Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفرض كارثة الزلزال مشهدا سياسيا جديدا؟

إعادة الإعمار تحتاج جهداً دولياً فيما أولوية الإنفاق لأوكرانيا وعودة النازحين متعذرة مع ازدياد من هم "بلا مأوى"

نجاح أردوغان في الانتخابات التركية بات على المحك بعد ما كشف الزلازل عن فساد في تنفيذ الأبنية (أ ف ب)

فوق جثث عشرات الآلاف من #الضحايا وركام المنازل والأبنية، ودمار البنى التحتية في #النكبة التي ضربت جنوب تركيا وشمال غربي #سوريا، تنبئ الأرقام الهائلة وتداعيات الكارثة الإنسانية، بمشكلة ذات بعد عالمي، باتت تفرض رؤية دولية للتعاطي معها، فالوضع المأسوي يتطلب خطة دولية لإعادة الإعمار في البلدين، ستكون لها انعكاسات سياسية مهمة، نظراً إلى التوافقات الدولية الضرورية لتحقيقها.

بدأت الأسئلة الكبرى تطرح نفسها: كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يسهم في إعادة الإعمار في تركيا وسوريا، في وقت يوجه الغرب معظم إنفاقه الخارجي نحو الحرب في أوكرانيا، والتزم إعادة إعمارها؟ وهل بالإمكان تحمل خطتين كبريين لإعادة الإعمار؟ وهل تقود الكارثة إلى تغيير نهج التعاطي مع ما يواجهه العالم بحيث تدفع صعوبات الاقتصاد العالمي إلى وقف الحرب الأوكرانية؟ وهل يمكن إعادة الإعمار التي تحتاج استقراراً سياسياً في تركيا وسوريا ومحيطهما، من دون الالتفات إلى ما خلفته الحروب المتناسلة في كل من العراق واليمن؟ فدمار الفيلق الزلزالي التركي، ستتأثر به "الفيالق السياسية" الواسعة التي تحكم بحالة عدم الاستقرار العالمية.

تسييس المأساة بدأ في التعاطي مع المساعدات مثلما أدت في المقابل إلى تجاوز الموقف السياسي، ما يستدعي رصد تغييرات في الخريطة السياسية الإقليمية.

علاقة تركيا بأرمينيا واليونان

فضلاً عن الضحايا تحت الركام، تتحدث التقديرات التركية الأولية عن أن أكثر من 14 مليون تركي تضرروا معظمهم بلا مأوى، وعن 5.3 مليون سوري كذلك صاروا بلا مأوى، يضافون إلى السوريين النازحين خارج البلد منذ بدء الحرب في عام 2011، الذين يفوق عددهم السبعة ملايين، وهذه أعداد يستحيل على أي من الدولتين أن تتصدى وحدها لمعالجتها، وخصوصاً سوريا. فالإعانات في المديين القريب والبعيد، ثم إعادة الإعمار، لا بد من أن ترسم صورة مختلفة لموقع كل منهما.

للزلزال تداعيات بشرية واقتصادية وبنيوية وسياسية ستتحكم بالبلدين وعلاقاتهما ومحيطهما لسنوات مقبلة، فبقدر ما غير الزلزال معالمهما، فإنه فرض تغييراً في تعاطي كثير من دول العالم مع كل منهما، وإذا كان من الطبيعي أن تصدر دعوات فور حصول الزلزال المزدوج فجر السادس من فبراير (شباط)، إلى عدم تسييس المساعدات الإغاثية بأشكالها كافة، فإن هذه الدعوات نفسها كانت لها تأثيرات سياسية مقابلة.

ليس تفصيلاً أن تهب جمهورية أرمينيا واليونان إلى الاتصال بأنقرة والرئيس رجب طيب أردوغان وإرسال المساعدات فور حصول الزلزال، فالأولى لا علاقات دبلوماسية بينها وبين تركيا جراء تاريخ من العداء، وجهود التقارب بينهما لم يمض عليها سوى بضعة أسابيع، وفتح معبر بين البلدين كان مغلقاً منذ 35 عاماً، والخصومة التركية اليونانية وفصول الخلافات كادت في السنوات القليلة الماضية تؤدي إلى حرب بينهما.

وإذا كانت هناك من ترجمة لفاعلية "دبلوماسية الكوارث" في تغيير العلاقات بين دول متناحرة، فإن مثلي أرمينيا واليونان مع تركيا كافيان لإثباتها، فالآثار الإنسانية للكوارث تلعب دوراً في التغييرات السياسية بكثير من الأحيان، وتقود إلى خفض العداوات والتوترات، ويتساوى التواصل من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع أردوغان وإرساله المساعدات، في الأهمية مع الخطوتين الأرمينية واليونانية، على رغم اختلاف الملابسات.

سوريا "المنسية" والعوائق السياسية للمعابر

أما بالنسبة إلى سوريا، فإن الأثر السياسي الأولي للكارثة برز في إعلان المسؤول في منظمة الصحة العالمية أن "العالم نسي سوريا... بصراحة، وأعاد الزلزال تسليط الضوء عليها". وأضاف، "الملايين في سوريا يعانون منذ سنوات في ظل ما بات أزمة منسية"، لكن الأهم إعلان وزارة الخزانة الأميركية عن إعفاء التعاملات المالية والمساعدات الإغاثية لبلاد الشام من عقوبات قانون "قيصر" على التعامل مع النظام السوري لستة أشهر، الذي كانت تطبقه واشنطن بتشدد كبير، نظراً إلى موقفها السلبي من نظام بشار الأسد.

ثم إن كثيراً من المساعدات تدفقت إلى دمشق التي تولت نقلها إلى المناطق المنكوبة الواقعة تحت سيطرة الحكومة، فيما بقيت المناطق المنكوبة في شمال غربي البلاد التي تقع تحت سيطرة المعارضة بلا مساعدات حتى اليوم الرابع بعد الزلزال، حين وافقت دمشق على تسهيل انتقالها من المعابر التي تسيطر عليها، بعد أن كان أبدى وزير الخارجية فيصل المقداد استعداد حكومته لتزويد المناطق غير الخاضعة لها بتلك المساعدات واشترط ألا تصل "إلى الإرهابيين"، وهو التعبير الذي يستخدمه النظام في وصف الفصائل المعارضة له، فيما تمكنت الأمم المتحدة من تمرير بعضها من طريق تركيا، بعد انتقادات لتأخرها من قبل أطراف عدة منها مركز حميميم الروسي للمصالحة، وعمل الجانب الأميركي على نقلها من طريق كردستان العراق إلى منطقة القامشلي في الشمال الشرقي، حيث السيطرة للإدارة الذاتية الكردية، ثم إلى المناطق الشمالية الغربية، حيث المعارضة التي ضربها الزلزال أكثر من غيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبرزت عوائق مثلثة في هذا الشأن، تطلبت تذليلها، ما أسهم في إضاعة الوقت، إضافة إلى الموانع الحكومية حيال تسليم المساعدات على معابر عبر دمشق، برزت موانع لدى المعارضة المتمركزة في الشمال الغربي التي ترعاها تركيا، حيال تسلم مساعدات آتية من المناطق التي تسيطر عليها "قسد" والفصائل الكردية، نظراً إلى العداوة بين أنقرة وبينها، وحصل الأمر نفسه حين سيرت قافلة نحو حلب المنكوبة عبر المعابر الخاضعة لسيطرة الحكومة فيها التي رفض أنصارها تسلمها بداية.

وفي الوقت نفسه اتهم الجانب الروسي "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) برفض تسلم مساعدات آتية من مناطق النظام باتجاه ريف إدلب المنكوب، وعملت فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيض) في ظل نقص حاد في الإمكانات والمعدات اللازمة للتعامل مع كارثة بهذا الحجم، بالترافق مع تأخر دخول المساعدات الأممية، عبر معبر باب الهوى مع تركيا.

ويمكن ملاحظة المفارقات في طريقة تمرير المساعدات من الدول وفقاً لاختلاف موقف كل منها حيال أطراف الأزمة السورية، إيران سارعت إلى إرسال معدات الإغاثة إلى مطاري دمشق وحلب وأوفدت قائد "قوة القدس" في "حرس الثورة" العميد إسماعيل قاآني إلى حلب، التي كانت الميليشيات الإيرانية عززت وجودها فيها خلال السنتين الماضيتين، مستبقاً حتى زيارة تفقدية للرئيس السوري في اليوم الخامس للمأساة، مع طائرات محملة بالمساعدات، تكريساً لنفوذها.

وأرسلت السعودية طائرات المساعدات إلى تركيا لتأخذ منها حصتها وتوزع حصة مناطق المعارضة انطلاقاً منها، مثلما أرسلت مساعدات إلى مناطق النظام، وحطت طائرات دولة الإمارات في مطار دمشق على أمل توزيع حمولتها على مناطق النظام وعبرها إلى مناطق غير خاضعة لسيطرته.

أردوغان والانتخابات

للآثار السياسية للمأساة مفاعيل داخلية وخارجية، وبعضها قريب المدى وأخرى بعيدة المدى، بدأت مراكز الدراسات ووسائل الإعلام تتحدث عن انعكاسات الكارثة على الانتخابات التركية المنتظرة في مايو (أيار) المقبل، كيف ستنظم في المناطق المنكوبة؟ وهل سيتمكن أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" من أن يتجاوز ما بدأ يرتسم من نقمة على الفساد الذي ظهر إزاء انكشاف الإهمال في الأبنية التي شيدت خلافاً للمعايير التي تقاوم الزلازل، والتي تبين أنه لم تتم مراعاتها، فيما هذا أمر كان وعد الرئيس التركي بمواجهته بعد زلزال 1999، وكان من أسباب نجاح حزبه في تولي السلطة بعدها.

وأخذت التقديرات تطرح تساؤلات حول مصير الأغلبية في البرلمان التركي، حيث ترجح أن يكون نجاح أردوغان على المحك، بعد أن وعد بأن إعادة الإعمار ستتم خلال سنة، وترتب على إعادة الإعمار تداعيات على علاقات أنقرة مع مصادر التمويل الأوروبية والأميركية التي يستعد الاتحاد الأوروبي لتنظيم مؤتمر في شأنها، فأردوغان كان أخذ موقفاً وسطياً بين دول الغرب وبين روسيا في شأن الحرب في أوكرانيا، فهل سيستمر على هذا الموقف بعد الكارثة؟

في السياسة الخارجية لتركيا ستحول آثار الزلزال في جنوبها والشمال السوري دون تحقيق خطة أردوغان إعادة مليون نازح سوري إلى المناطق التي ضربها، وفق ما كان يخطط، قبل جهود روسيا حول المصالحة بينه وبين النظام السوري، وما كان يجري التحضير له من تدابير على الجانب السوري من الحدود تجاوزته الأحداث، لأن المأساة جعلت الأمور متداخلة بين البلدين بحيث إنها "علقت" تلك الحدود. وفي المقابل هناك اعتقاد أن ذلك قد يدفع  تركيا إلى الإصرار على دوريات أمنية تركية روسية وسورية في الداخل السوري تؤدي إلى إبعاد "حزب الاتحاد الكردستاني" من الحدود.

 فرصة دمشق للتطبيع

في سوريا سعى النظام في اليومين الأولين لاستغلال الشح في إمكانات مواجهة المأساة من أجل رفع العقوبات الأميركية، وسط حملة سابقة على الزلزال، استمرت بعده، من "محور الممانعة"، لا سيما إيران و"حزب الله" في لبنان، ضد تلك العقوبات على أنها سبب تردي الوضع الاقتصادي في كل من سوريا ولبنان وعدد من دول المنطقة، وضد الحملة الغربية التي تتهم طهران بأن تدخلاتها في حروب المنطقة، لا سيما سوريا هي السبب في هذا التردي، كما أمل المحور في أن تقود الكارثة إلى التطبيع مع دول قاطعته أو حصرت علاقاتها بالشق الأمني بسبب رفضه الحلول السياسية وإتاحته المجال لإيران أن تجعل بلاد الشام قاعدة لنفوذها في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وقالت بثينة شعبان مستشارة الأسد، إنه لو رفعت العقوبات فإن سوريا تستطيع وحدها أن تتكفل بمواجهة نتائج الزلزال من طريق المغتربين السوريين وإمكاناتها، لكن المساعدات الأوروبية والأميركية أبقت على قاعدة رفض التطبيع مع الأسد وتوجيهها نحو المجتمعات المنكوبة.

وسادت الحلقة الضيقة المحيطة بالحكم في دمشق قناعة بأن الكارثة ستجعل المصالحة التي سعت إليها موسكو بينه وبين أنقرة، وعاند في إجرائها الأسد، في مرتبة متأخرة من الاهتمام، بحيث يوفر ذلك على النظام ضغوط موسكو، فالكارثة تبعد تهديد أردوغان باحتلال جزء من الشمال السوري.

النازحون في لبنان

في لبنان ومع التسليم بضرورة تقديم المساعدات الإنسانية إلى المناطق السورية كافة، خضع التضامن مع سوريا للانقسام السياسي الداخلي الذي يظلل الأزمة السياسية، بين أحزاب "الممانعة" التي أرسل بعضها فرقاً تساعد على إنقاذ الأحياء والضحايا من تحت الأنقاض (حركة "أمل" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" و"حزب الله") والقوى "السيادية" التي اكتفت بتأييد إرسال الحكومة فرقاً من الجيش اللبناني والدفاع المدني والصليب الأحمر شاركت في إنقاذ الأحياء من تحت الركام، رافضة التطبيع مع النظام، فالأخير يهتم للتطبيع لاعتباره بيروت تقليدياً معبراً لتفادي العقوبات فضلاً عن علاقته الخاصة بـ"حزب الله"، لذلك حرص على استقبال الوفد الوزاري الذي زار العاصمة السورية للمرة الأولى بقرار من رئيس الحكومة، فأبلغه الأسد امتنانه، شاكراً تسهيل هبوط الطائرات التي تنقل المساعدات لسوريا في مطار بيروت، شارحاً ضعف قدرات سوريا في مواجهة الكارثة جراء سنوات من الحرب والحصار، مشيراً إلى أنه يدرك تعقيدات الوضع اللبناني الداخلي ويقدر المساعدات.

 

يضاف إلى الآثار السياسية بالنسبة إلى لبنان أن الطرح الملح على إعادة النازحين السوريين الذي لجأوا إليه جراء الحرب، والذين يشكلون عبئاً كبيراً على الاقتصاد اللبناني المنهار أصلاً، غير قابل للتنفيذ أكثر من السابق، وهو شكل موضوع خلاف سياسي داخلي في السنوات الماضية. مع النكبة في تركيا، قد يصبح لبنان وجهة جديدة للنزوح، لكن في حال وجود خطة لإعادة الإعمار قد يسهل ذلك عودة العمالة السورية.

التحذير الإسرائيلي: لا تغيير

على المقلب الإسرائيلي، وإضافة إلى تصدر تل أبيب الدول التي نقلت المساعدات إلى تركيا، لفت تحذير مصدر عسكري إسرائيلي في التاسع من فبراير عن مسؤول عسكري إسرائيلي من أنه إذا كانت إيران تشحن أسلحة إلى وكلائها الإقليميين تحت ستار المساعدات الإنسانية لسوريا في أعقاب الزلزال، فلن يتردد الجيش الإسرائيلي في ضربها، واستند المصدر إلى ما وصفه بـ"معلومات" في هذا الصدد، وهذا ينبئ بإمكان استئناف الضربات الإسرائيلية في سوريا.

المزيد من تحلیل