Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الغلاء يدفع التونسيين بعيدا من صناديق الاقتراع

محللون: الأزمة الاقتصادية والمعيشية ألقت بظلالها على النتائج البرلمانية الأخيرة وسط تراجع القدرة الشرائية

عكست نتائج الانتخابات البرلمانية في تونس حقيقة ثابتة مفادها أن التونسيين لم يعد يعني لهم الشأنان العام والسياسي في البلاد شيئاً كثيراً وأن تركيز البرلمان الجديد من عدمه لا يمثل أولوية قصوى بقدر ما أضحى وضعهم المعيشي والاقتصادي المتردي يتصدر اهتماماتهم بشكل كبير.

ويجمع جل التونسيين على أن المسألة الاقتصادية والمالية صارت في مقدم أولوياتهم بسبب تردي مقدرتهم الشرائية واستفحال الغلاء لارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية 10.1 في المئة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الأمر الذي أثر في المشاركة في الحياة العامة والحياة السياسية.

ولأول مرة منذ سنة 2011 عرفت نسبة التصويت في الانتخابات العامة في تونس مستوى ضعيفاً بلغ معدل 11 في المئة في انتخابات البرلمان في حلته الجديدة في دورتيه الأولى والثانية في 17 ديسمبر 2022 و29 يناير (كانون الثاني) 2023.

إقرار بالفشل؟

وفي الوقت الذي غابت فيه الطوابير الطويلة عن مراكز الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، كان تونسيون منشغلون بالوقوف أمام المتاجر القليلة التي تعرض مخزوناً ضئيلاً من السكر والأرز والدقيق والحليب وأخيراً القهوة للحصول بالكاد على ما يكفي عائلاتهم.

تعقيباً على نتائج الانتخابات البرلمانية أكد رئيس الجمهورية، قيس سعيد على ضرورة قراءة نتائج الانتخابات التشريعية بشكل مختلف وذلك إثر الإعلان عن تلك النتائج من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وقال رئيس الدولة الذي أجرى مساء الإثنين الماضي، تعديلاً جزئياً على الحكومة في حقيبتي الفلاحة (الزراعة) والتربية والتعليم، إثر زيارة له إلى القصر الحكومي بساحة القصبة في العاصمة التونسية ولقاء رئيس الوزراء نجلاء بودن في قصر الحكومة بالقصبة، إن "90 في المئة من المعنيين بالانتخابات لم يشاركوا في التصويت لأن البرلمان بالنسبة إليهم لم يعد يمثل لهم شيئاً"، داعياً إلى "قراءة الأرقام بنسبة التصويت لا بنسبة العزوف".

 ولاحظ الرئيس سعيد أن رد فعل الناخبين في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية والدورة الثانية كانت حيال "السنوات العشر الماضية، التي جعلت البرلمان مؤسسة داخل الدولة ومؤسسة عابثة بالدولة"، حسب وصفه.

 وشدد على أن "نسبة الإقبال على الانتخابات التي حددتها الهيئة بـ11.4 في المئة "تؤكد على أن التونسيين لم يعودوا يثقون بهذه المؤسسات"، وقال رئيس الدولة، أيضاً، "توجد حاجة اليوم لقراءة الأرقام بشكل أفضل وقراءة الأوضاع كذلك".

مشاركة فاترة

وأدلى نحو 859 ألفاً وناخبين اثنين بأصواتهم في صناديق الاقتراع في 131 دائرة انتخابية من إجمالي سبعة ملايين و853 الفاً و447 ناخباً مسجلين في السجلات ومعنيين بالدور الثاني من الانتخابات التشريعية.

في غضون ذلك، علق المتخصصون في الشأن السياسي والاقتصادي على أن مشاركة التونسيين في الانتخابات البرلمانية في شكلها الجديد تعد فاترة، طغى عليها الوضع الاقتصادي الصعب للتونسيين، إذ قال رئيس الجمعية التونسية لنزاهة ومراقبة الانتخابات (مستقلة)، بسام معطير إن "جل المواطنين المستجوبين إثر خروجهم من مراكز الاقتراع أو أثناء الحملة الانتخابية في دورتيها الأولى والثانية، برهنوا على أن الانتخابات لم تعد تعني لهم شيئاً كثيراً طالما أن وضعيتهم الاقتصادية لم تتحسن، بل زادت سوءاً وتعكرت أكثر بدليل الصعوبات الجمة في الحصول على أبسط المواد الغذائية كالزيت النباتي المدعم والحليب".

وتابع لـ"اندبندنت عربية" أن "المشاركة الضعيفة دليل على أن الشعب غير معني بهذه العملية السياسية، ولا يرى في تغيير الدستور والانتخابات الجديدة أملاً في إصلاح حال البلاد"، مضيفاً

أن "ضعف المشاركة في الانتخابات، تلخص مشاعر التونسيين، إذ يشعر كثيرون بالإحباط بسبب الانحدار في مستوى المعيشة منذ عام 2011 ونقص في المواد الغذائية الأساسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح معطر أن "الناخبين غير مهتمين بالمسار الانتخابي، ويأتي ذلك في خضم أزمة اقتصادية واجتماعية أثقلت كاهل التونسيين بسبب ارتفاع الأسعار وفقدان المواد الاستهلاكية الأساسية باستمرار، كما شهدت مشاركة الشباب تراجعاً كبيراً بنسبة لم تتجاوز أربعة في المئة".

في تلك الأثناء، يعتقد جانب كبير من التونسيين وفق استطلاعات رأي أن مسار 25 يوليو (تموز) 2021 جاء من أجل إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية المتردية، نتيجة سياسات وخيارات العشرية السوداء، وأهمها الدفاع عن مكتسبات الشعب وحقه في حياة كريمة، غير أنهم أحبطوا من أداء الحكومة لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بارتفاع مشط للأسعار وسط فقدان لعديد من المواد الغذائية الأساسية ما تسبب بأزمة حقيقية في البلاد.

عوامل اقتصادية

بشكل أعمق، رأى أستاذ الاقتصاد وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الجليل البدوي، أن "المناخ الاجتماعي والاقتصادي كان له دور كبير في عزوف الناخبين"، مضيفاً أن "تآكل الطبقة الوسطى في تونس جزء منه كان بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت في الأشهر الأخيرة في تزامن مع المسار الانتخابي، وكان تآكلاً سريعاً ورهيباً"، وأشار إلى أنه لا يعتقد أن العزوف كان لأسباب سياسية تتعلق بالرؤية ولمسار 25 يوليو 2021" قائلاً "جزء كبير من المقاطعة يرجع إلى ندرة المواد الغذائية، مما أثار قلقاً في الأوساط الاجتماعية الشعبية".

وأضاف أن "الحكومة صمتت إزاء أزمات عدة حدثت، مثل الإضرابات المتتالية والارتفاع الجنوني للأسعار وموجات الهجرة غير النظامية والسياسة الاتصالية العديمة الجدوى في التعاطي مع الملفات الاقتصادية الحارقة والعاجلة"، مؤكداً أن "علاقة تونس بصندوق النقد الدولي يحيط بها نوع من الغموض ما عقَد الأوضاع بخصوص الإصلاحات الاقتصادية إذ ربط عدد كبير من التونسيين ندرة المواد الغذائية بتعمد الحكومة إخفاء المنتوجات في خطوة لرفع الدعم تدريجاً".

في غضون ذلك، توصلت تونس في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد، بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية، بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح أو التفويت في الشركات الحكومية.

وتابع عبد الجليل البدوي أن "البلاد تعاني من أزمة هيكلية موضوعية هي عدم قدرة تونس على مواجهة التحديات المالية العمومية" لافتاً إلى أن "العام الحالي سيكون الأكثر سداداً للديون مع انحباس الأمطار وتراجع لعدد من المؤشرات الاقتصادية".

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة، فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء الأزمة الروسية الأوكرانية.

الوضع الاقتصادي سيئ

وأوضحت أحدث نتائج "سبر الآراء" حول نظرة التونسيين للوضع الاقتصادي لبلادهم أن 84 في المئة منهم يعتبرون أن الوضع الاقتصادي سيئ أو سيئ للغاية، بينما نحو 44 في المئة متفائلون في شأن الوضع الاقتصادي لتونس، في الوقت الذي يصف 47 في المئة من التونسيين ظروفهم المعيشية بالسيئة.

وحول توجه الحكومة نحو رفع الدعم، انقسم المستجوبون بين 86 في المئة اختاروا المحافظة على الدعم لتجنب ارتفاع الأسعار حتى لو أدى ذلك لزيادة العجز، فيما فضلت النسبة المتبقية رفع الدعم عن المواد الأساسية، ما يشير إلى أن "الإصلاح المتعلق برفع الدعم صعب وحساس"، وفق معدي "سبر الآراء" (مكتب متخصص).

وخلصت نتائج سبر الآراء المنجز في مايو (أيار) 2022 إلى أن لدى غالبية التونسيين تصوراً سلبياً عن الوضع الاقتصادي للبلاد، كما أن ما يشغلهم بالأساس هي المسألة الاقتصادية، بما في ذلك إدارة الاقتصاد والبطالة ومكافحة الفقر.

ويعتبر قرابة نصف المواطنين أن ظروفهم المعيشية سيئة، وإلى جانب صعوبات النفاذ إلى الاحتياجات الأساسية التي عبر عنها جزء مهم من السكان، فإن الغالبية العظمى من التونسيين لديهم رأي سلبي حول أداء الحكومة في الحفاظ على الأسعار وخلق فرص العمل وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتحين الظروف المعيشية للأشخاص الذين يعيشون الهشاشة، وفق استطلاع الرأي الذي حمل عنوان "نظرة التونسيين للوضع الاقتصادي لبلادهم".

اقرأ المزيد