Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتجه إلى أزمة طويلة في قطاع الألبان لأسباب مناخية واقتصادية

فقدت البلاد أكثر من 35 في المئة من قطيعها المنتج للحليب وسط استياء من تراجع المنتَج المحلي

مربية أبقار مع ماشيتها في منطقة ماطر شمال تونس، في 14 مارس 2019 (أ ف ب)

شهدت تونس في الأشهر الأخيرة نقصاً في تزويد السوق ببعض المواد الغذائية. وأحدث غياب بعض المواد الأساسية موجة استياء لدى التونسيين لم تقتصر على الأغذية المستخرجة من الحبوب والزيوت النباتية فحسب بل تجاوزته إلى مادة الحليب الذي يمثل عنصراً غذائياً أساسياً نظراً إلى النمط المتبع لدى التونسيين. وكشفت ندرة هذه المادة في الأسواق المحلية أزمة حادة يعيشها منتجو الحليب في تونس منذ سنوات. واتهم ناشطون بالقطاع الفلاحي وتحديداً الإنتاج الحيواني سلطة الإشراف بتجاهل نداءات الاستغاثة التي أطلقوها بسبب "التهديدات التي طالت منظومة كاملة لطالما مثلت مفخرة للقطاع الفلاحي بتوفيرها حاجيات البلاد وتحقيقها الاكتفاء الذاتي وتمكنها من اقتحام أسواق خارجية بجودة عالية". وذكر متابعون أن "منظومة إنتاج الحليب انهارت وهو المصير الذي ينتظر بقية المنظومات في حال مواصلة التغاضي عن الإشكاليات المرتبطة بالمناخ وندرة المياه وغلاء أسعار العلف وعدم التمكن من السيطرة على مسالك توزيع المواد الأولية والسوق السوداء ثم الانعكاسات الأخيرة للحرب الأوكرانية التي أطلقت عليها رصاصة الرحمة". علماً أن الأسرة التونسية تستهلك حوالى 25 ليتراً من الحليب في الشهر، وفق إحصائيات المعهد الوطني للاستهلاك (حكومي).

تآكل المخزون

وكان مصنعو الحليب نبهوا إلى نقص في الإنتاج منذ منتصف السنة الماضية. وقال رئيس الغرفة الوطنية لمصنعي الحليب ومشتقاته (مستقلة) علي الكلابي إن "الأزمة لاحت في الأفق بسبب ما بدا من نقص في الإنتاج واستهلاك المخزون الاستراتيجي من الحليب، بعدما ارتفعت أسعار الأعلاف منذ مارس/ آذار 2022 و لم تراع كلفة الإنتاج لدى مربي الأبقار بإقرار زيادة في الأسعار"، مضيفاً أن "آخر زيادة أُقرت كانت في أبريل/ نيسان 2022 بقيمة 120 مليم (0.04 دولار) لليتر الواحد من الحليب وهي ضئيلة للغاية وغير مجدية بحكم أن الكلفة في تلك الفترة بلغت 1600 مليم (0.521 دولار) لليتر الواحد، بينما تباع من طرف المربي بـ1140 (0.371 دولار) و1200 مليم (0.390 دولار)، أي  بخسارة تقدر بنحو 400 مليم في الليتر (0.130 دولار)".
وسجل المخزون الاستراتيجي التونسي من الحليب تراجعاً من 54 مليون ليتر في نهاية يوليو (تموز) 2021 إلى 34 مليون ليتر في يوليو 2022 و29 مليون ليتر في أغسطس (آب) 2022، بينما تظهِر المؤشرات الحالية نفاده بالكامل بفعل اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي على خلفية تراجع الكميات اليومية التي تصل إلى المصانع. و"طالب المصنعون الحكومة منذ أكثر من سنة بالتدخل لإقرار زيادة في الأسعار لإنقاذ منظومة الإنتاج أو تعويض النقص الحاصل المنذر باللجوء إلى التوريد من دون جدوى"، وفق الكلابي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أسعار الأعلاف والجفاف والتهريب

 في المقابل، كشف أنيس خرباش نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة مستقلة) عن "عدم تجاوب سلطة الإشراف ممثلة بوزارة الفلاحة مع نداءات الاستغاثة التي أطلقتها المنظمة لإنقاذ منظومات الإنتاج المنهارة التي لطالما شكلت قوام الأمن الغذائي في تونس ويمثل الحليب إحدى أهم حلقاتها، وذلك بعد أن التقى وفد من المنظمة الفلاحية، رئيسة الحكومة نجلاء بودن منذ ثلاثة أسابيع، حيث قدمت وعوداً بفتح الملف الحارق والتطرق إلى معضلة ارتفاع  كلفة الإنتاج والسعي إلى زراعة الأعلاف الخضراء ودعم الأعلاف المستوردة كحلول أولية".
وذكر خرباش أن "كلفة الإنتاج ارتفعت إلى 1800 مليم (0.586 دولار) لليتر الواحد. وطالب المربون للأبقار بزيادة عاجلة قدرها 800 مليم (0.260 دولار) في الليتر إضافة إلى وضع أسس استراتيجية لاستعادة عافية القطاع، أهمها دعم الأعلاف المستوردة بسبب ارتفاع أسعارها بنسبة 40 في المئة بالسوق العالمية بسبب الحرب الأوكرانية وعجز المربين الصغار عن التزود بها".
وسُجل نقص في الأعلاف المركبة في السوق منها الصوجا (فول الصويا) والشعير. وتم اللجوء إلى استيراد الشعير بكثافة بسبب تراجع محاصيل الحبوب بفعل الجفاف. وعجزت السلط المعنية عن التحكم في مسالك توزيع الأعلاف الملتوية وانتشار السوق السوداء، ما أدى بالفلاحين إلى الخضوع لأسعار تساوي ثلاثة أضعاف سعرها الحقيقي من 12 ديناراً تونسياً (3.9 دولار) إلى 50 ديناراً (16.2 دولار) للكيس علاوة على غياب مراقبة الأعلاف المركبة من حيث الجودة، وهي إشكاليات قديمة متجددة سُجل تأخير في معالجتها. وتأتي الحاجة الماسة إلى التأسيس لاعتماد استعمال المياه المعالجة للمراعي على رأس الأولويات التي طُرحت من قبل المنظمة الفلاحية منذ سنوات للحسم في معضلة الأعلاف.

ونبه خرباش إلى خطورة جذور وتبعات تراجع الإنتاج "ما يهدد باستفحال النقص لسنوات مقبلة بسبب تفويت صغار مربي الأبقار في القطيع الذي اضمحل بفعل التهريب إلى بلدان مجاورة أو البيع أو استقطابه من قبل المذابح". وهي ردود فعل بديهية من قبل المنتجين الذين تكبدوا خسائر فادحة بسبب العجز عن تغطية تكاليف الإنتاج منذ سبتمبر (أيلول) 2021. وانطلقت مرحلة فقدان القطيع بعد أقل من سنة من ذلك التاريخ وتحديداً في يونيو (حزيران) 2022. وخسرت تونس ما يزيد على 35 في المئة من قطيعها المنتج للحليب، أي ما يتجاوز 40 ألف بقرة حلوب من مجموع 200 ألف. وبالإشارة إلى صعوبة استرجاع القطيع، فمن المرجح أن تعاني السوق من نقص في الإنتاج لفترة طويلة بسبب انتقال نسبة كبيرة من الناشطين في قطاع الألبان، وعددهم 120 ألف مرب، إلى أنشطة أخرى. وتفتقر السوق المحلية حالياً إلى 30 في المئة من حاجياتها من الألبان، ما يساوي مليون ليتر يومياً. ويبلغ معدل استهلاك السوق المحلية مليوناً و800 ألف ليتر حليب يومياً. وتراوح معدل الإنتاج في السابق بين مليون و800 ألف ليتر ومليوني ليتر يومياً ما يلبي الحاجيات المحلية بالكامل. وانخفض المعدل حالياً إلى مليون و200 ألف ليتر بنقص قدره 600 ألف ليتر. ويُنتظر أن تواجه تونس صعوبات بقدوم شهر رمضان الذي يرتفع فيه الاستهلاك ليبلغ مليونين و200 ألف ليتر يومياً.
وعبر خرباش عن أسفه لما آل إليه القطاع "الذي أمضت تونس حوالى 40 سنة في تشييده لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالكامل".

اقرأ المزيد