وفقاً لـ"منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (يونيسف) تتزوج 12 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم قبل سن الثامنة عشرة كل عام معظمهن في آسيا وأفريقيا، لكن في حين تركز المحادثات الدولية حول زواج الأطفال على البلدان الفقيرة، فإن هذه الممارسة موجودة في الولايات المتحدة أيضاً، على الرغم من أن استراتيجية الخارجية الأميركية التي أطلقت عام 2016 تعتبر الزواج قبل هذه السن انتهاكاً لحقوق الإنسان.
وتكشف التقديرات الرسمية عن أن نحو 300 ألف فتاة وفتى تزوجوا في الولايات المتحدة بين عامي 2000 و2018 قبل عيد ميلادهم الثامن عشر، فما السبب في ذلك؟ ولماذا لم تتوقف هذه الممارسة على الرغم من السياسة المغايرة من الحكومة الفيدرالية؟
مفاجأة للأميركيين
عندما يسأل المواطن الأميركي العادي عن زواج الأطفال دون سن الثامنة عشرة، فإنه غالباً ما يفكر في دولة نامية وفقيرة، إذ تجبر المصاعب الاقتصادية الآباء على تزويج بناتهم الصغار برجال أكبر بكثير، وهو ما يحدث بالفعل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على سبيل المثال، حيث تتزوج أربعة من كل 10 فتيات قبل سن 18 عاماً، وفي جنوب آسيا تتزوج ثلاث من كل عشر فتيات قبل بلوغهن هذه السن، لكن الحقيقة التي لا يعرفها معظم الأميركيين أنه بين عامي 2000 و2018 تزوج 287 ألف فتى وفتاة في الولايات المتحدة قبل عيد ميلادهم الثامن عشر، معظمهم من الفتيات، وأن 60 ألفاً منهن كانوا تحت سن الرشد في ولايتهم.
وعلى الرغم من أن "الاستراتيجية العالمية لتمكين الفتيات المراهقات" الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية التي تم إطلاقها عام 2016 وصفت الزواج قبل سن الثامنة عشرة بأنه انتهاك لحقوق الإنسان، فإن العواقب بالنسبة للأطفال الأميركيين هي نفسها بالنسبة للأطفال في كل مكان، ومنها تفاقم أخطار المضاعفات الصحية، وانخفاض التحصيل العلمي.
محاولات للإصلاح
في حين يجب أن تحمي القوانين الأطفال من مثل هذه الفظائع، بحسب ما تحث عليه "يونيسف" الحكومات في جميع أنحاء العالم، فإن أميركا لا تفعل ذلك في كثير من الأحيان، فعلى الرغم من أن الحد الأدنى لسن الزواج في معظم الولايات الأميركية الخمسين هو 18 سنة، فإن كثيراً من الولايات (44 ولاية) لديها استثناءات بشكل عام، حيث تسمح بهذه الممارسة قبل هذه السن بعد موافقة أحد الوالدين أو موافقة القاضي، بل إنه في 14 ولاية (إضافة إلى واشنطن العاصمة) يمنح قانون الولاية كتبة المقاطعات بدلاً من القضاة سلطة إصدار تراخيص الزواج للقصر، في حين لا يزال هناك تسع ولايات ليس لديها حد أدنى للسن القانونية للزواج.
مع ذلك، حققت بعض جهود الإصلاح القانوني قدراً من النجاح خلال السنوات الأخيرة، إذ أصدرت 27 ولاية على الأقل قوانين للحد من زواج الأطفال، وفي السنوات الأربع الماضية ألغت ست ولايات، هي ديلاوير ومينيسوتا ونيوجيرسي ونيويورك وبنسلفانيا ورود آيلاند، جميع الإعفاءات التي تسمح للقصر بالزواج.
مقاومة من اليمين واليسار
لا تزال مقاومة مثل هذه الإصلاحات قائمة من اليمين واليسار على حد سواء، وفقاً لتقرير نشرته مجلة "إيكونوميست" في نسختها الأميركية، ففي عام 2017، فشلت محاولة تحديد الحد الأدنى لسن الزواج في ولاية كاليفورنيا التي لا يوجد بها حد أدنى لسن الزواج، بعد معارضة جماعات حقوقية بما في ذلك "اتحاد الحريات المدنية" الأميركي ذي الميول اليسارية. وفي العام نفسه، استخدم كريس كريستي، الحاكم الجمهوري لولاية نيوجيرسي آنذاك، الذي كان حليفاً للرئيس السابق دونالد ترمب، حق النقض ضد مشروع قانون مشابه، قائلاً إنه لا يتماشى مع الحساسيات، وفي بعض الحالات، مع العادات الدينية لشعب هذه الولاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بشكل عام، فشل المشرعون في الضغط من أجل الإصلاح لأن عدد المتزوجين من القصر قد انخفض بشكل كبير مقارنة بالعقود الستة الأخيرة، ففي عام 1960 كان 6.8 في المئة من الفتيات الأميركيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و17 سنة متزوجات، واليوم وصلت النسبة إلى أقل من واحد في المئة، الأمر الذي يخفف من الإحساس بالأزمة.
يقول المدير التنفيذي لمجموعة "غير مقيدة" المعنية بحقوق الطفل، فريدي رييس، إن زواج الفتيات القاصرات يحدث في جميع المجموعات العرقية والديانات، كما أن كثيراً من الزيجات مدفوعة بالمعتقدات الدينية أو مرتبطة بالهجرة، في وقت لا يحدد فيه قانون الهجرة الفيدرالي الحد الأدنى لسن الفتاة التي يسمح لها بالموافقة على الزواج.
الوعي ومعضلات أخرى
غير أن أكبر عائق أمام إنهاء زواج الأطفال في الولايات المتحدة هو نقص الوعي، بحسب ما تشير "يونيسف"، فقد أظهر استطلاع حديث أن ما يقرب من نصف الأميركيين يعتقدون أن زواج الأطفال غير قانوني بالفعل في جميع الولايات الأميركية، بينما يعتقد الباقون أن هذه الممارسة قانونية في عدد ضئيل من الولايات.
لهذا السبب، ترى "يونيسف" أنه من دون التعليم التأسيسي والضغط العام ونشر الوعي المجتمعي، قد لا يرى المسؤولون المنتخبون أهمية للضغط من أجل إصدار تشريع يحظر زواج الأطفال رسمياً.
وتشير بيانات المنظمة في الولايات المتحدة إلى أن القضاة الذين يطلب منهم الموافقة على زواج القصر غالباً لا يستطيعون الوصول إلى المعلومات الكافية لاتخاذ هذا القرار، بينما يمكن أن تكون موافقة الوالدين أو أحدهما في كثير من الأحيان مرادفة لإكراه الوالدين، بخاصة في حال الحمل غير المتوقع، أو عدم الاستقرار المالي، أو المواقف الأخرى التي قد تؤثر على قرارهما.
الإضرار بحقوق الطفل
في جميع السيناريوهات يحد زواج الأطفال من حقوق الطفل ويحرمه من فرصة السيطرة على مستقبله. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الفتيات اللاتي يتزوجن قبل سن التاسعة عشرة أكثر عرضة بنسبة 50 في المئة للتسرب من المدرسة الثانوية. وبينما يعتقد الآباء أن الزواج المبكر في مصلحة ابنتهم، بخاصة إذا كانت حاملاً، فإن الفتيات اللائي يتزوجن قبل سن 18 سنة يتعرضن لأضرار مدى الحياة، فإضافة إلى الانفصال عن العائلة والأصدقاء بما يستتبعه ذلك من مآزق نفسية، يضاعف الزواج المبكر من فقر الفتاة واحتمالية تعرضها للضرب من قبل زوجها ثلاث مرات مقارنة بالبالغات المتزوجات. كما أن الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً، أكثر عرضة للوفاة أثناء الولادة مقارنة بالنساء في العشرينيات من العمر، ويواجه الأطفال حديثو الولادة من الأمهات الأصغر سناً أخطاراً أكبر تصل إلى الوفاة، والأهم من كل ذلك أن ما بين 70 و80 في المئة من حالات زواج الأطفال تنتهي بالطلاق.
وتعمل "يونيسف" في الولايات المتحدة وشركاؤها على سد الثغرات في قوانين الولاية التي تسمح للأطفال بالزواج بموافقة أحد الوالدين أو القاضي، الأمر الذي تعتبره خطوة حاسمة نحو حماية حق جميع الأطفال في تحقيق إمكاناتهم الكاملة، بخاصة أن 86 في المئة من حالات زواج الأطفال في الولايات المتحدة تنطوي على فتاة متزوجة من رجل أكبر بكثير، ولهذا يجب على حكومات الولايات الاستثمار في الأنظمة التي تدعم الفتيات المستضعفات وأسرهن.
ومع إقرار مزيد من الولايات قوانين تحظر زواج الأطفال، ستقترب الولايات المتحدة من تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، الذي يدعو إلى إنهاء زواج الأطفال بحلول عام 2030، وهو ما تأمل "يونيسف" وعدد من منظمات حقوق الطفل تحقيقه.