Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تكنولوجيا الغد القريب تهدد السلام الاجتماعي والجيوسياسي

الإنسانية على وشك الدخول في حقبة جديدة من التقدم العلمي والتقني الذي يشكل تحدياً للمجتمعات

تقول مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي إن الإنسانية على وشك الدخول في حقبة جديدة من التقدم العلمي والتقني (أ ف ب)

عندما انضم شباب مصريون مثل إسلام يكن ومحمد الغندور (وهما من طبقات اجتماعية متوسطة وحظيا بتعليم جيد في مدارس لغات) إلى تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا قبل سنوات، كان الأمر مثيراً للدهشة للمصريين. لكن الشابين لم يكونا حالات فردية، فالعقد الماضي شهد عمليات تجنيد واسعة للتنظيم الإرهابي لشباب من أنحاء العالم مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي في غسل الأدمغة والوصول إلى بقاع الأرض المختلفة، ما دفع كثيراً من أجهزة الأمن والباحثين حول العالم لمراقبة تلك الأدوات التكنولوجية التي كان لها دور محوري في نشر التطرف وجذب التمويلات وتجنيد الآلاف من الشباب والشابات وحتى تنسيق العمليات الإرهابية.

حتى نهاية العقد الماضي، كانت المخاطر القصوى للتكنولوجيا والمنصات التكنولوجية تتركز في تمكين التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" أو عمليات القرصنة، أو هكذا كنا نعتقد عندما لم نلتفت إلى الصورة الأكبر التي تتعلق بالمنافسة الجيوسياسية بين الدول وما يصحبها من منافسة تكنولوجية حامية. فوفقاً لمؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي فإن الإنسانية على وشك الدخول في حقبة جديدة من التقدم العلمي والتقني من الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي إلى الاتصالات الكمومية، إذ يتم اختبار عديد من التقنيات التحويلية في المختبرات واحتضانها في الشركات الناشئة من وادي "سيليكون" في كاليفورنيا بالولايات المتحدة إلى "شينزين" في الصين، وفي السنوات المقبلة، قد تصبح هذه التقنيات في الوقت نفسه مصادر لاضطرابات اجتماعية وجيوسياسية بالقدر نفسه الذي ستكون فيه مفاتيح لمواجهة تغير المناخ، التهديد العالمي الأكثر إلحاحاً في عصرنا.

تضاريس جديدة للمنافسة

ويقول إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "غوغل-ألفابت"، رئيس لجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، إن "عديداً من الأحداث الرئيسة في عام 2022 أظهرت أن منصات تكنولوجيا المستقبل هي التضاريس الجديدة للمنافسة الاستراتيجية، فلم يعد هناك أي شك في شأن التحدي الذي تفرضه الصين وروسيا والأنظمة الاستبدادية الأخرى على سيادة القانون الدولي واحترام السيادة والمبادئ الديمقراطية وحرية الشعوب. نمت هذه التهديدات مع تسخير الصين وروسيا لتقنيات جديدة لمراقبة السكان والتلاعب بالمعلومات والتحكم في تدفق البيانات، إنهم يقدمون مثالاً يحتذى به لكيفية قيام السلطويين بمزيد من التضييق على حرية الفكر والتعبير وتكوين الجمعيات".

تدابير الصين الصارمة لعدم انتشار فيروس "كوفيد-19"  ربما تشكل اختباراً لهذا التحكم، "لكن استخدامها لتقنيات مثل الطائرات من دون طيار لمراقبة الالتزام بالحجر الصحي يمثل حقبة جديدة من القمع الرقمي"، وفق شميدت. ويشير إلى أن "تصاعد التوترات الجيوسياسية تزامن مع التجاوزات المتزايدة للتكنولوجيات التخريبية في جميع جوانب الحياة العامة والخاصة".

 ومن ثم فإن التداعيات في عام 2023 وما بعده واضحة، فمنصات التكنولوجيا في المستقبل ستصبح المجال الجديد للمنافسة بين القوى الكبرى، لذلك فإن للولايات المتحدة وحلفائها مصلحة أساسية في ضمان تصميم هذه التقنيات وبنائها وإدارتها وحكمها من قبل الديمقراطيات.
يمكن أن يكون للاختلافات الأيديولوجية بين القوى العظمى الثلاث عواقب جيوسياسية أوسع لإدارة الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السنوات المقبلة. فوفقاً لبنجامين سيدريك لارسين، رئيس مشروع الذكاء الاصطناعي لدى المنتدى الاقتصادي العالمي، "أصبح التحكم في الموارد الاستراتيجية مثل البيانات والبرمجيات والأجهزة أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى صانعي القرار في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، مما أدى إلى اتباع نهج يشبه المذهب التجاري الجديد في إدارة الفضاء الرقمي".

وتظهر أفكار المذهب التجاري الجديد بشكل أكثر وضوحاً في الطرق التي تقلص بها التجارة في أشباه الموصلات، ولكنها تظهر أيضاً في المناقشات حول عمليات نقل البيانات الدولية والموارد المرتبطة بالحوسبة السحابية واستخدام البرامج مفتوحة المصدر، وما إلى ذلك، ويبدو أن هذه التطورات تزيد من التشتت وانعدام الثقة والمنافسة الجيوسياسية، كما رأينا في حالة تقنيات الاتصال مثل شبكة الجيل الخامس "G5"، إذ استبعدت الولايات المتحدة وكندا وإنجلترا وأستراليا وعديد من الدول الأوروبية مزودي خدمة الجيل الخامس الصينيين، مثل "هواوي" و"زد تي إي"، بسبب انعدام الثقة المتزايد بشأن أمن البيانات والخوف من مراقبة المواطنين من قبل الحكومة المركزية في الصين.

الأخطار الجيوسياسية

وفق بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 3.5 مليار شخص من أصل 7.7 مليار كانوا متصلين بالإنترنت في عام 2019، وبحلول أبريل (نيسان) 2022، أصبح خمسة مليارات شخص يستخدمون الإنترنت من سكان العالم الـ ثمانية مليارات تقريباً، وتصاعد عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ليصل إلى 4.65 مليار. ونتيجةً لذلك يقول مراقبون إن الأخطار الجيوسياسية تتزايد وتشمل قضايا مثل زيادة أخطار التجسس الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأن الناس لا يزالون يثقون في المعلومات عبر الإنترنت، بالتالي تبقى إمكانية التدخل في نتائج الانتخابات عبر التأثير في اختيارات الناخبين بمضامين ومعلومات معينة، وقبل أسابيع نشر الملياردير الأميركي إيلون ماسك ما وصف بملفات "تويتر"، زاعماً تدخل الإدارة السابقة للمنصة في الانتخابات الرئاسية في البرازيل عبر ترويج منشورات متحيزة لمرشح اليسار لولا دا سيلفا، كما تزعم الولايات المتحدة تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترمب بطريقة مشابهة.

وتشير بريانيكا غوودوال، من شركة الاستشارات التكنولوجية "سي فور أي"، إلى أن زيادة احتمالية قدرة قادة العالم والأطراف الثالثة على التلاعب بالشؤون الداخلية للدول ذات السيادة تشكل أحد مصادر تهديدات التقنيات الحديثة، وتضيف أن "الأخطار تتزايد باطراد، أحد الأسباب هو أن المستخدمين لا يتصرفون بحكمة في كيفية تفاعلهم مع الإنترنت وعبر وسائل التواصل الاجتماعي".

كما أن الآثار الجيوسياسية والاجتماعية حقيقية، وفق مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في واشنطن، ففي مايو (أيار) 2022، استهدف متسللون نظام الرعاية الصحية في غرينلاند، ما تسبب في تعطل الشبكات في جميع أنحاء الجزيرة، وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استهدف قراصنة وزارة المالية الكوستاريكية في هجوم إلكتروني، ما أدى إلى شل أنظمة جمع الضرائب والتصدير، هذان الهجومان ما هما إلا جزء ضئيل من عشرات الهجمات على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الحكومية والمستشفيات ومحطات الطاقة والمطارات وغيرها في دول عدة وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خطر الذكاء الاصطناعي

لكن ثمة مزيد مما ما يقلق شميدت وزملاءه، بالطبع ليس الروبوت القاتل، مثلما أوضح في حديثه لـمنتدى القيادة ""تايم 100" في سنغافورة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والروبوت القاتل هو مسيرة تصوب على ​​هدف بشري دون أن تتلقى تعليمات بذلك، وهو واحد من أنظمة الأسلحة التي  طورت باستخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي ولا تتطلب تدخلاً بشرياً، لكن على رغم خطورة ذلك السلاح الفتاك ذاتي التشغيل، فإن ما يشغل بال مؤسس "غوغل" هو إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في بناء أشياء في العالم الحقيقي، وقال "أعتقد أن خوارزميات ستظهر على مدى السنوات الخمس المقبلة أو نحو ذلك، ربما تسمح لك بتجميع فيروسات سيئة للغاية معاً".

وكشفت جائحة "كوفيد -19" عن الأثر الاجتماعي والاقتصادي للأزمة الصحية العالمية، وحذر شميدت من أن وجود قدرات الذكاء الاصطناعي في الأيدي الخطأ يمكن أن تؤدي إلى شيء أسوأ بكثير، كما نبه من إحلال الذكاء الاصطناعي بدلاً من القيادة البشرية في عملية صنع القرار في سيناريوهات الصراع، وقال إن "المشكلة في الحرب الإلكترونية هي أنه من الممكن أن يخطئ الذكاء الاصطناعي". وأضاف أنه "للسبب نفسه، فإن استخدام الأنظمة الآلية في الحرب على الأرض يمكن أن يكون كارثياً على حياة البشر".

عندما يتعلق الأمر بالمعلومات المضللة والمحتوى الضار، قال الرئيس التنفيذي السابق لشركة "غوغل" إنه "من الأهمية أن تعمل شركات وسائل التواصل الاجتماعي والحكومات معاً"، مبدياً في الوقت نفسه شكوكاً حول مدى فعالية التنظيم وحده، وأشار إلى أن المشكلة تكمن في أن المنظمين لديهم أداة واحدة فقط، وهي أداة غير مناسبة للتعامل مع شركات التكنولوجيا "المعقدة"، وهو ما يؤدي إلى "عدم توافق" بين نوايا المشرعين وما يمكن للشركات أن تحققه بالفعل، ومن ناحية أخرى، لا ينبغي ترك شركات التكنولوجيا بالكامل لأجهزتها الخاصة، "مشكلة التنظيم الذاتي في نهاية المطاف أنه مدفوع بالإيرادات، لذا ستجري المقايضة الخاطئة".

توحيد جهود الديمقراطيات

يضع المراقبون وصفة مهمة لدحر تلك المخاطر، فيشير "المجلس الأطلنطي"، في تقرير بعنوان "تقرير لجنة التأثيرات الجيوسياسية للتكنولوجيا الحديثة والبيانات"، صدر العام الماضي، إلى حاجة الولايات المتحدة وحلفائها للاستمرار في التفوق في المجالات الرئيسة للحفاظ على الأمن القومي والاقتصادي والقدرة التنافسية في الاقتصاد العالمي، ويجب أن يحققوا أداءً موثوقاً ومضموناً للاقتصاد الرقمي وبنيته التحتية، وقدمت لجنة "جيو تيك" توصيات في سبعة مجالات يجب أن تنجح الولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل في تصدرها، من بينها الريادة العالمية في مجال العلوم والتكنولوجيا وتأمين البيانات والاتصالات وتعزيز الثقة في الاقتصاد الرقمي.

وفي مقال لشميدت، نشره موقع "بروجيكت سينديكيت"، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يتساءل عن شكل مستقبل تتحكم فيه الدول الاستبدادية بالتقنيات والشركات التي تشرف على الوصول إلى الشبكة، وتحمي الشبكات من التهديدات الإلكترونية وتبني البنية التحتية الرقمية الرئيسة وتحدد الرسائل التي يجب مراقبتها وتدير تدفقات البيانات الحساسة، ويقول "إنه سيكون عالماً من الإكراه السياسي المنهجي وانتهاكات الخصوصية الفردية، حيث يتم القضاء على الحماية الأساسية لحرية التعبير".

ويدعو الدول الديمقراطية إلى "ضرورة التعامل بجدية مع نجاح الصين في تصدير حلول الشبكات المتكاملة التي تجمع الأجهزة والبرامج والخدمات للعملاء في جميع أنحاء العالم، ما يعمل على توسيع دائرة نفوذ الحكومة الصينية ويمنحها ميزة على الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى، ليس فقط في سباق التكنولوجيا، ولكن أيضاً في المنافسة الجيوسياسية الأوسع"، وفق وصفه، فالصعود الصاروخي لتطبيق "تيك توك" والمخاوف المتعلقة بالأمن القومي التي تنطوي عليه، مثال على ذلك.

من ناحية ثانية، يشير شميدت إلى "حاجة الولايات المتحدة وحلفائها إلى تنسيق استثماراتهم في التقنيات التي ستقود الموجة التالية من التنمية الاقتصادية، فالتصنيع الحيوي وتقنيات التصنيع المتقدمة الأخرى تعد مجالات مثيرة، حيث الأكثر تنافسية يمكنهم تحقيق الريادة، وبالمثل، فإن الاختراقات الممكنة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تمثل مساراً جديداً تماماً للتكنولوجيا النظيفة، مع تداعيات استراتيجية ضخمة".

اقرأ المزيد

المزيد من علوم