Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"غش الأغذية"... أحدث تشوهات الأزمة اللبنانية

لبنة مخلوطة بـ"النشاء والجفصين" ودجاج فاسد وتلاعب في تاريخ الصلاحية ومطالبات بتشديد الرقابة

على المواطن اللبناني الحرص على اختيار المنتجات ذات المصدر الموثوق (رويترز)

مع تردي الوضع الاقتصادي والانهيار المالي يشكل الأمن الغذائي هاجساً للبنانيين، فالكل يدرك أنه مهدد في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وضعف الرقابة على منتجات الطعام والشراب بما أن الأزمة طاولت جميع القطاعات ومؤسسات الدولة.

في مثل هذه الظروف من الطبيعي أن تتكرر الفضائح الغذائية، التي تتعلق بمختلف المنتجات، مما يشكل تهديداً لصحة المواطن وحياته، ليضاف هم جديد إلى كل الهموم التي يتحملها في هذه المرحلة.

كثرت حالات التسمم الغذائي في لبنان خلال الأشهر الماضية، ويبدو أن الألبان والأجبان أصبحت مصدر القلق الأساسي للمواطن، فقد صدرت تقارير تشير إلى وجود ماركات عديدة من اللبنة غير مطابقة للمواصفات.

انطلاقاً مما يشاع حول أن أنواعاً من اللبنة قد تحتوي على مواد مسرطنة أو مكونات غير مطابقة للمعايير كـ"الجفصين" والنشاء، أجرت وزارة الصحة اللبنانية فحوصاً لعينات أخذت من معامل لإنتاج الألبان بمناطق مختلفة للتأكد من سلامتها.

وكانت مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد قد داهمت معامل عدة لإنتاج الألبان والأجبان وعمدت إلى إقفالها بانتظار أن تصحح وضعها ليسمح لها بمعاودة نشاطها.

أشكال الغش

في حديثه مع "اندبندنت عربية"، أكد المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر أن بعض التجار يستغلون الأزمات لتحقيق الأرباح، ولو على حساب صحة المواطن وسلامته.

وقال أبو حيدر "بالنسبة إلى أنواع اللبنة رخيصة الثمن المتوافرة بكثرة في الأسواق أخيراً، كانت هناك علامات استفهام حولها مما استدعى أخذ عينات منها، ومن المتوقع سحب أنواع عدة من اللبنة خلال الساعات المقبلة.

وأضاف أن "بعض المعامل المنتجة للألبان والأجبان عمدت إلى استخدام النشاء في اللبنة بهدف زيادة وزنها بما أن الماء يتجمع في النشاء، وهذا ما يعتبر غشاً، وسيتم سحب هذه الأصناف من الأسواق بطبيعة الحال انتظاراً لصدور النتائج النهائية"، لافتا إلى أن "هناك أنواعاً تبين أنها تحتوي على الزيوت النباتية وتباع على أنها لبنة، ومن الممكن أن تسبب أمراضاً لكثيرين".

وأشار أبو حيدر إلى أنه "تم ضبط لحوم هندية تباع على أنها لحوم طازجة، وإن كانت مطابقة للمواصفات إلا أن هذا يعتبر غشاً ومخالفاً للقانون، لذلك قامت وزارة الاقتصاد بمداهمات عديدة وعمليات إقفال بانتظار تصحيح هذه المعامل المعنية والمستودعات وضعها، ومن الممكن إعادة فتحها إذا تقيدت بالشروط المطلوبة".

خطر الأمراض

تعتبر الألبان والأجبان من المنتجات التي تحقق معدلات ربح كبيرة عند التلاعب بها، وفق ما أوضح رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، وهذا ما يفسر الغش الحاصل في هذا المجال.

وقال برو "تماماً كما انتشرت المعامل غير المستوفية الشروط وغير الشرعية في فترة الحرب الأهلية، نجد الآن هذه الأزمة تتزايد بشكل غير مسبوق، نظراً إلى الارتفاع الجنوني بأسعار مشتقات الحليب، مما دفع بعضهم إلى تقليد مشتقات الحليب وبيعها لتحقيق الأرباح".

وأكد "في الواقع تحتوي تلك المنتجات المغشوشة على نسبة عالية من أسوأ أنواع الزيوت، مما يشكل خطراً على صحة المواطنين، كما أن مذاقها يختلف عن اللبنة، وتبين في نتائج الفحوص لعينات أخذت من مناطق عدة أن قسماً كبيراً منها غير مطابقة للمواصفات، فإما أن المعمل المنتج أضاف إليها النشاء أو مزجها بالجفصين أو مكونات أخرى بهدف تحقيق مزيد من الأرباح، يؤكد ذلك أنه ثمة فوضى واضحة بهذا المجال".

 

 

أشار برو إلى "وجود منتجات يبدو تاريخ انتهاء مدة صلاحيتها بعيداً لكنها فاسدة، مما يؤكد أنه تم التلاعب بالتاريخ، وينطبق هذا على الحبوب وغيرها من المنتجات الغذائية وتكثر الشكاوى حول هذا الموضوع".

وشدد على أنه "لا بد للمواطن في هذه الظروف التأكد من المصدر، واختيار الماركات المعروفة الحاصلة على تراخيص قديمة وليس تلك التي ظهرت أخيراً، إضافة إلى تجنب اختيار المحضر الغذائي في ما يتعلق بالألبان والأجبان، هذا إضافة إلى ضرورة تجنب المعلبات غير المرخصة".

منتجات فاسدة

ولفت برو إلى "أن الفحوص التي قامت بها وزارة الاقتصاد لعينات من منتجات محلية الصنع أكدت أنها فاسدة، بالتالي قد يدعو ذلك المواطنين إلى عدم اختيارها، على رغم الجهود لتشجيع الصناعات المحلية في هذه المرحلة، بشكل عام لا بد للمواطنين التدقيق بالمنتجات التي يختارونها وأن تكون حائزة شهادة أيزو (شهادة صناع الغذاء السليم)".

وقال "قد تكون هذه المرحلة في غاية الخطورة بسبب الأزمة الاقتصادية، التي قد تدفع المواطن إلى اختيار المنتج الأرخص ثمناً، بغض النظر عن آثاره الصحية، لكن يبقى الحرص ضرورياً وكذلك التأكد من نوعية المنتجات ومن كونها غير فاسدة بالنظر إلى شكلها ومصدرها".

وشدد برو على "الحاجة الملحة إلى وضع نظام سياسي واقتصادي جديد على إثر هذه الأزمة، وإلا فاللبناني مقدم على حال شبيهة بتلك التي كانت سائدة في فترة الحرب الأهلية لجهة الفساد بالغذاء والتلاعب والتزوير بهذا المجال مما يهدد بارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان وغيره من الأمراض خلال السنوات المقبلة، هي مرحلة كان من الصعب الخروج منها بعد الحرب الأهلية وسيكون الخروج منها أصعب حالياً".

على حساب المواطن

من جهتها أشارت مديرة الوقاية الصحية في وزارة الصحة العامة جويس حداد إلى أن دور وزارة الصحة هو التأكد من توافر الموصفات المطلوبة للمنتجات الغذائية ومن تطبيق المعايير المطلوبة حفاظاً على صحة المواطن وسلامته، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت حداد "في ما يعتبر التدقيق في نوعية المنتج من مسؤولية مصلحة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد، فعلى وزارة الصحة التحقق مما إذا كان للمنتج المعني أي أثر في صحة الإنسان خلال مراحل إنتاجه المختلفة".

وأوضحت "أثناء القيام بالكشوفات الدورية قد يصعب الكشف عن الغش خلال مراحل الإنتاج، لكن يمكن التأكد مما إذا كانت مطابقة للمواصفات بالاستناد إلى المنتج النهائي وفق العينات المأخوذة منه، عندها يمكن التأكد ما إذا كان يحتوي على مواد كيماوية أو مسرطنة أو إذا كانت مواصفاته غير مطابقة".

ولفتت حداد إلى أن "الغش الغذائي كان موجوداً دوماً، ومن المتوقع أن يزيد في ظل الأزمة، لكن في ما يتعلق حالياً بصناعة الألبان والأجبان لم يتم ضبط منتجات ممنوعة بل تلك المغشوشة، وهذا ما يعاقب عليه القانون لاعتماد تسمية غير صحيحة لمنتج غذائي، حيث قام بعض المنتجين بالتزوير والغش عبر بيع المحضر الغذائي على أنه لبنة من الحليب الطبيعي".

المحضر الغذائي موجود في مختلف دول العالم ويسمح ببيعه من دون مشكلة، لكن لا بد من أن يميز المواطن بينه وبين اللبنة التي تحضر من الحليب الطازج، وهي الطريقة الوحيدة لصنع اللبنة المتعارف عليها، أما المحضر الغذائي فيحتوي على الزيوت والمواد المضافة ويصنع من الحليب البودرة، بشكل عام هو عبارة عن تركيبة تحتوي على مواد مصنعة وتزيد فيه كمية الدهون المشبعة للاستفادة على المستوى المادي، وليس ممنوعاً في لبنان أو العالم، وفق حداد.

لكن تسمية هذا المنتج على أنه لبنة يدخل في إطار الغش الغذائي الذي يعاقب عليه القانون، لذلك بعد التشدد في هذا المجال، أصبحت تتوافر بالأسواق منتجات كتب عليها أنها "محضر غذائي"، سواء بالنسبة إلى البنة أو اللبن أو الجبن أو الحليب.

تمييز على أساس الأسعار

للتمييز فعلياً بين هذه المنتجات، على المواطنين التدقيق في الأسعار، فطبيعة الحال ثمة فارق كبير بين سعر المحضر الغذائي الذي يكون منخفضاً، مقارنة مع اللبنة المصنوعة من الحليب الطبيعي، الذي تزيد كلفته على المعمل المنتج.

وزارة الزراعة حددت سعر كيلوغرام من الحليب بدولار، وعلى هذا الأساس يمكن احتساب السعر المحتمل للبنة كمنتج نهائي، وفق حداد، لأن المحضر الغذائي يحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون المشبعة يمكن أن تشكل خطراً على الصحة، خصوصاً لمن يعاني مشكلات في القلب أو ارتفاعاً بمعدلات الدهون في الدم، عندها يجب تناول اللبنة فقط وليس المحضر الغذائي لارتفاع معدلات الدهون فيه، إضافة إلى مواد أخرى.

تجدر الإشارة إلى أن الماركات الموثوقة سابقاً تبقى كذلك وتستمر في الالتزام بالمعايير، بينما تلك المعامل التي تم إقفالها بعد ثبوت غش المنتجات ليست لعلامات معروفة أو من تلك الموثوقة أصلاً.

منتجات أكثر خطورة

ليست الألبان والأجبان وحدها المنتجات التي على المواطن الحذر منها، فتكثر في هذه المرحلة الفضائح الغذائية، نظراً إلى تراجع إمكانات مؤسسات الدولة.

في الصيف الماضي تم تسجيل ارتفاع مفاجئ وغير مسبوق بمعدل حالات التسمم الغذائي، وكان السبب في الدجاج الفاسد بالدرجة الأولى بوجود خطر الإصابة بالسلمونيلا التي تعتبر أخطر أنواع البكتيريا.

كما شهدت اللحوم حالات غش عبر المزج بين تلك الطازجة والمبردة، فالغش الغذائي يطاول بشكل أساسي المنتجات الحيوية التي يعتبر هامش الربح فيها مرتفعاً حال التلاعب بها، حتى إن الخبز لم يسلم من الغش وتم كشف تلاعب فيه بإضافة مواد ملونة، خصوصاً الخبز بالشوفان.

وتتزايد التحديات التي تواجهها الوزارات المعنية حالياً، في ظل هذه الظروف الصعبة، خصوصاً مع الارتفاع الكبير بعدد المؤسسات بمجال الصناعة الغذائية، مما يفاقم من صعوبة المراقبة.

كما تدخل مشكلة تغيير تواريخ الصلاحية ضمن التحديات التي تمت مواجهتها في لبنان، إذ لجأت بعض المستودعات إلى هذا النوع من الغش وتم ضبط عديد منها وإقفالها.

وتكمن المشكلة في أنه من الصعب على المواطن أن يدرك هذا الغش إلا إذا فسد المنتج وظهرت عليه علامات تؤكد انتهاء مدة صلاحيته، والأسوأ أن تلك الجهات التي تعمل على الغش تقوم بهذه الخطوة مع منتجات يمكن أن تحفظ لوقت أطول من دون أن تظهر عليها أية علامات، لكنها تفقد جودتها مع انتهاء مدة صلاحيتها.

ووفق حداد، تكثر الأمراض والمشكلات الصحية، التي يمكن أن يتعرض لها المواطن عند المس بالأمن الغذائي، فهناك مشكلات تظهر على المدى القريب، أبرزها التسمم الغذائي كالإصابة بالسلمونيلا عند تناول الدجاج الفاسد أو الليستيريا.

أما عن المشكلات الصحية بعيدة المدى، فأشارت حداد إلى استبدال اللبنة بالمحضر الغذائي وإضافة الزيوت والدهون المشبعة للمنتجات، مما يؤدي لأمراض القلب والبدانة وارتفاع معدلات الشحوم في الدم.

وقالت إنه على المواطن التحلي بالوعي الآن أكثر من أي وقت مضى، حفاظاً على سلامته وصحته، خصوصاً أن الدوافع عديدة لدى بعضهم في هذه الظروف لغش المنتجات الغذائية مما يزيد من المخاطر.

وعن الخطوات التي يمكن أن يقوم بها المواطن للحد من مخاطر الغذاء على صحته، أشارت حداد إلى أهمية شراء منتج ذي مصدر موثوق، والتحقق من تفاصيل المكونات، وقبل تناول اللحوم والدجاج من الضروري طهوها جيداً لتنجب خطر التعرض للأذى والتسمم، وكذلك تعقيم الفاكهة والخضراوات بالماء والكلور، والحرص على التبريد وفق الشروط، وفي حال عدم توافرها يجب استبدال المنتجات الغذائية بأخرى لا تحتاج إلى تبريد.

المزيد من تقارير