Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مناصرو بولسونارو خربوا إرث برازيليا الفني والحضاري

أضرار جسيمة لحقت بلوحات وتماثيل وساعة تاريخية تبرعت بها المحكمة الفرنسية إلى الملك جواو السادس

 لوحة مثقوبة في القصر الرئاسي لإميليانو دي كافالكانتي  (أ ف ب)

في مطلع عام 2021، اقتحم عدد كبير من أنصار الرئيس دونالد ترمب، الحواجز التي وضعتها الشرطة الأميركية حول مبنى الكونغرس، وتمكن مئات منهم دخول الساحة الرئيسة للمبنى، رافضين نتائج انتخابات نوفمبر الرئاسية 2020 التي فاز فيها الرئيس جو بايدن. 

وتخطى مناصرو ترمب الحواجز ورفعوا أعلاماً داخل الكابيتول، بعد نحو ساعة من دعوة ترمب أنصاره إلى "عدم الاستسلام ورفض الاعتراف بالهزيمة". وقال "سأسير معكم وسنذهب معاً إلى الكونغرس لتحية السيدات والسادة هناك... نحن نطلب منهم أن يفعلوا الشيء الصحيح، أي أن يصوتوا فقط على الأصوات القانونية، أعرف أنكم ستسيرون سلمياً وبروح المواطنة لتسمعوا صوتكم".
 
 
ووصل أنصار ترمب إلى الكونغرس، في وقت اعترض فيه نواب جمهوريون على إقرار الكونغرس بفوز بايدن على ترمب بولاية أريزونا في انتخابات الرئاسة. لكن الرحلة صوب الكابيتول، لم تكن سلمية، إذ حطم الغاضبون كل ما وقعت أعينهم عليه داخل المبنى، من زجاج ومكاتب وأعمال فنية ومفروشات. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تخطاه إلى وضع قنبلة يدوية خارج المبنى، مما أسفر عن حملة اعتقالات كبيرة ومحاكمات لاحقاً.
برازيليا
بداية عام 2023 لم تختلف في البرازيل، إذ "تقمص" مناصرو الرئيس البرازيلي السابق اليميني المتطرف جايير بولسونارو، ما فعله الترمبيون في الكونغرس، بعد أسبوع على تنصيب لولا رئيساً للبلاد، فاقتحموا مقار الكونغرس والمحكمة العليا وقصر بلانالتو الرئاسي في برازيليا.
 
 
ويرفض أنصار بولسونارو الاعتراف بانتخاب الرئيس اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي نصب في الأول من يناير (كانون الثاني) الحالي. وكتب لولا على "تويتر" أن "الديموقراطية البرازيلية ثابتة"، معتبراً ما حدث في العاصمة "أعمالاً إرهابية". وكتب في رسالة أخرى "سنخرج البلاد من الكراهية والانقسامات".

أضرار جسيمة

المحزن في الأمر أن "غزوة برازيليا" تسببت بأضرار معنوية وفنية كبيرة في المباني الثلاثة، فالمقتحمون خربوا أعمالاً فنية ذات قيمة فنية كبيرة، وحطموا تماثيل تاريخية، واستعملوا بعض المكاتب القيمة كمتاريس، في حين أتلفوا لوحات فنية، إضافة إلى الأضرار التي أصابت المباني نفسها، التي صممها المهندس المعماري الشهير أوسكار نيماير.

بعد هذه الأحداث كتب كثيراً عن القصر الرئاسي الذي يعتبر تحفة معمارية، والإهمال الذي لحقه والمعروضات فيه، طوال فترة حكم ترمب البرازيل بولسونارو. وتفيد تقارير بأن الإهمال أصاب كل شيء في المبنى من سجاد وآرائك ممزقة وسقوف مسربة للمياه ونوافذ مكسورة.

 

 
وخلال جولة تفقدية للقصر، قال لولا "ما فعله هؤلاء المخربون، هؤلاء الفاشيون المتعصبون... لم يسبق له مثيل في تاريخ بلادنا. أولئك الذين مولوا هذه الاحتجاجات سيدفعون ثمن هذه الأعمال غير المسؤولة وغير الديمقراطية".
في المقابل تورد صحيفة "الغارديان" في تقرير لها، أن تقريراً صادراً عن محطة الإذاعة البرازيلية "غلوب نيوز" اتهم الرئيس البرازيلي السابق الذي خسر الانتخابات الرئاسية، بأن سياسته خلال السنوات الأربع التي قضاها في السلطة، لم تدمر فقط غابات الأمازون المطيرة، بل إنها امتدت إلى المقر الرئاسي الرسمي، وهو تحفة فنية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي.

قصر متهالك

وبحسب "الغارديان"، فإن الصحافية البرازيلية ناتوزا نيري أجرت جولة في "قصر الفجر" مع سيدة البرازيل الأولى الجديدة روزانجيلا لولا دا سيلفا، مشيرة إلى أنهما لم يرق لهما ما شاهداه.

وقالت نيري إنها رأت سجاداً وآرائك ممزقة وسقوفاً مسربة للمياه، ونوافذ مكسورة وألواحاً أرضية من قماش الجاكاراندا، وأعمالاً فنية أفسدتها أشعة الشمس، مشيرة إلى أن صور القصر المتداعي تشبه صور أماكن إقامة الطلاب المهملة، وليس مبنى صممه أحد أشهر المهندسين المعماريين المعاصرين في العالم.
 
 
وتوضح الصحيفة إن لوحة من تصميم إميليانو دي كافالكانتي، أحد أشهر فناني القرن الـ20 في البرازيل، تضررت بعد نقلها من المكتبة وتعليقها في الشمس، فيما قالت السيدة الأولى "لسوء الحظ، يجب إعادة ترميمها". وقالت نيري إن عديداً من الأعمال الفنية اختفت تماماً من القصر، الذي اكتمل بناؤه عام 1958، قبل عامين من افتتاح العاصمة البرازيلية المخصصة لهذا الغرض من قبل الرئيس آنذاك غوسيلينو كوبيتشيك.

حالة إحباط

وقالت السيدة الأولى، التي تشتهر باسم "جانجا"، إنها شعرت "بخيبة أمل إلى حد ما" وأحبطت بسبب الحالة المتدهورة لمسكنها الجديد، مشيرة إلى أن نبتة صبار برازيلية زرعها زوجها الرئيس الحالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا خلال فترة رئاسته للفترة 2003-2010 قد أزيلت.

أبرز الأعمال المخربة

من جهة ثانية حطم مثيرو الشغب النوافذ والخزائن الزجاجية وخربوا عدداً من الغرف المهمة.  كما ثقبت لوحة "مولاتاس"، للحداثي البرازيلي الشهير إميليانو دي كافالكانتي مرات عدة، وفقاً لتقرير صادر عن صحيفة O Globo البرازيلية.

كما دمر تمثال لبرونو خورخي بالكامل، بينما تضرر تمثال آخر للفنان البولندي البرازيلي فرانس كرايكبير. كما سجل تمثال نصفي لرجل الدولة روي باربوسا على أنه متضرر، وتركيب من الزجاج الملون للفنانة الفرنسية البرازيلية ماريان بيريتي، وتمثال معروف يقع خارج المحكمة العليا. 
 
 
ويبدو أن ساعة تبرعت بها المحكمة الفرنسية إلى جواو السادس (1767-1826)، ملك البرتغال والبرازيل قد دمرت، وهي واحدة من ساعتين فقط معروفتين بوجودهما.
وكانت المباني الفيديرالية التي نهبت، من مواقع التراث العالمي لـ"يونيسكو"، وصممها المهندس المعماري الحداثي الرائد في منتصف القرن الماضي أوسكار نيماير والمخطط الحضري لوسيو كوستا. كما دمر مكتب الرئيس السابق جوسيلينو كوبيتشيك (1902-1976) وهو قطعة ذات أهمية تاريخية، بعد استخدامه كمتراس. 
اليونيسكو
في المقابل، حضرت وزيرة الثقافة البرازيلية مارغريت مينيزيس إلى برازيليا للقاء متخصصين من المعهد الوطني للتراث التاريخي والفني (IPHAN) لتقييم مدى الضرر.  وفي تغريدة لها، أوضحت أيضاً أن اليونيسكو عرضت المساهمة في جهود الترميم. 
وكتبت "لوحة إميليانو دي كافالكانتي دمرت بطعنات تكشف عن جهل وعنف هذه الأعمال البغيضة، برازيليا هي تراث تاريخي مادي وغير مادي للبرازيل وسنعمل معاً لإعادة بناء كل ما تم انتهاكه".  

المباني 

أما بالنسبة إلى المباني نفسها، فالمتظاهرون أشعلوا الحرائق داخل الكونغرس الوطني، وهو أحد مواقع التراث العالمي لليونيسكو التي افتتحت عام 1960، عندما انتقلت الحكومة الوطنية البرازيلية إلى العاصمة المنشأة حديثاً من ريو دي جانيرو. ولا يزال الخبراء في الحكومة يقيمون الأضرار التي لحقت بهياكل نيماير والأعمال الفنية الموجودة داخلها. ومن المعروف أن المعماري أوسكار نيماير الذي صمم المباني الثلاثة التي اقتحمها المتظاهرون الغاضبون، أراد منح هوية جديدة لبرازيليا، وتميز مبانيها عن بقية المدن، ولذلك ينظرإلى هذا الإرث المعماري القيم بأنه جزء من تاريخ البرازيل الحديث.

 

 

قصر بلانالتو الرئاسي أو "قصر الفجر"، هو اسم المقر الرسمي لرئيس البرازيل. يوجد المقر في مدينة برازيليا العاصمة الفيديرالية للبرازيل صممه المعماري  نيماير، وافتتح في الـ21 من أبريل (نيسان) 1960، وكان الرئيس جوسيلينو كوبيتشيك أول من قام بتدشينه.

أوسكار نيماير

يعتبر الراحل أوسكار نيماير، واحداً من أهم الأسماء العالمية في مجال المعمار الحديث. وقد كان رائداً في مجال استكشاف إمكانيات البناء بالخرسانة المسلحة، وهو حائز على جائزة بريتزكر  (Pritzker Prize)‏ عام 1988.

 

 
يتجلى صنيع اوسكار نيماير المعماري الفريد، تجلياً واضحاً، في تصاميمه التى أعدها للعاصمة البرازيلية الجديدة برازيـليا، في وسط البلاد. إذ دعي عام 1956 من قبل صديقه القديم، رئيس الجمهورية آنذاك جوسيلينو كوبيتشيك  ليكون مشرفاً عاماً على بناء العاصمة الجديدة التي خططها زميله لوتشيا كوستا، ويكون أيضاً مسؤولاً عن إعداد تصاميم أكثرية المباني العامة في المدينة الجديدة.
أوجد أوسكار نيماير في غضون فترة زمنية قصيرة مجموعة من التصاميم، اعتبرت ولا تزال، من كنوز العمارة العالمية الحديثة، كقصر الفجر، وقصر رئاسة الجمهورية، ومبنى الكونغرس الوطني، ومبنى المحكمة الاتحادية العليا، ومبنى الكاثدرائية، وعشرات المشاريع التصميمية التي حظي بها موقع العاصمة الجديد.

المزيد من ثقافة