Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأخبار في 2023 رهن الذكاء الاصطناعي والتواصل الاجتماعي

"ستحتاج غرف الأخبار التقليدية إلى رؤساء ومديرين على قدر أكبر من الرشاقة والحساسية العاطفية… إما أن تتأقلم أو تموت"

ستزيد الحاجة إلى صحافي البيانات وهي سلالة جديدة من الصحافيين الذين يعتمدون على البيانات والإحصاءات والمعلومات الكمية لرواية القصة الصحافية (أ ف ب)

يمني الصحافيون والعاملون في مجال الإعلام التقليدي أنفسهم بأن عام 2023 سيحمل لهم أخباراً طيبة في ما يختص بإعادة الاعتبار لمهنتهم المغدورة وإمكاناتهم البشرية المهدورة. الأمنيات الخفاقة والآمال الوهاجة مصدرها أخبار تواترت على مدار النصف الثاني من العام الماضي عن تعثرات تصيب كبرى شركات الواقع الافتراضي والتواصل الاجتماعي. لكن هل تعود الحياة للصحافة على حساب تغير ملوك شركات التكنولوجيا؟

أليست هذه هي الشركات صاحبة المنصات والتطبيقات التي مكنت كل من هو قادر على توصيل شاشته بالشبكة العنكبوتية أن يصبح صحافياً أو مذيعاً أو محللاً أو منظراً له من المتابعين الملايين الذين هجروا وسائل الإعلام التقليدية؟!

عصر النهايات البائسة؟

ألم يلمح أو يجاهر أو يحلل كل ضالع أو مهتم بالشأن الخبري إلى أن عصر النهايات البائسة لم يعد يلوح في الأفق، بل جثم على أنفاس الأفق وكاد يسحقه؟! ألم تخرج أطروحات دكتوراه عن مصير الأخبار المحتوم في العصر الرقمي وزمن هيمنة التواصل الاجتماعي وسيطرة المواطن الرقمي؟ ألم يبذل مجتمع الأخبار والإعلام الجهد والمال والوقت والعتاد من أجل اللحاق بالعالم الافتراضي لعل حلاً وسطاً يرضي أباطرته ويبقون على الإعلام التقليدي حياً يرزق ولو على هامش أثير العنكبوت؟
لكن يبدو أن أثير العنكبوت يعد العدة لشكل ما من مستقبل الأخبار والإعلام لا يعلمه إلا الله والقائمون على أمر شركات منصات التواصل الاجتماعي والواقع الافتراضي وأقرانها من القوى العظمى وممثليها في الكوكب.

تهديد ووعيد

قبل أيام من نهاية عام 2022، هددت شركة "ميتا" (التي تملك "فيسبوك") بإزالة المحتوى الخبري من على منصاتها إن مضى المشرعون الأميركيون قدماً في تمرير تشريعات اعتبرتها الشركة "خطراً على نموذج عملها".
هذه التشريعات - حال الموافقة عليها - كانت ستتيح لوسائل الإعلام الأميركية التقليدية أن تتفاوض تفاوضاً جماعياً مع شركات التكنولوجيا الكبرى وعلى رأسها "ميتا" المالكة أيضاً لـ "إنستغرام"، و"ألفابت" المالكة لـ "غوغل"، حول قواعد نشر المحتوى الإعلامي على منصاتها، وهو ما يضمن للإعلام التقليدي قدراً أوفر من العائدات المالية في مقابل نشر المحتوى الصحافي.
لكن هذا "القدر الأوفر" لم يرض "ميتا" التي لم تفكر مرتين قبل أن تهدد وتتوعد بأنه في حال تمت المصادقة على التشريع، فإنها ستحذف الأخبار برمتها من منصاتها، ولن تخوض مفاوضات تفرضها الحكومة "التي تتجاهل ما تقدمه ميتا للمنصات الإخبارية التقليدية من فوائد ومميزات عبر زيادة الزيارات والاشتراكات بنشر الأخبار على منصاتها".

حرب المنصات

حرب المنصات بين حماة الأخبار التقليدية (ولو كانت على منصات عنكبوتية) وبين ملاك العالم الافتراضي دائرة منذ بزوغ نجم الواقع الافتراضي برموزه وتطبيقاته وشركاته. في البدء كانت الدهشة والإثارة، ثم حان موعد الصدمة ومحاولة تفادي الخبطات والسحجات (خدوش) الناجمة عن سرعة الاحتلال والإزاحة، وحالياً يشهد العالم جهود تقديم الإسعافات الأولية مع بعض الإجراءات الوقائية للأخبار التقليدية. وبين محاولة مجاراة إيقاع المنصات السريع واللحظي والفوضوي حيناً والمثير والساخن والمدهش حيناً، وجهود توضيح الفرق بين الخبر المؤكد والمحقق ومتكامل العناصر وبين الخبر الذي قد يكون مفبركاً أو مخلقاً أو موجهاً لإحداث تأثير شرير أو إحداث حرب ضروس، نمت العلاقة بين الطرفين لكن ظل الالتباس قوامها والصراع إطارها مع بقاء عقيدة عدم ثقة القديم في الجديد، وعدم اعتداد الجديد بالقديم.
يقولون إن أبرز الجديد هذا العام في مجال الذكاء الاصطناعي الآخذ في الهيمنة – على رغم العثرات المادية لمليارديرات الشركات التكنولوجية - هو روبوت الدردشة "تشات جي بي تي" الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي الذي طورته شركة "أوبن إيه آي" التي يملكها إيلون ماسك. هذا الروبوت الذي يمارس رقابة ذاتية ويطور محتوى بناء على رغبة المستخدم يتوقع له أن يدخل بكل قوته على ساحة الأخبار والصحافة. القائمون على أمر هذا الروبوت يتوقعون أن يتمكن في القريب العاجل من كتابة مواضيع صحافية رائعة عن قضايا عدة. وقبل أن يسقط الصحافيون مغشياً عليهم لهول الصدمة، فإن تمكين الروبوت من كتابة هذه المواضيع سيحتاج إلى خبرات ومعارف الصحافيين من بني البشر، ولكن كباحثين.

البحث عن مستقبل

البحث عن مستقبل الأخبار في عالم لا يهيمن الذكاء الاصطناعي على جانب كبير منه فقط، ولا يهرول بسرعات كبيرة نحو مزيد من الهيمنة فقط، بل تقف شركات التكنولوجيا الكبرى وعلى رأسها شركات منصات التواصل الاجتماعي وتقنياتها على قدم المساواة مع قوى العالم العسكرية والسياسية والاستراتيجية العظمى وربما يتقدمونهم ببعض خطوات أمر بالغ الصعوبة.
صعوبة التنبؤ بمستقبل الأخبار تكمن في تقلص دور "البلورة المسحورة"، وهو الهامش الذي يمكن الناظرين من خلط التوقعات بالآمال، لصالح توسع فضاء قراءة المستقبل واستشرافه بناء على مؤشرات شبه مؤكدة وتوجهات شبه يقينية. ليست صعوبة بقدر ما هي قسوة، وذلك بسبب قتامة المشهد لأولئك القابعين على ضفة الأخبار بشكلها التقليدي.
يتوقع "معهد سان بول لتعليم الاتصال" (مقره مومباي) أن يكون مستقبل قطاع من الأخبار في عام 2023 تقارير يكتبها الذكاء الاصطناعي مع تغير الطريقة التي يستهلك بها القراء هذه التقارير حيث الخطوط الفاصلة بين الصحافة والتكنولوجيا والترفيه تسير من متداخلة إلى متداخلة جداً.
وتشير دراسة للمعهد عنوانها "ما مستقبل الصحافة الرقمية؟" (2022) إلى أن عديداً من المنصات في السنوات الأخيرة دأبت على إنتاج مواضيع صحافية آلية أو مؤتمتة، أي مكتوبة أوتوماتيكياً، تتعلق بمواضيع عدة مثل الاقتصاد والسفر، وذلك باستخدام برامج توليد اللغة التي يمكنها تحويل البيانات إلى كلمات وجمل مقروءة. هذه المقالات الآلية تكتب من دون أي تدخل بشري، فقط خوارزميات تعالج البيانات الأولية وتنشئ مواضيع استناداً إلى قوالب أو أشكال مبرمجة مسبقاً.

تهديد وتشكيك

هذه المقالات الآلية قوبلت بردود فعل متباينة في الوسطين، الصحافي وبين المتلقين. بالطبع، تطغى على الضالعين في العمل الصحافي ميول عدائية أو فلنقل مشككة أو ناقمة على الزملاء الرقميين حيث "المشرحة ليست في حاجة إلى مزيد من القتلى" ويكفي الوسط والعاملون فيه ما يعانونه من مشكلات عدة جراء المنافسة الحامية مع الـ "سوشيال ميديا".
هذه الجبهة الجديدة من الصحافة الرقمية تظهر في وقت تعاني فيه المؤسسات الإخبارية والإعلامية الأمرين في محاولات حثيثة ومنهكة للحاق بوتيرة التغييرات التكنولوجية المتسارعة، وهو ما يضيف صعوبة إضافية إلى صعوباتها الكثيرة.
وتشير الدراسة المتوقعة لمستقبل الصحافة الرقمية إلى أن تؤدي التغيرات الكثيرة الحادثة في مجال الصحافة، لا إلى انقراض الصحافي التقليدي ولكن إلى زيادة الطلب على أنواع جديدة من التخصصات والمواهب والإمكانات على حساب الصحافي التقليدي، صحافي الأخبار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مطلوب صحافيون

الأنواع الخمسة الجديدة من الصحافيين هم: الصحافي الشخصي أي القادر على سرد القصة بطريقة تفاعلية بعيدة من النمطية، الذي يستخدم مهاراته لتسليط الضوء على قضايا تهم الغالبية أو ثقافات مثيرة للاهتمام مع اتساع نطاق اهتماماته لتشمل العالم كله.
كما تزيد الحاجة إلى الصحافي المواطن الذي اكتسب مكانة كبيرة على مدار العقد الماضي ويتوقع أن يكتسب مزيداً منها عبر الحاجة إلى عدد أكبر من المواطنين العاديين الذين ينقلون الأخبار المصحوبة بتعليقات تحظى باهتمام المتلقين، وهو ما يعني أن الصحافي المواطن هو الآخر سيكون في حاجة إلى التحسين من قدراته وإمكاناته بعد ما ازدحمت الساحة بهم.
وستزيد الحاجة إلى صحافي البيانات وهي سلالة جديدة من الصحافيين الذين يعتمدون على البيانات والإحصاءات والمعلومات الكمية لرواية القصة الصحافية. هذه السلالة ليست مجرد أشخاص قادرين على استخدام تقنيات مثل "إكسيل" وغيرها، لكنهم صحافيون يكتبون مواضيع صحافية برؤى قائمة على البيانات. ويتوقع أن يزدهر هذا النوع من الصحافة - الموجود منذ سنوات ولكن لم ينتبه كثيرون لأهميته إلا في السنوات القليلة الماضية- في ضوء توافر قدر كبير من المعلومات في التنسيقات والتطبيقات الرقمية مثل جداول وقواعد البيانات وغيرها.
الفئة الرابعة من الصحافيين المطلوبين في المستقبل القريب الذي يبدأ الآن هي صحافيو التواصل الاجتماعي. لم يعد نشاط الصحافي على منصات التواصل الاجتماعي مهماً لترويج عمله والمؤسسة الصحافية التي ينتمي إليها، بل صار الصحافي المتخصص في التواصل الاجتماعي فئة مطلوبة ربما أكثر من الصحافي العادي. مطلوب صحافي يتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها منصات النشر الرئيسة، وليست البديلة أو المكملة. هذا النوع من الصحافيين يدركون أن استهلاك المتلقين للأخبار بات مختلفاً وجرعات الأخبار ومكوناتها المطلوبة أيضاً مختلفة عن المتعارف عليه في المنصات الإخبارية التقليدية. ببساطة شديدة، ثقافة طرح واستهلاك الأخبار تتغير.

صحافة الواقع الافتراضي

الفئة الخامسة والأخيرة – حتى إشعار آخر- هي صحافة الواقع الافتراضي، وهي شكل من أشكال الاستهلاك الحديث للأخبار. ويستخدم هذا النوع الواقع الافتراضي لسرد القصص والإخبار بقصص تشكل على من يصورها أو ينقلها، خطورة شديدة. صحافة الواقع الافتراضي أو الصحافة الغامرة التي تجعل المتلقي يسمع ويشعر ويرى ويشم الخبر وأجواءه وكأنه في موقع حدوثه.
وعلى رغم طرح عديد من التساؤلات الأخلاقية حول هذا النوع من الصحافة، والخط الرفيع الفاصل بين الواقع والخيال في هذا النوع، إلا أنه من المؤكد أنها آخذة في النمو وستستمر بالانتشار.
الذكاء الاصطناعي الآخذ حتماً في الانتشار في 2023 يعد بآثار أعتى على الإعلام والصحافة التقليديين بشكل أكبر وأعمق، لا سيما وأن الحديث الدائر لم يعد عما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيغزو الإعلام والصحافة والخبر بشكل أكبر أم لا، بل ما الذي سيحدث بينما الغزو محتدم والأثر متفاقم؟ أحد أكبر التغيرات المتوقعة ستأتي من الجانب الآخر، أي جانب المتلقي. المتلقي الذي ساهم – بعلم أو من دونه وبنية أو من دونها - في استحواذ منصات التواصل الاجتماعي على جانب معتبر من منصات الإعلام والأخبار التقليدية وسحب البساط من تحت أقدامها وتركها تصارع من أجل البقاء بشكل متزايد بفضل دمقرطة الإنترنت وإتاحة المنصات للجميع، مما سيساهم في تحديد مساحة هيمنة الذكاء الاصطناعي على الأخبار.

دمقرطة الذكاء الاصطناعي

جار حالياً دمقرطة الذكاء الاصطناعي، أي إتاحته بشكل أوفر وأوسع لأعداد متزايدة من البشر، وهو ما سيلقي بالظلال الأولى والأسرع على قطاع الإعلام والأخبار التقليدي. ستجد هذه المؤسسات نفسها مدفوعة بغريزة حب البقاء إن لم يكن حب الأداء والمنافسة والتألق لتعيد التفكير بأهمية الإبداع والموهبة والاختلاف في ما تقدمه من محتوى.
لن يترك الذكاء الاصطناعي مجالاً إلا ويطرقه، ولم يدع عملاً إلا ويؤثر فيه وعلى الأرجح يجعله أرخص. لكن هل هذا هو ما تريده المؤسسات الإعلامية والإخبارية التقليدية التي تصارع من أجل البقاء في ضوء شح الإعلانات ونضوب مصادر التمويل؟ الذكاء الاصطناعي يأتي وفي جعبته حلول للمشكلات وإجابات سريعة وغير مكلفة للأسئلة المتعلقة بالبيانات في قطاعات الأعمال المختلفة، وهو ما يعد بتقليص هوامش الإنفاق على مجالات بحثية وإعلامية وخبرية كانت تقدم هذه الخدمات.
هذه الخدمات التي كانت تقدم في صورة صحيفة ورقية يشتريها الناس من بائع الجرائد، أو اشتراك شهري أو سنوي يسدد للمؤسسة الإعلامية، أو اطلاع على موقع إلكتروني يجذب الإعلانات مع كل نقرة زر أو تحقيق مشاهدات على شاشة التلفزيون تقف في مهب الريح لا سيما في الدول ذات الدخول التي تحول دون مواظبة المواطنين على شراء الصحيفة أو سداد اشتراك القراءة، ناهيك عن تفضيل منصات التواصل الاجتماعي للحصول على وجبة اليوم الخبرية حتى لو لم تكن مؤكدة أو يختلط فيها الخبر بالرأي بالتوجيه بالاستقطاب.

توقعات 2023

"معمل نيمان" التابع لـ "مؤسسة نيمان للصحافة" في جامعة هارفارد الأميركية والمتخصص في التنبؤ بمستقبل الصحافة في ظل الإنترنت والرقمنة يستطلع في نهاية كل عام آراء وتوقعات العاملين في الوسط الصحافي والإعلامي الخاصة بمستقبل المهنة. في نهاية 2022 جاءت أبرز التوقعات كما يلي: "أخيراً سيبدأ الممولون بالرهان على رواد الأعمال في الجيل التالي من الأخبار"، "لو أتمتنا (صنعنا أتوماتيكياً) الأخبار الخاصة بالسلع والبضائع سنتكمن من تقديم محتوى أكبر من الأخبار لمن يهمهم الأمر"، "صحف ومواقع عالمية كبرى ستتحول إلى المحلية"، "ستتحول المؤسسات الإعلامية الكبرى أكثر فأكثر صوب القيم المشتركة كوسيلة وحيدة متاحة للحيلولة دون انهيار صناعة الإعلام والأخبار"، "منصات التواصل الاجتماعي أبعد ما تكون عن الاندثار"، "ستحتاج غرف الأخبار التقليدية إلى رؤساء ومديرين على قدر أكبر من الرشاقة والحساسية العاطفية"، "إما أن تتأقلم أو تموت".

اقرأ المزيد

المزيد من علوم