Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زواج قاصرات السودان وأد للطفولة ومعاناة نفسية

تعتقد بعض القبائل بأن وصول الفتاة إلى مرحلة البلوغ يستوجب تزويجها لحفظ شرفها 

يرى مختصون أنه يجب على الأسر عدم ممارسة ضغوطات على الفتيات ومنحهن حرية الاختيار لخلق حياة زوجية مستقرة (اندبندنت عربية - حسن حامد)

اشتياق أصغر أم سودانية حملت لقب مطلقة وفي حضنها طفلة رضيعة في الشهر السادس، ثمرة زواج تورطت فيه على نحو مفاجئ، وبالطبع فشلت في تحمل تبعاته فلم تجد إلا أن تسلم رضيعتها إلى والدتها لعلها تفلح في تربيتها بدلاً منها.
عانت اشتياق مشكلات صحية في الحمل والولادة، إذ أصيبت بتشنجات كادت تودي بحياتها، مما أدخلها في غيبوبة استمرت 17 يوماً، إلى جانب معاناتها النفسية وعدم استيعابها للتجربة ليستدعي ذلك خضوعها لجلسات علاج نفسي.
أما الطفلة نجلاء ذات الثماني سنوات، فتفاجأت بتزويجها من صديق والدها الأربعيني وهي لا تزال تلعب وتمرح مع أقرانها في المدرسة، في خطوة لم تكن تراود مخيلتها الصغيرة، إذ وجدت نجلاء نفسها منسوبة لرجل لم تدرك ماهية العلاقة التي تربطها به. فبعد عودتها من المدرسة أخبرتها والدتها أنه سيتم عقد قرانها، مما يعني عدم ذهابها إلى المدرسة مرة أخرى وعليها أن تبقى في المنزل لتزف إلى بيت الزوجية، لكن خالها الذي لم يقتنع بصحة زواج ابنة شقيقته رفع دعوى قضائية أبطلت ارتباط نجلاء بقرار قضائي من المحكمة.
بيد أن العلاقات العائلية لعبت دوراً كبيراً في قصة زواج الطفلة نهال بابن عمها الذي يعمل مزارعاً في إحدى القرى، فتركت مقاعد الدراسة وعمرها تسع سنوات وهي مثلها مثل كثيرات من بنات أقاربها يزوجن في هذا العمر، لذلك قررت أسرتها أن تقطع دراستها وتم زواجها بمباركة الأهل جميعاً.
هكذا تزف البراءة في مجتمعاتنا بشهود وعقود ويظل زواج القاصرات في السودان مشكلة تجسد قيماً وموروثات تقع فيها الفتيات القاصرات ضحايا لسلوك اجتماعي يفضي بهن إلى خارج مقاعد الدراسة.

موروث اجتماعي 

استشارية الطب النفسي ابتسام محمود أشارت إلى أن "زواج القاصرات يعد من التحديات والموروثات الاجتماعية التي تتصادم مع الثقافة في السودان، فضلاً عن غياب قانون يمنع زواج القاصرات بصورة واضحة"، شارحة أن "زواج القاصرات ينتشر في القرى بنسبة كبيرة ولدى بعض القبائل التى تعتقد بأن وصول الفتاة إلى مرحلة البلوغ يستوجب عليها الزواج حفاظاً على شرفها وأنوثتها"، وأضافت أن "هذه المفاهيم من أكثر الدوافع التي تقود الأسر إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة، فهناك إحصاء يوضح أن أكثر من 38 في المئة من الطفلات تزوجن في أعمار تترواح ما بين 13 إلى 14 سنة، مما يعد نذيراً خطراً على الفتاة القاصرة من ناحية آثاره النفسية والاجتماعية، إلى جانب المسؤوليات التي تقع على عاتق الفتيات (الطفلات) من حمل وإنجاب وإرضاع، وكذلك الزج بها لتحمل رعاية أطفال في سن مبكرة، فضلاً عن أنه يخلق نوعاً من عدم التوازن النفسي، خصوصاً أن النضج أحد أساسيات الحياة الزوجية".
وأوضحت محمود أن "منظمة الصحة العالمية ونسبة إلى تمدد الظاهرة والحد منها، غيرت أعمار سن الزواج وتم ربطها بسلوكات الأجيال، إذ اعتبرت أن النضج يستمر حتى عمر 18 سنة، مما تطلب رفع تقارير توصي بأن الفتيات من عمر 18 إلى 24 سنة يعتبرن مراهقات، كما أوصت بالحفاظ على كرامتهن وحقهن في الاختيار وغير ذلك لا تصلح الفتاة للزواج، لا سيما إذا لم يكتمل بعد نموها صحياً وجسدياً".
وعن آثار وسلبيات زواج القاصرات في المجتمع السوداني قالت محمود إن "هناك نماذج لفتيات تزوجن في سن مبكرة مرغمات من أولياء أمورهن، مما شكل لهن عائقاً في العلاقة الزوجية مع وجود ختان الإناث ’الفرعوني‘ بشكل خاص الذي يعد الأكثر شيوعاً في السودان، إلى جانب صغر حجم الطفلة وصغر الأعضاء التناسلية، فكل هذه المشكلات تؤثر فيها وتخلق لها مخاوف وعدم رغبة وربما بروداً يلازمها مدى حياتها، وفي اعتقادي هذا هو المسكوت عنه في المجتمع السوداني".
ولفتت إلى أن "نسبة زواج القاصرات مرتفعة بشكل ملحوظ، لكن معظم المشكلات تظهر بعد الطلاق، إذ تكون الفتاة تركت الدراسة ولديها عدد من الأطفال، وغالباً ما يتنصل الزوج من مسؤوليته في تربية الأطفال، فضلاً عن أن معظم تلك الفتيات ينتمين إلى أسر فقيرة لا تقوى على احتضان أسر بناتها، مما يترك أثراً بالغاً يكون ضحيته أطفال أبرياء  ويستوجب وضع قوانين صارمة تطبق في القرى والأرياف النائية، إلى جانب رفع الوعي عبر الندوات والمحاضرات وأئمة المساجد والإشارة إليه في المناهج الدراسية وأجهزة الإعلام المختلفة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خوف العنوسة

من جهة أخرى رأت المستشارة القانونية ساره أبو أن "زواج القاصرات في السودان أصبح حديث الساعة، نظراً إلى الجهل الذي ينتشر بين أولياء الأمور، مما يدفعهم إلى تزويج بناتهم من دون إدراك منهم بصغر أعمارهن وعدم مقدرتهن على تحمل مسؤولية الزواج وما يترتب عليه من رعاية للزوج والمنزل، إضافة إلى الفقر والوضع الاقتصادي المتهالك في البلاد اللذين أفضيا إلى هذه الكارثة للتخفيف من العبء المالي الناتج من تربية الفتيات وطمعاً بالحصول على المال".
وأشارت أبو إلى أن "الخوف من العنوسة يدفع الأسر إلى تزويج بناتهم من دون النظر إلى مستقبلهن، والمؤسف حقاً هو عدم وجود قانون يحمي القاصرات من مثل هذا الزواج الفاشل، والدليل على ذلك ما تنظر فيه المحاكم من قضايا شرعية كثيرة متعلقة بزواج القاصرات. وللحد من هذه الظاهرة يجب على الأسر عدم ممارسة ضغوطات على الفتيات ومنحهن حرية الاختيار لخلق حياة زوجية مستقرة".

 فاقد مدرسي

وبحسب مديرة إدارة الحماية في المجلس القومي لرعاية الطفولة نجاة الأسد، فإن المركز أجرى مسحاً على مدارس البنات في القرى والمدن الطرفية من الخرطوم، أكد انتشار ظاهرة زواج القاصرات وأن نسبة الفاقد المدرسي بسبب زواج القاصرات في عدد من المدارس بلغ 34 في المئة، وتابعت أن "المركز شعاره القضاء على زواح الطفلات وتعزيز تعليم البنات والتزامه تكريم الطفلة ورعايتها وحفظ حقوقها، ولتحقيق ذلك يسعى المركز بالتضافر مع منظمات المجتمع المدني إلى القضاء على هذه الظاهرة والعمل على معالجة تسرب الطفلات من التعليم وإعادتهن إلى الدراسة، فضلاً عن معالجة العقبات الاجتماعية من أعراف وتقاليد راسخة داخل المجتمعات الريفية".


منظور شرعي 

من جانبه أوضح استاذ الشريعة علاء الدين أحمد أن الزواج "وسيلة لاستدامة النسل والعفة والمودة والرحمة بين الأزواج، وللمرأة حق الاختيار ويشترط لصحة الزواج الرضا والقبول، وكل الشرائع السماوية تعتبر الزواج أمراً مقدساً، بيد أن هناك مفاهيم دينية خاطئة، إذ تعتقد الأسر بأن الدين يحث على زواج الفتيات في سن مبكرة لحماية شرفها، إلى جانب دورها التقليدي كزوجة مطيعة وصالحة".

حلول ممكنة

أما الناشطة هدى عمر، فأكدت "أهمية رفع الوعي بأخطار الزواج المبكر، لا سيما زواح الفتيات وتعميق الوعي بالأخطار الصحية والجسدية والنفسية والاجتماعية التي تترتب على الأهل والزوجين"، مشيرة إلى أنه "لا بد من تضافر جهود جميع مكونات المجتمع للحد من هذه الظاهرة نهائياً". كما شددت على "تفعيل القوانين والأنظمة الشرعية والجزائية الرادعة التي تقلل من تفاقم الأزمة، بالتالي تحد من مؤشرات التخلف والجهل".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير