Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أقدم منظمة حقوقية في روسيا... من الدعم إلى الحظر

"مجموعة هلسنكي" اهتمت بالهجرة اليهودية لإسرائيل من دون حق الفلسطيني في الحياة على أرضه

أعضاء فريق الدفاع التابع لمجموعة هلسنكي بموسكو (أ ف ب)

اهتزت الأوساط الغربية على وقع إصدار "محكمة موسكو" لقرارها بحظر نشاط "مجموعة هلسنكي" في العاصمة وتصفية مكاتبها في روسيا، تلبية للدعوى التي رفعتها وزارة العدل الروسية ضد هذه المنظمة المعنية "بحقوق الإنسان" منذ تأسيسها عام 1976 بموجب مقررات مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي التي أصدرها عام 1975.

وبغض النظر عن مدى "عدالة القضية"، والظروف التي جرى فيها اتخاذ مثل هذا القرار، فإن هناك من المؤشرات والأسانيد المضادة التي يتكئ إليها محامو هذه القضية، ومنهم هنري ريزنيك نائب رئيس اتحاد المحامين في موسكو، الذي قال بعدم "مشروعية" مثل هذا الحكم.

وأكد ريزنيك أنهم سيستأنفون القضية، ويطالبون بإعادة النظر في الحكم الصادر بقوله "سنواصل القتال، سنمر بكل الحالات، ما الغرض من ذلك؟ هذا ضروري، لأنه إذا كانت جهودنا القانونية محكوم عليها بالفشل بشكل عام، فإن الأوقات تتغير".

وذلك ما فسره بقوله "الناس يغادرون، النظام يتغير"، في إشارة إلى ما يعلقونه من آمال على تغير القائمين على السلطة بالبلاد، وذلك ما يوضح كثيراً من جوانب القضية التي ثمة من يشير إلى أنها تأتي في سياق "الصراع" القائم بين روسيا والبلدان الغربية منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في 2014.

انتهاك حدود النشاط الإقليمي

كانت محكمة موسكو خلصت إلى عدم مشروعية نشاط وتحركات مجموعة موسكو لحقوق الإنسان، في الوقت الذي أعرب ممثلو وزارة العدل حول أن "المجموعة هي في المقام الأول منظمة إقليمية لموسكو، مما يعني أنه لا ينبغي لها انتهاك ’حدود النشاط الإقليمي‘ والمشاركة في مؤتمرات بمناطق أخرى من البلاد".

وكان ممثلو وزارة العدل، ومكتب المدعي العام، أشاروا إلى 11 انتهاكاً "لحدود النشاط الإقليمي" التي ارتكبتها مجموعة موسكو، شأن كثير من المخالفات التي لطالما كانت روسيا الرسمية تغض الطرف عنها إبان "السنوات الخوالي" التي لطالما شهدت كثيراً من أوجه التعاون منذ قيام هذه المنظمة قبيل وبعد انتهاء الحرب الباردة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

وتشير الأدبيات الروسية والعالمية إلى أن مجموعة هلسنكي في موسكو تأسست 12 مايو 1976، بهدف "تعزيز التنفيذ العملي لجميع التزامات روسيا القانونية الدولية بمجال حقوق الإنسان"، في أعقاب انعقاد مؤتمر هلسنكي لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي التي شارك فيها الاتحاد السوفياتي وكل البلدان الأوروبية (ما عدا ألبانيا) والولايات المتحدة وكندا عام 1975.

المنشقون السوفيات

يذكر المراقبون أن "مجموعة هلسنكي" قامت في البداية بجهود فردية من جانب من كانوا يسمونهم بـ"المنشقين السوفيات"، الذين كانوا في معظمهم من ممثلي الأوساط اليهودية الداعين إلى تأمين حق الهجرة لليهود السوفيات إلى إسرائيل بزعامة الأكاديمي أندريه ساخاروف وزوجته يلينا بونار، إلى جانب من كانوا يسمونهم "جدلاً" بالمدافعين عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، في إطار صراعهم الأيديولوجي مع السلطات السوفياتية، من منظور غربي ليبرالي التوجهات.

نذكر أن هذه التحركات لطالما حظيت بتأييد الولايات المتحدة والبلدان الغربية، التي أصدرت كثيراً من القوانين التي كانت تبدو أشبه بما تفرضه اليوم هذه البلدان من عقوبات ضد روسيا في سياق احتدام النزاعات بين الأطراف المعنية منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، ومنها قانون "جاكسون - فينيك" الصادر عن الكونغرس الأميركي دفاعاً عن حق اليهود في الهجرة إلى إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، وهو القانون الذي لم يجر إلغاؤه إلا في مطلع القرن الجاري، على رغم سقوط كل الإجراءات المقيدة لهجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وإعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل في 1991.

من المعروف أن هذه المجموعة كانت توقفت عن نشاطها عام 1982، بعد اعتقال عدد كبير من نشطائها السياسيين، استناداً إلى ما قيل آنذاك حول "تجاوزات" كانت سبباً في إصدار السلطات السوفياتية لقراراتها حول وقف نشاطها الذي لم تستطع العودة إليه إلا مع أولى سنوات البيربسترويكا في 28 يوليو (تموز) 1989، يوم إعلان عدد من الشخصيات العامة، ومنهم لاريسا بوغوراز وسيرجي كوفاليف وفياتشيسلاف باخمين وأليكسي سميرنوف وليف تيموفييف وبوريس زولوتوكين، استئناف أنشطة مجموعة هلسنكي في موسكو، وهم من انضم إليهم في وقت لاحق يوري أورلوف ولودميلا أليكسييفا وآخرون.

ومن اللافت أن نشاط هذه المجموعة سرعان ما اتسع نطاقه بعد الإعلان رسمياً انتهاء "الحرب الباردة" في ديسمبر (كانون الأول) 1989 غداة قمة الرئيسين الأسبقين السوفياتي ميخائيل غوربانشوف والأميركي جورج بوش (الأب) في فاليتا (عاصمة مالطا)، وذلك قبل الإعلان رسمياً تقنين أوضاعها في روسيا مطلع تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

يذكر المراقبون أن عدد "منظمات المجتمع المدني" في الاتحاد السوفياتي تزايد مع بداية سنوات "البيريسترويكا"، وفي روسيا وبقية بلدان الاتحاد السابق بعد انهياره في مطلع التسعينيات.

غض الطرف عن التجاوزات

من اللافت أيضاً أن السلطات السوفياتية ثم الروسية لطالما غضت الطرف عن كثير من تجاوزات هذه المنظمات، ومنها تركيزها على حق اليهود السوفيات في الهجرة إلى إسرائيل من دون اعتبار لحقوق الإنسان الفلسطيني، وفي مقدمها "حق الحياة على أرضه"، التي كانت موسكو والغالبية الساحقة من أعضاء منظمة الأمم المتحدة، ولا تزال، تعترف بأنها "أرض محتلة"، بموجب ما أصدرته هذه المنظمة الدولية من قرارات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وظل الأمر على هذه الحال من حيث التغاضي عن كل الممارسات التي تنتهجها مجموعة "هلسنكي" وغيرها مثل "ميموريال" بما كانت تتماهى به مع الشعارات الليبرالية الغربية بكل ما تتسم به من قصور تجاه حقوق شعوب كثير من بلدان العالم الثالث، وفي مقدمهم الشعب الفلسطيني، حتى عام 2017 الذي شهد زيارة بوتين إلى مسكن لودميلا الكسييفا إحدى أبرز مؤسسي ورموز هذه المنظمة للتهنئة بالذكرى الـ90 لميلادها، وإشارته إلى ما وصفه بـ"إنجازات أليكسيفا المهمة في أنشطة حقوق الإنسان"، فضلاً عن تقديمه واجب الشكر جزاء "مساهمتها الكبيرة في تعزيز مؤسسات الديمقراطية والمجتمع المدني"، على حد تعبيره آنذاك.

ومن اللافت كذلك في هذا الصدد أن السلطات السوفياتية ثم الروسية الرسمية لطالما تعاونت مع هذه المنظمات غير الحكومية، على اعتبار أنها لعبت دوراً "شديد الأهمية" في تطوير المجتمع المدني ونشر الديمقراطية، بحسب ما أشار كثيرون من أعضاء النسق الأعلى للسلطة في روسيا.

التعاون "غير النزيه"

كما أنها أيضاً غضت الطرف عن التعاون "غير النزيه" بين هذه المنظمات وعديد من ممثلي الأوليغارشية و"أثرياء روسيا الجدد" لتمرير ممثليهم عبر مختلف أشكال الفساد، إلى هيئات السلطات التنفيذية والتشريعية، بل والقضائية.

وكانت "مجموعة هلسنكي" شأن كثير من منظمات المجتمع المدني تتلقى الإعانات والمنح من جانب الدولة نفسها، فضلاً عن تبرعات الأفراد والرعاة من مجتمع رجال الأعمال، ولا سيما من خلال صندوق المنح الرئاسية، ومؤسسة فلاديمير بوتين الخيرية وغيرها من الهيئات "متعددة الأغراض".

كما كانت تتلقى في السابق أيضاً منحاً من عدد من المنظمات الوطنية والدولية الأجنبية (المفوضية الأوروبية، ومؤسسة سوروس، والصندوق الوطني للديمقراطية، ووكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة).

"الثورات الملونة"

وإن كانت ثمة مصادر تقول إنها واعتباراً من عام 2014، وبعد وقت قصير من اعتماد قانون المنظمات غير الربحية "الوكلاء الأجانب في روسيا الاتحادية"، اتخذت قرارها برفض ما كانت تسميه بـ"الرعاية الأجنبية".

لم تتخذ موسكو الرسمية من هذه المنظمات غير الحكومية، موقفاً يتسم بكثير من التشديد إلا مع بدايات ظهور "الثورات الملونة" في الفضاء السوفياتي السابق، وما أعقبها من تحول الرئيس بوتين إلى مواقفه المعارضة لتوجهات الدوائر الغربية، وإعلان رفضه لاتساع نطاق ما يعرفه العالم تحت اسم "عالم القطب الواحد" وما أعقبه منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية.

ومن هنا كانت مواقف موسكو الرسمية، وما أصدره مجلس الدوما من قوانين بإيعاز من السلطة التنفيذية، بهدف الحد من نشاط هذه المنظمات التي أصدر مجلس الدوما بحقها قانونه الذي يقنن وضعيتها "كعملاء أجانب"، وهي الوضعية التي صارت تنسحب كذلك على كثير من وسائل الإعلام الغربية ومواقع التواصل الاجتماعي، رداً على إجراءات مماثلة سبق وأقرتها الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية، بحق عدد من وسائل الإعلام الروسية الحكومية، ومنها وكالة "سبوتنيك"، وقنوات "روسيا اليوم".

استنكار أوروبي

وكان الاتحاد الأوروبي استنكر توجه وزارة العدل الروسية في اتجاه إغلاق "مجموعة هلسنكي" بموسكو، التي وصفها بأنها "واحدة من أكثر منظمات حقوق الإنسان تقديراً في البلاد".

وقد جاءت هذه القضية لتجدد ما تبحث عنه الدوائر الغربية من فرص لتأكيد المواقف الخاصة بعدالة ما تسميه "الأطماع التوسعية" لروسيا في الفضاء السوفياتي السابق، بحسب تقديرات الأوساط الغربية، مع تأكيد المتحدث باسم خدمة العمل الخارجي الأوروبي بيتر ستانو حول أن "الاتحاد الأوروبي يتضامن مع جميع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا وسيواصل دعم المدافعين عن حقوق الإنسان الروس في الداخل والخارج"، وهي امتيازات تبدو كما يقول العاربة أقرب إلى "الحق الذي يراد به باطل".

ومضت هذه المصادر لتقول إن "السلطات الروسية تواصل تجاهل الواجبات والالتزامات الدولية والمحلية عبر الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان وقمع الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء وإغلاق وسائل الإعلام المستقلة أو منعها"، مشيرة إلى أن هذا التوجه في "القضاء على الأصوات المستقلة والناقدة قد تسارعت وتيرته بعد أن شنت روسيا حربها العدوانية غير القانونية على أوكرانيا"، على حد تقديرات الأوساط والدوائر الغربية.

المزيد من تحلیل