Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اللعبة الكبرى"... بين اليوم والأمس

"فيلم وثائقي" يتناول وقائع الصراع بين روسيا وخصومها الغربيين لما يزيد على 200 عام

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

ملخص

يواصل #التلفزيون_الروسي سياسة الاعتماد على #التاريخ مصدراً أساسياً لتوثيق ما يراه مناسباً لتوضيح ما يطرحه #الكرملين من رؤى وسياسات

في إطار ما سبق وأشار إليه هنري كيسنجر عميد الدبلوماسية الأميركية الأسبق حول "الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ"، يواصل التلفزيون الروسي سياسة الاعتماد على التاريخ مصدراً أساسياً لتوثيق ما يراه مناسباً لتوضيح ما يطرحه الكرملين من رؤى وسياسات.

ومن هذا المنظور، وفي توقيت مواكب للذكرى الأولى "للعملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، عرضت القناة الأولى للتلفزيون الروسي فيلم "اللعبة الكبرى" الذي سبق وأنتجته القناة في إطار سلسلة من الأفلام الوثائقية تحت الاسم نفسه كانت بدأتها في عام 2007.

ولمن لا يعلم، فإن هذا التاريخ يظل رمزاً عميق الدلالات في تاريخ روسيا المعاصر، من حيث كونه نقطة البداية للانطلاقة التاريخية لروسيا المعاصرة تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين، صوب مرحلة مغايرة، تقف على طرفي نقيض مما كانت عليه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وكان بوتين قد أعلن في مؤتمر الأمن الأوروبي بميونيخ فبراير (شباط) 2007 عن توجه مغاير لبلاده انطلاقاً من رفضها لعالم القطب الواحد، وتحولها نحو ضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في تقارير سابقة لها من موسكو.

طبيعة المواجهة الجيوسياسية

وتقول مصادر "القناة الأولى" للتلفزيون الروسي إن حلقات مسلسل الأفلام الوثائقية "اللعبة الكبرى" تستمد بداياتها مما شهدته البلاد من أحداث اعتباراً من 2007 في إطار مشروع طرحه الكاتب الصحافي ميخائيل ليونتيف الذي يعمل حالياً نائباً لرئيس شركة "روس نفط" أكبر الشركات النفطية الروسية، بهدف استيضاح "طبيعة المواجهة الجيوسياسية بين روسيا والعالم الخارجي على مدى القرن ونصف القرن الماضيين".

وأشارت المصادر إلى أن العرض الأول للمشروع يعود إلى ذلك التاريخ، لكنه لا ينفي أن ما يتناوله من أحداث لا يقتصر على ما قبل ذلك التاريخ فحسب، بل ويمتد ليشمل ما يتواصل من أحداث معاصرة، ليصبح أكثر أهمية من ذي قبل، وذلك يعني ضمناً "الأهمية الفائقة لمشروع "اللعبة الكبرى" على صعيد توضيح كل جوانب "الجغرافيا السياسية الحديثة"، وما تعنيه من نقاط للتحول، قد ينطلق منها ما قد يكون بمثابة نقطة البداية لكثير من جوانب مستقبل الدولة الروسية والعالم بأسره.

وتأكيداً لذلك أشارت البروفيسور ناتاليا ناروتشنيتسكايا في الفيلم الوثائقي إلى أن ما شهدته السنوات القليلة الماضية من "ثورات ملونة" في الشرق الأوسط، وكذلك الحرب في سوريا، وتعزيز طالبان لمواقعها في أفغانستان، وقوس عدم الاستقرار المشتعل في الشرق الأوسط، وكذلك في آسيا، ليست سوى استمرار للتاريخ الذي بدأ منذ أكثر من 200 عام، والذي أطلق عليه "اللعبة الكبرى".

وأضافت أنه ليس هناك وبطبيعة الحال موعد رسمي لبدء لعبة الاستخبارات الكبرى والدبلوماسيين ورجال الجيش في الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية، لكن بشكل غير رسمي، يمكن إجراء العد التنازلي منذ مقتل بولس الأول (القيصر الروسي في عام 1801)، والذي شارك السفير الإنجليزي بشكل مباشر في إعداده".

وللتذكرة نشير إلى أن بولس الأول هو ابن الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية التي استطاعت إنزال الهزيمة بخصومها الأتراك وحلفائهم في "حرب القرم الثانية 1874-1878"، بما استطاعت معه استعادة شبه جزيرة القرم ومناطق أخرى في القوقاز ومنطقة البلقان، والثأر لهزيمة القوات الروسية في حرب القرم الأولى 1853-1856.

الصراع بين روسيا وبريطانيا

ومن هنا بدأ الكاتب الصحافي أندريه ميدفيديف فيلمه الوثائقي "اللعبة الكبرى" الذي تناول فيه كثير من أوجه الصراع بين الاستخبارات الروسية ونظيرتها البريطانية في آسيا الوسطي، وما جاورها في أفغانستان والهند.

نذكر أن هذا الصراع امتد لما يقرب من المئتي عام، شهدت كثيراً من التحولات والحروب التي رسمت نتائجها كثيراً من حدود المنطقة، ومنها ما جرى حول شبه جزيرة القرم من حربين امتدت الأولى من 1853 حتى 1856، فيما امتدت الثانية خلال الفترة 1874-1878.

وإذا كان هناك من يعتبر تاريخ الإعلان عن نهاية الحرب الباردة في نهايات ثمانينيات القرن الماضي بداية للتحول نحو علاقات مغايرة، فإن ما شهدته تسعينيات القرن الماضي يقول بغير ذلك، وهو ما وفر عملياً المقدمات اللازمة لما يشهده العالم اليوم من صراعات تعيد إلى الأذهان كثيراً من أسباب احتدام النزاعات التي تتواصل على مدى عقود طويلة تستمد بداياتها من صراعات القرنين الـ19 والـ20.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما أعلنت بريطانيا أن السبب في ولوجها أتون صراعات القرن الـ19، يعود في جوهره إلى ما تنامي إليها من معلومات تقول إن الإمبراطورية الروسية تضمر مخططات توسعية تستهدف الوصول إلى البحار الدافئة وتخطط للهجوم ضد الهند، فإن خصوم روسيا يعودون إلى اتهامها بمحاولات استعادة الاتحاد السوفياتي السابق، استناداً إلى ما قامت به من خطوات جرى بموجبها ضم شبه جزيرة القرم في 2014، وما تلا ذلك من تطورات تتواصل مشاهدها "الدرامية" حتى اليوم.

ذلك هو الإطار الزمني لما تناول الفيلم الوثائقي كثيراً من جوانبه، منذ بدايات "الصراع الشرس بين روسيا وبريطانيا العظمى للسيطرة على النقاط الاستراتيجية في آسيا". ومن اللافت أن هذا الفيلم تم عرضه لأول مرة في عام 2014، بعد اندلاع أحداث الموجة الثالثة من "الثورة البرتقالية" التي أسفرت عن إطاحة الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش، وهو ما تناولناه في أكثر من تقرير من موسكو.

كما أنه اعتمد في كثير من فقراته ومشاهده على ما أجراه الكاتب الصحافي أندريه ميدفيديف من لقاءات على مدى عديد من السنوات مع عدد من الخبراء المتخصصين في شؤون المنطقة، وانطلاقاً مما سبق وتراكم لديه من معلومات وخبرات خلال عمله في أفغانستان.

وننقل عن ميدفيديف ما قاله حول أنه توقف عند هذه المرحلة التاريخية والمواجهة بين روسيا وبريطانيا في آسيا نظراً إلى أنها لم تحظَ بالاهتمام المناسب في حينه، فيما هي تعود لتشخص في الوقت الراهن بكل أهميتها وتفاصيلها.

وأضاف أن الصراع حظي في القرن الـ19 بما يستحقه من أهمية من منظور "أن إنجلترا كانت المنافس الرئيس للإمبراطورية الروسية، ثم روسيا السوفياتية في سنواتها الأولى، وليس ألمانيا أو الولايات المتحدة".

وتحول ميدفيديف إلى الكشف عن كثير من مشاهد انضمام بلدان وأقاليم آسيا الوسطى إلى الإمبراطورية الروسية، وما اشتعل آنذاك من تحديات وصراعات خشية التمدد إلى الهند وأفغانستان وتركستان، بما تخلل ذلك من انتفاضات جماعية وليس حروباً دينية، كانت عناصر الاستخبارات البريطانية والسوفياتية على مقربة من تدبير كثير من جوانبها، من دون أية إشارة إلى أنها تجرى ضمن إطار "اللعبة الكبرى".

البريطانيون أفضل في توثيق الأحداث

في هذا الصدد، أشار ميدفيديف إلى أن البريطانيين كانوا أفضل كثيراً في توثيق ما يجري من أحداث، فضلاً عن تميزهم عن السوفيات في تسجيل ذلك على نحو يتسم بالأكاديمية العلمية، وضرب مثالاً على ذلك بما يتعلق بـ"الحرب الروسية - التركية في 1877-1878"، والتي يطلقون عليها "الأزمة التركية في 1876-1878"، أما عن الحرب بين روسيا وتركيا فلم تكن سوى حلقة من أزمات منطقة البلقان، حيث تدخلت روسيا وبريطانيا.

وأضاف قوله "إنهم ينظرون إلى الأحداث على نحو مترابط، بالتالي فهم يفهمون بشكل أفضل كيفية ارتباط أحداث القرن الـ19 بأحداث القرن الـ21". ولم يغفل الإشارة إلى أن القوات البريطانية التي دخلت أفغانستان ضمن قوات التحالف الأممي في أعقاب الأحداث الإرهابية في سبتمبر (أيلول) 2001، أبدت كثيراً من الاهتمام بعد وصولها إلى كابول بترميم مقابر الجنود البريطانيين التي ظهرت خلال الحرب الأنغلو أفغانية الثانية، وأصبحت في نهاية المطاف مقبرة أوروبية. وكانت "طالبان" على وشك تدمير تلك المقابر.

وقال إن البريطانيين لم يستردوا هذه المقابر فحسب، بل وجمعوا شواهد القبور الباقية، وحاولوا جمع كل المعلومات الممكنة عن كل من ووري الثرى هناك، فضلاً عن إقامة شاهد على كل منها، يشير إلى الظروف التي قضى خلالها نحبه، مؤكداً ما وصفه بـ"الموقف الحذر من التاريخ".

غير أن ما استعرضه الفيلم الوثائقي "اللعبة الكبرى" في حلقته التي خصصها التلفزيون الروسي للعرض في الذكرى الأولى للعملية العسكرية الروسية" الخاصة في أوكرانيا، يبدو في كثير من جوانبه بمثابة التلميح الذي يرقي إلى حد التصريح، تجاه ما يمكن أن يتفق مع القول العربي المأثور "ما أشبه الليلة بالبارحة".

فما جرى من أحداث تندرج تحت اسم "حرب القرم الأولى" في 1835-1856 يعني بين طياته ما يعيد إلى الأذهان كثيراً مما يجمع بين أحداث ذلك الماضي المأسوي، وما يحدث اليوم على صعيد الحرب بين روسيا وخصومها الذين يقترب عددهم مما يزيد على 50 دولة، تقف الولايات المتحدة وكبريات الدول الغربية في صدارتها.

وكانت روسيا الإمبراطورية قد خسرت حربها الأولى في القرم منذ ما يزيد قليلاً على 160 عاماً، بعد حرب ضروس استمرت لما يقرب من ثلاثة أعوام في مواجهة الإمبراطورية العثمانية وحلفائها من جنود البلدان التابعة لها، فضلاً عن بريطانيا وفرنسا وغيرهما من البلدان الأوروبية.

تصفية حسابات قديمة

يذكر المراقبون أن تلك الحرب لم تقتصر على شبه جزيرة القرم فحسب، حيث دارت بعض معاركها في عدد من أرجاء البلقان، وكانت هذه الحرب فرصة لكل من فرنسا وبريطانيا لتصفية حسابات قديمة مع روسيا، حيث كان للأولى ثأر قديم يعود إلى تاريخ هزيمة نابليون، ونزاعها مع روسيا حول الأماكن المقدسة في فلسطين التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية، بينما كانت بريطانيا في حاجة إلى تصفية حسابات قديمة مع روسيا منذ سنوات صراعهما في آسيا الوسطى، وما تلا ذلك من تطورات أراد معها اللورد بالمرستون رئيس الحكومة البريطانية الحد منها خشية تمدد روسيا إلى تركيا وبلاد فارس، واعتبار ذلك خطراً على المصالح الجيوسياسية لبريطانيا العظمى، ومنها احتمالات وصول روسيا إلى حلمها المؤجل في الهند، على حد تصورات الجانب البريطاني.

على أن ذلك لم يضع حداً للخلافات التاريخية بين روسيا وخصومها، حيث ظلت الصراعات حتى اشتعال حرب القرم الثانية التي استطاعت روسيا إبان سنوات حكم الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية حسمها، بما يتفق ومصالحها، واستعادة ليس فقط شبه جزيرة القرم والمناطق المحيطة بها في القوقاز، بل وأيضاً كثير من بلدان البلقان التي خضعت لاحقاً إلى إمبراطورية النمسا - المجر، بعد إنزال قوات الإمبراطورية الروسية الهزيمة بقوات الإمبراطورية العثمانية وحلفائها من بريطانيا وفرنسا وعدد آخر من البلدان الأوروبية، وذلك ما نتوقع أن يجرى التطرق إليه فيما قد يجرى إنتاجه لاحقاً من حلقات جديدة لمسلسل "اللعبة الكبرى". 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير