Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المركزي التونسي" يحذر الحكومة من التوسع في الاقتراض

محللون: نسبة اقتراض الدولة محليا بلغت 20 في المئة من ميزانية المصارف... استمرار ذلك خطر

خفضت "موديز" تصنيف الودائع بأربعة مصارف تونسية في نهاية يناير الماضي (أ ف ب)

حذر #البنك_المركزي_التونسي الحكومة برئاسة #نجلاء_بودن من مواصلة #الاقتراض من الأسواق المحلية أو الدولية للتأثير السلبي على الصلابة المالية لقطاع المصارف في تونس، تحذيرات "المركزي" جاءت بعد تحذيرات أطلقها المتخصصون والمحللون.

ونبه "المركزي التونسي" في أول بيان له في العام الجديد مطلع فبراير (شباط) الحالي، إلى تطور الأخطار الاقتصادية الكلية والمالية، مشدداً على الأخطار ذات الصلة بتكثيف لجوء الخزانة للتمويل الداخلي.

وأشار إلى أنه "في ظل غياب القدرة على تعبئة موارد خارجية فإن تمويل الموازنة من خلال اللجوء المتزايد للتداين في السوق الداخلية خلال الثلاثي الأول من عام 2023 قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط المسلطة على السيولة، بما من شأنه أن يعطل نشاط الأسواق المصرفية والمالية وسوق التأمينات".

تداعيات خطرة

وأوصى "المركزي التونسي" في بيان رسمي بضرورة إرسال إشارات قوية تمكن من استعادة الثقة وإضفاء مزيد من وضوح الرؤية لدى المتعاملين الاقتصاديين المحليين والأجانب، بهدف إرساء انتعاشة اقتصادية شاملة مستديمة، مشيراً إلى أن "القرار الأخير الذي اتخذته وكالة التصنيف الدولية (موديز) بخفض التقييم السيادي للبلاد بدرجة واحدة، من Caa1 إلى Caa2 مع آفاق مستقبلية سلبية، يعود إلى غياب التمويل الإجمالي حتى الآن بما يمكن من الاستجابة للحاجات المهمة للحكومة وبخاصة في مجال الموارد الخارجية"، معرباً عن قلقه من التداعيات المحتملة لهذا التدهور في الترقيم السيادي على الوضع المالي والاقتصادي بشكل عام وبخاصة في ما يتعلق بالتأثير السلبي المحتمل في السير العادي لمعاملات التجارة الخارجية التي تقوم بها البنوك التونسية والمتعلقة بوجه خاص بواردات المواد الأساسية.

وفي هذا الصدد، شدد المركزي التونسي على ضرورة الإيفاء بشكل عاجل بالشروط المسبقة لاستكمال البرنامج الجديد مع صندوق النقد الدولي، والتسريع بتفعيل الإصلاحات اللازمة بما يمكن من تصحيح الاختلالات في الميزانية وكذلك الاختلالات الخارجية.

على رغم أن تونس قد حصلت على موافقة مبدئية على مستوى الخبراء من صندوق النقد الدولي في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، فإن الموافقة النهائية من الصندوق تعطلت وتم إرجاء المصادقة التي كانت مبرمجة في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، بسبب عدم ختم رئيس الجمهورية قانون المالية وعدم المصادقة على قانون حوكمة الشركات الحكومية.

إجراءات تقشفية إضافية

من جانبه، رجح أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية أرام بلحاج أن الحكومة قد تتخذ إجراءات تقشفية إضافية في الأفق، على خلفية بيان مجلس إدارة "المركزي التونسي" الصادر أخيراً، موضحاً أن "بيان البنك المركزي يعد بمثابة تنبيه للحكومة بأن التعويل المتزايد على الاقتراض الداخلي لتمويل الموازنة لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية"، مؤكداً أنه "في ظل تأخر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واستحالة الخروج على الأسواق المالية العالمية نظراً إلى التقييم السيادي المتدني في ظل عزوف بعض البلدان الصديقة عن الوقوف إلى جانب تونس مع هذا التنبيه القادم من البنك المركزي، فإن عملية تعبئة الموارد لتمويل الموازنة ستكون صعبة جداً، إن لم تكن عملية شبه مستحيلة".

إصلاحات فورية

من جهته، يرى المتخصص في الاقتصاد والأسواق المالية معز حديدان أن "البلاد دخلت المنعرج الفاصل قبل بلوغ مرحلة عدم الوفاء ببعض تعهداتها المالية"، مؤكداً أن "الأمر يحتاج إلى إطلاق إصلاحات فورية ستطال قطاعات حيوية كفيلة بإعادة الاقتصاد التونسي إلى مساره الطبيعي سواء على مستوى التوازنات الكلية أو المؤشرات، ويمكن أن تتم بشكل تشاركي بين الحكومة والمنظمات الاجتماعية والهياكل المهنية والمتخصصين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار حديدان إلى أن "بيان المركزي التونسي يبرهن على أن الدولة التونسية لديها أخطار ويمكن أن تجابه صعوبات قد تجعلها في وضعية التخلف عن تسديد بعض الديون"، لافتاً إلى أن "مزيداً من التأخير في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يمكن أن يؤدي إلى تآكل احتياطات النقد الأجنبي لتونس (97 يوم توريد حالياً) من خلال سحب مدفوعات خدمة الدين".

وتابع أن "التصنيف الجديد لتونس سيضيف صعوبات كبيرة ستواجه المتعاملين الاقتصاديين مع الخارج، في ظل الصورة التي يقدمها هذا التصنيف والتي تتسم بإمكانية التخلف عن سداد الديون، إلى جانب تعطيل العملية الاقتصادية بفعل صعوبات النفاذ إلى التمويل".


المصارف تتأثر

تفاعل "المركزي التونسي" مع الوضعية الراهنة جاء أيضاً على خلفية إعلان وكالة التصنيف الائتماني الأميركية "موديز"، في 31 يناير (كانون الثاني) 2023، عن خفض في تصنيف ودائع أربعة مصارف تونسية من  caa1 إلى caa2  على المدى البعيد، وهي بنك الأمان والبنك التونسي وبنك تونس العربي الدولي والشركة التونسية للبنك، في الوقت الذي ثبتت فيه وكالة "موديز" تقييم الودائع البنكية طويلة الأجل للبنك العربي لتونس عند caa1، كما غيرت الوكالة أيضاً آفاق تصنيف الودائع البنكية على المدى الطويل للبنوك التونسية الخمسة (المذكورة سالفاً) لتمر من تصنيف قيد المراجعة إلى تصنيف سلبي.

وأوضحت "موديز" في تقريرها أن "عملية تصنيف المصارف تأتي تبعاً لتخفيض التصنيف السيادي لتونس من  caa1 إلى caa2  مع آفاق سلبية في الـ27 يناير الماضي والتي رافقها تخفيض تصنيف للبنك المركزي التونسي، المسؤول قانونياً عن المدفوعات المتعلقة بكل سندات الخزانة، إلى caa2 مع آفاق سلبية"، وأبرزت أنه بالتوازي مع إجراء تصنيف البنوك فإن سقف أخطار العملة المحلية لتونس انخفض إلى B2  والعملة الأجنبية إلى caa1.

عدم اليقين

وأشارت الوكالة إلى أن "العامل الأساسي في تخفيض ترقيم المصارف الأربعة هو تواصل حالة عدم اليقين بسبب عدم وجود برنامج تمويل شامل، إلى حد الآن، لتلبية الحاجات التمويلية المهمة للحكومة مما يزيد من أخطار التخلف عن السداد من قبل الدولة"، مبينة أن "ثقل خدمة الدين العمومي تزيد من أخطار إعادة التمويل".

وقالت إن "تعامل البنوك التونسية بصفة مباشرة مع رقاع وسندات الخزانة (نحو 57 في المئة من الأموال الذاتية في أواخر أغسطس "آب" الماضي) يجعلها عرضة إلى خطر متزايد يتعلق بالأصول وقدرة الإيفاء بالالتزامات المالية".

أخطار جادة

ومن جانبه، أوضح المتخصص المالي أحمد الكرم أن "تونس لم تتمكن من إعداد مثال تمويل لحاجاتها الخارجية لعام 2023، في ظل عدم استكمال تمويل الموازنة الجديدة إثر الفشل في تعبئة الموارد المالية الخارجية اللازمة"، مؤكداً "وجود مخاوف جدية من إرجاع تونس ديونها بالعملة الأجنبية، مما سيزيد من الضغوط على المصارف التونسية".

وقال الكرم إنه "في ظل غلق أبواب التمويل الخارجي توجهت الحكومة مباشرة إلى المصارف التونسية والاقتراض بالعملة المحلية"، كاشفاً عن أن "نسبة الاقتراض من البنوك المحلية وصلت حالياً إلى نحو 20 في المئة من إجمالي موازنة المصارف مقابل ستة في المئة في 2010، مما خلق ضغطاً على السيولة الداخلية في البلاد".

طريقة غير مدروسة

وتعليقاً على بيان البنك المركزي التونسي قال الكرم إن "هناك أخطاراً كبيرة أهمها انتقال أخطار الاقتصاد التونسي إلى القطاع البنكي، وتلك الأخطار غير موزعة على كل الأطراف بل صار يتحملها القطاع المصرفي بمفرده"، محذراً من أنه "في حال تعكر الوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد فإن البنوك سوف تفقد سيولتها، والحال المثلى أن تظل البنوك صلبة لتتمكن من تمويل بقية العملاء والشركات"، كما حذر من أخطار التضخم المالي جراء الإفراط في تمويل البنوك الدولة، مما نتج عنه تضخم مضر باستقرار الاقتصاد والقدرة الشرائية للمواطنين.

وأضاف أن المركزي التونسي تطرق في بيانه الأخير إلى خطورة مواصلة الاقتراض، مطالباً بضرورة إيقاف هذا النزيف، مشيراً إلى أن "مواصلة الدولة الاقتراض بهذه الطريقة غير المدروسة سينتج عنه شح في السيولة في البلاد، وهو يعني زيادة طباعة الأوراق النقدية، مما سيدفع التضخم المالي إلى مستويات عالية".

اقرأ المزيد