Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الرئيس الصيني في موسكو... والقلق في واشنطن

أوكرانيا ليست أولوية والعالم على شفا حرب عالمية ثالثة أو حرب باردة طويلة

ملخص

نظرت واشنطن بانطباع سلبي عما يمكن أن تقدمه زيارة #الرئيس_الصيني لإنهاء الحرب في #أوكرانيا وقدرته على إقناع الرئيس #بوتين بالدخول في مفاوضات سلام جادة

بمزيج من الترقب والقلق، تتابع واشنطن من كثب زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو ولقاءاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما ستتمخض عنه من نتائج سواء ما يتعلق بأوكرانيا أو ما يخص التحالف الاستراتيجي بين أكبر خصمين للولايات المتحدة، فما هي تقييمات واشنطن من الزيارة؟ ولماذا ترفض الوساطة الصينية للسلام في أوكرانيا؟ وكيف ستتعامل مع تعميق العلاقات بين موسكو وبكين؟

قلق غربي واسع

في زيارته التي تستغرق ثلاثة أيام، كان الزعيم الصيني شي جينبينغ أرفع مسؤول دولي يزور موسكو منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وكانت روسيا أول زيارة خارجية له بعد أن أصبح رئيساً لأول مرة قبل عقد من الزمان، وبدا من الواضح أهمية "زيارة الدولة" تلك لكل من جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد عكست ملامح اليوم الأول من الزيارة أن الشراكة الاستراتيجية بلا حدود التي جمعتهما قبل أيام من الحرب، لم تتزعزع بفعل الحرب في أوكرانيا، حيث تفاخر الجانبان بعلاقاتهما الوثيقة والحميمية، وأشارا بشكل مبسط للصراع نفسه، في القاعة الطويلة للغاية ذاتها التي عقد فيها بوتين اجتماعات متوترة مع القادة الغربيين قبل الهجوم على أوكرانيا.

وأثارت إيماءات وصور هذا التحالف، القلق بشكل واسع في واشنطن والغرب من أن الصين قد تذهب إلى أبعد من الدبلوماسية أو الاقتصاد في دعمها لروسيا، وما إذا كان الدعم الصيني سيمتد إلى تزويد روسيا بأسلحة لاستخدامها في حرب أوكرانيا ولترسيخ كتلة قوية ضد "الناتو" والولايات المتحدة، على خلفية جغرافيا سياسية عنيفة تعارض فيها كل من الصين وروسيا نظاماً عالمياً تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها.

وعكست انتقادات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للزيارة هذا القلق. وقال إنها ترقى إلى غطاء دبلوماسي لروسيا لمواصلة ما وصفه بارتكاب جرائم حرب، بعد أيام قليلة من اتهام المحكمة الجنائية الدولية الرئيس بوتين بالمسؤولية عن اختطاف وترحيل أطفال أوكرانيين، واستمرار القوات الروسية في استهداف المناطق المدنية، مما يوحي أن الصين لا تشعر بأي مسؤولية تجاه محاسبة بوتين على حد قوله.

أوكرانيا ليست أولوية

كما نظرت واشنطن إلى اليوم الأول من الزيارة بانطباع سلبي عما يمكن أن تقدمه زيارة الرئيس الصيني لإنهاء الحرب في أوكرانيا وقدرته على إقناع الرئيس بوتين بالدخول في مفاوضات سلام جادة، إذ لم يظهر أي دليل على ذلك، ولم يذكر الرئيس شي أوكرانيا على الإطلاق خلال الترحيب به في الكرملين، بينما قال بوتين فقط إن روسيا درست بعناية مقترحات السلام الصينية، وستعاملها باحترام، وهو ما دفع المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي إلى وصف تحالف بكين وموسكو بأنه زواج مصلحة، محذراً من أن أي تسليح صيني لروسيا سيتعارض مع التصريحات العلنية للرئيس شي بأن بكين تريد السلام.

وما يعزز فكرة عدم أولوية أوكرانيا في جدول أعمال اجتماعات موسكو، أن الرئيس الصيني كتب في صحيفة روسية مقالاً أشار فيه إلى أن الصين ملتزمة السلام في أوكرانيا، لكن المقال ظل غامضاً في شأن كيفية تحقيق ذلك، وفي المقابل نشر الرئيس بوتين مقالاً في صحيفة "الشعب" اليومية، وهي الصحيفة الرئيسة للحزب الشيوعي الحاكم في الصين، قارن فيها بين التهديدات التي تواجه روسيا من الغرب والتي دفعته للهجوم على أوكرانيا، وبين أمن بكين ومخاوفها في آسيا، كما قال إن روسيا لن تعقد محادثات إلا إذا احتفظت بالسيطرة على الأراضي التي سيطرت عليها في شرق وجنوب أوكرانيا، بينما استبعدت الحكومة الأوكرانية التنازل عن الأراضي مقابل السلام.

لا ضغوط على موسكو

ويشير عديد من المحللين في العاصمة الأميركية إلى أنه حتى إذا كانت الصين تريد أن تلعب دوراً في إنهاء إراقة الدماء في أوكرانيا، فمن غير المرجح أن يضغط الرئيس الصيني على بوتين لأن ذلك قد يعرض شراكتهما الأوسع للخطر، بينما يعتبر الرئيس شي أن علاقة بكين بموسكو ضرورية لمواجهة الهيمنة الأميركية العالمية، وأعلن في خطاب ألقاه هذا الشهر أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تسعى إلى احتواء وتطويق وقمع الصين.

وبحسب وليام كلاين، وهو دبلوماسي أميركي سابق في بكين، فإن الصين ترى في روسيا شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه، وبغض النظر عن رأي الصين في الحرب، فإنها ترى روسيا كمفتاح لخلق ثقل موازن للضغط الأميركي، مؤكداً أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي توقع بأن الصين ستعيد ضبط مصالحها الأساسية بسبب هذه الحرب.

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإن خبراء السياسة الخارجية الصينيين يجادلون بأنه مع هجوم الرئيس بوتين على أوكرانيا، فإن فقدان الدعم الروسي الراسخ قد يترك الصين مكشوفة بشكل خطر، ونقلت الصحيفة عن يانغ جيمييان، الباحث البارز في السياسة الخارجية في شنغهاي قوله في تقييم الشهر الماضي، إنه إذا ضعفت روسيا باستمرار لدرجة أنها لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة والغرب، فإن ذلك سيترك في النهاية الصين تواجه ظروفاً استراتيجية غير مواتية تماماً.

بوتين الرابح الأكبر

لكن بالنسبة لفلاديمير بوتين، فإن زيارة الرئيس شي التي وصفت في روسيا بأنها الحدث الدبلوماسي المميز لعام 2023، لا يمكن أن تأتي في لحظة أكثر فائدة له، بحسب تحليل صحيفة "واشنطن بوست"، فهي تأتي مع توقف حملته إلى حد كبير، وتزايد الخسائر العسكرية، وتلطيخ سمعته الشخصية بأمر اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، ولهذا أصبح بوتين في حاجة ماسة إلى تشتيت الانتباه بزيارة الرئيس الصيني.

ويضفي دعم شي مزيداً من الشرعية على موقف بوتين في روسيا، حيث لا يزال السكان يدعمون حربه. ويشير إلى القادة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأميركا اللاتينية بأن بوتين رجل يستحق الاستمرار في التعامل معه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنسبة إلى الجمهور المحلي الروسي، ستعزز الأبهة الاحتفالية باستضافة الزعيم الصيني صورة بوتين كقيصر في العصر الحديث، ومن خلال تتويج الزيارة بمأدبة عشاء رسمية في الغرفة التاريخية الفاخرة ذات الأوجه الحجرية التي تعود إلى القرن الـ15 في الكرملين، حيث أقدم مبنى في موسكو، يجد بوتين إلهامه المفضل من إيفان الثالث، أمير موسكو الكبير، الذي شيد المبنى واشتهر بتوسيع نفوذ روسيا وأراضيها في الدول المجاورة.

وعلاوة على ذلك، فإن عرض الصين وروسيا كحليفين ضد الولايات المتحدة سيضفي أيضاً صدقية على استراتيجية بوتين العسكرية وتأكيداته أن حرب أوكرانيا هي البوتقة التي من خلالها تنشئ روسيا النظام الجديد لما بعد أميركا، وهو ما يوفر دفعة معنوية عملاقة، حيث لم تعد الولايات المتحدة وحلف "الناتو" قادرين على إملاء أي شيء على أحد.

بكين أقوى داعم

وعلى رغم أن الصين تصور نفسها على أنها طرف محايد عندما يتعلق الأمر بحرب أوكرانيا، فإن الكرملين يعتبر بكين أقوى داعم ضمني له، فقد رفضت إدانة الغزو وألقت باللوم على الولايات المتحدة في الحرب وانتقدت العقوبات الغربية، ومع تعرض الاقتصاد الروسي لضغوط شديدة، أبقته الصين، العام الماضي، واقفاً على قدميه، وعززت التجارة مع روسيا بما في ذلك زيادة حادة في الصادرات الصينية من الرقائق الإلكترونية التي تحتاج إليها موسكو لإنتاج الأسلحة، ورفعت بشدة من مشتريات النفط الروسي.

ويوم الجمعة الماضي، تفاخر يوري أوشاكوف المساعد الرئاسي الروسي بأن روسيا والصين ستصلان إلى هدفهما لعام 2024 قبل عام كامل حيث ستحققان 200 مليار دولار من حجم التبادل التجاري في عام 2023.

وضع الصين العالمي

لكن بينما يبحث بوتين عن حلفاء يمكنهم إرسال أسلحة أو تعزيز التجارة أو في الأقل دعمه في المنتديات العالمية، تبدو الأولوية مختلفة بالنسبة إلى الصيني شي جينبيتغ الذي يرى الزيارة أكثر تتمحور حول وضع بكين على مستوى العالم أكثر من روسيا أو أوكرانيا، بحسب ما يشير أليكسي تشيغاداييف المحلل في الشؤون الصينية بجامعة "لايبزيغ" والمحاضر السابق في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو.

ويعتبر تشيغاداييف أن زيارة شي تظهر للعالم أنه يمكن للصين التوسط في النزاعات الدولية، وأنها شريك موثوق، ما يعد تحذيراً لواشنطن وأوروبا في شأن الحاجة إلى التفاوض مع بكين كقوة عالمية كبرى، كما تبعث الزيارة برسالة إلى آسيا الوسطى وأفريقيا والشرق الأوسط مفادها بأن الصين قوة داعمة أكثر قابلية للتطبيق من الولايات المتحدة، وقد يسعى الرئيس الصيني إلى التوضيح لبوتين أنه إذا كان هناك نظام عالمي جديد، فإن الصين ستقوده.

العالم عند مفترق طرق

لكن القمة الصينية - الروسية تأتي وسط خطاب بوتين المناهض للغرب، حيث يقف العالم عند مفترق طرق خطر بعد أن علق الزعيم الروسي معاهدة "نيو ستارت"، وهي الاتفاقية الوحيدة المتبقية للحد من الأسلحة النووية مع واشنطن، ورهن مستقبل بلاده بما يرجح الآن أن تكون حرباً طويلة لا يمكن التنبؤ بها، على رغم الكلفة الاقتصادية الهائلة والشكوك لدى نخبته بأن الغرب أيضاً بدأ يرسل أسلحة أكثر قوة إلى أوكرانيا، بما في ذلك الدبابات والطائرات المقاتلة.

ويحذر ألكسندر جابيف المحلل في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي من أن النظرة القاتمة في الصين حالياً هي أنهم يدخلون عصر المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة، وأن روسيا مصدر قوة وشريك في هذا الصراع، ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المواجهة ستشتعل، وستدفع ثلاث قوى نووية إلى شفا الحرب العالمية الثالثة، أم إنها مجرد بداية للحرب الباردة الثانية، وبخاصة مع اصطفاف الصين وروسيا وإيران ضد الولايات المتحدة وحلفائها في "الناتو" وشرق آسيا في منافسة على النفوذ العالمي.

وتأتي زيارة شي في الوقت الذي تقترب فيه موسكو وطهران كثيراً، حيث تعتمد روسيا على إيران لتزويدها بطائرات "الدرون" ذاتية التفجير لمهاجمة المدن الأوكرانية، بينما تلاشى الأمل في إنعاش الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، مما زاد من خطر حصول إيران قريباً على أسلحة نووية، الأمر الذي يزيد من زعزعة استقرار الأمن العالمي.

وقد تؤدي هذه التحالفات إلى تقسيم العالم إلى معسكرين متعارضين لعقود، مما يعوق التعاون في شأن تغير المناخ ويخنق العمل العالمي في شأن ملفات عديدة ويشل المؤسسات الدولية ويزيد التوترات في المناطق المتنازع عليها.

حقبة جديدة مشؤومة

وبعد ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الباردة، يبدو أن حقبة جديدة مشؤومة تبدو في متناول اليد، ففي القاعة نفسها التي تبادل فيها الرئيس الأميركي رونالد ريغان الخبز المحمص مع الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف أثناء زيارة دولة عام 1988، وأعلن فيها ريغان انتهاء الحرب الباردة وسحب وصفه الذي أطلقه عام 1983 بأن الاتحاد السوفياتي هو "إمبراطورية الشر"، يبدو الآن أن واشنطن وموسكو قد أكملتا دورة كاملة، ولكن على عكس الحرب الباردة الأخيرة، عندما كان هناك انقسام بين الصين والاتحاد السوفياتي حول الخلافات الأيديولوجية، وتبدو الصين الآن مستعدة لمواجهة الولايات المتحدة وأوروبا مع وجود روسيا إلى جانبها.

ويرى ألكسندر جابيف أن الصين تتزايد تشاؤماً في شأن العلاقات مع واشنطن، ومع النفوذ الغربي المتزايد على روسيا الضعيفة، ولهذا قررت تعزيز العلاقة مع موسكو بعد أن لاحظت بكين خطوط واشنطن الحمراء في شأن العقوبات الغربية على روسيا، ثم وجدت واشنطن تفرض ضوابط على الصادرات لتقييد قدرة الصين على الحصول على أشباه موصلات عالية الجودة، بينما ترسل مزيداً من الأسلحة إلى تايوان.

حرب باردة طويلة

وإضافة إلى ذلك، تريد بكين منع انهيار روسيا في الحرب، والذي يمكن أن يؤدي إلى سقوط نظام بوتين، بالتالي تقوية الولايات المتحدة، وربما الدخول في فترة من الفوضى وعدم اليقين على طول 2600 ميل (4200 كيلومتر) هي طول الحدود بين روسيا والصين، ولذلك يحذر أليكسي ماسلوف مدير معهد جامعة "موسكو" الحكومية للدراسات الآسيوية والأفريقية، من أن عصر المواجهة الجديد سيكون حرباً باردة طويلة الأمد بين المعسكرات المختلفة. وقال إن التشرذم والاضطراب لن يعوقا فقط الصين وروسيا، ولكن أيضاً الولايات المتحدة وأوروبا، وسيكون العالم أقل قدرة وراحة للقيام بأعمال التجارة والتعليم وأي نوع من المفاوضات على مدار الـ20 أو 25 عاماً المقبلة.

المزيد من تحلیل