Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أهازيج الحجاز وجبال السروات... عادات متوارثة جيلا بعد جيل

من قلب التقاليد الشعبية القديمة في السعودية

عرض سابق لرقصة المزمار في مهرجان جدة التاريخي الموسم الماضي (واس)

يشتهر الفولكلور المحلي في السعودية، تحديداً في منطقة الحجاز القريبة من البحر الأحمر، وفي منطقة الباحة المتمددة على سفوح سلسلة جبل السروات في الوسط الشرقي. ويُختصر هذا الفولكلور بتعبير "أهازيج الحجاز". وهنا، عرض لبعض مفاصله التي يتكوّن منها والتي تميّزه عن غيره.

تحفل منطقة الحجاز وبشكل خاص المدينة المنوَّرة وجدَّة ومكَّة المكرَّمة وينبع والطائف، بأنواع مختلفة من الأهازيج الشعبيَّة. فالفولكلور الشعبي يحتلّ مكانة كبيرة في نفوس الحجازيين الذين لم يتوقفوا عن الاعتناء بهذا النوع من الأهازيج بعد الطفرة النفطية والتغييرات الكبيرة التي طرأت على المملكة منذ توحيدها على يد الملك عبد العزيز قبل 80 عاماً.

تشكّل الأهازيج الحجازية وعاء العادات المتوارثة جيلاً بعد جيل، وهي أحد أوجه التعبير عن الفرح والتكاتف والعودة إلى الجذور في المناسبات السعيدة في منطقة الحجاز  وهي نابعة من قلب الاجتماع الثقافي التقليدي القديم الذي صاغ كلماتها وألحانها وإيقاعاتها، لتصدح بها حناجر المنشدين كشكل من أشكال التعبير عن مساءات السرور وحكايات الأفراح.

وتخصصَّت فرق شعبيَّة عديدة في أداء تلك الأهازيج، التي تتنوَّع في قوالب تختلف عن بعضها بعضاً وعلى رأسها "المجرور" و"الدانة". وتتميّز الأهازيج بين مدينة حجازيَّة  وأخرى، في الإيقاع والأداء، على الرغم من أنها تشترك في كثير من السمات الفنيَّة والقوالب الرئيسة للأهزوجة. وتُعدُّ الفرق الشعبيَّة التي تؤدي الأهازيج الفولكلوريَّة الحجازية هي الحاضن الرئيس لهذا التراث النابض. 

والأهازيج الشعبيَّة الحجازيَّة، بشكل عام، والمدينيَّة بشكل خاص، تشكّل موروثاً مهماً في معناه وقيمته، وهي وثيقة تراثيَّة حيَّة وناطقة بخاصة في الأعياد، حين ينشد المؤدون أهازيج "سيدي شاهن يا شربيت" وأهزوجة "جابوه ما جابوه"، التي تترافق مع رقصات وفنون مثل "المزمار" و"العجل" و"الخبيتي" وغيرها.

ولم تبق الأهازيج الحجازيَّة في قوالب ثابتة، فقد تطورت على أيدي الجيل اللاحق. ولا تزال أهزوجة فن "الخبيتي" تردَّد بين الجمهور المتابع بعدما تحوَّلت إلى أغنية مشهورة، مطلعها "لا لا يا لخيزرانة، في الهوى ميلوكي، لا لا وان ميلوكي، مالت الروح معاكي".

أنواع الأهازيج الحجازيَّة

تتنوع الأهازيج الحجازية بين المجرور والمجس والينبعاوي ويماني الكف.

أما المجرور، فهو رقصة حجازيَّة تصاحبها الأغنية، وهو فن فولكلوري اشتهرت به مدن الحجاز، خصوصاً الطائف، وترافق آلات الطبلة والطار، الراقصين. وفي هذه الرقصة، يقف فريقان متقابلان ومتناظران من الراقصين. ويبدأ أحد الفريقين بالغناء، وغالباً ما يكون من الغناء الموروث، والفريق الآخر يستمع ما عدا التوقيع على الطيران وهو أشبه بالرق، الذي يخرج صوت إيقاعاته بشكل مشترك من الفريقين المتواجهين. وبعد ذلك، يرفع الفريق الآخر الكلمات الشعريَّة التي بدأ بها الفريق الأول ليكملها. 

أما المجسّ، فهو فن الموال الحجازي الأصيل ولون تراثي عريق، وينتشر في مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة وجدَّة. ويغنى من بيتين أو أربعة أو سبعة أبيات. ويختص بالمدائح النبويَّة. 

بالنسبة إلى الينبعاوي، إنه الغناء الساحلي الشعبي لأهالي ينبع الساحلية في منطقة المدينة المنوَّرة. وقد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بأغاني البحر وأهازيجه، ويشتهر بأداء ألوانه على آلة السمسميَّة الحجازيَّة. لون شبيه بالألوان الشعبيَّة لمدينة جدَّة والساحل المصري، ويتخلّله الموَّال الينبعاوي. وله خصائص مختلفة عن الموَّال المصري، ومغاير لقوالب الموَّال الحجازي أيضاً، وهناك الكثير من أغاني فريد الأطرش وأم كلثوم، تُغنى بألحان ينبعاويَّة.

أما يماني الكف، فقد ظهر في مكة المكرمة ومن ثم شاع إلى الطائف والبادية، وهو عبارة عن غناء جماعي مع التوقيع بأكف اليدين. وسبب التسمية يعود إلى مبتكر اللون وهو شاب صغير من أسرة البيتي في مكة التي كانت تقيم في حارة الشبيكة في القرن الثاني عشر الميلادي، وكانت ملامح وجهه تشبه ملامح أهل اليمن، فلُقّب بين أقرانه باليماني.

ومن الأدوار المغناة قصائد مثل: "يا عروس الروض" و"فارج الهم" و"جس الطبيب". أما الألحان المرافقة، فالأنغام الشرقية (بحمد وسبح) وتأتي مع مقامات وإيقاعات مثل العشاق، الصبا ويماني السيكا والبنجكة، بشاور والرودمان ونيروز الكرد وفرح فزاز نجران بإيقاع المصمودي.

الفنون الشعبية في جبال السروات

 للفنون الشعبية دورٌ مهمٌ في إبراز التراث الغني لمناطق المملكة، خصوصاً في المهرجانات والفعاليات والمناسبات المختلفة، فقد باتت تجذب متابعي الفعاليات السياحية أينما حلّت وحلّوا.

 وهذا التأثير والاهتمام يظهران في مدينة الباحة الواقعة على سفوح سسلسلة جبال السروات التي ترتفع عما يزيد على 2500 متر وتحتل غابات الشربين والعرعر معظم أجزائها. وفي منطقة الباحة وجوارها، تبرز العرضة واللعب والمسحباني والمجالسي وشعر النظم والمحاورة وطرق الجبل، وباتت هذه الأهازيج تجذب الشباب في منافسة واضحة مع الألحان الحديثة والغناء والطرب الجديدين، فأصبح شعراء العرضة والمحاورة نجوماً، يتداول الشباب تسجيلاتهم وأشهر مساجلاتهم وقصائدهم.

 وقد استغل هواة تلك الفنون جميع التقنيات الحديثة بغية تقديم الفنون الشعبية في قالب جميل يُرضي أذواق جميع المشاهدين والمستمعين، خصوصاً أن فن العرضة يتشكّل من منظومة جماعية فنية تتوافق فيها نغمات الإيقاع لمن يقوم بالضرب على الطبول ويُسمى بالعامية في المنطقة "ناقع الزير" (الزير هو آلة الإيقاع المصنوعة من جلود الحيوانات، وجاءت التسمية اشتقاقاً من أرفع أوتار العود) يقوم بالضرب عليه اثنان في إيقاع يوافق الحركة الجسدية لتتجلى للمشاهد من خلاله، اللغة الجسدية لمن يؤدي تلك الحركة الجماعية.

رقصة الحرب

كانت هناك رقصات قديمة مثل رقصات الحرب وهي ذات إيقاع ومشي كالخطى العسكرية. ويستعرض فيها الراقص مهارته في الوثب وحركة الإيماء القتالي بالسيف والميلان مع التوافق الزمني لحركة الرجل مع الإيقاع المسموع. وكان من رقصات العرضة قديماً رقصة الختان، ورقصات تعبّر عن عقد الصلح "المتضارمة"، وأخرى تُسمى "الميس" وهي تظهر براعة العداء وسرعته وتضليل خصمه المقابل له بحركة الجسد، إلى جانب السرعة والخفة والتلاحق في شكل دائري استعراضي.

وتدخل تحت هذا النوع من الأهازيج والرقصات الفولكلورية ألوان عديدة، تبدأ باللحن الطويل "الزمن" الذي تُستهل به كل مناسبة سلاماً أو ترحيباً، يليه ما يُسمى بدور "المزلف، الرقاص، المحمل"، الذي بدوره يشجّع حركة الأرجل ويوحّدها، وهكذا حتى ينتهي هذا اللون. و"اللعب" وهو فن يؤدّى على شكل صفين متقابلين وبإيقاع سريع، ويمتاز هذا اللون بأن قصائده على إيقاع واحد، ويعتبرها الشعراء  المحك الرئيس لاختبار الشعراء وقدراتهم ونباهتهم في الارتجال الشعري.

وتُعتبر العرضة الجنوبية أبرز الألوان الشعبية التي يهتم بها أبناء منطقة الباحة ولها ألوان ومنها العرضة والمسحباني واللعب وإقامة الأوبريت في احتفالات اليوم الوطني ومهرجان الجنادرية واحتفالات عيد الفطر.

ويتقدم  العرضة خمسة من كبار السن، حاملين بنادق تُسمى "المقمع" و"الفتيل". ويدخل هؤلاء إلى وسط العرضة بتناسق معين على وقع قرع الزير فيطلقون "الفتيل" - وهو مشابه للرصاص الحي - باتجاه السماء في وقت واحد، ليضيف حماساً إلى حماسة العرضة والجمهور.

وعندما تبدأ العرضة ويصطف العراضة في الميدان، يبدأ المدقال على صوت الزير، إذ تدخل مجموعة من الرجال حاملي البنادق ويقفون طابوراً في تنظيم منسق ويتفننون في الرمي بالفتيل و يرمون البنادق في السماء وكل شخص ترتفع بندقيته في الهواء على حسب قوته وخبرته في الرمي ولا يقوم بهذا العمل إلا متمكن ومتدرب حتى لا تسقط على الأرض.

المزيد من ثقافة