Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أينشتاين أسرار القطعة 99" تستشرف مخاطر التكنولوجيا

شريف صالح يسلك سبيل الفانتازيا في رواية تواجه أسئلة العصر

العالم ألبرت أينشتاين في رواية مصرية (مؤسسة أينشتاين)

ملخص

شريف صالح يسلك سبيل #الفانتازيا في رواية تواجه أسئلة العصر، انطلق فيها من موت #أينشتاين وانتهى بميلاده

لا يحمل الموت سوى معنى نهاية أو فناء الجسد، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة إلى الفيزيائي الأشهر ألبرت أينشتاين. فالرجل الذي أراد نهاية لا ذيل لها، وأوصى بحرق جثمانه، وتشتيت الرماد، لم يحصل على ما أراده، إذ كان للطبيب الذي قام بتشريح جثمانه، توماس هارفي، رأي آخر، فقد انتزع الدماغ أثناء التشريح، وقسمه إلى 240 قطعة، ظلت لعقود طويلة مساراً للبحث والجدل. ولعبت واحدة من هذه القطع دور البطولة في رواية "أينشتاين – أسرار القطعة 99" (دار "و" للنشر – الشارقة) للكاتب المصري شريف صالح، والتي ضمتها القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، في دورتها الأحدث.

شرع الكاتب رحلته بضمير المتكلم، ومنح صوت السرد للقطعة 99 من دماغ أينشتاين، فأتاح لها استرجاع حياة صاحب نوبل في الفيزياء، مرة بلسانه على اعتبار أنهما كيان واحد، ومرة أخرى عبر عين خارجية باعتبار أن هذه القطعة، انفصلت واستقلت عن صاحبها. ولجأ في مواضع متفرقة من النسيج إلى ضمير المخاطب، ليدعم عبر هذه الصيغة صلة بين الراوي والقارئ، وأيضاً ليزيد من جاذبية السرد، وواقعيته.

اعتمد صالح بناءً دائرياً عكسياً للأحداث، فانطلق من موت أينشتاين وانتهى بميلاده، لكنه مضى بالسرد - بين الموت والميلاد - في نسق أفقي، فرصد رحلة أجزاء الدماغ في قوارير الطبيب هارفي، وانتقالها إلى علماء من مختلف التخصصات، ثم تتبع الرحلة الاستثنائية للقطعة 99. ولجأ إلى بعض الارتدادات العكسية عبر تقنية الفلاش باك، واستدعى من خلالها أحداثاً وقعت لألبرت أينشتاين، على مدى حياته التي امتدت لنحو 76عاماً.

الفانتازيا والواقعية

على رغم مما غلف الفكرة الرئيسة للنص من فانتازيا، فإنها كانت بوابة الكاتب لتوثيق الكثير من المعارف، والمواقف، والأحداث الحقيقية في حياة ألبرت أينشتاين، فقد طرق جوانب من طفولته، زيجاته، وأبنائه، كما تتبع مشواره العلمي. ورصد أحداثاً فارقة في حياته، مثل ترشيحه للفوز بنوبل، ثم حصوله عليها، وتنازله عنها لصالح طليقته وولديه. ووثق هجرته إلى أميركا، إسهاماته العلمية، لا سيما معادلات الطاقة التي أرسلها إلى الرئيس الأميركي روزفلت، فكانت لبنة صناعة القنبلة النووية، دعوته لوقف سباق التسلح النووي، انضمامه لطائفة "الكويكرز"، واعتذاره عن رئاسة دولة إسرائيل. ولم يقف الكاتب عند حدود رصد المحطات العلمية والإنسانية المهمة في حياة أينشتاين، وإنما عزز الطابع المعرفي للنص، عبر ولوجه عمق ما أثبته الفيزيائي الراحل من نظريات علمية، حول كروية الأرض، الزمن، السرعة، النظرية النسبية... "اسمحوا لي أن أخبركم بأن هذه الخطوط ليست أكثر من وهم، وإلا كان للأرض نقطة نهاية ونقطة بداية، فإذا وصلت سفينة إلى نهاية المحيط الأطلسي فسوف تسقط بعدها في الفراغ، وهذا لا يحدث أبداً لأنها ببساطة تدور في مسار منحن" (ص64)، كما مرر معارف أخرى حول علماء بارزين مثل سميرة موسى، مصطفى مشرفة، وحول بعض الأدباء العالميين مثل كافكا، وعمد لتبسيط ما ساقه من معارف ومعلومات كي لا تضر بالبناء السردي مستخدماً لغة جزلة وسلسة، زاد من جمالها ما لجأ إليه من تناص غير مباشر مع الموروث الديني، ومنه القرآن الكريم، "انظر، المخ العظيم انتهى إلى عهن منفوش" (ص204).

صورة غير نمطية

أبرز الكاتب مفارقات حول تعارض ما يريده العلماء، وما يحدث بالفعل، عبر ما ساقه من تماثل بين ألفريد نوبل، الذي اكتشف الديناميت لإفادة البشرية، فكان وبالاً عليها، وما قام به ألبرت أينشتاين حين أراد إيقاف جنون هتلر وحماية البشر، فتسببت معادلاته عن الطاقة، في وصول الولايات المتحدة للقنبلة النووية التي دمرت بها هيروشيما في اليابان. وأبرز تماثلاً آخر بين أينشتاين، وبين الطبيب هارفي، لا سيما أنه أيضاً أراد شيئاً فحصل على شيء آخر. فحين انتزع مخ أينشتاين وقام بتشريحه، لم يكن يرغب سوى في اكتشاف سر عبقرية هذا المخ، من أجل أن يصنع مجداً في الأوساط الطبية، لكنه لم يجن سوى لعنة رافقت المخ المنزوع، قوضت حياته المهنية والعائلية، وقلبتها رأساً على عقب من دون أن يفلح - على مدى عقود - في اكتشاف أي أسرار تفسر العبقرية.

ولتعزيز غاياته في دعم واقعية السرد، استدعى الكاتب بعض مقولات أينشتاين الشهيرة عن العلم، والدين، والخيال، والحياة. ونقل صورة دقيقة لشخصيته الطريفة غير المتجهمة، وحياته الأقرب لحياة البسطاء والعوام، والبعيدة عن الصورة النمطية للملوك والعباقرة. وأنعش نسيجه بما اعتمده من سخرية وفكاهة، استقاها من طبيعة أينشتاين نفسه، وروحه الساخرة، وسلوكه المثير للدهشة أحياناً، كامتناعه عن ارتداء جوارب، وعدم عنايته بتصفيف شعره، أو ترتيب مظهره، "في مرة دخلت علي زوجتي (إلسا) المكتب: ألبرت بدل ملابسك من فضلك الضيوف على وشك الوصول. لم تخبرني من هؤلاء الضيوف، ثم بعد دقائق: ألبرت ألم تبدل ملابسك بعد؟ ثلاث أو أربع مرات تقتحم عليَّ مكتبي، فضجرت منها: (إلسا) إذا كانوا قد جاءوا لرؤيتي فأنا جاهز لذلك. أما إذا كانوا يرغبون في رؤية ملابسي فافتحي لهم الدولاب كي يروها" (ص39).    

الحقيقة والتخييل

بعد مرور عقود من الزمن على واقعة سرقة مخ أينشتاين كانت تكفي ليبتلعها النسيان، تسبب لقاء الصحافي ستيفن ليفي بالطبيب هارفي في تحول مسار الأحداث في الفضاء الحقيقي. وفي المقابل في الفضاء السردي، إذ كان هذا اللقاء سبباً في عودة اهتمام العالم بتشريح مخ أينشتاين، ومحاولة اكتشاف ما يميزه، لتبدأ رحلة جديدة للشرائح بعد أعوام كانت خلالها حبيسة القوارير، إلى علماء جدد، تباينت آراؤهم في تفسير سر العبقرية. واستخدم الكاتب الفانتازيا عبر انحناءة زمكانية، التقي فيها أينشتاين القادم من الماضي مع الطبيب هارفي المسن المقيم في الحاضر، ليمرر عبر الحوار الذي دار بينهما، رؤى انحازت لتفسير تلك العبقرية بعوامل غير ملموسة، لا يمكن اكتشافها عبر تشريح المخ ودراسته. وتتعلق هذه العوامل عادة بالبيئة، وأسلوب التعليم، والأشخاص المؤثرين... "علا صوت شخير هارفي فأدركت أنه لم يتعلم شيئاً مفيداً من حكايتي للأسف... ولا يبدو أنه فهم الكثير مما حكيته له عن الهدايا الأربع من أمي وأبي وعمي ياكوب وماكس تلمود" (ص124).

وسمح تطور الأحداث وتهافت العلماء على دراسة شرائح المخ من جديد، للكاتب بتوسيع مساحات التخييل داخل النص فقرر للقطعة 99 من الدماغ أن تؤول إلى "نيكوس" القبرصي الغامض، الذي قام بسرقتها. وقد مرر عبر غموض هذا الرجل، وما استخدمه من حيل استباقية في التعاطي معه، المزيد من الجرعات التشويقية إلى النسيج، ليكشف في مرحلة لاحقة من السرد عن خلفيته، وأهدافه، وخطته للاستفادة من المخ المسروق من أجل إنتاج "نانو روبوت"، تتم زراعته داخل مخ الإنسان فيمنحه قوة وذكاء هائلين.

استشراف المستقبل

في المرحلة الأخيرة من الرحلة السردية اعتمد الكاتب تقنية الحوار المسرحي بكثافة، سواء بين الروبوتات وبعضها بعضاً، أو بين روبوت أينشتاين وصانعه القبرصي "نيكوس"، ليعزز حالة الإيهام بواقعية الحدوث، ويستفيد من أثر الحوار في الأبطاء بالسرد، وإتاحة استراحات سردية، تمنح القارئ مساحة للتأمل، واكتشاف الغايات الضمنية للنص في استشراف المستقبل القريب، والذي بدأت بشائره تلوح في الأفق، مع المحاولات العديدة لدمج العقل البشري بالذكاء الاصطناعي، وتطوير الروبوت، بحيث أصبحت لديه القدرة على تطوير نفسه ذاتياً، وما تبع ذلك من مخاوف، دعمها الكاتب بما ساقه من أحداث، إذ حاول روبوت أينشتاين الخروج مراراً عن سيطرة "نيكوس"، وقام بإرسال رسائله الخاصة عبر الشبكة العنكبوتية، وعمل على إخفاء أثر ما فعل عن صانعه، ما يحيل – ضمناً - إلى مخاطر الذكاء الاصطناعي، وجيوش "السايبورغ" التي قد تخرج عن سيطرة الإنسان، وتكون سبباً في نهاية العالم، لا سيما أن هناك تجارب عديدة حاول فيها العلم والتكنولوجيا خدمة البشرية، ثم انتهى الأمر بكوارث إنسانية فادحة!

ولأنه لا شيء مؤكداً، استدعى الكاتب ضبابية المستقبل، وخلعها على نهاية الأحداث، فجعلها نهاية مفتوحة، ليكسر بذلك سكونية السرد ويشرك القارئ في تقرير مصير الروبوت المتمرد، واستشراف مستقبل العالم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة