Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تغيب قضايا السياسة عن الشاشة المصرية؟

تطغى الكوميديا والتشويق والإثارة والرومانسية على معظم الأفلام

شهدت السينما في فترات حديثة عرض كثير من الأفلام السياسية المهمة التي ألقت بظلالها على كثير من الموضوعات الشائكة (مواقع التواصل الاجتماعي)

العلاقة بين السينما والسياسة شائكة ومتقلبة، أحياناً تزدهر الأعمال الفنية السياسية ويكثر إنتاجها، وأوقات أخرى تضمحل، إلا أنها كما يقال "تمرض لكنها لا تموت"، وعلى رغم أهمية الأعمال السياسية في الدراما، ووجود أيقونات فنية على الشاشة الفضية تؤرخ لأهم حقب مصر، فإن هذه الفئة قد لا تحظى بإقبال من المنتجين وصناع السينما خوفاً من رد فعل الجمهور وعدم تحقيق مكاسب مادية.

أرشيف سياسي

وقليلاً ما تتطرق السينما الحديثة في مصر للقضايا السياسية، إذ تطغى الكوميديا والتشويق والإثارة والرومانسية على معظم الأفلام، لكن هناك أفلاماً على مدار تاريخ السينما المصرية تعتبر من علاماتها المميزة التي تشير إلى حقب سياسية وتاريخية مفصلية في تاريخ البلاد، فمثلاً فيلم "لاشين" الذي أنتج عام 1938 رأى مؤرخون أنه تنبأ بثورة يوليو (تموز) 1952 قبل حدوثها، وحمل إسقاطات وصفتها الرقابة بعد منعه من العرض بأنها تدين الذات الملكية، وبعدما سرد قصة قائد بالجيش، يحاول إقناع الحاكم بأن رئيس الوزراء يتربح من قوت الشعب، فيثور الشعب ضده وينهون سلطته.

وكذلك دار فيلم "الله معنا" عن الفساد في الجيش، وصفقات الأسلحة الفاسدة التي تسببت في الهزيمة الكبرى في حرب فلسطين 1948، والفيلم شارك في بطولته كل من فاتن حمامة، محمود المليجي وماجدة. وربما فيلم "شيء من الخوف" من أكثر الأفلام المعروف أن لها صبغة سياسية وتم منع عرضه واتهم بأنه يمثل شخصية الرئيس جمال عبدالناصر من خلال دور عتريس الذي قام به محمود مرسي، بينما مصر هي صورة فؤادة التي تحاول تخليص نفسها وجموع الفقراء من قهر سلطة عتريس، بحسب ما رآه نقاد فنيون.

 

ودار فيلم "شروق وغروب" بطولة سعاد حسني ورشدي أباظة وصلاح ذو الفقار حول رجال الملك في مصر قبل الثورة ومدى سلطة البوليس السياسي وقدرته على التلفيق والتنكيل بأي معارض.

وفي عام 1973 عرض فيلم "زائر الفجر" بطولة عزت العلايلي وماجدة الخطيب وتحية كاريوكا ويوسف شعبان وسعيد صالح، إلا أنه منع من العرض بعد أسبوع واحد لاحتوائه، بحسب ما تردد وقتها، على ألفاظ تسيء للنظام وسياساته، وتدور أحداث الفيلم حول وكيل نيابة يحقق في قضية مقتل صحافية، ويتوقف التحقيق في القضية بسبب أوامر عليا. وعاد الفيلم للعرض مرة أخرى بعد سنتين وحذف أكثر من 20 مشهداً.

وفيلم "الكرنك" من أبرز الأفلام السياسية التي أنتجتها السينما المصرية، وتناول معاناة طلاب الجامعات داخل المعتقلات في حقبة الستينيات، وقمع السلطات للفئة الجديدة، ما دفع الرقابة لمنعه فترة من العرض التلفزيوني. والفيلم إنتاج عام 1976، وشارك فيه كل من سعاد حسني ونور الشريف وصلاح ذو الفقار وشويكار وكمال الشناوي وفريد شوقي.

وتناول فيلم "وراء الشمس" بطولة رشدي أباظة ونادية لطفي وشكري سرحان ومحمد صبحي قصة أحد الضباط الوطنيين الذي طالب بمحاكمة المتسببين في هزيمة 1967، فصدرت أوامر عليا باغتياله في عملية سرية من قبل مدير السجن الحربي والفيلم من إنتاج 1978.

ومن أشهر الأفلام المصرية التي انتقدت فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر ووثقت الانتهاكات بحق المعتقلين السياسيين "إحنا بتوع الأوتوبيس"، ما تسبب في منعه من العرض، والفيلم من إنتاج 1979، بطولة عادل إمام وعبدالمنعم مدبولي ويونس شلبي وإسعاد يونس وسعيد عبدالغني.

 

كما صنف فيلم "المذنبون" بأنه فيلم اجتماعي ذو إسقاطات سياسية وهو من بطولة سهير رمزي وعماد حمدي وعمر الحريري وحسين فهمي الذي يلعب دور المحقق في جريمة تقتل فيها فنانة شهيرة تقوم بدورها سهير رمزي. وألقى الفيلم الضوء على فترة الانفتاح الاقتصادي في عصر الرئيس الراحل أنور السادات وكشف عن فساد كبير في مختلف النواحي.

وصدر فيلم "البريء" عام 1986 بطولة أحمد زكي ومحمود عبدالعزيز وجميل راتب وإلهام شاهين وممدوح عبدالعليم وأحمد راتب، إلا أنه ظل حبيس الأدراج لما يقرب من 19 عاماً. ويحكي قصة شاب لم يتلق تعليمه، فقرر الالتحاق بالقوات المسلحة نظراً لظروف معيشته، وهناك يتعلم من القادة أن المعتقلين أعداء الوطن ويربونه على الطاعة العمياء، حتى يلتقي بابن بلدته المثقف الذي كان يعلمه الوطنية الحقيقية فيرفض كل ما يتلقاه من أوامر بتعذيب المعتقلين.

اللعب مع الكبار

وشهدت السينما في فترات حديثة عرض كثير من الأفلام السياسية المهمة التي ألقت بظلالها على كثير من الموضوعات الشائكة مثل فيلم "اللعب مع الكبار"، بطولة عادل إمام وحسين فهمي ومحمود الجندي ومجموعة من الفنانين، والفيلم يدور حول مهندس يعمل في سنترال ويستمع لبعض المكالمات ويكتشف جرائم تحدث من مسؤولين كبار على أعلى مستوى من النفوذ، ويحكي لصديقه الذي يتقدم بدلاً منه، ببلاغات على كل جريمة يخبره بها.

وكذلك فيلم "طيور الظلام" الذي كتبه وحيد حامد وكشف به تواطؤاً بين المسؤولين وبعض القوى المتطرفة دينياً، وظهرت أفلام سياسية تناهض الإرهاب والفساد السياسي مثل فيلم "الإرهابي" و"الإرهاب والكباب" و"المنسي".إضافة لذلك هناك أفلام تناولت حقباً تاريخية قديمة مثل "حكمت فهمي" و"امرأة هزت عرش مصر"، وعرضت أفلام تتناول بطولات وطنية مثل "مهمة في تل أبيب"، و"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"أغنية على الممر".

واكتفت السينما حالياً ببعض الأفلام السياسية على فترات متباعدة، فمثلاً عرض فيلم "فتاة من إسرائيل" و"هي فوضى" و"يوم الكرامة" و"الممر"، وأخيراً فيلم "كيرة والجن" الذي تناول فترة كفاح المصريين ضد الاحتلال الإنجليزي.

ويقول محمود قاسم، في كتابه "الفيلم السياسي في مصر"، إن مرحلة هزيمة يونيو (حزيران) عام 1967 شهدت ضخاً كبيراً في إنتاج الأفلام السياسية بسبب جرأة الشارع الشعبي باختلاف طبقاته وعناصره، والسعي لمعرفة الحقيقة الكاملة في أسباب هزيمة مصر وغيرها من الدول العربية من إسرائيل وآثار الهزيمة على المستقبل العربي، وأنتجت العديد من الأفلام السياسية مثل "ثرثرة فوق النيل" و"الاختيار" و"العصفور".

تفتت ثقافي

وعن قلة الأفلام السياسية بخاصة في الوقت الراهن وعدم اهتمام الصناع بها وهل يمقتها الجمهور ولا تحقق إيرادات؟ قالت الناقدة ماجدة موريس "هناك أسباب عديدة لتدهور الفيلم السياسي وعدم الاهتمام بإنتاجه، أهمها أن السينما المصرية بوجه عام ليست بخير، وفي حال غير جيدة، فبعد أن كان إنتاجنا نحو 100 فيلم سنوياً، وصلنا لنصف هذا العدد، وبصعوبة كبيرة، وهذا يرجع لغياب المنتجين الكبار، وغياب دور الدولة عن العملية الإنتاجية بعد أن كانت تشارك في إنتاج أفلام سياسية ووطنية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابعت موريس، "الرقابة المصرية أيضاً بها تشدد كبير، ولهذا لا يمكن لأفلام كثيرة أن يكون طريقها سهلاً، ولا يمكن أن نغفل أن هناك مشكلة ضخمة أخرى، وهي عدم وجود كتاب سينما أو دراما يجيدون كتابة النوع السياسي، كما كانوا متوفرين في عصور أخرى، فالكتاب الجدد يركزون على الموضوعات الاجتماعية والكوميدية، ويندر أن نجد كاتباً يستطيع بلورة عمل فني سياسي مميز، حتى أشهر كاتب يتابعه الشباب في العصر الحديث وهو أحمد خالد توفيق كان تركيزه في أعمال الرعب والتشويق لا السياسة".

تردّ ثقافي

أضافت موريس، "ربما هناك مشكلة أخرى وهي أننا لسنا في زمن نضال سياسي بل في أزمة النضال من أجل لقمة العيش، وما يحدث بوجه عام يمكن أن نضيفه لحال ترد ثقافي أو تفتت في المشهد الثقافي والاهتمامات بوجه عام، فلا يوجد قراء كثيرون للسياسة أو الموضوعات المهمة. وعموماً كل ما له علاقة بالسياسة متوقف. الحقبة الثقافية التي تشكل الوعي حالياً خطيرة، فقد انتهى تقريباً عهد المطبوعات والجرائد، والناس يستقون ثقافتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا خطر كبير يغير كل ردود الفعل وحتى نوعية المطروح عبر السينما والفن"، ونفت موريس أن الفيلم السياسي غير مرحب به جماهيرياً، "فيلم (كيرة والجن) يصنف عملاً سياسياً تاريخياً، ومع ذلك نجح بقوة، وكذلك (الممر) و(حرب كرموز)، والفكرة يمكن أن يتم تقديمها بطريقة مميزة وشيقة حتى تجذب الجمهور". مؤكدة أن الفيلم السياسي "يحوي بعض المخاطرة من قبل صناعه، إذ قد يتعرض للرفض من الرقابة أو الجمهور، وقد لا يحظى بإيرادات مضمونة ويثير المشكلات، ولهذا يفضل الصناع وجود توليفة مضمونة من حيث الجماهيرية وتحقيق المردود المادي من دون هامش مجازفة من أي نوع"، وختمت موريس، "الحكمة أن يتم تقديم أعمال سياسية بعد فهم كل الأمور بمرور الزمن، فلا بد أن نتجاوز المرحلة السياسية لنرى المشهد بشكل عادل ومتزن وحقيقي حتى يمكن التعبير عنه فنياً بطريقة حقيقية، بينما الأعمال التي تتم في وقت الحماس السياسي أو الحدث قد لا تعبر عن الصورة بشكل كامل ومحايد".

مظلة الدولة

من جانبه، قال الناقد المصري طارق الشناوي "الأفلام السياسية في الوطن العربي غالباً تتم تحت مظلة الدولة، ولا يخرج فيلم سياسي إلا بعد موافقة الدولة، فمثلاً فيلم (الكرنك) الذي أنتج عام 1976 بعد رحيل عبدالناصر وفي وجود أنور السادات، لولا وجود ضوء أخضر من السادات لفضح مراكز القوى لم يكن ليرى النور أبداً، وهو يصنف فيلماً سياسياً. حتى الأفلام في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك التي صنفت كأفلام سياسية التي واجهت التطرف الديني جاءت تحت مظلة الدولة، وكان هذا توجهاً من السلطة، وهذا ليس معناه أنه جاء تكليف لوحيد حامد وشريف عرفة وكتاب السياسة في هذه المرحلة لفضح شركات توظيف الأفلام والتيار الإسلامي، لكن كانت هناك حماية من الدولة وموافقة على فضح هذه الأمور، وبمعنى أصح، كان توجه الدولة وقتها مناسباً لهذا النوع".

وعن الأفلام السياسية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، قال الشناوي "بعد هزيمة 67 وجد عبدالناصر ومن معه، أنه لا بد من وجود تنفيس بسبب حال الغضب والإحباط الموجودة لدى الناس، فمثلاً كان من المحرمات و(التابوهات) في بداية العهد الناصري أن يتم التطرق بالتقرب أو الطرح أو النقد  للاتحاد الاشتراكي، لكن بعد النكسة في أفلام مثل (ميرامار) و(ثرثرة فوق النيل) سمحت الدولة فيها بأن يتم انتقاد الاتحاد الاشتراكي، وكانت السلطة تريد أن يظهر ذلك، وهنا نتأكد أنه دائماً لا بد أن يكون هناك غطاء سياسي وحماية من الدولة".

وتابع الشناوي، "في عهد مبارك تم تقديم فيلمين هما (جواز بقرار جمهوري) وهذا الفيلم شاهده جمال مبارك في عرض خاص قبل الموافقة على طرحه بدور العرض، وكذلك عرض فيلم (طباخ الرئيس)، وهو فيلم يبرز أيضاً أن الرئيس شخصية جيدة والعيب في الحاشية المحيطة به، وهما عملان عبارة عن تدليل ومحاباة للرئيس وليس العكس، لذلك لا توجد أي بطولة فيهما ولا يصنفان كأعمال سياسية"، وأوضح، "بعد ثورة يناير (كانون الثاني)، تم عرض فيلم (صرخة نملة) وهو فيلم سياسي تم البدء في تحضيره في عهد مبارك، وكان بعنوان (الحقنا يا ريس)، وبعد إطاحة مبارك تم تعديل السيناريو وتم تقديمه على أنه انتقاد للنظام المخلوع". مشيراً إلى أن فيلم "18 يوم" هو فيلم سياسي لم يتم عرضه حتى الآن، وهو يتناول ثورة 25 يناير من خلال أفلام عدة شارك فيها مخرجون كثر مثل كاملة أبو ذكري ويسري نصر الله ومروان حامد وغيرهم، والفيلم ينتقد فترة مبارك وبالطبع تم تنفيذه بموافقة سياسية وقتها".

المزيد من سينما