Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في يومها العالمي: السعادة شعور ضائع في البلدان العربية

تبقى علاقة المواطن العربي بالسعادة ملتبسة يصعب فهمها مع توالي الأزمات والكوارث من وباء إلى فيضانات وحرائق وحروب واقتتالات وغلاء

غياب السعادة في يومها العالمي لا يعني زوالها فقط الاشتياق إليها وافتقادها (أ ف ب)

ملخص

تقرير السعادة لعام 2023 يعاود تأكيد بناء جسور الثقة، وتجذير قيمة ومعنى الإحسان بين البشر بعضهم بعضاً، لا سيما في ظل الأزمات الطاحنة والكوارث المختلفة التي تضرب دولاً عدة

في مثل هذا اليوم من كل عام، يبتسم سكان الكوكب ابتسامة صفراء كلما أخبرهم أحد أن اليوم هو "اليوم العامي للسعادة"! بعضهم يلحق الابتسامة بتعليق ساخر، والآخر يذيلها بجملة غارقة في الكآبة، أو عبارة مشتقة من "كتاب الموتى"، حيث الطقوس الجنائزية للمصريين القدماء.

وفريق ثالث يمثل الغالبية يعتبر الإشارة إلى يوم السعادة في ظل ظروف الكوكب الراهنة استفزازاً لا داعي له، أو الأجدر به أن يكون يوماً لتأبين السعادة لا الاحتفاء بها. وتبقى هناك قلة تسميها الغالبية بـ"المنفلتة" تعتبر اليوم فرصة جيدة لتذكر السعادة ومحاولة استدعائها، أو على الأقل تخيلها أو الاعتراف بأهميتها حتى لو كانت غائبة.

غياب السعادة في اليوم العالمي للسعادة لا يعني زوالها، فقط الاشتياق إليها وافتقادها. الأمم المتحدة ما زالت تعرف هذا اليوم بـ"أنه يوم تشعر فيه بالسعادة والسرور".

ومنذ عام 2013، والمنظمة الأممية تحتفي بهذا اليوم للاعتراف، وربما التذكرة بأهمية السعادة في حياة الناس. لكن مفهوم الأمم المتحدة للسعادة يختلف نسبياً عن التعريفات الشعبية لها التي يدور أغلبها حول اقتناء المال، أو امتلاك القوة، أو التمتع براحة البال أو الصحة أو الشعور بالأمان، والقائمة الشعبية تطول.

التنمية تقود إلى السعادة

الأمم المتحدة تقول إنها دشنت قائمة تحوي 17 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة "يراد منها إنهاء الفقر، وخفض درجات التفاوت والتباين، وحماية الكوكب"، على اعتبار أن هذه مقومات في مجملها يمكنها أن تؤدي إلى الرفاه والسعادة.

ما تسوقه الأمم المتحدة من أهداف تنموية من شأنها أن تقضي على الفقر، وتنقذ الكوكب، وترأب الفجوات بين الطبقات وبين الرجال والنساء وغيرها، وهو ما يرفع احتمالات تحقق السعادة لا غبار عليه. لكن الغبار أمر واقع في عام 2023، وهو العام الذي يعد تكليلاً لما يزيد على عقد من تواتر الكوارث الطبيعية، وتوالي الحروب والصراعات والأزمات الاقتصادية الواحدة تلو الأخرى.

توالي الأزمات والكوارث من وباء إلى فيضانات وحرائق، وكذلك حروب واقتتالات منها الجديد الذي طرأ على الكوكب فعطل سلاسل إمدادات الحبوب وغيرها من السلع الغذائية الأساسية ناهيك عن الآثار المدمرة الاقتصادية، ومنها ما يطفئ كل عام على مدار ما يزيد على عقد شمعة إضافية ماضياً قدماً في القضاء على أخضر الدولة ويابس الدول المجاورة، إضافة إلى الآثار الكثيرة الناجمة عن تغير المناخ، والعبث بالبيئة جميعها يجعل سكان الأرض يتعاملون مع اليوم العالمي للسعادة بكثير من عدم السعادة وقليل من التفاؤل.

"اكتب موضوعاً لا يزيد على عشرة أسطر عن السعادة، وأثر الرضا والتفاؤل في تعظيم الشعور بها". يكتب الطلاب آلافاً وربما الأسطر عن مفتاح السعادة الكامن في التفاؤل، عكس التشاؤم الذي يحرم الشخص من السعادة، ويمطره بوابل من الحزن والكآبة.

ويؤكد الطلاب في مواضيع التعبير، بحسب تعليمات المدرسين وأدلة المناهج الاسترشادية، أن الدنيا تعطي كل إنسان ما يريد ويطلب. فطالب السعادة يشعر حتماً بالسعادة حتى وإن توافرت كل عوامل التعاسة حيث السعادة تكمن في الرضا.

 

الرضا مقترن بالسعادة في العالم العربي، إن لم يكن بحكم شعور الشخص اختيارياً بالرضا فعبر الضغط عليه من أجل أن يشعر بالرضا بالطول أو بالعرض. وكما أن "الصبر مفتاح الفرج"، فإن الرضا بالأمر الواقع والقسمة والنصيب وعدم الاعتراض على ضيق ذات اليد أو صعوبة الحال أو استحالة الأوضاع هي السبيل إلى السعادة.

وفي اليوم العالمي للسعادة في عام 2023، تكاد لا تخلو دولة عربية من أحاديث تلفزيونية وخطب دينية ومحاضرات تنمية بشرية تدق على وتر حتمية الشعور بالرضا ومغبة الشعور بالاعتراض والإفراط في الربط بين هذا الوتر من جهة ودرجة الإيمان والقرب من الله من جهة أخرى.

الخبثاء يلوحون بأن الدق على أوتار الرضا، وربطه بالدين والإيمان هو دق سياسي، وربما أمني، الغرض منهما عدم تكدير الأمن العام، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية، وتعذر تحقيق أو تفعيل حدود دنيا من متطلبات السعادة بالمفهوم الشعبي.

شعبياً تتمثل السعادة في مفاهيم بسيطة مباشرة، حتى وإن كانت مستعصية، أغلبها يتعلق بمستوى المعيشة، وهو المستوى الذي يتراوح بين أبجديات الستر وطموحاته المحلقة في سماوات المسكن الفاره والحسابات البنكية العامرة وغيرها. قلما يقف أحدهم ليخبرك عن مفهوم السعادة الذي يحلم به من حيث نصيبه من الناتج المحلي الإجمالي، أو متوسط عمره، أو حريته في اتخاذ القرارات، أو جودة الخدمات الصحية والتعليمية، أو انعدام الفساد، أو شيوع العدل.

وعلى رغم ذلك، فإن الخبراء والعلماء يمكنهم كتابة تقارير ودراسات وبحوث حول علاقة المعايير الستة (المنصوص عليها في الأمم المتحدة باعتبارها معايير السعادة) وبين تصورات المواطنين عنها.

خريطة السعادة وألوانها

المواطنون في الدول المصنفة باعتبارها الأكثر سعادة في العالم لا يشعرون بالضرورة بسعادة عارمة، وكذلك الحال في الدول الأقل سعادة، حيث لا ينتاب القاعدة العريضة من المواطنين شعور حتمي بأنهم تعساء.

خريطة السعادة في العالم لعام 2023 التي رسمها موقع "وورلد بوبيولايشين ريفيو" (موقع متخصص في تبسيط الإحصاءات والرسوم البيانية الخاصة بدول العالم) تشير إلى غلبة الأزرق الفاتح والأخضر بدرجاته أغلب الدول العربية، باستثناء دول الخليج العربي التي تحظى باللون الأزرق القاتم، وهو أعلى درجات السعادة.

بعيداً من السعادة المتنكرة في صورة مقولات مأثورة وأمثال موروثة أو مأسستها في وزارة أو هيئة أو مكتب لخدمة المواطنين، أو غرسها في أدمغة الصغار عبر موضوع إنشاء يصول ويجول في دوائر لغوية مفرغة، أو تحديد موضوع خطبة الجمعة أو عظة الأحد بـ"سعادة المؤمن في الرضا بالمقسوم"، تبقى علاقة المواطن العربي بالسعادة في يومها العالمي علاقة ملتبسة يصعب فهمها.

فهم السعادة عربياً لا يمكن فصله عن التعريفات غير المادية الشائعة، مثل "السعادة شعور يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، واستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان".

 

في يومها العالمي، يجد المواطن العربي نفسه مفعماً مشبعاً بهذه التعريفات الروحانية الراقية. يرددها كما رددها من قبله الآباء والأجداد. وهو بدوره يورثها للأبناء والأحفاد. لكنه يجد نفسه في الأغلب مفتقدها، متشوقاً إليها، متلهفاً من أجل تحقيقها، حتى وإن وجد صعوبة في سرد مكوناتها أو استشعر الحرج في المجاهرة ببعضها.

الطريف أن البحث عن السعادة باللغة العربية على "تويتر" يزود الباحث بمئات التغريدات التي تقدم منتجات تعد بالقوة الجنسية مع وسم السعادة، وهو ما يلقي ضوءاً على بعض من مكونات السعادة المسكوت عنها. في أحاديث عن السعادة خلف الأبواب المغلقة وبشرط "عدم النشر"، يقول بعضهم إن السعادة في "سيجارة مخدرة" أو في علاقات جنسية مفتوحة، أو في عدم تحمل مسؤولية البيت والأولاد، وغيرها من صنوف الهرب من الواقع أو التخلص من قيوده.

لكن حين تنفتح الأبواب لا تستعيد السعادة مكانتها الروحانية المرموقة فقط، بل تواجه واقعها الصعب ومستقبلها الأصعب. طغيان ألوان الأزرق الفاتح والأخضر بدرجاته، حيث مؤشر السعادة في المنتصف وما دون المنتصف، لم يأت من فراغ.

الفراغ الأمني الناجم عما يزيد على عقد كامل من الحروب والصراعات والاقتتالات في دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، والاحتقانات السياسية والقلاقل الأمنية في دول مثل العراق ولبنان وفلسطين، والأزمات الاقتصادية الطاحنة التي لا تخلو من ضغوط اجتماعية كثيرة في دول مثل مصر وتونس والجزائر والأردن والمغرب جميعها يؤثر في شعور المواطن بالسعادة في هذه الدول، أو بالأحرى افتقاده الشعور بها.

ثمن السعادة

الشعور بالسعادة له ثمن، هذا ما طرحته "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" في دراسة عنوانها "وضع بطاقة سعر على السعادة: استخدام تعادلات القوة الشرائية لمقارنة أسعار السعادة في المنطقة العربية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انطلقت الفكرة من التسليم بأن مكونات السعادة كثيرة، وتختلف من دولة إلى أخرى، وعلى رغم ذلك، فهناك عوامل عدة يمكن اعتبارها مسببات للسعادة، أو تؤدي للسعادة، مثل الدخل المرتفع وشبكة العلاقات الاجتماعية الجيدة، وكذلك الذكاء والمكانة الاجتماعية وغيرها. ونظراً إلى هذه الاختلافات وعدم وجود معان مستدامة للسعادة، حيث الدخل المرتفع مثلاً يتحول بعد فترات طويلة إلى أمر مفروغ منه وغير قابل على تحقيق السعادة بالضرورة، فقد اعتمدت الورقة على "تسعير" السعادة، أو تحديد مبالغ مالية من شأنها أن تحقق الإشباع لدى الفرد ما يضمن له قدراً من السعادة، بالتالي محققاً الإشباع.

وتشير الدراسة إلى معايير السعادة الواردة في تقرير السعادة العالمي لعام 2020، التي تشمل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومقدار الدعم الاجتماعي الذي يحظى به، ومتوسط العمر، وحرية اتخاذ القرارات والكرم، وتصورات الفساد، والعاطفة الإيجابية والسلبية. ووضع التقرير حجم الدعم الاجتماعي الذي يحظى به الفرد في المرتبة الأولى لمسببات السعادة، وتلاه متوسط الدخل.

متوسط الإشباع

وحددت الدراسة "متوسط الإشباع العالمي"، أي المبلغ القادر على توفير احتياجات تضمن قدراً وفيراً من السعادة (تعليم، وصحة، وترفيه، وسكن وغيرها) بنحو 95 ألف دولار لكل شخص سنوياً، مع وجود فروق بين المناطق وبعضها. فبلغ "متوسط الإشباع من أجل تحقيق السعادة في دول أميركا اللاتينية مثلاً 35 ألف دولار، في مقابل 125 ألف دولار في أستراليا ونيوزيلندا.

ووجدت الدراسة أن المنطقة العربية لها خصوصية مختلفة، حيث الفروق الشاسعة بين الدول وبعضها من حيث متوسط الدخول، إضافة إلى التغيرات الكبيرة التي طرأت على الأسعار في الأعوام القليلة الماضية أدت إلى تعديل سعر السعادة من دولة عربية إلى أخرى بحسب متوسط الدخل.

 

وكما هو متوقع، جاءت السعادة باهظة الكلفة في قطر والكويت والإمارات والسعودية حيث تراوحت بين 75 و67 ألف دولار سنوياً. أما أرخص سعر سعادة فكان في السودان حيث قدرت كلفتها بنحو 16 ألف دولار أميركي. وكلما ابتعد متوسط دخل الفرد عن "سعر السعادة" في دولة ما، كلما كانت فرصه في توفير أدواتها أقل.

المؤكد أن لا السعر الأغلى أو الأرخص للسعادة قادر على ضمانها، لكن دراسة "أسكوا" تهدف إلى وضع معايير ومؤشرات للحكومات الراغبة في تعديل أو رسم سياساتها بشكل يضمن تحقيق قدر أوفر من السعادة لمواطنيها.

وتشير الدراسة إلى أن تحقيق السعادة التي هي مزيج من شبكة العلاقات الإنسانية والاجتماعية الصحية والجيدة مع الدخل المعقول ليست مسؤولية الفرد وحده. ولا ينبغي أن يتحمل ثمنها المواطن وحده، إذ يمكن للحكومات والمؤسسات غير الهادفة للربح أن تسهم في توفير هذه الكلفة، سواء عن طريق تمكين المواطنين، أو تقديم قدر أوفر وأكثر جودة من الخدمات، أو رفع مستوى المعيشة أو كل ما سبق.

السعادة في 2023

كل ما سبق وردت الإشارة إليه في تقرير السعادة العالمي الذي يصدر اليوم. تقرير السعادة لعام 2023 يعاود تأكيد بناء جسور الثقة، وتجذير قيمة ومعنى الإحسان بين البشر بعضهم بعضاً، لا سيما في ظل الأزمات الطاحنة والكوارث المختلفة التي تضرب دولاً عدة، وتؤثر في الجميع مع تسليط الضوء في الأثر الإيجابي لكل منهما على مدار السنوات الثلاث الماضية، حيث وباء كورونا وحرب روسيا في أوكرانيا وسلسلة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في عديد من الدول. كما يتناول زاوية جديدة خاصة بقياس سعادة سكان الأرض، وهي منصات التواصل الاجتماعي ومدى قدرتها وصدقيتها على قياس مستويات السعادة والضيق السائدة.

يشار إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبموجب قرارها الصادر في يوليو (تموز) عام 2012، حددت يوم 20 مارس (آذار) من كل عام يوماً دولياً للسعادة، وذلك اعترافاً منها بأهمية السعادة والرفاه كقيمتين عالميتين يتطلع إلى تحقيقهما سكان الأرض، إضافة إلى صلتهما الوثيقة بمقاصد السياسة العامة.

ويشار كذلك إلى أن هذا القرار جاء بمبادرة من بوتان، وهي الدولة التي تقر بسيادة السعادة الوطنية على الدخل القومي، وتعتمد قياس "معدل السعادة الوطنية الإجمالية" كمقياس للتنمية منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات