Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سياسة بايدن الخارجية عام 2022... التحديات والفرص

مواجهة الابتزاز الروسي واستمرار التنافس مع الصين وحرب محتملة ضد إيران

سياسة بايدن الخارجية يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس (أ.ب)

لن يمنح عام 2022 الكثير من الراحة للرئيس الأميركي جو بايدن، فلا تزال جائحة كورونا تمثل تحدياً خطيراً له، وأعداء الولايات المتحدة يتزايد قلقهم، فيما يبدو أن حلفاءها ينقسمون بشكل متزايد، بينما تعيش نسبة كبيرة من الأميركيين في عوالم بديلة مليئة بالروايات الكاذبة، ووسط كل ذلك يحدد خبراء وباحثون التوجهات الأميركية المتوقعة في سياستها الخارجية من قضية تايوان التي ستستمر في تعقيد العلاقات الصينية الأميركية، والمنافسة الطويلة الأمد مع بكين، إلى تهديد روسيا بغزو أوكرانيا وملف إيران النووي وكيفية التعامل مع مصداقية الولايات المتحدة وتأثير الانقسامات المحلية الداخلية على إدارة سياسة خارجية فعالة.

عام الفرصة الأخيرة

حينما دخل جو بايدن البيت الأبيض للمرة الأولى كرئيس للولايات المتحدة وجلس في المكتب البيضاوي، كانت أميركا غارقة في حرب داخلية يصعب الانتصار فيها، فقد نجت بصعوبة من محاولة اقتحام مبنى الكابيتول لقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية، وكانت البلاد في خضم جائحة عالمية، ولم يكن هناك طريق واضح للخروج من هذه الأزمات بشكل مرتب وآمن، وعلى الرغم من أن بايدن تعهد بإصلاح أربع سنوات من الضرر في السياسة الخارجية الذي سببه الرئيس السابق دونالد ترمب، فإن مبادرات سياسته الخارجية تعثرت واحدة تلو الأخرى حسبما يقول جاك ديتش خبير الأمن القومي الأميركي.

ولأن سياسة بايدن الخارجية يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً واستثنائياً في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي بعد كارثة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وتعثر إحياء اتفاق إيران النووي، واستمرار المواجهات مع الصين وروسيا، يبدو عام 2022 كفرصة أخيرة أمام بايدن للوفاء بوعوده التي قطعها في حملته الانتخابية عام 2020، بخاصة أن تحول الأغلبية في الكونغرس نحو الجمهوريين سوف يؤثر في السياسة الخارجية لبقية ولاية بايدن، فإذا فاز الجمهوريون في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، فسوف يسيطرون على لجان الشؤون الخارجية والدفاع في مجلسي النواب والشيوخ، ما يجعلهم يضغطون على إدارة بايدن في كل ملفات السياسة الخارجية ويفتحون الباب أمام استجوابات وتحقيقات بدءاً من انسحاب أفغانستان وحتى الصين وروسيا وإيران وأزمة الطاقة العالمية، فما الذي يمكن أن تنتهجه سياسة بايدن الخارجية عام 2022؟

تايوان خارج الأزمات

على الرغم من أن قضية تايوان كانت واحدة من أبرز القضايا الساخنة بين الصين والولايات المتحدة حتى الأسابيع الأخيرة من هذا العام، ويعتقد أنها ستستمر في تعقيد العلاقات الصينية الأميركية، فإن كثيراً من المراقبين في واشنطن يستبعدون أن يشهد العالم أزمة خطيرة أو مواجهة عسكرية بشأن تايوان في عام 2022، إذ تعمل كل من بكين وواشنطن بهدوء على خفض حرارة الأزمة، والتعاون بنشاط لخفض أسعار الطاقة العالمية، ومعالجة المخاوف المناخية في الأشهر الأخيرة، لذا تبدو المواجهة حول تايوان آخر شيء يحتاجه أي من البلدين في الوقت الحالي.

لكن ذلك لا يعني أن المنافسة المحتدمة بين العملاقين على أكثر من صعيد سوف تفتر، إذ يظل فريق الرئيس بايدن يركز بشدة على المنافسة الطويلة الأمد مع الصين على المستوى التجاري والتكنولوجي والدفاعي وعلى صعيد تعزيز تحالفات واشنطن، وسيكون من المفيد توافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول سياسات فعالة لتقوية الولايات المتحدة، ومع ذلك، من المحتمل أن تطفو على السطح بعض المشكلات الأخرى بين بكين وواشنطن خلال الأشهر الـ12 المقبلة من عام 2022.

التربص الروسي

على عكس بعض المتشائمين في الغرب، لا يعتقد ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأميركية، أن روسيا ستشن غزواً كبيراً بهدف إخضاع أوكرانيا بأكملها تحت سلطة موسكو، لأن هذا سوف يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية قوية من الغرب ويدفع حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى تعزيز أعضائه في شرق أوروبا عسكرياً وهو أمر لا يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل إن إعادة احتلال أوكرانيا بالكامل ستجبر موسكو على محاولة السيطرة على نحو 43 مليون أوكراني غاضب، وعلى الرغم من أن النزعة القومية العنيدة لدى الروس كانت أحد أسباب تفكك الإمبراطورية السوفياتية القديمة، التي لا تزال تحاول إعادة دمج أوكرانيا، فإن التكلفة الباهظة لهذا الغزو الشامل لا يمكن لموسكو أن تتحملها.

وإذا اختارت روسيا استخدام القوة، فمن المرجح أن يكون ذلك توغلاً محدوداً مصمماً من الناحية الظاهرية لمساعدة الموالين لروسيا في المقاطعات الشرقية لأوكرانيا، وهو نهج يشابه الصراعات التي شنها بوتين في جورجيا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وأماكن أخرى، مع إجراءات ذات أخطار منخفضة نسبياً، لن تثير استجابة قوية وموحدة من الغرب. السؤال الكبير بالنسبة إليَّ هو مدى الضرر الذي سيحاول بوتين إلحاقه بأوكرانيا في هذه العملية.

وإذا لم يتوصل الأميركيون والروس إلى اتفاق شامل حول مفاهيم الأمن بين الجانبين، فقد يشرع الرئيس الروسي في تنفيذ هذا السيناريو، لكن بايدن سيكون في هذه الحالة في وضع لا يسمح له بتحقيق مكاسب، بخاصة مع عدم توافر رغبة أميركية في الانزلاق إلى حرب في منطقة بعيدة عن الولايات المتحدة ومجاورة لروسيا، ولن يؤدي إرسال المزيد من الأسلحة إلى كييف إلى قلب ميزان القوة بما يكفي لردع غزو روسي محدود، ومع ذلك، فإن بعض المتشددين قد يدفع لاعتبار أي صفقة دبلوماسية تنزع فتيل الأزمة هي أسوأ نوع من الاسترضاء، مثلما فعل رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين حين صمت على مغامرات الزعيم النازي أدولف هتلر التوسعية في شرق أوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية. 

ولذلك فإن التحدي الذي يواجه بايدن وحلف الناتو الآن هو كيفية الحفاظ على الاستقلال الأوكراني من دون الخضوع للابتزاز الروسي، وهو أمر يبدو اليوم أكثر صعوبة مما كان عليه في 2014 حينما كان من الممكن التوافق مع الروس على حياد أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ملف إيران

دخلت محاولة إحياء خطة العمل المشتركة المعروفة باسم اتفاق إيران النووي في أزمة متواصلة، وسط أمل ضئيل بالتوصل إلى اتفاق، إذ يطالب الإيرانيون بالحصول على تعويضات عن الخسائر التي تكبدوها نتيجة الانسحاب الأميركي من اتفاق عام 2015، ويرغبون أيضاً في الحصول على ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تفسخ الاتفاق مرة أخرى كما حدث مع ترمب، على الرغم من أنهم يعلمون عدم إمكانية تحقيق ذلك.

لكن المشكلة بالنسبة إلى الأميركيين والأوروبيين تتمثل في أن إيران تجاوزت قيود تخصيب اليورانيوم، وزادت من عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة، ومن المخزون الاحتياطي المتراكم من اليورانيوم، كما لم تتعاون طهران مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مستويات عدة، ما شكل مخالفة لخطة العمل الشاملة، وأكسب الإيرانيين مهارات لا تقدر بثمن، الأمر الذي يجعل الغرب يشكك في أن العودة إلى خطة العمل الشاملة ستكون كافية لتحقيق الهدف الأساسي لإيران بإبقائها على بعد عام واحد من إنتاج أسلحة نووية، حال قررت ذلك، ولهذا يريدون من إيران الموافقة على قيود أكثر أو أطول أمداً من تلك التي نصت عليها الخطة الأصلية لاتفاق إيران عام 2015. 

ووسط ذلك يرى كثير من أعضاء الكونغرس وبعض جماعات الضغط في واشنطن، أن أي اتفاق نووي يخفف الضغط عن إيران، من دون أن يترافق مع إجراء تغييرات إيجابية أوسع في سلوكها الإقليمي هو اتفاق غير مرغوب فيه، وهو ما قد يكبد الرئيس بايدن تكاليف سياسية باهظة في حال وافق على اتفاق نووي من النوع الذي تحتاجه إيران.

ثلاث نتائج مرتقبة 

وإذا لم يتخذ الجانبان قرارات شجاعة لإحياء الاتفاق، وهو احتمال ضئيل حتى الآن على الرغم من بعض التصريحات المتفائلة، فإن استمرار الوضع الراهن سيقود إيران إلى رفع قدراتها النووية، ما يدفع بايدن إلى ممارسة أقصى درجات الضغط، من خلال فرض عقوبات ثانوية، وتدابير أخرى، وعندئذ يتوقع أن ينجم عن ذلك ثلاث نتائج أساسية حسب تقرير أصدره معهد كارنيغي في واشنطن، أولاها أن يتخذ القادة الإيرانيون قرار تصنيع أسلحة نووية، لإجبار الدول الأخرى على تخفيف الضغط عنها، ومن المرجح أن تدرك إسرائيل أو الولايات المتحدة أو كلتاهما استراتيجيتها هذه، وقد تتعرض إيران لهجوم واسع ومكثف لم تشهده منذ الحرب مع العراق خلال ثمانينيات القرن الماضي على الرغم من أن آثار الحرب قد تمتد على نطاق واسع.

وتتلخص النتيجة الثانية في أن يقرر القادة الإيرانيون أن القدرات النووية التي يمتلكونها لا توفر لهم فوائد عسكرية أو اقتصادية أو سياسية، وبالتالي يلجؤون لتخفيف العقوبات وإرساء الاستقرار في العلاقات الخارجية وهو أمر لا يبدو أن القادة في إيران مستعدون له الآن.

أما النتيجة الثالثة، الأكثر ترجيحاً، لأنها تتطلب قدراً أقل من الشجاعة والمخاطرة، فتتمثل في أن تواصل الأطراف التصرف كما فعلت خلال السنوات القليلة الماضية، فتواصل الولايات المتحدة وشركاؤها تقديم أقل مما يراه القادة الإيرانيون عادلاً مقابل الشروط والقيود المطلوبة، وتستمر إيران في زيادة أنشطتها النووية بطرق مثيرة للقلق، لتتواصل حالة عدم الاستقرار، ولتصل في أغلب الأحيان إلى شفا اندلاع أزمة أو حرب.

مصداقية أميركا

غير أن أهم ما يواجه الرئيس بايدن في سياسته الخارجية، يتعلق بكيفية معالجة مشكلة مصداقية الولايات المتحدة، وهذا يتطلب منه أولاً فهم المشكلة التي تعود إلى سببين حسب موقع "فورين بوليسي"، أولهما أنه من الصعب على الولايات المتحدة الوفاء بجميع ضماناتها الأمنية في وقت واحد، فعلى الرغم من أنها تستطيع من الناحية النظرية القتال بضراوة في كل مرة تواجه فيها تحدياً، فإنه بمرور الوقت يستنزف هذا النهج الموارد والإرادة السياسية. ولهذا السبب، تبدو مصداقية الولايات المتحدة أقل اليوم مما كانت عليه في السابق، ليس لأن بايدن متردد، بل لأن الأميركيين ككل سئموا من الحروب العبثية، وأصبحت البلاد منهكة من الحرب، لأنها استمرت في خوض حروب للحفاظ على مصداقيتها. 

أما السبب الثاني الذي يقوض مصداقية الولايات المتحدة فيعود إلى الاستقطاب المحلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، والخلل السياسي في إدارة ردود أفعالها على أي وضع دولي محدد، فقد تتساءل الدول الأخرى عن سبب تعديل سياساتها بما يتماشى مع سياسات الولايات المتحدة عندما يشتبهون في أن الرئيس القادم قد يتجه في الاتجاه المعاكس، ولماذا يتم تنسيق الخطط المكلفة مع دولة تواجه مشكلة في تمرير الميزانيات أو إدارة الوباء أو تنفيذ خطة بنية تحتية؟ وهكذا يؤدي تضاؤل الإيمان بقدرة الولايات المتحدة على إنجاز الأشياء بفعالية إلى تآكل مصداقيتها.

تأثير أخطار الداخل

وعلاوة على مشكلة المصداقية، تشكل التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في الداخل عبئاً كبيراً على أي إدارة سياسية في البيت الأبيض، إذ يحذر بعض المراقبين من خطر وقوع حرب أهلية، وهو احتمال بدا بعيد المنال قبل بضع سنوات قصيرة، لكن من السهل تخيل سلسلة من الانتخابات المتنازع عليها، وحكومات لا تمثل الإرادة الشعبية وتفتقر إلى شرعية واسعة النطاق، فضلاً عن عجز المؤسسات الحكومية عن أداء الوظائف الأساسية بفعالية.

وبالإضافة إلى تهديد الحريات الأساسية ونوعية حياة الأميركيين فإن الانقسامات المحلية ستجعل من المستحيل إدارة سياسة خارجية فعالة لإدارة بايدن، ما يؤدي إلى تسريع تدهور نفوذ أميركا، فلكي تنجح الولايات المتحدة على المسرح العالمي يجب أن ينتهي جنون الصراع الحزبي الذي يقضي على أسس ديمقراطيتها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير