Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في جازان السعودية... مقومات الشعر والتاريخ تفسد وطأة هجمات الحوثيين

تعرّف إلى تاريخ المدينة التي يهاجمها الحوثيون بالطائرات المسيّرة

ظهور الأسماء الأدبية الكبيرة في جازان شكّل نواة للحركة الأدبية (مركز جازان الثقافي)

تتوالى الاستهدافات المتكررة من قبل جماعة الحوثي المدعومة من إيران على مطارات جنوب المملكة العربية السعودية ومناطقها الحيوية، في جازان جنوب غربيّ السعودية تنشأ حالة نادرة من التصدي والتعايش مع حالة الحرب، فهنا ليس البارود هو أداة الردع الوحيدة، فالكلمة تأخذ مساحة شاسعة من التعبير في وجدان المواطن في جازان، حيث تشتهر بانتشار الفنون الأدبية المتنوعة كالشعر العربي، والقصة القصيرة، والمقالة، والخاطرة وغيرها من الفنون التي تشكّل متنفسا للناس، وأداةَ بوحٍ تساعدهم على توصيف الواقع.

جازان في قلب التاريخ

جازان، مدينة الزرقة الهائلة التي يعانق البحر أرضها، وتغازل الغيمات جبالها العتيدة، تتنوع بقاع التاريخ الأثيرة في منطقة جازان، فلكلّ مكان قصة تاريخية ترويها الكتب والمخطوطات القديمة، وتنتشر الفنون الأدبية باعتبارها التجسيد الأمثل لما يضج في صدور الناس، يشرع لنا الدكتور حسن حجاب الحازمي بوابات ذاكرته قائلا: الثقافة في منطقة جازان، موجودة منذ الأزل، لأنها منطقة علمية وتعليمية لم تنقطع عن العلم حتى في عصور الضعف التي سادت كل أنحاء الجزيرة العربية، فقد ظلت منطقة جازان محافظة على وهجها، واتصالها بالعلم، فعلى امتداد العصور برز نخبة من الأدباء الذين أنتجوا، ولهم مخطوطات كثيرة حُققت فيما بعد، ففي كل حقبة ستجد عددا من الأعلام الكبار على مستوى الجزيرة العربية، كالحسن بن أحمد عاكش أحد الإعلام البارزين الذين ألفوا كتبا كثيرة في التاريخ والأدب والسير، وفي القرن الثامن تجد عمارة الحكمي، والقرن السابع، القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي، والجراح بن شاجر الذروي والقاسم بن علي الذوري ومجموعة كبيرة من الأعلام، وهؤلاء كلهم لهم إنتاجهم الأدبي والتاريخي والسيري، وهو محفوظ في أماكن حفظ المخطوطات، وكثير من هذه الكتب والعلوم حُققت وحفظت لهؤلاء الأعلام حقهم العلمي الذي يُظهر بشكل واضح أن البيئة الثقافية في منطقة جازان بيئة مستمرة ومتصلة، وأن المعرفة فيها لم تنقطع في أي عصر من العصور.

الشعر يؤرّخ الحب والحرب

يقول الدكتور حسن حجاب الحازمي: " الحرب ليست نقطة فاصلة، الحرب جزء من الحياة، والأدباء والشعراء والقاصون في جازان يتفاعلون معها بطرائق مختلفة، وصوتهم موجود خلال هذه التجربة، وصوت تجربة الحرب حاضر في إنتاجهم"، مستشهدا بكتاب "شعرية الانتماء في الأدب السعودي" للدكتور مجدي خواجي، الذي يتناول تجارب عديدة من الشعراء الذين تحدثوا عن مختلف الظروف والمراحل سواء المفرحة أو نقيضها، حيث يكشف كثيرا من التجارب التي تشعر القارئ بعمق انتماء الأديب السعودي إلى وطنه، وحرصه على التعبير عن الوطن في أفراحه وأتراحه، وأيضا عن المقدرة الفنية التي يمتلكها.

تاريخ جازان الثقافي

يبرز الدكتور حسن حجاب الحازمي أن منطقة جازان تمتلك تاريخين، تاريخ تشكّل مع العهد السعودي بدايات العام 1351هـ ، ويمتد الى وقتنا الحاضر، وهو جزء من تاريخ الثقافة والأدب للمملكة العربية السعودية 

وبالتالي حصلت على كل ما حصلت عليه أجزاء الوطن من تنمية ثقافية واقتصادية واجتماعية، ويرى الدكتور الحازمي بأن التعليم من أوائل المبشرات في النهضة الثقافية على مستوى المملكة، حيث كان نشر التعليم النظامي من الخطوات الأولى التي قام بها الملك عبدالعزيز، والمقصود بالتعليم النظامي، هي المدارس التي تبدأ بالمراحل الابتدائية فالمتوسطة ثم الثانوية، وبدأت بالرجال ثم سُمح للإناث لاحقا، هذه الحركة العلمية شملت كل أنحاء المملكة، من ضمنها منطقة جازان.

أول رواية تاريخية سعودية

ويشير الحازمي بأن ولادة أول رواية تاريخية في المملكة العربية السعودية كانت في جازان، للقاص محمد زارع عقيل، واسمها أمير الحب، وصدرت الطبعة الأولى في جدة عام 1385هـ، ثم طبعها نادي جازان الأدبي عام 1400هـ، ثم كتب رواية ليلة في الظلام ورواية بين جيلين، وهو من رواد التجربة الروائية والقصصية في المملكة العربية السعودية. 

ليست نخبوية

رغم أن الثقافة قد تكون منتجا نخبويا، لكن في جازان الطبقة التي تحب وتتعاطى الأدب طبقة كبيرة جدا، لذلك يتفاجأ من يأتي من خارج جازان بالحضور الهائل وحجم التفاعل الذي يصاحب الأمسيات والندوات الثقافية، لذا يؤكد الدكتور الحازمي بأن الثقافة في بجازان شعبية وجماهيرية، وذلك بسبب التعليم المتصل الذي لم ينقطع عن بيئتها، وحب الأدب المتأصل في النفوس، ويردف قائلا: الثقافة في جازان ليست نخبوية، فكل جازان مثقفون، والتعليم في جازان ليس وليد العهد السعودي، وإنما كان سائدا منذ فترات طويلة، لذلك الثقافة مستمرة وممتدة الجذور، حينما تعود إلى التاريخ؛ تجد علماء في القرن العاشر والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر؛ مما يدل على تأصل الثقافة والعلم، موضّحا بأن هذه الأسماء تعدّ نتاج هذه الثقافة ولكنها برزت لأنها تتواصل مع مصدر الثقافة الحديث في الرياض والحجاز والمجلات المنتشرة هناك، كالأديب محمد العقيلي الذي أثرى المكتبة العربية بما يزيد على 36 مؤلفا، والشاعر محمد السنوسي، والقاص محمد زارع عقيل، هؤلاء هم رواد الحركة الأدبية في منطقة جازان، وما يميز تجربتهم أنهم بدأوا في الإنتاج والنشر من بدايات الخمسينات الهجرية، وهي مرحلة مبكرة جدا.

يُذكر أن هؤلاء الثلاثة كانوا نجوم مجلة المنهل التي أسسها عبدالقدوس الأنصاري عام 1355هـ، بعد توحيد المملكة بأربع سنوات، وقد لُقّب السنوسي شاعر الجنوب؛ ولقب العقيلي مؤرخ الجنوب ومحمد عقيل رائد القصة في الجنوب.

الصالونات الأدبية منذ القدم

ظهور الأسماء الأدبية الكبيرة في جازان شكّل نواة للحركة الأدبية في جازان مما أدى إلى نشوء صوالين أدبية في فترة مبكرة، وعن أهم الصالونات الأدبية؛ يقول الحازمي: كان والد محمد بن تركي السديري لديه صالون صباحي في الإمارة يلتقي فيه بالأدباء أسبوعيا، حيث يتنافسون شعريا، ويتحاورون أدبيا وثقافيا، وكذلك صالون عبدالقادر علاقي كان مكانا لتجمّعهم وحواراتهم ونقاشاتهم، لذا نشأوا وترعوا في هذا الجو العابق بالتنافس والحوارات الفكرية، وكان لتجربتهم الحظ الكبير من الصقل والنضج من خلال نشرهم لإنتاجهم في الصحافة السعودية.

حضور مؤثر

يشير الدكتور الحازمي أن بروز الأسماء الأدبية مرهون بإنتاجها، وسائل التواصل الاجتماعي في العصر الحديث أصبحت كفيلة بأن تبرز الأسماء المتميزة وتصنع لها حضورها، لذلك فإن الأجيال التي جاءت في عصر ازدهار الصحافة سجّلت حضورها المؤثر في الملاحق الثقافية لعدد من الصحف المحلية كمحلق الخميس والثقافية والمربد وملحق عكاظ وغيرها، ثم جاءت مرحلة طباعة الكتب، ونشر الإنتاج عن طريق الأندية الأدبية ودور النشر العربية الشهيرة.

أجيال لا تنضب

تتابعت الأجيال الأدبية في منطقة جازان، فالجيل التالي أدرك روّاده التعليم النظامي، وكانوا من أوائل الخريجين في جامعات المملكة، وهو جيل مهم استفاد من تجربة من سبقهم، وكوّن قاعدة أدبية ثقافية جديدة، فتزاديت الأسماء الممثلة للأدب والمؤرخة له في المنطقة، لينضموا للجيل السابق ويكوّنوا حركة فكرية نهضوية ثقافية كبيرة كانت بمثابة النبراس لكل الأجيال التي لحقت بهم؛ يذكر الدكتور الحازمي منهم: الشاعر علي النعمي الذي يعد من أغزر الشعراء إنتاجا، والشاعر إبراهيم مفتاح، والشاعر علي صيقل وغيرهم من الذين تركوا بصمة شعرية راسخة بالمشهد الأدبي، مشيرا بأن هذا الجيل كان حضوره الشفاهي باذخا، وأسماؤه بارزة، إلا أن إنتاجه الشعري لم يلقَ حظه من النشر كما فعل الجيل السابق.

ويعتبر من أهم كتّاب هذا الجيل الأديب حجاب الحازمي الذي اتجه إلى النقد وكتابة القصة القصيرة بجوار التجربة الشعرية، حيث كتب دراسات نقدية وتاريخية أدبية تؤرخ لأدب المنطقة وثقافتها، ومن أهمها: الشعر والشعراء في جازان الذي غطّى ثمانية قرون فائتة، وكتاب التواصل الثقافي بين السعودية واليمن الذي ناقش التبادل الثقافي بين البلدين.

يوضح الحازمي أنه على صعيد القصة القصيرة والمقالة برزت أسماء مؤثرة على مستوى المملكة تنتسب إلى المنطقة، كالكاتب علوي الصافي الذي يعد أحد رواد القصة الحديثة، وصدرت له 3 مجموعات قصصية، ورأس مجلة الفيصل لأكثر من 15 عاما، والقاص عمر طاهر زيلعي وغيرهم من كتاب القصة، وكذلك من رواد الصحافة في المملكة الدكتور هاشم عبده هاشم، الذي أحدث تغييرا جذريا في هيكلة الصحافة المحلية من خلال التجديد الذي أحدثه في صحيفة عكاظ السعودية.

لحقت بهذا الجيل أجيال أخرى تميزت بغزارة النشر والإنتاج، جاءت في مرحلة أضحى النشر فيها أكثر سهولة، وأدركت أن الإنتاج الأدبي سيفقد وجوده إذا لم يحفظ مطبوعا. يعتقد الحازمي بأن الأجيال الأدبية والشعرية والثقافية في جازان هي أجيال متلاحقة ومتتابعة ومتجايلة، إذ أن كل جيل يتصل ثقافيا بالآخر، وتتجاور كتابتهم وتتفاوت، مبرزا بأن هذا ما خلق حراكا أدبيا وثقافيا كبيرا في منطقة جازان جعلها من المناطق البارزة التي يُنظر إليها بعين الإعجاب وكذلك التساؤل المستمر عن السرّ الذي جعل منطقة نائية حفيةً بالأدب والثقافة، وحافلةً بهذا الكمِّ الهائل من الأدباء. 

الكلمة بارود الأديب 

يقول الشاعر والمترجم حسن الصلهبي: "الكلمة بذرة الوعي، والفكر والثقافة هما الركنان الأساسيان في فضاء الحياة، وقاعدة الدفاع الأولى في مواجهة الأزمات، مؤكدا بأن الفنون الإبداعية جميعها لا تخرج عن سياقها الوطني سواء كانت قصيدة أو لوحة أو أغنية شجية؛ فكلها تعبر عن مكنونات النفس، وتنطق بالحق في وجه الباطل، وتأتي لتحمي جذور هذه الشجرة الوارفة الظلال، وتعمّق الولاء والانتماء للأرض، وتكرّس مفاهيم الهوية بين أفراد المجتمع صغيره وكبيره، وقد كنا ولازلنا وسنظل ما حيينا نتغنى بحب الوطن، ونشكل منه بقصائدنا جدائل فل تعبق بجلاله وعظمته، وننثر الورد في دروبه.

ويوضح الصلهبي: "بالحرف والكلمة نصون الجذع القوي المتين من المعتدين، وندافع عن حياضه بأرواحنا قبل كلماتنا، وبأنفسنا قبل قصائدنا، "ومن لم يذ عن حوضه بسلاحه يهدم"، مؤكداً أن الشعر لعب دورا قويا في الحرب، فكتب شعراء جازان الكثير من القصائد المواكبة لعاصفة الحزم، وألّف بعض الشعراء دواوين خاصة بها، وأقام النادي الأدبي بجازان مهرجانا للقصيدة الوطنية هتف فيه الشعراء والشاعرات باسم الوطن وتغنوا بحبه والدفاع عنه في كل الظروف والمتغيرات مجددين الولاء للوطن، فأصبح هذا المهرجان أيقونة مميزة لأدباء جازان وشعرائها وشاعراتها، كما نفذ النادي الأدبي بجازان برنامجا ثقافيا وطنيا استمر لمدة ثلاثة أشهر تحت عنوان " تحت أمرك يا وطن"، واشتمل على العديد من الندوات والمحاضرات المهمة في هذا المجال وواكب المتغيرات المختلفة، وكانت آخر ندواته تحمل عنوان "الفن في مواجهة الإرهاب.

المزيد من العالم العربي