Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حان الوقت لكي تعيد بريطانيا ضبط علاقاتها مع فرنسا؟

إن الظروف من أجل تحقيق ذلك أصبحت أكثر ملاءمة إذا ما قورنت بالماضي القريب

لدى سوناك قواسم مشتركة مع ماكرون في التاريخ المهني والأسلوب والشخصية أكثر من أسلافه المباشرين (أ ف ب)

ملخص

ربما لاحظتم الأصوات المحبة الصادرة عن #باريس خلال الأيام الأخيرة مع حديث مصادر رئاسية هناك "عن بداية صداقة جميلة متجددة" بين #بريطانيا و#فرنسا

بهدوء وخلال جهود بعيدة من الإعلام جرى ترتيب المشهد من أجل فتح صفحة جديدة من العلاقات بين المملكة المتحدة وفرنسا، وربما لاحظتم الأصوات المحبة الصادرة عن باريس خلال الأيام الأخيرة مع حديث مصادر رئاسية فرنسية "عن بداية صداقة جميلة متجددة" بين الجانبين.

هنالك شعور سائد مشابه بدأ يهب من الجهة المقابلة، كما يمكن أنكم قد لاحظتم أيضاً أن عملية طرح مشروع قرار برلماني بريطاني للتعامل مع مشكلة القوارب الصغيرة [التي تنقل المهاجرين من الشواطئ الفرنسية إلى البر البريطاني]، تفادى تماماً إلقاء اللوم على الجانب الفرنسي، أقله في السردية الرسمية، وطبعاً أيضاً هناك الرحلات المدرسية من وإلى أوروبا التي، على ما يبدو، ستصبح أكثر سهولة [بعد معوقات تسببت بها عملية تنفيذ اتفاق بريكست].

بكلام آخر، لقد كانت هناك تحضيرات دبلوماسية كبيرة جرى العمل عليها، وسبقت الاجتماع الذي استمر يوماً كاملاً بين رئيس الحكومة ريشي سوناك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أول لقاء قمة ثنائية جمع قادة بريطانيا وفرنسا منذ خمس سنوات، والنتيجة لا بد من أن تنعكس من دون شك على البيان الرسمي الصادر في ختام القمة والمؤتمر الصحافي الإلزامي للزعيمين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أنه لن يكون من الصعب جداً التنبؤ بأن تحسناً ستشهده العلاقات في الأمور الأساس، بدءاً من نبرة ونوعية الخطاب الصادر عن الجانبين.

رئيس الوزراء تجمعه كثير من الخصائص المشتركة مع الرئيس الفرنسي، على الأقل في جانب تاريخ الرجلين المهني ولجهة شخصيتهما وأسلوبهما في التعامل مقارنة بمن سبق سوناك إلى المنصب، وهو ربما سيجد من السهل أكثر أن ينشئ علاقة مميزة مع الرئيس الفرنسي.

وتسهم الظروف المحيطة [التي تعصف بأوروبا والعالم] في جعل توافق الرؤية بين الجانبين أكثر إيجابية مقارنة بالظروف التي أحاطت بعلاقات الجانبين في الماضي القريب [تداعيات بريكست]، وحتى لو استثنينا الجانب الشخصي فلم يكن من الممكن إلا أن تهيمن مسألة "بريكست" الصعبة على المحادثات بين الزعيمين والتي كانت أثرت في علاقات بوريس جونسون مع ماكرون.

إن "إطار ويندسور" Windsor Framework المتعلق بإيرلندا الشمالية والناتج من صياغة بيروقراطية بارعة لربما كانت تعِد بأكثر مما تستطيع تحقيقه، من شأنه أن يضع حداً لمصدر واحد من مصادر الاحتكاك بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، أقله في المرحلة الحالية.

إن درجة الإجماع بخصوص الحرب في أوكرانيا ربما تقدم فرصة [للزعيمين] للاشتراك في إطلاق الشعارات العالية النبرة دعماً للحرية في مواجهة العدوان، إضافة إلى كونها مناسبة جيدة للتوافق على تفاصيل التعاون الدفاعي، وهي ميزة قائمة يمكن الاعتماد عليها في العلاقات بين المملكة المتحدة وفرنسا، وإن استمر التوتر في العلاقات بخصوص ملفات أخرى.

ويمكن أن يكون هناك مجال للتوافق على تعاون إضافي في مجال مشاريع الطاقة ومن ضمنها الطاقة النووية، ويبدو أن هناك وعوداً تطلق عن رفع مستوى التعاون أيضاً في مجال ما هو معروف اليوم بقضية "الزوارق الصغيرة"، مع عرض رئيس الحكومة سوناك مزيداً من التمويل لجهود قوات حفظ الأمن الفرنسية العاملة على طول الساحل، في مقابل عرض فرنسا وعوداً ببذل جهد أكبر لمنع عمليات العبور غير الشرعية والخطرة، ولا ندري إن كان ذلك سيشمل الموافقة الفرنسية على قبول إعادة من ترفض طلبات حصولهم على حق اللجوء في المملكة المتحدة بعد عبورهم من فرنسا.

لكن هذه قضية أخرى، فالرئيس ماكرون لديه ما يكفيه من تحديات تشغله على المستوى المحلي، كونه رئيساً فرنسياً آخر يضاف إلى لائحة الذين يحاولون رفع سن التقاعد في البلاد مع فشله في تحقيق ذلك حتى الآن، ولا يود أن يضطر إلى المخاطرة في الوقت نفسه بإثارة الرأي العام ضده في ملف الهجرة.

رغم كل الكلام الودي الذي تبادله الجانبان في القمة، ومع كل الآمال التي عبر عنها الزعيمان للعمل من أجل علاقة جديدة أكثر فعالية، إلا أن ثمة أسباباً من شأنها أن تؤدي إلى ظهور تصدعات قريباً جداً، والسبب ببساطة هو أن مصالح البلدين وولاءاتهما لا تزال متناقضة.

الصدع الأول وهو الأوضح يرتبط بمشكلة "القوارب الصغيرة"، ففرنسا ليس لديها أية مصلحة في استعادة من حاولوا العبور وفشلوا في الفوز بحق اللجوء في المملكة المتحدة، وهو أمر من شأنه أن يلعب دوراً حاسماً في أية محاولة ناجحة من قبل المملكة المتحدة لوقف أو الحد من عمليات عبور القنال الإنجليزي.

لدى فرنسا مصلحة بالطبع في التخلص من مخيمات اللاجئين المنتشرة على سواحلها الشمالية، وليس فقط خارج منطقة كاليه Calais، كما يمكن أن يكون لدى باريس مصلحة في خفض عدد المهاجرين المحتملين أو طالبي اللجوء الذين يحاولون الوصول إلى فرنسا عبر إيطاليا، على أن يكون سبب ذلك هو إغلاق منافذ العبور إلى المملكة المتحدة بدلاً من زيادة عدد من يودون البقاء في فرنسا.

 

لكن مصلحة المملكة المتحدة في وقف أو خفض عدد "القوارب الصغيرة" التي تعبر القنال هي أكبر بكثير من المصلحة الفرنسية، ولذلك على المملكة المتحدة أن تقدم تمويلاً لفرنسا في مقابل تعاونها في هذا المجال وفق ما تم الاتفاق عليه، كما عليها أن تواصل دفع الأموال في مقابل استمرار ذلك التعاون، وحتى في حال توصل الجانبين إلى مستوى رفيع للغاية من التعاون، فإن ذلك لن ينجح في حل المشكلة بالنسبة إلى المملكة المتحدة، وسيكون هناك عدد أقل من "القوارب الصغيرة" ربما، وفقط في حالة واحدة وهي عندما تصبح فرص العبور والبقاء في المملكة المتحدة منخفضة بشكل كبير للغاية إلى الحد الذي يجعل عملية دفع المال للمهربين أمراً غير مجد للساعين إلى اللجوء، وكل ذلك سيعتمد أساساً على المملكة المتحدة ومدى استعداد سياسييها، وحقيقة استعدادهم التام وليس استعدادهم النظري، ليس فقط للمصادقة على مشروع قانون "الهجرة غير الشرعية" ولكن استعدادهم  للعمل من أجل وضع القانون موضع التنفيذ، فطالما استمر وصول "الزوارق الصغيرة" فسيكون من المغري توجيه اللوم إلى فرنسا وتحميلها مسؤولية ذلك.

أما الصدع الثاني فيمكن أن ينشأ في ملف الدفاع وجزء من ذلك هو قضية إجرائية، ففرنسا لا تزال تغلي وليس من غير وجه حق، مما تعتبره الطريقة التي تم الالتفاف عليها وخداعها في صفقة كانت عقدتها من أجل توريد غواصات حربية لأستراليا، بعدما قامت حكومة كانبيرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بتشكيل تكتل دفاعي يشار إليه بـ "أوكوس" AUKUS. سيتطلب الأمر أكثر بكثير من مجرد تبادل الابتسامات بين كل من ماكرون وسوناك لإعادة بناء مستوى الثقة الذي كان متوافراً في الماضي، لكن ومن دون شك فإن الجزء الأكبر من ذلك الخلاف إستراتيجي وفلسفي، فالحرب في أوكرانيا أدت إلى بث الحياة من جديد في حلف الـ "ناتو"، وفي الوقت الحالي أدت أيضاً إلى تجديد الالتزام الأميركي بالدفاع عن أوروبا.

حرب أوكرانيا عملت أيضاً على تعظيم الصوت الأطلسي بين دول شرق ووسط أوروبا في كل من الـ "ناتو" والاتحاد الأوروبي، وتلك الدول ستدعي أنها لطالما كانت "محقة" في شأن روسيا.

كل تلك التطورات أدت إلى كتم الطموح الفرنسي القديم جداً والذي كان ماكرون أحد المعجبين والداعمين للمشروع الذي يدعو إلى أن يكون لدى أوروبا استقلالية أكبر في إدارة شؤونها الدفاعية والأمنية، لكن ذلك المشروع الفرنسي يمكن أن يعود للواجهة بسرعة إذا ما كتب لدونالد ترمب أو أحد آخر يشبهه الفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل.

لكن وبغض النظر عن التطورات المحتملة في الولايات المتحدة الأميركية، فإن تلك الفكرة لن تختفي تماماً لأن لديها منطقها الخاص، وهي ستبقى قائمة طالما كان هناك اتحاد أوروبي يدفع الجزء الأكبر من فاتورته الفرنسيون والألمان.

إن مبدأ "الاستقلالية الاستراتيجية" الأوروبية كما يتم تعريفه، هو مبدأ لم تعتمده المملكة المتحدة يوماً من الأيام حتى عندما كانت دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، وتلك الإمكانية بعيدة كل البعد اليوم بعد "بريكست"، وفي هذا الإطار فإن تحالف "أوكوس" يمكن اعتباره مؤشراً إلى حقبة ما بعد "بريكست".

بالطبع إن النبرة الجديدة وتحسن العلاقات الشخصية والارتقاء بجودة الاتصالات الحكومية بين المملكة المتحدة وفرنسا لا يمكن التقليل من أهميتها، إلا أن الاختلاف بين الجانبين في مصالحهما البعيدة المدى، إذا تعلقت تلك بالهجرة أو بملفات الدفاع أو بالطبع بإجراءات تنظيم التجارة في مرحلة ما بعد "بريكست"، فكلها أمور لا يمكن نكرانها.

كل تلك الاختلافات كانت غير ظاهرة إلى حد ما، فيما كانت المملكة المتحدة دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، ولكن لم يعد من حاجة إلى ذلك النفاق اليوم، وبالطبع فإن كل تلك الاختلافات هي أسباب موجبة أكثر كي تقلع المملكة المتحدة عن محاولة التظاهر بأن فرنسا، هي أو عليها، أن تكون صديقة حميمة لبريطانيا، وأن تبدأ بالتعامل بشكل محترم مع فرنسا كدولة أجنبية، وفي شكل أوسع ربما يمكن أن يأتي يوم نعتبر فيه أن "بريكست" لم يكن خرقاً مفاجئاً للأعراف، بل إن الخروج من أوروبا كان مؤشراً إلى عوارض واختلافات متجذرة بعمق، وكانت تحديداً اختلافات مع فرنسا، وأحد معالم تلك الاختلافات يمكن أن يكون معروضاً نهاية هذا الشهر عندما يقوم الملك تشارلز بأول زيارة رسمية له منذ توليه العرش البريطاني إلى الجمهورية الفرنسية، ومن بعدها يزور ألمانيا.

بغض النظر عن الصدوع التي قد تظهر بعد قمة ماكرون وسوناك، فلربما سيتم تضميدها لبعض الوقت بسبب هذه الجرعة من مسرحية [الزيارة الملكية]، لكن وعندما يزول تأثير سحر الزيارة فسيحين الوقت للمملكة المتحدة وفرنسا لإعادة ضبط عقارب علاقاتهما كأصدقاء تربطهم علاقات نزيهة، ومن خلال تفضيلهما الشق العملي على الشق الأيديولوجي في العلاقة فإن الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء ريشي سوناك قد يكونان الزعيمين المؤهلين [أكثر من غيرهما] القادرين على تحقيق ذلك.

© The Independent

المزيد من آراء