Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي تداعيات انهيار الدينار على الواقع العراقي؟

استمرار تهريب الدولار إلى إيران وعدم تحقيق متطلبات الفيدرالي الأميركي يعنيان زيادة أسعار الصرف ومراقبون يحذرون من مماطلة حكومة الإطار

لا تبدو أزمة ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي في طريقها إلى الانحسار، إذ تواصل العملة المحلية انخفاضها منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2022 وحتى الآن (الدولار يساوي 1600 دينار عراقي)، على إثر ضغوط البنك الفيدرالي الأميركي وعدم اتخاذ الحكومة العراقية إجراءات حقيقية إزاءها، وهو الأمر الذي ينذر بإشكالات كبيرة تصيب اقتصاد البلاد.

ولا تنحصر الأزمة في سياق الآثار الاقتصادية بخاصة أن جذورها تتعلق بعمليات فساد كبرى وتهريب أموال إلى طهران ودمشق، وهو الأمر الذي وصل "حدوداً غير مسبوقة" على حد تعبير خبراء اقتصاديين، مما دفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات سريعة للحد من عمليات تهريب الأموال تلك.

ودفعت الإشكالات الاقتصادية التي خلفتها الأزمة الشارع العراقي إلى التحرك نتيجة ارتفاع الأسعار في السوق المحلية المعتمدة بشكل شبه كلي على السلع المستوردة، مما يزيد تعقيد الأزمة المحيطة بحكومة الإطار التنسيقي المدعومة من إيران.

تهريب الأموال إلى إيران

وعلى رغم الحديث المتكرر من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن إجراءات رادعة والتصريحات المتكررة من قيادات في "الإطار التنسيقي" حول أنها مسألة وقت، إلا أن أسعار صرف الدولار لا تزال تواصل الصعود مما يثير الشكوك حول قدرة الحكومة العراقية على اتخاذ أية إجراءات ضد مهربي الدولار ويهدد بإطاحتها، بحسب مراقبين.

ويعتقد الباحث في الشأن السياسي مصطفى ناصر أن إجراءات البنك الفيدرالي الأميركي الأخيرة "كشفت نزفاً مالياً كبيراً من الدولار يتدفق كل يوم لمصلحة طهران وحلفائها في المنطقة"، مبيناً أن "المصارف المشتركة في مزاد بيع العملة كانت تشتري كل يوم أكثر من 150 مليون دولار، وباتت تشتري بين 70 إلى 90 مليوناً في اليوم، وتغطي حاجات السوق المحلية، بمعنى أن نحو 60 إلى 80 مليون دولار كانت تهرب كل يوم".

وكانت "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أميركيين وعراقيين قولهم إن "بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك بدأ فرض ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدولية للدولار من قبل البنوك التجارية العراقية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، في خطوة للحد من غسل الأموال والاستيلاء غير القانوني على الدولارات التي توجه إلى إيران ودول أخرى في الشرق الأوسط تخضع لعقوبات".

ولم تأت كل التقارير الصحافية بجديد في خصوص كون العراق مغسلة أموال ومنصة تهريب للعملة لكل من طهران ودمشق، إذ إن تلك العمليات تجري منذ سنوات بعيدة إلا أن الإجراءات الدولية هذه المرة تبدو أكثر صرامة، وربما تتفاقم بشكل أكبر في حال عدم رضوخ الحكومة العراقية بشكل جدي لضوابط الفيدرالي الأميركي.

ويقول المدير العام السابق للعمليات المالية في البنك المركزي محمود داغر إن حل أزمة أسعار الصرف لا يزال بيد الحكومة العراقية من خلال "إجراء تغييرات في قواعد التحويل المالي استجابة لمطالب البنك الفيدرالي الأميركي والمنطق".

ويضيف داغر في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "بإمكان العراق طلب مهلة ثلاثة أشهر من الفيدرالي الأميركي يتم خلالها قبول رقابة البنك المركزي على الحوالات المالية لحين البدء بالبرنامج المطلوب"، مؤكداً أن "الفيدرالي سيقبل بهذا الحل إذا لمس إجراءات جدية من العراق في إحداث التغيير خلال تلك المهلة".

سرقة القرن

ويبدو أن السبب الرئيس لانهيار أسعار الصرف في العراق يتعلق بـ "انقطاع ثقة الفيدرالي الأميركي بالبنك المركزي نتيجة قضية سرقة القرن والمصارف الأربعة التي أعلن توقف التعامل معها"، بحسب داغر الذي يستبعد أن يكون للقضية "بعد سياسي كما يحاول بعضهم تصويرها".

ويلفت إلى أن التغييرات المطلوبة من البنك المركزي ترتبط بـ "الثقافة المصرفية السائدة في البلاد، إذ كان التجار يستطيعون إجراء التحويلات المالية من خلال اتصالات هاتفية، أما الآن فعليهم تقديم جميع الأوراق القانونية حتى يتم قبول التحويل"، مردفاً أن الإجراءات الحالية "باتت فعلاً تحد من عمليات تهريب الأموال والفساد".

 

وعن توقيت هذا الإجراء يشير داغر إلى أن واشنطن حتى وقت قريب "كانت تثق بتدقيق المركزي العراقي للتحويلات، مما أدى في النهاية إلى تحول العراق عام 2018 للتصنيف الأبيض وفق لجنة العمل المالي إلا أن سرقة القرن وما رافقها من أحداث غيرت ذلك"، مستبعداً وجود أي مصالح أميركية من انهيار أسعار الصرف في العراق.

ويتابع أن المصارف الأربعة التي أدرجت ضمن العقوبات كانت مصنفة بالتصنيف (A) وهو ما أثار إشكالاً كبيراً.

ويختم أنه "إذا أراد العراق الاستجابة إلى متطلبات البنك الفيدرالي الأميركي، وهي قواعد تحويل وتدقيق مالي معروفة دولياً، فعليه تقبل استمرار ارتفاع الأسعار لحين إنجاز ذلك وعدم تحقيق ذلك يعني استمراراً في زيادة أسعار الصرف إلى حدود لا يمكن التنبؤ بها".

عجز حكومي

وبحسب التسريبات الصحافية فإن الفيدرالي الأميركي أغلق الأبواب في وجه مساعي التفاوض من قبل البنك المركزي أو الحكومة العراقية قبل الشروع بإجراءات حقيقية لتحسين النظام المصرفي وفق المعايير العالمية المعتمدة من قبل جميع المصارف الدولية.

وعلى رغم كل تلك المعطيات لا تزال قوى "الإطار التنسيقي" تتحدث عن مؤامرة لإسقاط حكومتها من قبل واشنطن، إذ قالت النائبة عن "كتلة صادقون"، وهي الجناح السياسي لميليشيات "عصائب أهل الحق"، زينب الموسوي في تصريح صحافي، إن "أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار تأتي نتيجة المضايقات الأميركية التي تهدف إلى إسقاط حكومة السوداني وإحراجها أمام الشعب العراقي من خلال بعض العقوبات على المصارف الأهلية، وأيضاً المضاربين في الأسواق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتقد الباحث في الشأن السياسي مصطفى ناصر أن الحكومة العراقية "غير قادرة على وضع حد لعمليات التهريب وغسل الأموال"، عازياً ذلك إلى "تخلف النظام المالي والمصرفي في البلاد، وسيطرة الموالين لإيران على مجمل المصارف العراقية التي تورطت بعمليات تهريب العملة وغسل الأموال طوال السنوات الماضية".

وتابع أن "حكومة الإطار باتت أمام خيارين، إما الإذعان لعملية تطوير النظام المصرفي والسماح للمصارف الدولية والعربية بالعمل في العراق أو الانهيار سريعاً، لأن المصارف التي أنشأتها زعامات الإطار ليست سوى دكاكين لتهريب العملة".

وفي شأن توقيت إجراءات البنك الفيدرالي يرى ناصر أن كل تلك الإجراءات جاءت على إثر ما يعرف بـ "سرقة القرن" التي اعتبرتها حكومات الغرب "خطراً على الأمن القومي لبلدانها، إذ إن تسرب هذه الأموال إلى المصارف الأوروبية والأميركية شكل إرباكاً مالياً كبيراً"، مشيراً إلى أن استمرار الأزمة في ظل سوق تعتمد بشكل كلي على الاستيراد بالدولار "سيشعل غضباً شعبياً كبيراً في حال استمرت الحكومة بهذا النهج".

سقوف قصوى للضغوط

وتتصاعد المطالبات الشعبية بخفض سعر الصرف ووصلت إلى حدود التظاهر أمام بوابات البنك المركزي العراقي، وهو ما ينبئ بحسب مراقبين بتطور الأمر إلى احتجاجات شعبية واسعة إذا ما استمرت تلك الأزمة.

ويعتقد الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن الحكومة العراقية "لن تتخذ أي إجراء وليس أمامها سوى المماطلة، بخاصة أن عمليات تهريب العملة تمثل مرتكزاً رئيساً لحلفاء طهران في الوقت الحالي، مستفيدين من الوفرة المالية التي يشهدها العراق".

ويقول الشريفي إنه "في مقابل استمرار الضغوط الدولية لإيقاف تدفق المال من العراق يزداد حلفاء إيران إصراراً على استمرار تلك العمليات، خصوصاً مع حديثهم الدائم عن مؤامرة وعدم رضوخهم للاشتراطات التي تحد من عمليات تهريب الأموال بلا ضوابط".

ويشير إلى أن تهريب الأموال إلى إيران مرتبط بشكل مباشر بحدة العقوبات عليها، مردفاً أنه "كلما ضيق الغرب الخناق على طهران تفاقمت عمليات تهريب الأموال من العراق، وهو ما يعقد إمكان توقف تلك العمليات خلال الفترة الحالية".

وفي شأن دلالات توقيت اتخاذ الفيدرالي الأميركي تلك الإجراءات يبين الشريفي أنها أتت بعد أن تيقنت واشنطن من عدم إمكان إيفاء حكومة السوداني بأي من وعودها في هذا الشأن.

ويشير إلى مسارات عدة قد تحصل في حال عدم رضوخ الحكومة بشكل كامل لاشتراطات البنك الفيدرالي الأميركي، يرتبط أبرزها بـ "احتمال رفع واشنطن سقف الضغوط إلى أبعد مدى".

أما في السياق المحلي فيرى الشريفي أن استمرار الأزمة لمدى أطول سيسهم بـ "استفزاز الرأي العام العراقي مما قد يؤدي في النهاية إلى حراك شعبي يطيح بحكومة الإطار التنسيقي".

ويرجح أن يكون الحديث عن خلافات بين قوى "الإطار التنسيقي" حول تلك القضية مجرد "بروباغندا دعائية" غايتها إعطاء تصور لواشنطن أن "جزءاً من الإطار ليس داعماً لإيران ويحاول دفع الحكومة نحو تبني إجراءات البنك الفيدرالي لكسب مزيد من الوقت".

ويؤكد أن "واشنطن ستتخذ كل الإجراءات الممكنة ولن تتوقف عن تسليط مزيد من الضغوط حتى إيقاف تدفق الأموال إلى إيران".

تغيير استراتيجيات التهريب

وفي المقابل يرى أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي إن عمليات التهريب تجري في العراق منذ عام 2005 وحتى الآن نتيجة سيطرة الموالين لإيران على الحيز الأكبر داخل الدولة العراقية، إلا أن الفارق في الحكومة الحالية هو كونها تعاني عزلة داخلية كبيرة.

ويقول الهيتي "لعل ما يعقد موقف حكومة الإطار التنسيقي في الفترة الحالية هو كونها تعاني إشكالات كبيرة في شرعيتها الوطنية كونها وصلت إلى السلطة على رغم خسارتها الانتخابات الأخيرة، وكذلك تعيش في عزلة داخل الوسط الشيعي بعد انسحاب التيار الصدري واقتصار الكتل الشيعية في البرلمان على حلفاء طهران".

ويتابع أن حكومة الإطار ستحاول إدارة الأزمة بآليات الحكومات السابقة في المناورة والمماطلة مع واشنطن من أجل إيران وهذا ما لا يمكن تحقيقه، بخاصة أن حال الصراع العالمي الذي تعيشه إدارة البيت الأبيض مع جبهة الصين وروسيا سيدفعها إلى عدم التهاون والتسامح مع حكومة الإطار، مستبعداً أن تقدم الحكومة بشكل فعلي على إيقاف تهريب الأموال إلى إيران، إلا أنها ربما ستعمل على تغيير استراتيجيات التهريب.