بات بنيامين نتنياهو مرة أخرى رئيس وزراء إسرائيل، وربما تكون الحكومة الإسرائيلية التي أدت اليمين الدستورية في بداية هذا العام الأكثر تطرفاً على الإطلاق.
ألِف الفلسطينيون سياسات نتنياهو اليمينية المتطرفة، بيد أن شركاءه في الائتلاف ووزراءه هذه المرة وصلوا إلى حيث هم اليوم بفضل عدائهم الشديد للفلسطينيين، الذي تجلى في خطابهم ومقترحاتهم السياسية، فضلاً عن وعدهم الناخبين الإسرائيليين بأنه لن يكون هناك اتفاق سياسي معنا [نحن] الفلسطينيون يحترم حقوقنا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت السنة الماضية هنا في جنين صعبة بما فيه الكفاية حتى في ظل الحكومة الإسرائيلية السابقة. فالعنف الغاشم من جهة وظروف معيشية قاسية إلى حد بعيد من جهة أخرى، ليصبح المستقبل أمراً لا يمكن للأطفال تخيل أنفسهم فيه، فهم ليس أمامهم سوى الموت على أيدي الجيش الإسرائيلي.
بعد غزو عام 2002، تأججت مشاعر الكرامة الوطنية وبغض إسرائيل بقوة في مخيم جنين، لطالما بقي سكانه في موقع المواجهة الدائمة مع إسرائيل. وقد تنامت هذه الروح، وكذلك القمع الإسرائيلي الذي استهدفها، بعشرة أضعاف بعد هرب [بعض الأسرى] من سجن جلبوع في عام 2021.
أنا أعيش في منطقة تقع في ضواحي جنين، ويتوجب علي دائماً التحقق مما إذا كان هناك جنود في الخارج، وما إذا كان من الممكن بالنسبة إلى أولادي الذهاب إلى المدرسة، وحتى إنني أترقب إن كان الجو هادئاً بشكل كاف للتنقل داخل منزلي. فلقد أصيب والدي برصاص جندي إسرائيلي أثناء وقوفه في مطبخ بيته خلال الانتفاضة الثانية.
إن غياب الأمل وعدم وجود أفق مستقبلي للشباب هنا، إضافة إلى البطالة وتأثير عمليات القتل والمداهمات المتكررة، خلقت كلها نوعاً من الغضب المتراكم الذي يتم التعبير عنه من خلال المقاومة. والآن، علينا نحن الفلسطينيون، أن نتعامل مع [التداعيات التي ينطوي عليها] تعيين وزراء مثيرين للجدل مثل أيتمار بن غفير وبتسلئيل شموتريش وآخرين.
ومع ذلك، بينما يمثل بن غفير وأمثاله قوة القومية الدينية اليمينية المتطرفة، فإن تشكيل حكومة من هذا النوع يرقى إلى مستوى الأزمة من حيث العلاقات الخارجية و"العلاقات العامة" لإسرائيل، كما أنه يتناقض بشكل مباشر مع صورة "الديمقراطية" التي كانت ترسمها [إسرائيل] لنفسها منذ 75 عاماً تقريباً.
ومن المحتمل أن يفضي هذا إلى تقويض الحكومة الجديدة، وجعلها عرضة بشكل أكبر إلى المساءلة من خلال الآليات القانونية الدولية. ومن الصعب محاسبة ما يسمى بحكومة وسطية تكون أكثر "استراتيجية" أو أشد ذكاء من الناحية السياسية، لأن تنفيذ ممارسات إسرائيل نفسها يجري [في ظل إدارة من هذا النوع] بشكل أكثر سرية [وعلى نحو يموهه] ادعاء الاهتمام بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
وهكذا، في حين نجحت الحكومات الإسرائيلية السابقة في تلقي المساعدة العسكرية الأميركية والدعم الأوروبي، لا بل وأيضاً في إبرام صفقات مع دول عربية حتى في الوقت الذي أدى فيه ذلك إلى إطالة أمد النزاع والفصل العنصري، فإن هذه الحكومة الجديدة قد تواجه عقبات. على سبيل المثال، يجري توصيف الاستفزازات التي يشهدها حرم المسجد الأقصى بإسهاب في أنحاء العالم، باعتبار أن المسجد لا يحظى بأهمية دينية فحسب، بل هو أيضاً رمز تاريخي لكثير من العرب.
ويأتي هذا مع استمرار الاعتقالات والتوسع الاستيطاني والتهديد للهوية الفلسطينية، الأمر الذي يضع المقدسيين على الخط الأول للمواجهة مع هذه الحكومة.
ويسري هذا الحال على أي مكان يحاول فيه المستوطنون الاستيلاء على مزيد من الأراضي برعاية رسمية، كما في منطقة الخليل أو نابلس، على سبيل المثال. وتخضع أية منطقة من هذا النوع بشكل اعتيادي إلى عقوبات جماعية وعمليات قتل ومداهمات وقمع.
ورغم تطرف هذه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإنني للأسف لا أتوقع شيئاً من حكومات العالم، التي شاهدت شيرين أبو عاقلة وهي تقتل أمام الكاميرات من دون أن تحرك ساكناً.
غير أنني آمل بأن تدرك منظمات المجتمع المدني والشعوب الحرة في العالم أن الفلسطينيين بشر، ولا يستخف بأي منهم، وأن تتصرف على النحو الذي يقتضيه هذا الإدراك. آمل أن يفهموا أيضاً أن فلسطين دولة مظلومة، وأن لها الحق في أن تنال حريتها.
*مصطفى شتا هو المدير العام لمسرح الحرية في جنين.
© The Independent