Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستغرق نيويورك بسبب تغير المناخ؟

تذكر "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" أن مستوى سطح البحر سيرتفع في المدينة بمقدار قدم واحدة بحلول 2050

على الرغم التحذيرات من غرقها، يشير علماء أن هذا أمر غير محتم ويطعنون في التحذيرات (آيلوف ن واي.كوم)

عملية حسابية سهلة: تزداد درجة الحرارة حول العالم فيذوب الجليد وتجد المياه طريقها إلى المحيطات، وفي النتيجة ترتفع مستويات المحيطات، ولكن يعتقد علماء كثر أن هذه المعادلة البسيطة يسعها أن تمحو مناطق برمتها من خريطة العالم، من بينها مدن ساحلية عدة يخشى أنها ستغرق تحت المياه، ولو بعد حين. وإذ وجدت دراسات وتصورات ونماذج مناخية متنوعة وقياسات عدة أن هذا المصير صار مؤكداً، انصب التركيز على السؤال "متى؟"... متى ستغرق هذه المدينة أو تلك؟

نيويورك واحدة من تلك المدن التي تتحدث تقارير كثيرة عن أنها ستختنق تحت الماء يوماً ما، وأن تغير المناخ سيحمل إليها جهنم، إنما على شكل مياه.

يذهب في الاتجاه عينه تقرير مناخي أخير أصدرته "الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء"، إذ أثار القلق مجدداً من أن سكان نيويورك على وشك أن تغمرهم مياه البحار التي تتسارع صعوداً، ولكن يبدو أن "مراجعة البيانات تشير إلى من الضروري عدم التعاطي مع هذه التحذيرات باعتبارها أمراً مسلماً به لا يقبل الشك، على ما يقول ستيفن أي كونين، البروفيسور الأميركي الشهير في "جامعة نيويورك"، وزميل أقدم في "معهد هوفر" في ستانفورد، ومؤلف كتاب "غير مستقر: ما يخبرنا به علم المناخ، وما لا يفعله، ولماذا يهم".

في مقالته المنشورة في "وول ستريت جورنال"، يشرح كونين أن الرقم القياسي لمستوى سطح البحر الذي قيس في الطرف الجنوبي من مانهاتن، والمعروف باسم باتيري، يعود إلى عام 1856. ويظهر أن مياه اليوم أعلى بمقدار 19 إنشاً عما كانت عليه قبل 166 عاماً، ذلك أنها ترتفع بمعدل 3.5 إنش كل 30 عاماً. ويكشف السجل الجيولوجي أن هذا الارتفاع بدأ منذ نحو 20 ألف عام عندما ذابت آخر الأنهار الجليدية العظيمة، حاملة ساحل نيويورك صوب الداخل لأكثر من 50 ميلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا شك في أن مستوى سطح البحر في باتيري سيواصل ارتفاعه في العقود المقبلة، وذلك فقط لأن الأرض ما انفكت تهبط بثبات نحو 2 إنش كل 30 عاماً بسبب عوامل تشمل حركة الصفائح التكتونية، والارتداد اللاحق لكتلة الأنهار الجليدية، والانخساف المحلي، لذا يسأل كونين ما إذا كانت التأثيرات المتزايدة التي يطرحها الإنسان على المناخ ستؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بسرعة أكبر. لمعرفة ذلك، يسعنا أن نعقد مقارنة بين معدلات الارتفاع الأخيرة وبين نظيرتها السابقة عندما كانت التأثيرات البشرية أقل وقعاً بأشواط.

ويشير كونين إلى أحد الرسوم البيانية حيث يتبدى مقدار ارتفاع مستوى سطح البحر خلال الثلاثين عاماً السابقة لكل عام منذ 1920. وقد تراوح هذا الارتفاع بين 1.5 إنش وستة إنشات. يعد الارتفاع البالغ 5 إنشات خلال آخر 30 عاماً أعلى من المتوسط المسجل خلال قرن من الزمن، ولكنه على رغم ذلك لا يعتبر غير مسبوق ولا يؤشر إلى أي زيادة.

غير أنه من وجهة نظر كونين، مع ارتفاع درجة حرارة الأرض، ستكون التغيرات في مستوى سطح البحر في باتيري مرهونة جزئياً بالتغيرات العالمية. وتشمل الأخيرة ذوبان جليد الأنهار الجليدية الجبلية وغرينلاند والقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، إضافة إلى التمدد الحراري لمياه المحيط. ومن الصعب جداً التنبؤ بهذه التغيرات، إذ تؤثر عوامل كثيرة في ذوبان الجليد، وتمتص المحيطات 0.25 في المئة فقط من الحرارة المتدفقة عبر نظام مناخ الأرض. تقلصت الزيادات التي استمرت 30 عاماً في النصف الأخير من القرن العشرين بنحو إنش واحد بسبب ملء الخزانات خلف السدود والتغيرات في المياه الجوفية حول العالم.

في الحقيقة، مستوى سطح البحر في باتيري مرهون أيضاً بالتغيرات المحلية في البحر وانخساف الأرض. والأهم من ذلك التباين الطبيعي للرياح والتيارات مثل تيار الخليج الدافئ والسريع، والملوحة ودرجات الحرارة في شمال المحيط الأطلسي، والتي تسبب اختلافات في مستوى سطح البحر على طول الساحل الشمالي الشرقي للولايات المتحدة بالكامل. في رأي كونين، بسبب هذه المتغيرات الكثيرة، لا يمكن للنماذج المناخية الحاسوبية الافتراضية الاعتماد على تحرك الرسم البياني صعوداً وهبوطاً.

ويوضح كونين أن "تقرير وكالة "ناسا" الأخير يحاكي تقريراً أصدرته "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" ("نوا" NOAA) في فبراير (شباط) الماضي، وكان توقع أن يتخطى ارتفاع مستوى سطح البحر في باتيري القدم الواحدة (30.48 سنتيمتر) في حلول 2050. سيشكل هذا الارتفاع خلال الثلاثين عاماً المقبلة أكثر من ضعف الارتفاع على مدى الثلاثين عاماً الماضية، وأكثر من ثلاثة أضعاف متوسط الارتفاع الذي سجله القرن الماضي". كذلك ذكر التقرير أن فيضانات المد العالي تضاعفت في نيويورك منذ عام 2000، وتراها تطرأ الآن من 10 إلى 15 مرة في السنة. بحسب التقرير عينه، بسبب ارتفاع الحرارة الذي يقود إلى ذوبان الجليد، ربما تسهم انبعاثات غازات الاحترار العالمي بنحو قدمين من ارتفاع مستوى سطح البحر عالمياً بحلول عام 2100. وقد يؤدي عدم الحد من هذه الانبعاثات في المستقبل إلى صعود مستويات سطح البحر بمقدار 18 إنشاً أخرى بحلول نهاية القرن لتصل إلى خمس أقدام.

ولكن "ما يسترعي الاهتمام أكثر"، بالنسبة إلى كونين، "أن تقرير "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" يذكر أن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار قدم واحدة آتٍ لا محالة بغض النظر عن المستويات التي تسجلها انبعاثات غازات الاحترار العالمي في المستقبل". ويقول، "ليس في المتناول طريقة نتوسلها كي نتبين صحة هذا التوقع من عدمها".

لذا، وفق كلمات كونين في "وول ستريت جورنال"، "فيما على سكان نيويورك أن يحذروا المياه من حولهم، ليس عليهم أن يندفعوا إلى مناطق مرتفعة" من أجل النجاة بأنفسهم. "في العقود الأخيرة، لم يشهد مستوى سطح البحر في باتيري أي تغير غير مسبوق خلال القرن الماضي. وعلى رغم أن علينا أن ننتظر ثلاثة عقود كي نتأكد من حدوث الارتفاع المتوقع بمقدار قدم واحد أو عدم حدوثه، سنتبين من القياسات المسجلة على مدى العقد المقبل السرعة التي علينا أن نتوخاها في رفع الأسوار البحرية".

في الواقع، طالما ذهب كونين في أفكاره بعيداً من التيار السائد في ما يتعلق بالشأن المناخي، مشيراً إلى وجود مبالغة شديدة حول المخاطر التي يتعرض لها كوكبنا بفعل ممارسات الإنسان السيئة تجاه البيئة عموماً.

وفي كتابه "غير مستقر: ما يخبرنا به علم المناخ، وما لا يفعله، ولماذا الأمر يعتد به؟"، يوجه كونين سهام الانتقادات إلى ما يسميه بالإجماع العلمي في مسألة تغير المناخ، مشيراً إلى تفشي روايات مزيفة حول الاحترار العالمي، والتهديد الوجودي الوشيك للبشرية برمتها بفعل تحولات المناخ. في رأيه، يحدث ذلك على المستوى الإعلامي لخدمة أغراض بعينها، لذا يحث على فتح نقاش مع المواطنين بوصفهم الطرف الأهم في هذه القضايا. ويؤكد ضرورة إمدادهم بمعلومات واقعية تبتعد عن فرض رؤى جاهزة لا جدال فيها.

وعليه، يدعو المؤلف زملاءه العلماء إلى الرجوع إلى التاريخ. مثلاً، يقول إن شدة الحرارة التي يكابدها كوكبنا في مناطق كثيرة منه، ليست بأمر جديد عليه لأنه قد مر بها قبل أكثر من مئة عام، كذلك شهد فترات من القحط والفيضانات والأعاصير.

ولكن على رغم كل ما سبق، يتفق كونين مع الغالبية العظمى من علماء المناخ على أنه من الصعب جداً عدم الاعتراف بأن المناخ يتغير وأن البشر يمارسون تأثيراً متزايداً عليه.

في المقابل، ثمة من يرفضون هذا الرأي رفضاً قاطعاً، كشركات الوقود الأحفوري، والمستثمرين الذين يحاولون بيع العقارات في المدن المنخفضة وشراء أراضٍ على ارتفاعات عالية، بل إن ملايين الأميركيين، نظراً إلى أننا نتحدث عن نيويورك تحديداً، لديهم مصلحة راسخة في إنكار تغير المناخ: كل شخص يعمل في العقارات، أو النفط، أو الغاز، أو الغابات، أو تصنيع السيارات، أو إنتاج الكهرباء، أو الأسمدة، أو المبردات.

أما الطبيعة فعندما تغضب وتوجه ضرباتها القاصمة، لا تقوى عليها ناطحات سحاب، ولا بوابات وحواجز فولاذية، ولا أساسات ضخمة، ولا ترف فاحش. فالطبيعة، كما قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، "لا تغفر أبداً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير