Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصمد "عقيدة بايدن" أمام أسلافه؟

طرح الرئيس الأميركي في جدة 5 مبادئ لسياسة الشرق الأوسط

يصف منتقدو الرئيس الأميركي سياسته الخارجية بأنها "غير متوازنة" (أ.ف.ب)

تاريخ واشنطن مع #الشرق_الأوسط زاخر بالعقائد السياسية التي تباينت في أولوياتها مع تعاقب السنوات وتبدل التحديات، فعقيدة #ترومان عام 1947 أوجدت دعماً اقتصاديا وعسكرياً لليونان وتركيا بهدف احتواء توسع #الاتحاد_السوفياتي.

آيزنهاور سار على نهج ترومان فوسع الدعم الأميركي لدول المنطقة، ورخص استخدام القوة العسكرية عند الضرورة.

وما إن دخل ريتشارد نيكسون البيت الأبيض عام 1969 حتى كسر ذلك التقليد، فتبنى سياسة تهدف إلى تجنيب بلاده التدخل العسكري المباشر في الشرق الأوسط، ودعا إلى دور أكبر لدول الإقليم الكبرى في الدفاع عن مصالحها، مع استمرار الدعم العسكري والاقتصادي لها. 

إلا أن خلفه جيمي كارتر الذي جاء في خضم التهديدات السوفياتية، فبنى عقيدته السياسية على أساس استخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

في خطابه أمام الكونغرس، ذكر كارتر أن "القوات السوفياتية في أفغانستان تشكل تهديداً خطيراً لحركة النفط في الشرق الأوسط"، معتبراً أن "أي محاولة من جانب قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي سوف تعد اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، وسيصد مثل هذا الهجوم بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية".

واتبع رونالد ريغان وغيره من الرؤساء الأميركيين هذا المبدأ الذي اختبر كثيراً في السنوات الماضية بسبب حاجة واشنطن إلى التركيز على الصراع مع الصين في المحيط الهادئ.

"أميركا عادت"

بعد أربع سنوات قضاها دونالد ترمب في البيت الأبيض بشعار "أميركا أولاً" وأسلوب استثنائي في التعاطي مع الملفات السياسية، استخدم جو بايدن شعار "أميركا عادت" لاختصار مساعيه لإيجاد سياسة خارجية تؤكد مركزية الدور الأميركي في كافة مناطق العالم ومنها الشرق الأوسط، ممهداً لعودة النهج التقليدي، الذي تنفس معه عدد من محللي السياسة الخارجية الصعداء.

لكن بعد سنتين من ولاية بايدن الموتورة بالصراع مع روسيا والصين، يلاحظ مراقبون أن ذلك التفاؤل بالسياسة التي تعهدت تفعيل الدبلوماسية واستعادة قوة التحالفات الأميركية ربما كان مبالغاً به، مشيرين إلى انفصال مقلق بين أولويات الإدارة وسلوكها، وغياب للرؤية الاقتصادية التي تسمح للولايات المتحدة بتقليل اعتمادها على الصين.

وتقول كوري شاك، نائبة رئيس تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية سابقاً، إن إدارة بايدن لم تف بوعدها بإحياء الدور الأميركي في المسرح الدولي، مشيرةً إلى أن اعتراف واشنطن بالتهديد العسكري الذي تشكله الصين لم ينتج عنه حتى الآن تغيير كاف في سياساتها المتعلقة بميزانية الدفاع ونشر القوات الأميركية.

ووصفت شاك التي ترأس قسم دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد "أميركان إنتربرايز" استراتيجية بايدن بـ "غير المتوازنة" والمفتقرة إلى "المصداقية"، قائلة إن سياسته الخارجية ستفشل "ما لم تنفذ إدارته الاستراتيجية التي تمجدها من خلال ضبط تعليقات الرئيس الفضفاضة حول تايوان، ومنح الدول الصديقة حوافز لتفعيل التحولات الاقتصادية الصعبة، وفرض ضوابط على الصادرات، وتبني زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي، وتعزيز قدرة القوات المسلحة".

إضافة إلى التحدي الصيني، فإن جزءاً غير يسير من الانتقادات والتعثرات الخارجية التي واجهها الرئيس بايدن كان على صلة بسياسته في الشرق الأوسط، إذ شهدت بداية ولايته توتراً في العلاقة مع السعودية، وعندما سعت إدارته إلى إعادة المياه إلى مجاريها، لم يكن ذلك كافياً لإقناع الرياض بتغيير سياسة "أوبك+" لتصب في صالح الغرب وضد موسكو.

وفي سياق متصل، لم تكن سياسة بايدن تجاه إيران مطمئنةً لشركائه في الخليج القلقين من برنامج طهران الصاروخي وطموحاتها النووية، وعلى رغم تضحية بايدن بهدوء العلاقة مع الخليج، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإحياء الاتفاق النووي، وبالتزامن مع غياب الموقف الأميركي الواضح تجاه أمن المنطقة، التزمت عدد من الدول الحياد تجاه الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

عقيدة بايدن

لكن بالنسبة إلى بريت ماكغورك منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأحد أبرز المؤثرين في سياسة بايدن الخارجية، فإن العامين الماضيين شهدا عديداً من الإنجازات السياسية، مشيراً إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، ووقف إطلاق النار في اليمن، إضافة إلى المصالحات البارزة بين خصوم المنطقة أخيراً، وتحديداً بين تركيا والإمارات، وتركيا وإسرائيل، وبين قطر والإمارات والبحرين، وقال في خطاب أمام المجلس الأطلسي، "الخصومات التي أدت إلى الاستقطاب في الشرق الأوسط لسنوات عديدة يتم الآن حلها من خلال الدبلوماسية والمصالح".

وأفاد ماكغورك الذي لعب دوراً محورياً في ترميم علاقة بايدن مع السعودية، بأن الإطار الذي تسعى إدارة الرئيس الديمقراطي لتنفيذه مبني على خمسة مبادئ تشكل ما أسماها "عقيدة بايدن" التي توجه سياسة واشنطن في المنطقة. وأضاف، "تتسم سياسة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط بأنها ذات مبادئ واضحة وواقعية وبراغماتية، إضافة إلى كونها طموحة في ما يتعلق بما يمكن أن تحققه الولايات المتحدة وشركاؤها".

البداية من قمة جدة

وكشف المسؤول الأميركي عن أن الرئيس بايدن طرح السياسة الجديدة في "قمة الأمن والتنمية" التي احتضنتها مدينة جدة السعودية الصيف الماضي، ودمجت لاحقاً في استراتيجية الأمن القومي التي صدرت بعد شهرين من القمة، ويستند إطار العمل الجديد إلى "الميزة النسبية التي تنفرد بها أميركا في بناء الشراكات المعزرة للردع، واستخدام الدبلوماسية كلما أمكن لتهدئة التوترات، وتقليل مخاطر نشوب صراعات جديدة".

والمبدأ الأول الذي يوجه عقيدة بايدن هو الشراكة، إذ ستدعم الولايات المتحدة الشراكات مع الدول التي تشترك في النظام الدولي القائم على القواعد، وتتأكد من أن تلك الدول يمكنها الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية، والمبدأ الثاني هو الردع، إذ يقول ماكغورك إن الولايات المتحدة لن تسمح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتعريض حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط للخطر، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب، ولن تتسامح مع جهود أي دولة للسيطرة على دولة أخرى أو المنطقة من خلال التعزيزات العسكرية أو التوغلات أو التهديدات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثالثاً، الدبلوماسية، إذ لن تقف أميركا في وجه التهديدات التي تهدد الاستقرار الإقليمي فحسب، بل ستعمل على تقليل التوترات وخفض التصعيد وإنهاء النزاعات حيثما أمكن من خلال الدبلوماسية، ورابعاً، التكامل الذي يتحقق ببناء روابط سياسية واقتصادية وأمنية بين شركاء الولايات المتحدة مع احترام سيادة كل دولة وخياراتها المستقلة.

ويتمثل المبدأ الخامس وفق ماكغورك في "القيم"، مشيراً إلى أن بلاده ستعمل على "تعزيز حقوق الإنسان والقيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة". وأضاف، "هذه المبادئ الشراكة والردع والدبلوماسية والتكامل والقيم، ليست شعارات، بل عناصر يعزز بعضها بعضاً في سياسة وطنية مثمرة، حتى في مواجهة المخاطر الكبيرة وعدم اليقين".

200 مناورة عسكرية وحوار

وذكر ماكغورك أن الولايات المتحدة عززت علاقاتها مع شركائها القدامى في المنطقة، من المغرب ومصر وإسرائيل إلى دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال 200 مناورة عسكرية وحوار استراتيجي وزيارة رفيعة المستوى، مشيراً إلى أن هناك تواصلاً منتظماً وراء الكواليس، ونوّه بتشكل مبادرات جديدة مثل "I2U2" وهي مجموعة عمل تضم الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة، ومنتدى النقب الذي يجمع أطراف معاهدة أبراهام مع إسرائيل، للعمل على مشكلات متعلقة بالأمن الغذائي والتغير المناخي وأمن المنطقة.

وللتصدي لتهديدات إيران ووكلائها، قال، "لقد عززنا قدرات الدرع لدى شركائنا، وأنشأنا شبكات توعية في المجال البحري وفي أحيان من خلال التعاون الوثيق، كشفنا وردعنا التهديدات الوشيكة التي تهدد المنطقة، والتي كان من الممكن أن تثير صراعاً واسع النطاق، ومنها تهديد في الخليج في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما كانت إيران تحضر لهجوم ضد السعودية". وأضاف، "من المرجح أن هذا الهجوم لم يحدث بسبب التعاون الأمني ​​الوثيق بين السعودية والولايات المتحدة".

بنية دفاعية مشتركة

ركزت الدبلوماسية الأميركية خلال العامين الماضيين بحسب ماكغورك على رأب الصدع الخليجي، فأصبحت دول مجلس التعاون الخليجي الآن أكثر اتحاداً مما كانت عليه في أي وقت مضى، كما شجعت الدبلوماسية التقارب بين العواصم المتنافسة، وساعدت في خفض التصعيد في اليمن، ووحدت الولايات المتحدة وأوروبا وكثير من دول العالم ضد إيران في ما يتعلق بأنشطتها النووية ومعاملة شعبها وانتشار الأسلحة من اليمن إلى أوكرانيا، وتابع، "هناك المزيد على صعيد الدبلوماسية، إذ إن توجيهات الرئيس بايدن هي السعي وراء الفرص الدبلوماسية أينما ظهرت، غالباً بصبر وهدوء، بالطبع، كما يعلم كثير منكم، وهو أمر لا يزال ضرورياً.

وعلى صعيد التكامل، قال منسق شؤون الشرق الأوسط إن "الولايات المتحدة تعمل حالياً بنشاط على بناء وتمكين بنية دفاع جوي وبحري متكاملة في المنطقة، وهو أمر تحدثنا عنه منذ فترة طويلة، ويحدث الآن من خلال الشراكات المبتكرة والتقنيات الجديدة"، مؤكداً دعم بلاده لـ "البنية التحتية الرابطة بين العراق والخليج والأردن، واتفاقات التجارة الحرة الجديدة عبر المنطقة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير