبيق نابع من صراع جيوسياسي لم يكن "تيك توك" طرفاً فيه.

ودول آسيان التي تعد ضمن الأكثر استخداماً للتطبيق فضل معظمها الصمت، لكن فيتنام كانت الدولة الآسيوية الأولى التي حذت حذو الغرب وأعلنت رسمياً مراجعة الإجراءات والقواعد الخاصة بـ "تيك توك" والنظر في المحتوى المقدم عبره، في حين لم تدلِ أية دولة في الأرخبيل بأي تعليق حول الاتهامات الخاصة بالتطبيق الصيني مع تزايد الدعوات إلى فرض مزيد من الرقابة عليه لحماية الأمن وخصوصية بيانات المستخدمين.

"تيك توك" والجائحة

ترجع بداية انتشار "تيك توك" مع استحواذ شركة "بايت دانس" الصينية على التطبيق الذي عرف سابقاً باسم "ميوسكلي" (Musicly) ليخرج تطبيق "تيك توك" الحالي إلى النور عام 2017، وعلى رغم تأخر ولادة التطبيق في خضم ثورة تطبيقات التواصل فإن "تيك توك" حظي بشعبية واسعة لدى الشباب والمراهقين بشكل خاص.

وخلال فترة الجائحة وما بعدها ارتفعت أعداد تحميلات التطبيق بشكل غير مسبوق، إذ تظهر إحصاءات شركة "سينسور تاور" أن النصف الأول من العام الماضي شهد تحميلات للتطبيق على "آب ستور" و"غوغل بلاي" لأكثر من 315 مليون مستخدم، وهي أعلى نسبة تحميل منذ الربع الأخير من عام 2018 حين بلغت التحميلات 205 ملايين تحميل، كما اجتذب التطبيق حتى الآن ما يزيد على 507 ملايين مستخدم عام 2019.

وتشير شركة "تيك توك" نفسها إلى أنه حقق تأثيراً واسعاً لدى جيل الشباب في التواصل والتفكير وحتى فهم العالم.

وبحسب متخصصين فإن ما ميز تطبيق "تيك توك" هو تطوير خوارزميات من نوع خاص جعتله واحداً من أقوى تطبيقات الفيديو المنافسة على المستوى العالمي، ويقدم لمستخدميه اقتراحات لمقاطع الفيديو التي قد يودون مشاهدتها لا شعورياً، وتتميز هذه المقاطع بقصر مدتها حديث لا تتعدى مقاطعها الدقيقة تقريباً، مما يطلع المستخدم في جلسة تصفح واحدة على كثير من المقاطع المرئية ويتيح له الاقتراب أكثر من صناع المحتوى والاتجاهات الرائجة على التطبيق الأكثر تحميلاً عالمياً في العام الماضي، وفق موقع "بي بي سي" البريطاني.

"آسيان" سوق رائجة

تعد منطقة جنوب شرقي آسيا تربة خصبة للتطبيق والجمهور الذي يستهدفه، إذ تتميز بارتفاع نسبة السكان من الشباب تحت سن الـ 30 الذين يمثلون تقريباً 50 في المئة من مجموع سكان المنطقة التي يقارب عددهم 630 مليون نسمة، مما شجع على مزيد من الوجود الرقمي على المنصات وإنتاج مقاطع الفيديو القصيرة بشكل كبير.

وفي عام 2021 كان تطبيق "تيك توك" الأكثر تحميلاً في إندونيسيا وماليزيا وتايلاند، كما ذكرت شركة "تيك توك" أن عدد المشاهدات من جنوب شرقي آسيا تخطت المليار مشاهدة في العام نفسه، بما يشير إلى تزايد شعبية التطبيق بين دول المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشكل مجموع المستخدمين النشطين على موقع "تيك توك" في منطقة جنوب شرقي آسيا نحو 240 مليون شخص بحسب بيانات صادرة عن التطبيق، وهو عدد ضخم يتخطى عدد مستخدميه في الولايات المتحدة التي تحتل المركز الأول عالمياً بمستخدمين يصل عددهم إلى 152 مليون شخص.

وتتضمن قائمة أعلى استخدام لتطبيق "تيك توك" أربع دول في منطقة جنوب شرقي آسيا، هي إندونيسيا في المرتبة الثانية عالمياً وفيتنام السادسة والفيليبين السابعة وتايلاند الثامنة، كما يحتل التطبيق المرتبة الثالثة بين أعلى التطبيقات استخداماً بالمنطقة بعد "فيسبوك" و"إنستغرام".

وتدرك الشركة الصينية أهمية سوق جنوب شرقي آسيا لها، إذ يذكر رئيس قسم التسويق بالمنطقة أن "جنوب شرقي آسيا إقليم مهم للشركة، وهي ملتزمة بدعم ونمو أسواق الشركات والشركات الصغيرة والمتوسطة فيه".

هجمة الغرب

يتعرض "تيك توك" المملوك لشركة "بايت دانس" الصينية لهجمة عنيفة من دول غربية خلال الفترة الأخيرة وصلت إلى منعه في دول عدة، ولا تعد التهديدات بحظر التطبيق أمراً جديداً بخاصة في الولايات المتحدة التي هددت بمنعه إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2020.

وأخيراً بدأت دول غربية من بينها الولايات المتحدة اتخاذ خطوات جادة ضد التطبيق الصيني، ففي أول مارس (آذار) الماضي أعلنت الولايات المتحدة وكندا منع استخدام "تيك توك" على الهواتف والأجهزة الحكومية، كما أعلنت بريطانيا الشهر الماضي منع استخدامه على الهواتف المحمولة للعاملين بالخدمات المدنية، وأعقبه إعلان أستراليا قبل أيام قليلة عزمها حذف "تيك توك" من كل الأجهزة الحكومية نتيجة للاتهامات والمخاوف الأمنية التي طاولت التطبيق خلال الفترة الماضية.

ولم تقتصر خطوة منع التطبيق على الأجهزة الحكومية على هذه الدول فقط بل أقرتها كذلك نيوزيلندا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والمفوضية الأوروبية، وغرمت جهة مراقبة البيانات البريطانية التطبيق هذا الشهر نحو 15.5 مليون دولار لخرق قوانين حماية البيانات واستخدام بيانات ما يقرب من مليون ونصف المليون طفل في بريطانيا تحت سن الـ 13 عاماً من دون إذن من الوالدين.

وتتهم الدول الغربية التطبيق الصيني بتوظيفه من قبل حكومة بكين لتحقيق أغراض سياسية وتقويض المصالح الغربية، بينما تتخوف واشنطن من استخدام الحكومة الصينية التطبيق في أغراض تجسس على المستخدمين الأميركيين أو نشر إشاعات ودعاية للجمهور الأميركي.

ممثلو شركة "تيك توك" بدورهم يعبرون عن خيبة أملهم من القرارات الغربية الأخيرة، مؤكدين أن سياسة المنع مدفوعة بعوامل جيوسياسية لا يعد التطبيق طرفاً فيها، كما تؤكد الشركة باستمرار عملها على خطط شاملة لحماية بيانات المستخدمين الأوروبيين وغيرهم، وتنفي على الدوام أن تكون الحكومة الصينية طالبت ببيانات المستخدمين الأميركين أو غيرهم، ولو طلب منها ذلك فسترفض.

حظر آسيوي

ولم يحظر كثير من الدول الآسيوية تطبيق "تيك توك"، لكن الهند أعلنت منذ عام 2020 عن حظر تطبيق "تيك توك" وعدد من التطبيقات الصينية الأخرى على خلفية نزاع بين بكين ونيودلهي تسبب في مقتل 20 جندياً هندياً في يونيو (حزيران) 2020 في الهملايا، وأرجعت الحكومة الهندية حظر التطبيق لأخطار أمنية تتعلق بالخصوصية، ثم أصبح الحظر دائماً عام 2021. 

وأعلنت تايوان كذلك في ديسمبر (كانون الأول) 2022 فرض حظر على "تيك توك" واستخدامه في القطاع الحكومي بعد تحذيرات من المباحث الفيدرالية الأميركية للجزيرة حول أن التطبيق يشكل خطراً أمنياً على تايبيه، ويأتي المنع وسط توتر العلاقات واحتداد لهجة التصريحات بين بكين وتايبيه خلال الفترة الأخيرة على خلفية الأوضاع غير المستقرة للجزيرة التي تنظر إليها الصين كجزء منها.

كما أقرت إندونيسيا، أكبر سوق لـ "تيك توك" في "آسيان"، حظر التطبيق عام 2018 لاتهامه بترويج المحتوى الإباحي وغير اللائق، لكن ذلك المنع كان موقتاً وسرعان ما عاد التطبيق للعمل مجدداً في الأرخبيل بعد قبول الشركة وضع مزيد من الرقابة على المحتوى، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز".

"آسيان" على الخط

وتتعامل دول جنوب شرقي آسيا بحذر شديد مع أزمة التطبيق الصيني، إذ لا تريد أن تصبح طرفاً في الصراع بين الصين والدول الغربية بأي شكل، بخاصة مع محاولة دول المنطقة موازنة العلاقات سياسياً مع الحكومة الصينية، ولا تزال الدول الآسيوية تنظر إلى "تيك توك" باعتباره منصة للتواصل الاجتماعي فقط، فلا يوجد تفريق في المعاملة بين "تيك توك" الصيني وحسابات التواصل الأميركية وغيرها من المنصات، وهو ما يتوافق مع تصريحات وكالة الأمن الرقمي لسنغافورة في مارس الماضي بأن استخدام "تيك توك" كغيره من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي على الأجهزة الحكومية لا يكون إلا للتواصل المؤسسي فقط.

وعلى رغم ذلك فخطوة فيتنام التي ستبدأها بفتح ملف التحقيقات مع عمليات تطبيق "تيك توك" في البلاد الشهر المقبل تنبئ بإمكان دخول "آسيان" على خط المواجهة مع التطبيق الصيني.

وأرجعت فيتنام الخطوة لما يقدمه التطبيق من محتوى سام يمثل خطراً على شباب البلاد والثقافة والعادات، كما اعتبرته أصعب كثيراً من المحتويات على باقي منصات مواقع التواصل الاجتماعي. وتعتزم الحكومة الفيتنامية وضع قواعد وإجراءات أكثر صرامة لمجابهة هذه المحتويات، مع إشارة إلى إمكان حظر التطبيق إذا لم يتوافق مع المعايير والقوانين المحلية لهانوي، كما أن خبراء الأمن السيبراني في إندونيسيا نصحوا الحكومة بمراجعة وفحص اتهامات التجسس التي تطاول التطبيق في بعض البلدان.

وتعرض "تيك توك" لاتهامات بالتحيز في فترة الانتخابات الماليزية السابقة، لترد الشركة الصينية بالنفي موضحة أن المنصة لا تسمح بالإعلانات المدفوعة لترويج أو معارضة المرشحين السياسيين أو الحكومة أو القادة أو أي حزب سياسي، في حين تواترت الدعوات في ماليزيا بوضع إجراءات وقواعد تحمي خصوصية وأمن البلاد، إذ ذكر المحلل السياسي سميرول عارف عثمان في جريدة "سينار دايلي" أن على ماليزيا الاقتداء بالدول التي حظرت "تيك توك" والعمل على اتخاذ إجراءات وقواعد لاستخدام التطبيق بما يخدم مصالحها إلى جانب زيادة التوعية بأخطار التطبيق الصيني. 

ومن غير الواضح ما إذا كانت "دول آسيان" ستنضم إلى الدول الغربية في حملة الحظر على التطبيق الصيني، أم ستحجم عن المشاركة لحسياسية موقف دول جنوب الشرق الآسيوي حيال ذلك، وارتباطها بعلاقات مع الصين التي تسعى فيها تلك الدول إلى إمساك العصا من المنتصف في كثير من القضايا الجيوسياسية، أو عدم الانحياز إزاء أي خلاف غربي - صيني.

وعلى رغم ذلك فمن المتوقع أن تتخذ تلك الدول إجراءات تحجم من دور التطبيق في المنطقة بصمت، آخذة بجدية الموقف الغربي المتنامي ضد "تيك توك" للحيلولة دون التدخل في سياساتها أو اختراق بياناتها والتأثير في جمهورها.

المزيد من تقارير