Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماكرون أكد للفرنسيين أسوأ مخاوفهم بشأنه

ستفاقم تحركاته نظرة التشاؤم إلى السلطات والنخب والشك فيها

أخذت التظاهرات المناهضة للإصلاحات التي عمت البلاد منحى عنيفاً (أ ب)

ملخص

#فرنسا بحاجة فعلاً إلى إصلاح نظام #التقاعد فيها لكن #ماكرون هو الشخص الخطأ الذي ينفذ البرنامج الخطأ ويرسل الرسالة الخطأ في توقيت خاطئ

لم يصوت الناخبون الفرنسيون على إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون العام الماضي بأغلبية ناهزت 60 في المئة، بسبب رؤيته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بل أعيد انتخابه إجمالاً بصرف النظر عنها.

اختارته أغلبية ساحقة من الناخبين مجدداً، لأن البديل عنه كانت مارين لوبين، اليمينية المتطرفة سليلة عقيدة العملاء المتعاونين مع النازيين التي تحظى بدعم الكرملين. كما أقر بنفسه خلال خطاب الفوز، في لحظة تواضع نادرة، انتخبته شريحة من الشعب الفرنسي على ما قال "ليس دعماً لآرائي، بل من أجل وضع حد لآراء اليمين المتطرف".

في تلك المرحلة، لم تمنحه الأمة الخارجة من صدمة جائحة كورونا والهجوم الروسي على أوكرانيا السلطة، لكي يقدم على أي خطوة جريئة، وهو ما برهنته خسارته للأغلبية المطلقة في البرلمان بعد شهرين من ذلك. لا شك أبداً في أن الناخبين الفرنسيين لم يمنحوه أي تفويض صريح لكي يغير نظام التقاعد في فرنسا بالكامل عبر رفع سن التقاعد، وإغراق البلاد في الفوضى، والتسبب بموجات إضرابات عامة وأعمال عنف في الشوارع شلت البلاد.

إن فرنسا بحاجة إلى إصلاح نظام التقاعد فيها. لكن ماكرون هو الشخص غير المناسب الذي ينفذ البرنامج الخطأ، ويرسل الرسالة الخطأ في توقيت خاطئ. لا شك في أن ترشيد شؤون المال العام أمر مهم. لكن من الضروري عدم تطبيقه بشكل يضع كل العبء تقريباً على كاهل الفقراء والطبقة الوسطى. 

مثل غيرها من الدول الغربية، يتغير التوزيع السكاني لفرنسا منذ عقود. يعيش عدد أكبر من المسنين الذين يزدادون نشاطاً لفترة أطول على مستحقات المعاش التقاعدي، الذي تموله مجموعة متناقصة من العمال الأصغر سناً.

يعتبر سن التقاعد في فرنسا، عند سن 62، من الأدنى في الغرب، ويوافق عديد من خبراء الاقتصاد على أنه غير مستدام اقتصادياً. تسعى باريس إلى خفض إنفاق فرنسا على معاشات التقاعد الذي يبلغ نحو 15 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، كي يصبح أقرب إلى المستويات المعمول بها في القارة [الأوروبية]، التي تبلغ 11.5 في المئة.

إن مقترح ماكرون برفع سن التقاعد من 62 إلى 64 منطقي، وهو يتضمن بنوداً عدة من شأنها التخفيف من أثر ذلك على المصابين بمشكلات صحية وبإعاقات جسدية والعاملين في وظائف متطلبة جسدياً في القطاع العام.

لكن، توقيت الطرح سيئ جداً. يترنح الفرنسيون الآن من آثار تضخم بلغ مستويات قياسية، إذ سجل 7.3 في المئة في فبراير (شباط). فيما الرواتب لا تجاريه بالسرعة الكافية. وتشعر الطبقتان الفقيرة والوسطى أساساً أنهما تتحملان العبء الأكبر جراء سنوات من إجراءات التقشف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حاول ماكرون، وفشل، في تمرير موضوع إصلاح صندوق التقاعد خلال ولايته الأولى، مما أجج عندها أضخم حركات إضراب شهدتها البلاد في تاريخها المعاصر، وحصل ذلك قبل أن تؤدي كورونا، وحركة السترات الصفراء ونظريات المؤامرة التي روجتها "كيو أنون" QAnon إلى تلويث الخطاب السياسي الفرنسي.

يعارض نحو 70 في المئة من الفرنسيين الإصلاحات، فيما تؤيد نسبة أكبر من هذه بعد التظاهرات. بعض الفرنسيين لا يفهمون الضرورة الملحة لها. صحيح أن الإنفاق على التقاعد كبير في فرنسا، لكنه أقل من إيطاليا أو اليونان.

يتطلب الأمر رجل سياسة يتمتع بالمهارة والدهاء، ربما يمتلك حزبه دعماً شعبياً كبيراً، ولديه معرفة مؤسسية متعمقة بقطاع العمل في البلاد، وبأدق التفاصيل والمفارقات الإدارية والسياسية، من أجل النجاح في إقناع الفرنسيين بإصلاحات التقاعد. قد تجول هكذا شخصية على أنحاء البلاد كافة لكي تقنع المشككين، كما فعل باراك أوباما حين أقنع الأميركيين بالموافقة على إصلاحات الرعاية الصحية.

لكن شتان ما بين ماكرون وأوباما. فقد أخفق في تقديم المشروع. وحاول بطريقة خرقاء أن يقدم الإصلاح على أنه تقدمي، ملمحاً إلى الحق بالتصويت على الإجراء. لكن محاولة ماكرون تصوير التغيير الكبير الذي سيشكل عبئاً يثقل كاهل الطبقة العاملة على أنه يصب في مصلحة الطبقة العاملة كانت مهينة ومثيرة للغضب.

ويقول مجتبى رحمن، مدير قسم الشؤون الأوروبية في مجموعة أوراسيا الاستشارية، "هذا إصلاح يميني غلفوه بخطاب يساري. كان الطرح ملتوياً جداً، إذ قيل إن الموضوع يتعلق بالعدالة والإنصاف. حين نستعيد سير الأحداث، ربما كان من الأفضل لهم أن يلتزموا بفكرة العمل الشاق والمضني".

لا يملك ماكرون أي حزب سياسي حقيقي، ولا دعماً شعبياً واسعاً. أما "حركته" السياسية فلطالما كانت عملية إعلامية في الأساس. عندما طرح موضوع حزمة إصلاحات نظام التقاعد، كانت شعبيته قد بلغت نسبة متدنية جداً، مسجلة 36 في المئة، وانخفضت أكثر بعدها. أدرك ماكرون جيداً بأن الإصلاحات ستؤجج اضطرابات ومقاومة شرسة.

وكما هو متوقع، عند وصول الاقتراح إلى برلمان فرنسا المنقسم، لم يحصل على الدعم الكافي من حزب الجمهوريين من وسط اليمين، بينما يطالب الحزب منذ زمن برفع سن التقاعد. وبدل المخاطرة بالهزيمة في البرلمان، غير ماكرون مساره. إذ لجأ إلى القرار التنفيذي، المعروف باسم البند 49.3 من الدستور، ليفرض الإصلاح بقرار تنفيذي، مما أدى إلى تصويتين بحجب الثقة عن حكومته التي نجت بفضل أصوات تسعة مشرعين فحسب.

لا يزال القانون بحاجة إلى موافقة المحكمة الدستورية الفرنسية التي ستضطر على الأرجح إلى إقراره، لكنه قد أفضى بالفعل إلى فوضى وخراب في الشوارع فيما أخذت الاحتجاجات المنضبطة والإضرابات العمالية المخططة بعناية منحى عنف فوضوي. وأثارت فيديوهات تظهر تصرف عناصر الشرطة الفرنسية بوحشية مع المتظاهرين السلميين إدانات من العام أجمع.

لا يبدو ماكرون قلقاً، في الوقت الذي يتوجس فيه مناصروه من التداعيات السياسية والاجتماعية. ويقول رحمن "إنه مستعد تماماً لمنازلة الشارع".

يعتقد ماكرون بأنه من الضروري تغيير نظام التقاعد في فرنسا، وبأن الإنفاق العام الحالي ليس مستداماً. ولطالما آمن بأنه على الفرنسيين أن يعملوا لفترة أطول، وأن يبذلوا جهداً أكبر.

من الأرجح بأن تكتلي اليمين المتطرف واليسار المتشدد في البرلمان ما كانا ليقدمان فوزاً سهلاً لماكرون الوسطي في موضوع إصلاح النظام التقاعدي.

لكن، البرلمان ليس كل شيء. فاز ماكرون العام الماضي بفضل اليسار ويسار الوسط في فرنسا، وكان من الممكن له أن يجد طريقة يقنع فيها الشعب وربما بعض أعضاء البرلمان بإصلاح نظام التقاعد لو أضاف إلى الحزمة إجراء يفرض ضرائب أعلى على أكبر الشركات الفرنسية وأغنى أغنياء البلاد.

لكن ماكرون رفض فرض أية زيادة على الضرائب، قائلاً إنها ستجعل فرنسا أقل تنافسية. وفي الواقع، فيما تلاحق السلطات الضريبية الفرنسية أصحاب المؤسسات التجارية الصغيرة وصغار أصحاب العقارات، يدفع أكبر بارونات الشركات والأوليغارشيين الفرنسيين ضرائب قليلة في عهد ماكرون. في عام 2021، سددت بعض أكبر شركات البلاد ضرائب زهيدة.

من خلال لجوئه إلى القرار التنفيذي لتمرير تغيير ضخم، ورفضه تغيير نهجه بشأن الضرائب على أكبر الأغنياء والعنف الذي تستخدمه حكومته ضد المتظاهرين، يؤكد ماكرون أسوأ التصورات عنه. ستفاقم أعماله النظرة التشاؤمية إلى السلطات والنخب والشك فيها. من الأرجح أن يحصل ماكرون على إصلاحه العزيز على قلبه. أما فرنسا فستدفع ثمناً باهظاً.

© The Independent

المزيد من آراء