Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الروح الرياضية" تختنق على الشاشة المصرية

الجهات الحكومية تتدخل لوقف تجاوزات إعلاميي القطاع ومتخصصون يرون أنها أشعلت فتيل التعصب بين الجمهور

يملك كل من فريقي الأهلي والزمالك قناته الخاصة وكثيراً ما تثير تصريحات مسؤولي الناديين لغطاً في الرأي العام (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

شهدت مصر للمرة الأولى في تاريخها حبس رئيس نادي الزمالك #مرتضى_منصور بتهمة سب رئيس النادي الأهلي #محمود_الخطيب، إذ قضت محكمة النقض أمس السبت برفض طعن منصور على حكم حبسه لمدة شهر بتهمة سب وقذف رئيس النادي الأهلي عبر #مواقع التواصل الاجتماعي

"حال من الخطر"، هكذا وصف رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر حال الإعلام الرياضي في البلاد، وقال إن "بعض البرامج الرياضية والقنوات الفضائية تعمل على بث الكراهية والتعصب والحقد والخوض في السمعة الشخصية وانتهاك الحرمات"، وطالبها بالتوقف عن تلك الممارسات.

وتنتشر على القنوات الفضائية المصرية سواء العامة أو المتخصصة في الرياضة برامج حوارية ليلية تركز بالأساس على أخبار كرة القدم خصوصاً بين فريقي الأهلي والزمالك، قطبي اللعبة الأكثر شعبية في البلاد، ويملك كل منهما قناته الخاصة بالتعاون مع إحدى الشركات المالكة لمعظم القنوات الفضائية، وكثيراً ما تثير تصريحات مسؤولي الناديين أو نقاد مقربين منهم لغطاً في الرأي العام، بسبب ما تحمله أحياناً من هجوم حاد يتخطى ما يجري في الملعب إلى اتهامات بالرشوة والتزوير والمحاباة.

كما شهدت مصر للمرة الأولى في تاريخها حبس رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور بتهمة سب رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب، إذ قضت محكمة النقض أمس السبت برفض طعن منصور على حكم حبسه لمدة شهر بتهمة سب وقذف رئيس النادي الأهلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لجنة القيم

وشهد الشهر الماضي تصريحات عدة من رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور عبر "قناة النادي" ضد منظومة إدارة الكرة في مصر ولجنة التحكيم ولجنة الأندية المسؤولة عن إدارة مسابقة الدوري المحلي، مما دفع اتحاد الكرة إلى إيقاف التعامل معه وإحالة جميع تجاوزاته ضد مجلس إدارة الاتحاد إلى لجنة الانضباط والقيم، مشدداً على احتفاظ المجلس بحقه في التصعيد حال استمرار تلك التجاوزات، مع مخاطبة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في شأن تجاوزات نادي الزمالك.

لكن منصور أدلى بتصريحات ضد رئيس لجنة الانضباط باتحاد الكرة مؤكداً ألا سلطة له عليه، وتبع ذلك استقالة اللجنة نظراً لما تشهده المنظومة الرياضية من "ترد في القيم والأخلاق" من جانب بعض القائمين عليها، وفق بيان اللجنة التي قالت إن المناخ الحالي في الرياضة المصرية "لا يصلح لعمل القاضي الذي يؤدي واجبه في حيدة وتجرد بعيداً من أي انتماء رياضي"، لكن اتحاد الكرة رفض الاستقالة ثم أعاد تشكيل لجنة الانضباط في الـ 13 من فبراير (شباط) الجاري.

تجاوزات

بدوره اجتمع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الأسبوع الماضي لبحث تقارير لجنتي الرصد والشكاوى الخاصة بتجاوزات البرامج والقنوات الرياضية خلال الفترة الأخيرة، وقال رئيس المجلس كرم جبر إنه تم رصد كثير من التجاوزات التي تمارس في الإعلام الرياضي من خلال لجان التحقيق بالمجلس ومن طريق متابعة القنوات الفضائية وردود أفعال الرأي العام، مؤكداً أن كثرة التجاوزات حتمت على المجلس ضرورة التدخل العاجل.

وفي شأن وجود التجاوزات منذ فترة من دون تدخل من المجلس، أوضح جبر في مؤتمر صحافي أن التدخل الآن جاء بعد انتهاء مهلة تسوية الخلافات القائمة في الوسط الرياضي، إذ كان المجلس في البداية ينتظر وصول الوسط الرياضي إلى حلول لتلك المشكلات والخلافات، وهو ما لم يحدث.

عقوبات حازمة

وهدد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بعقوبات حازمة تجاه أية خروقات جديدة قد تصل إلى حد سحب ترخيص القناة التي تقوم بتجاوزات بهدف ضبط المشهد الإعلامي، كما ستتابع لجان المجلس البرامج الليلية لاتخاذ القرارات المناسبة أمام أية تجاوزات.

وطالب جميع العاملين بالوسط الرياضي بتحمل المسؤولية "لأننا وصلنا إلى حافة الخطر"، مطالباً جميع القنوات الفضائية والبرامج الرياضية ومواقع التواصل الاجتماعي بالتزام الحيادية والابتعاد من بث الكراهية التي أصبحت تسود الوسط الإعلامي وتنعكس على الشباب وتنذر بخطر حقيقي، مشدداً على أن المجلس لا يعمل "لمصلحة أحد" بل يستهدف الوصول إلى الإعلام النظيف الذي يدخل كل البيوت لنكون مطمئنين على أولادنا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق ترى عميدة كلية اللغة والإعلام بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري سابقاً عزة هيكل أن أزمة تخبط الإعلام الرياضي في مصر ترجع إلى "تراخي الجهات المسؤولة عن الإعلام في تطبيق العقوبات الرادعة على الخارجين عن النص وأصحاب الممارسات الخاطئة بالإعلام"، مؤكدة أن "تطبيق العقوبات على القنوات التلفزيونية والشخصيات المخطئة سيكون السلاح الأنسب لضبط المنظومة".

وعن بيان المجلس الأعلى للإعلام بطرح الفرصة للجهات المختلفة بحل أزماتهم في ما بينهم، قالت هيكل لـ "اندبندنت عربية" إنه "إذا كنا سنحل أزماتنا بتلك الطريقة إذا فنحن لا نحتاج إلى مؤسسة ومظلة تدير الإعلام في مصر، ولن نحتاج إلى قانون فكل من يخطئ سيعود ويتجاوب مع الطرف الآخر من دون الرجوع لأحد، فلا داعي لوجود الهيئة الوطنية للإعلام".

تطبيق القانون

وأكدت أن أزمة الإعلام في مصر هي عدم الالتزام والقناعة من القائمين على إدارة الإعلام بضرورة تطبيق القانون مع تدخل أصحاب رؤوس الأموال وشركات الرعاية والسلطة في ما يحدث على الساحة الرياضية، فليس هناك معيار حقيقي لضبط المنظومة ومحاسبة المخطئ، والمتضرر الحقيقي هو وضع الإعلام المصري وجمهور الرياضة.

لكن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رفض خلال مؤتمر صحافي تحميل كامل المسؤولية عن مشهد الإعلام الرياضي للمؤسسة، مشيراً إلى تجميد لجنة القيم والانضباط في اتحاد الكرة وعدم تدخلها في أزمات تتعلق بالجماهير واللاعبين والتصريحات التلفزيونية من جانب أطراف المنظومة الرياضية.

كما دعا جبر نقابتي الصحافيين والإعلاميين ولجان اتحاد الكرة والشباب والرياضة بمجلس النواب والجهات المسؤولة بالتنسيق مع المجلس إلى إصدار ميثاق شرف رياضي لمواجهة ومكافحة ما يحدث في الوسط الرياضي، لأن "الحرب الواقعة حالياً تهدر قيمه الرياضة المصرية"، وفق تعبيره.

الكتائب الإلكترونية

كذلك أعلن رئيس المجلس بدء إجراءات ضد حملات التلاسن عبر مواقع التواصل بين مؤيدي بعض الفرق والمسؤولين الرياضيين، وهي ما سماها بـ "الكتائب الإلكترونية الممولة التي تسيء للوسط الرياضي أكثر من برامجه"، موضحاً أن المجلس سيقوم بإبلاغ النائب العام حول هذه الكتائب وصفحات "يوتيوب" و"فيسبوك" التي ترتكب جرائم سب وقذف.

وأعقب مؤتمر مجلس تنظيم الإعلام اجتماع للجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب مع مسؤولي المجلس بحضور 30 من كبار النقاد الرياضيين والإعلاميين لبحث تجاوزات الإعلام الرياضي، وقال رئيس اللجنة محمود حسين إن الاجتماع أسفر عن صدور توصيات عدة سيتم تضمينها تعديلات قانون الرياضة التي يتم إعدادها حالياً، وأهمها تأكيد ضرورة إسهام الإعلام الرياضي في تصدير صورة ذهنية إيجابية عن مصر لجذب أكبر عدد من المستثمرين في المجال الرياضي، وكذلك وضع معايير للعاملين في مجال الإعلام الرياضي وضيوف البرامج الرياضية وتفعيل العقوبات الواردة بقانون الرياضة ضد كل من يتجاوز أو يسيء في البرامج الرياضية.

وتنص المادة الـ (84) من قانون الرياضة على "معاقبة كل من يسب أو يهين بالقول أو يشير إلى شخص طبيعي أو اعتباري في أثناء نشاط رياضي أو بمناسبته، بالسجن مدة لا تقل عن عام وغرامة لا تقل عن 1000 جنيه (32.72 دولار) ولا تزيد على 3 آلاف جنيه (98.15 دولار) أو بإحدى العقوبتين".

لجنة رصد

وأوضح حسين في تصريحات صحافية أن لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب طالبت مراراً الجميع بالابتعاد من التعصب الرياضي وتركيز الجماهير في تشجيع ومؤازرة فرقهم من دون مزايدة على الأخرى.

كما اتخذ مجلس إدارة اتحاد كرة القدم المصري قراراً بتشكيل لجنة لرصد جميع التجاوزات الصادرة من مختلف عناصر اللعبة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وقال عضو المجلس إيهاب الكومي عبر تصريحات تلفزيونية إنه كان لابد من تشكيل لجنة لمتابعة التجاوزات في الإعلام الرياضي سريعاً لإعادة الشارع الرياضي إلى السلوك القويم، وأي تجاوز سيحول إلى لجنة الانضباط وفق نص اللائحة الخاصة بها، وسيكون للجنة الحق في اتخاذ ما تراه من عقوبات.

أوضاع مزرية

رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون والقائم بعمل وزير الإعلام سابقاً سامي الشريف قال لـ "اندبندنت عربية" إن الإعلام الرياضي في مصر "انعكاس لواقع رياضي سيئ، فهناك تهديدات توجه لشخصيات رياضية وحال من التجاوزات المنتشرة بين جدران الأندية، مما ينعكس بالأساس على سمعة البلاد"، موضحاً أنه إذا كان هذا وضع الرياضة المتردي فسيترتب عليه بالتأكيد إعلام مليء بالأزمات".

وأوضح الشريف أن "السبب الرئيس للوضع الحالي هو إطلاق يد الدولة لبعض المسؤولين في الأندية الرياضية لسب وانتقاد الجميع على الهواء مباشرة من دون تدخل، وهو أمر لا مثيل له بالعالم"، مشدداً على أن "دور الدولة محاسبة من يخرجون على النص وأن تعمل على ضبط المنظومة الإعلامية وتفعيل دور لجنة الانضباط بالمجلس الأعلى للإعلام والمؤسسات الرياضية".

وأشار الشريف إلى أن "هناك قصوراً من جانب المجلس الأعلى للإعلام في أداء وظيفته لضبط المنظومة ومنع المسيئين من الظهور"، قائلاً إن "المجلس كأنه لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم عن الأشخاص الذين يمارسون انتهاكات لحقوق الإنسان وسبّ الرموز الرياضية على الهواء مباشرة"، واصفاً بيان المجلس الأعلى لتنظيم لإعلام الأسبوع الماضي حول "ملاحظته وجود خروج على النص" بالكارثي، وموضحاً أن أزمة الإعلام الرياضي ليست وليدة اللحظة ولكن هناك ممارسات خاطئة لا تجد حسيباً أو رقيباً منذ أربع سنوات، والمجلس الأعلى للإعلام المنوط به مراقبة وسائل الإعلام لا يلاحظ ذلك إلا خلال الأسابيع الأخيرة، وهذه كارثة حقيقية".

ويتابع، "حتى بعد بيانه وجدنا الشخص المخطئ نفسه يظهر في الإعلام مجدداً بما يعني أن المجلس ليس له دور ولا يملك أية سلطة".

أزمة تشريع

وأكد القائم بعمل وزير الإعلام سابقاً أن هناك أزمة تشريع في منظومة إدارة الإعلام في مصر سببت وجود ثلاث جهات مسؤولة عنه، وهو أمر مستحدث ويوجد فقط داخل مصر، مطالباً الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالتدخل الحاسم لضبط منظومة الإعلام الرياضي، لأن ما يحدث تشويه لصورة البلاد في ظل هذا التسيب والسباب على الهواء.

ولفت إلى عدم وجود جدية في تنفيذ القرارات، إذ تم إيقاف رئيس نادي الزمالك عن الظهور مرات عدة، وكان يعود بعدها بأيام على منصة أخرى في تحد لقرارات الجهات المسؤولة.

ويشغل مرتضى منصور، وهو برلماني سابق ومحام شهير، رئاسة نادي الزمالك منذ عام 2014 تخللتها فترة إيقاف، وعرف بتصريحاته النارية وتهديداته بالانسحاب من المسابقات التي غالباً لا تنفذ، وأدت أزمات عدة إلى إيقاف رئيس نادي الزمالك من الظهور مرات عدة خلال السنوات الأخيرة، إذ حظرت غرفة صناعة الإعلام استضافته في أية قناة فضائية، ومنعت تغطية أي مؤتمر يشارك فيه، وتضامنت نقابة الصحافيين مع الغرفة بمنع نشر اسمه وصورته في الصحف.

وفي عام 2018 قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حظر ظهور رئيس الزمالك ثلاثة أشهر بسبب ظهوره في "قناة بيراميدز" وهجومه على شخصيات رياضية، لكنه ظهر بعد أيام في برنامج على قناة أخرى.

كما صدر قرار بمنعه من الظهور في محطة فضائية بسبب مخالفات إعلامية، وفي العام نفسه حظرت نقابة الصحافيين نشر اسمه وصورته بالصحف بسبب منعه صحافيين من دخول النادي لأداء عملهم.

ميثاق الشرف

من جانبه أشاد نقيب الإعلاميين بقرارات المجلس الأعلى للإعلام ووصفها بأنها في التوقيت المناسب للحد من التعصب، مؤكداً في تصريحات صحافية أنه يتم تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي في التعامل مع الإعلاميين وتقييم أدائهم.

وجاء ميثاق الشرف الإعلامي الذي أعدته نقابة الإعلاميين ونشر بالجريدة الرسمية عام 2018 في 22 بنداً، أبرزها احترام الكرامة الإنسانية وعدم الإساءة لأية فئة من فئات المجتمع، واحترام آداب الحوار الإعلامي وتجنب الدخول في ملاسنات شخصية، وعدم انتهاك حرمة الحياة الخاصة والعائلة للمواطنين كافة، والامتناع من بث ما يغذي أو يكرس ثقافة العنف والكراهية مع الالتزام بقيم المجتمع وأخلاقياته في الحوار.

وقال الناقد الرياضي محمود معروف إنه حتى الآن لم يحسن أحد استخدام مساحات الرياضة في الصحف أو القنوات التلفزيونية لنشر الروح الرياضية ومنع التعصب بل تحولت إلى منصات لنشر التفرقة، مطالباً بعقد اجتماع من الجهات المعنية بالإعلام الرياضي في مصر كافة وعدد من الأندية للخروج بتوصيات تنفذ على الجميع لضمان صلاح المنظومة.

وأكد معروف لـ "اندبندنت عربية" أن مهنة الإعلام والصحافة تحتاج من ممارسيها إلى الانضباط والتمسك بميثاق شرف وليس الخوف من عصا الرقيب، مشيراً إلى أن الأزمة الأبدية في الإعلام الرياضي المصري هي تغليب كثيرين لأهوائهم الشخصية على المصلحة العامة مما يضر بسمعة البلاد في النهاية.

المزيد من تقارير